1 - هل كان الغرب يخدعنا بمقولة " الطيران لا يحتل أرضا ؟ " :
بقلم : أبو ياسر السوري
كل من أدى الخدمة الإلزامية في الجيش ، أو ما يسمى بخدمة العلم ، لا بد أنه سمع بمقولة " الطيران لا يحتل أرضا " ... كانت هذه المقولة تمثل الفكرة العسكرية السائدة في القرن العشرين ، فكل العسكريين كان يومها مقتنعا بأن " الطيران لا يحتل أرضا " وأن القوة الحقيقية هي السلاح البري ممثلا بـ : الدبابات ، والمصفحات ، والبتيئرات ، ومدفعية الميدان الثقيلة ، ومدافع الهاون ، والصواريخ والراجمات الصاروخية ... وتبعا لهذا النمط من التفكير العسكري ، كان التدريب مقصورا على هذه الأسلحة ، وما يتبعها من أسلحة متوسطة وخفيفة ، كالرشاشات والميم / ط – والميم / د والبنادق النصف آلية ، التي ترمي رشا ودراكا .. والقنابل اليدوية الهجومية والدفاعية والدخانية .. وكانت العناية مركزة على زرع الألغام المضادة للمجنزرات والسيارات ، أو الألغام المضادة للأفراد ... والتدريب على اقتحام خنادق الدفاع المعادية : الأول والثاني والثالث ... وباختصار ، كان الجهد كله منصبا على سير العمليات في الحروب البرية ..
فلما كانت حرب تشرين سنة 1973 ولا يطاوعني لساني أن أقول " حرب تشرين التحريرية " لأنها لم تحرر شيئا ، وإنما زادت الطين بلة ، وكانت هزيمة لنا بكل المعايير .. ولست الآن معنيا بتقييم تلك الحرب التعيسة ، وإنما أريد التدليل بما حدث فيها ، على فعالية سلاح الطيران ، وأثره في كسب المعارك .
لقد اتضح لنا في حرب 1973 أن الطيران الذي لا يحتل أرضا ، قد قلب موازين القوى ، وحوَّلَ سير المعركة لصالح إسرائيل .. لقد اشتركنا نحن ومصر بالهجوم على إسرائيل في لحظة واحدة ، وكنا نحن المهاجمين ، وكان عنصر المفاجأة في صالحنا ، وكان الجيش الإسرائيلي في إجازة "عيد الغفران" وتواجد عناصره على الجبهة محدودا ، مما سمح لسلاح الطيران العربي أن يخترق الأجواء الإسرائيلية ، ويفرغ كامل حمولته فوق المواقع العسكرية المعادية ، وما مس طيراننا أي سوء .. ويمكن القول بأن الوحدات المهاجمة في القطاعين الجنوبي والأوسط قد تخطوا فتوغلوا في مواقع العدو ووصلوا إلى بحيرة طبرية ، وهي حدود 1948 كما أن وحدات القطاع الشمالي دخلوا فاحتلوا المرصد الإسرائيلي على جبل الشيخ ... ولكن حصل شيء لا نعلم سره .. فطيراننا بعد أن قام بالغارة الأولى وفرغ حمولته ، قفل راجعا إلى المطارات ، واختفى تماما عن سماء المعركة ، وحل محله الطيران الإسرائيلي ، الذي ملأ الجو ، وسيطر سيطرة تامة على سير المعارك .. حتى كان يقوم بتدمير أرتالنا العسكرية المهاجمة في أسرع من لمح البصر .. كان الرتل الذي كنت قائد فصيلة فيه ، يتألف من مئات المصفحات والدبابات وسيارات الذخيرة ، وعشرات المدافع .. رتل طوله أكثر من ثلاثة كيلو مترات .. قام الطيران الإسرائيلي بتدميره أمام أعيننا في أقل من خمس دقائق ...
