أين هي الثورة؟
أحمد قطشه - أورينت نت
منذ فترة ليست بالقصيرة تبدل وجه الثورة السورية على مستوى الاعلام الغربي تماماً. فباتت الثورة أمران: حرب أهلية وصراع مع القاعدة وفروعها. يتفق الجزء الثاني مع رواية النظام للأحداث، ويلاقي ذلك بالطبع الكثير من الآذان الصاغية غربياً وحتى عربياً للأسف.
لكن المتابع الدقيق للثورة ولمجريات الحياة اليومية في الداخل السوري يعرف أن هذا غير صحيح على الاطلاق. بتعريفها الأكبر والأبسط تعني الثورة التغيير، والسوريون اليوم لايشبهون بأي حال السوريين قبل آذار ٢٠١١. لكن لماذا لايظهر هذا في الاعلام؟ قد تتعدد الأسباب لكن سننظر للأسباب الداخلية هنا فقط.
مع بدء الثورة ولعدم السماح بالتغطية الالعلامية الاحترافية تحول الكثير من النشطاء لمراسلي شبكات عربية وعالمية، بعضهم أو كثير منهم اتبع عدة دورات اعلامية نظمت في الخارج أوفي الداخل، لكن ذلك وبكل صراحة لم ينعكس ايجاباً على التغطية الاعلامية للثورة. فارتهنت التغطيات الاعلامية بالأوضاع الميدانية، وأين تقدم النظام وأين تراجع، وماهي المجزرة التي ارتكبها اليوم وكم شهيداً سقط، باختصار كانت تغطية للمعارك أكثر منها تغطية للبشر والناس ونقل صور ثورتهم ونضالهم وصبرهم.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فحتى بعض أكبر صفحات الثورة السورية ماتزال تعمل بمبدأ جمع الاعجابات وقياس كم مرة تم مشاركة صورها، وغرقت الصفحات الأصغر بالمناطقية، فمن يتابع الصفحات الحلبية مثلاً يندر أن يرى شيئاً عن درعا أو ريف دمشق، وكذلك العكس، إلا في حال حدوث مجزرة.
ونفس الأمر ينطبق على من يسمون بالناشطين، فترى كثيراً منهم يكررون أنفسهم بصورة مخزية أحياناً وكثيرون لايتقبلون النقاش في أي مسلمة يطرحونها، بل ويحدث أن تجد من يدافع عنهم بعناد، مع أن أحدهم قد يكون مقيماً خارج سوريا ولم يدخلها منذ زمن، لكنه يدعي أنه يعرف الشباب على الأرض، ودائماً لديه أخبار مفرحة سيتركها للشباب ليعلنوا عنها حينما يصبح الوقت مناسباً! الأمر الذي لم يحدث.
جزء آخر من المشكلة، هم أؤلئك الصحفيون الاحترافيون الذين يعملون في القنوات الاعلامية الكبيرة العربية والغربية، فعدا قلة منهم تحرص على طرق جوانب انسانية في الثورة السورية، فإن البقية لايفعلون ذلك على الاطلاق، فهم دائماً، حتى على صفحاتهم الشخصية، وراء الاحداث معلقون عليها، بدلا من عرض المخفي والمشرق من الثورة.
لأعطي فكرة عما أتحدث، لي صديق عزيز من مكان ما في ريف دمشق المحاصر، أرسلت له قبل أيام أسأله عن حاله، فقال لي كلاماً لم أتوقعه، قال لي: أن معنوياتهم عالية جداً أكثر مما هم يتخيلون وأن هذه هبة من الله لهم، ثم قال بتنا نعتمد على أنفسنا تماماً في توفير مستلزمات العيش، فحدثني عن استخراج الغاز من روث الأبقار، وحدثني عن الخَبز في المنازل، وعن الطاقة الشمسية، والهيدروجين من الماء وطاقة الرياح.
نعم حدثني عن كل هذا والحديث عن مستوى وجهد فردي فقط. وأزعم أن هناك الكثير من هذه القصص في كل المدن السورية. من الصعب أن أصدق عدم وجود مدرسة تقاوم ألا تغلق أبوابها أو مخبز يحاول أن يؤمن الخبز، أو مستشفى أو صيدلية لم تبتكر طريقة ما للحفاظ على الأدوية الزائدة وغير ذلك، والأصعب عدم تصديق وجود مجموعات من الشباب والشابات، الذين تحول عملهم للمساعدة والاغاثة وايجاد الحلول سواء في المناطق المحررة أو المحاصرة.
هذه القصص هي وجه الثورة الحقيقي وهي ما يجب العمل على ابرازه واخراجه للعالم أجمع. هذه مسؤولية الاعلاميين في الداخل وفي الخارج بالدرجة الرئيسية، مسؤولية أولئك الذين يدعون أنهم على تواصل مع من في الداخل، هذا الوجه الانساني للثورة هو ماتفتقده اعلامياً وهو مايستدعي التعاطف والاعجاب غربياً. بل أزعم أنه هو ماسيسحب البساط ويفكك رواية النظام وداعميه عن الارهاب ومحاربته، هذا ماسيثبت للعالم أن هذه الثورة تغيير حقيقي أكثر بكثير من حرب أهلية يقتل فيها السوريون بعضهم البعض على أساس المذهب والعرق.