حصل هذا أربع مرات ، مرتين في النهار ومرتين في الليل .. يتقدم الرتل بدبابته وآلياته ، ويجيء الطيران المعادي فيدمره كله في دقائق معدودة .. وهكذا منينا بالخسارة واضطررنا إلى الانسحاب ، لتجميع قواتنا .. ولكن طيران العدو لم يمهلنا ، ولم يسمح لنا بتجميع قواتنا .. مما مكن إسرائيل أن تنتقل بعد ثلاثة أيام من الدفاع إلى الهجوم .. وكان الطيران المعادي يحلق فوقنا في السماء على مدار 72 ساعة .. وفي صباح اليوم الرابع بدأ التمهيد الإسرائيلي للهجوم بقواته البرية ، رميا بمدفعية الميدان ، وقصفا بالطيران .. وأكثر ما أرهقنا طيران الفانتوم ، فما كان يدع شيئا يتحرك على الأرض إلا قصفه بصاروخ فدمره .. مما سمح للجيش الإسرائيلي بالتقدم وكأنه في نزهة برية .. ما الذي مكنه من ذلك ؟ إنه الطيران .. إذن الطيران لا يحتل أرضا ، ولكنه يمهد لاحتلال الأرض .. والتجربة أكبر برهان ..
صحيح أننا استطعنا أن نسقط (90) طائرة بصواريخ سوفييتية الصنع سام / 6 وسام / 7 ولكنْ سرعان ما تفاداها العدو بكتل من الألمنيوم الحارة ، ترميها الطائرة عندما تُستهدَفُ بصاروخ منا ، فكانت كتل الألمنيوم تضلل الصاروخ فيتبعها ، ويصطدم بها وينفجر ، وتنجو الطائرة من الإصابة ...
ورغم وجود هذه الصواريخ ، فقد ظل طيران العدو يشكل ضغطا قويا علينا ، مما مكن العدو من امتصاص الضربة الأولى ، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم ، فاحتل مزيدا من التراب السوري ..
كما استطاع على الجبهة المصرية ، بفضل طيرانه كذلك ، أن يقلب سير المعركة لصالحه هناك ، فقد تمكن من إحداث ثغرة ، عبر منها إلى الجهة المقابلة من القناة ، ولما تحركت الدبابات المصرية لصد الهجوم المعاكس ، تعامل معها الطيران المعادي فأعطبها جميعا ، والتفت القوات البرية الإسرائيلية على جزء كبير من الجيش المصري ، وحاصرته في منطقة البحيرات المرة ، وتغير مسار المعركة ، وكان الفضل في ذلك للطيران الذي يقوم بتوجيه القوات الإسرائيلية البرية ، وإرشادها إلى نقطة الاختراق ، وجهة الالتفاف ، ويؤازرها بقصف الدبابات المصرية وإعطابها ...
ويمكن القول : بأن كل انتصارات إسرائيل ، وكل عربدتها في المنطقة ، إنما مرده إلى تفوقها في طيرانها الحربي ، وسيطرتها على الأجواء أثناء المعارك ...
إذن ، إن مقولة " الطيران لا يحتل أرضا " ما هي سوى تضليل لنا نحن العرب .. وهي معلومة عسكرية خطأ ، جرَّتْ علينا كثيراً من الهزائم والخسائر . ولعل أقربها سقوط بغداد في 9 / 4 / 2003م ، التي لم تسقط إلا بفعل الطيران ، والطيران وحده .. فقد ظل طيران قوى التحالف يقصف بغداد على مدى 41 يوما ، أمطرها بمئات آلاف الأطنان من المواد المتفجرة ، ودمر بنيتها التحتية .. ثم ما لبثت بغداد أن سقطت أخيرا بضربات الطيران ، الذي دمر كل شيء .. وترك العراق قاعا صفصفا ...
ونظرا لخطر هذا السلاح ، وفعاليته الأكيدة في المعارك ، حظرت علينا الدول الغربية أن نقوم بتصنيعه في بلداننا العربية ، وما زالت تحول بيننا وبين صناعته ، أو الحصول على الأصناف المطورة منه ، لتظل إسرائيل هي المسيطرة وحدها على أجواء المعارك .
أيها السادة : لقد كنا مضللين بمقولة " الطيران لا يحتل أرضا " ؟ ولو لم يكن الطيران سلاحا فعالا لما استأثر به الغربيون من دوننا .
بقلم : أبو ياسر السوري
كل من أدى الخدمة الإلزامية في الجيش ، أو ما يسمى بخدمة العلم ، لا بد أنه سمع بمقولة " الطيران لا يحتل أرضا " ... كانت هذه المقولة تمثل الفكرة العسكرية السائدة في القرن العشرين ، فكل العسكريين كان يومها مقتنعا بأن " الطيران لا يحتل أرضا " وأن القوة الحقيقية هي السلاح البري ممثلا بـ : الدبابات ، والمصفحات ، والبتيئرات ، ومدفعية الميدان الثقيلة ، ومدافع الهاون ، والصواريخ والراجمات الصاروخية ... وتبعا لهذا النمط من التفكير العسكري ، كان التدريب مقصورا على هذه الأسلحة ، وما يتبعها من أسلحة متوسطة وخفيفة ، كالرشاشات والميم / ط – والميم / د والبنادق النصف آلية ، التي ترمي رشا ودراكا .. والقنابل اليدوية الهجومية والدفاعية والدخانية .. وكانت العناية مركزة على زرع الألغام المضادة للمجنزرات والسيارات ، أو الألغام المضادة للأفراد ... والتدريب على اقتحام خنادق الدفاع المعادية : الأول والثاني والثالث ... وباختصار ، كان الجهد كله منصبا على سير العمليات في الحروب البرية ..
فلما كانت حرب تشرين سنة 1973 ولا يطاوعني لساني أن أقول " حرب تشرين التحريرية " لأنها لم تحرر شيئا ، وإنما زادت الطين بلة ، وكانت هزيمة لنا بكل المعايير .. ولست الآن معنيا بتقييم تلك الحرب التعيسة ، وإنما أريد التدليل بما حدث فيها ، على فعالية سلاح الطيران ، وأثره في كسب المعارك .
لقد اتضح لنا في حرب 1973 أن الطيران الذي لا يحتل أرضا ، قد قلب موازين القوى ، وحوَّلَ سير المعركة لصالح إسرائيل .. لقد اشتركنا نحن ومصر بالهجوم على إسرائيل في لحظة واحدة ، وكنا نحن المهاجمين ، وكان عنصر المفاجأة في صالحنا ، وكان الجيش الإسرائيلي في إجازة "عيد الغفران" وتواجد عناصره على الجبهة محدودا ، مما سمح لسلاح الطيران العربي أن يخترق الأجواء الإسرائيلية ، ويفرغ كامل حمولته فوق المواقع العسكرية المعادية ، وما مس طيراننا أي سوء .. ويمكن القول بأن الوحدات المهاجمة في القطاعين الجنوبي والأوسط قد تخطوا فتوغلوا في مواقع العدو ووصلوا إلى بحيرة طبرية ، وهي حدود 1948 كما أن وحدات القطاع الشمالي دخلوا فاحتلوا المرصد الإسرائيلي على جبل الشيخ ... ولكن حصل شيء لا نعلم سره .. فطيراننا بعد أن قام بالغارة الأولى وفرغ حمولته ، قفل راجعا إلى المطارات ، واختفى تماما عن سماء المعركة ، وحل محله الطيران الإسرائيلي ، الذي ملأ الجو ، وسيطر سيطرة تامة على سير المعارك .. حتى كان يقوم بتدمير أرتالنا العسكرية المهاجمة في أسرع من لمح البصر .. كان الرتل الذي كنت قائد فصيلة فيه ، يتألف من مئات المصفحات والدبابات وسيارات الذخيرة ، وعشرات المدافع .. رتل طوله أكثر من ثلاثة كيلو مترات .. قام الطيران الإسرائيلي بتدميره أمام أعيننا في أقل من خمس دقائق ...