13/10/2013
أحمد قطشه - أورينت نت
منذ فترة ليست بالقصيرة تبدل وجه الثورة السورية على مستوى الاعلام الغربي تماماً. فباتت الثورة أمران: حرب أهلية وصراع مع القاعدة وفروعها. يتفق الجزء الثاني مع رواية النظام للأحداث، ويلاقي ذلك بالطبع الكثير من الآذان الصاغية غربياً وحتى عربياً للأسف.
لكن المتابع الدقيق للثورة ولمجريات الحياة اليومية في الداخل السوري يعرف أن هذا غير صحيح على الاطلاق. بتعريفها الأكبر والأبسط تعني الثورة التغيير، والسوريون اليوم لايشبهون بأي حال السوريين قبل آذار ٢٠١١. لكن لماذا لايظهر هذا في الاعلام؟ قد تتعدد الأسباب لكن سننظر للأسباب الداخلية هنا فقط.
مع بدء الثورة ولعدم السماح بالتغطية الالعلامية الاحترافية تحول الكثير من النشطاء لمراسلي شبكات عربية وعالمية، بعضهم أو كثير منهم اتبع عدة دورات اعلامية نظمت في الخارج أوفي الداخل، لكن ذلك وبكل صراحة لم ينعكس ايجاباً على التغطية الاعلامية للثورة. فارتهنت التغطيات الاعلامية بالأوضاع الميدانية، وأين تقدم النظام وأين تراجع، وماهي المجزرة التي ارتكبها اليوم وكم شهيداً سقط، باختصار كانت تغطية للمعارك أكثر منها تغطية للبشر والناس ونقل صور ثورتهم ونضالهم وصبرهم.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فحتى بعض أكبر صفحات الثورة السورية ماتزال تعمل بمبدأ جمع الاعجابات وقياس كم مرة تم مشاركة صورها، وغرقت الصفحات الأصغر بالمناطقية، فمن يتابع الصفحات الحلبية مثلاً يندر أن يرى شيئاً عن درعا أو ريف دمشق، وكذلك العكس، إلا في حال حدوث مجزرة.
ونفس الأمر ينطبق على من يسمون بالناشطين، فترى كثيراً منهم يكررون أنفسهم بصورة مخزية أحياناً وكثيرون لايتقبلون النقاش في أي مسلمة يطرحونها، بل ويحدث أن تجد من يدافع عنهم بعناد، مع أن أحدهم قد يكون مقيماً خارج سوريا ولم يدخلها منذ زمن، لكنه يدعي أنه يعرف الشباب على الأرض، ودائماً لديه أخبار مفرحة سيتركها للشباب ليعلنوا عنها حينما يصبح الوقت مناسباً! الأمر الذي لم يحدث.
جزء آخر من المشكلة، هم أؤلئك الصحفيون الاحترافيون الذين يعملون في القنوات الاعلامية الكبيرة العربية والغربية، فعدا قلة منهم تحرص على طرق جوانب انسانية في الثورة السورية، فإن البقية لايفعلون ذلك على الاطلاق، فهم دائماً، حتى على صفحاتهم الشخصية، وراء الاحداث معلقون عليها، بدلا من عرض المخفي والمشرق من الثورة.
لأعطي فكرة عما أتحدث، لي صديق عزيز من مكان ما في ريف دمشق المحاصر، أرسلت له قبل أيام أسأله عن حاله، فقال لي كلاماً لم أتوقعه، قال لي: أن معنوياتهم عالية جداً أكثر مما هم يتخيلون وأن هذه هبة من الله لهم، ثم قال بتنا نعتمد على أنفسنا تماماً في توفير مستلزمات العيش، فحدثني عن استخراج الغاز من روث الأبقار، وحدثني عن الخَبز في المنازل، وعن الطاقة الشمسية، والهيدروجين من الماء وطاقة الرياح.
نعم حدثني عن كل هذا والحديث عن مستوى وجهد فردي فقط. وأزعم أن هناك الكثير من هذه القصص في كل المدن السورية. من الصعب أن أصدق عدم وجود مدرسة تقاوم ألا تغلق أبوابها أو مخبز يحاول أن يؤمن الخبز، أو مستشفى أو صيدلية لم تبتكر طريقة ما للحفاظ على الأدوية الزائدة وغير ذلك، والأصعب عدم تصديق وجود مجموعات من الشباب والشابات، الذين تحول عملهم للمساعدة والاغاثة وايجاد الحلول سواء في المناطق المحررة أو المحاصرة.
هذه القصص هي وجه الثورة الحقيقي وهي ما يجب العمل على ابرازه واخراجه للعالم أجمع. هذه مسؤولية الاعلاميين في الداخل وفي الخارج بالدرجة الرئيسية، مسؤولية أولئك الذين يدعون أنهم على تواصل مع من في الداخل، هذا الوجه الانساني للثورة هو ماتفتقده اعلامياً وهو مايستدعي التعاطف والاعجاب غربياً. بل أزعم أنه هو ماسيسحب البساط ويفكك رواية النظام وداعميه عن الارهاب ومحاربته، هذا ماسيثبت للعالم أن هذه الثورة تغيير حقيقي أكثر بكثير من حرب أهلية يقتل فيها السوريون بعضهم البعض على أساس المذهب والعرق.
13/10/2013