حصل هذا أربع مرات ، مرتين في النهار ومرتين في الليل .. يتقدم الرتل بدبابته وآلياته ، ويجيء الطيران المعادي فيدمره كله في دقائق معدودة .. وهكذا منينا بالخسارة واضطررنا إلى الانسحاب ، لتجميع قواتنا .. ولكن طيران العدو لم يمهلنا ، ولم يسمح لنا بتجميع قواتنا .. مما مكن إسرائيل أن تنتقل بعد ثلاثة أيام من الدفاع إلى الهجوم .. وكان الطيران المعادي يحلق فوقنا في السماء على مدار 72 ساعة .. وفي صباح اليوم الرابع بدأ التمهيد الإسرائيلي للهجوم بقواته البرية ، رميا بمدفعية الميدان ، وقصفا بالطيران .. وأكثر ما أرهقنا طيران الفانتوم ، فما كان يدع شيئا يتحرك على الأرض إلا قصفه بصاروخ فدمره .. مما سمح للجيش الإسرائيلي بالتقدم وكأنه في نزهة برية .. ما الذي مكنه من ذلك ؟ إنه الطيران .. إذن الطيران لا يحتل أرضا ، ولكنه يمهد لاحتلال الأرض .. والتجربة أكبر برهان ..
صحيح أننا استطعنا أن نسقط (90) طائرة بصواريخ سوفييتية الصنع سام / 6 وسام / 7 ولكنْ سرعان ما تفاداها العدو بكتل من الألمنيوم الحارة ، ترميها الطائرة عندما تُستهدَفُ بصاروخ منا ، فكانت كتل الألمنيوم تضلل الصاروخ فيتبعها ، ويصطدم بها وينفجر ، وتنجو الطائرة من الإصابة ...
ورغم وجود هذه الصواريخ ، فقد ظل طيران العدو يشكل ضغطا قويا علينا ، مما مكن العدو من امتصاص الضربة الأولى ، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم ، فاحتل مزيدا من التراب السوري ..
كما استطاع على الجبهة المصرية ، بفضل طيرانه كذلك ، أن يقلب سير المعركة لصالحه هناك ، فقد تمكن من إحداث ثغرة ، عبر منها إلى الجهة المقابلة من القناة ، ولما تحركت الدبابات المصرية لصد الهجوم المعاكس ، تعامل معها الطيران المعادي فأعطبها جميعا ، والتفت القوات البرية الإسرائيلية على جزء كبير من الجيش المصري ، وحاصرته في منطقة البحيرات المرة ، وتغير مسار المعركة ، وكان الفضل في ذلك للطيران الذي يقوم بتوجيه القوات الإسرائيلية البرية ، وإرشادها إلى نقطة الاختراق ، وجهة الالتفاف ، ويؤازرها بقصف الدبابات المصرية وإعطابها ...
ويمكن القول : بأن كل انتصارات إسرائيل ، وكل عربدتها في المنطقة ، إنما مرده إلى تفوقها في طيرانها الحربي ، وسيطرتها على الأجواء أثناء المعارك ...
إذن ، إن مقولة " الطيران لا يحتل أرضا " ما هي سوى تضليل لنا نحن العرب .. وهي معلومة عسكرية خطأ ، جرَّتْ علينا كثيراً من الهزائم والخسائر . ولعل أقربها سقوط بغداد في 9 / 4 / 2003م ، التي لم تسقط إلا بفعل الطيران ، والطيران وحده .. فقد ظل طيران قوى التحالف يقصف بغداد على مدى 41 يوما ، أمطرها بمئات آلاف الأطنان من المواد المتفجرة ، ودمر بنيتها التحتية .. ثم ما لبثت بغداد أن سقطت أخيرا بضربات الطيران ، الذي دمر كل شيء .. وترك العراق قاعا صفصفا ...
ونظرا لخطر هذا السلاح ، وفعاليته الأكيدة في المعارك ، حظرت علينا الدول الغربية أن نقوم بتصنيعه في بلداننا العربية ، وما زالت تحول بيننا وبين صناعته ، أو الحصول على الأصناف المطورة منه ، لتظل إسرائيل هي المسيطرة وحدها على أجواء المعارك .
أيها السادة : لقد كنا مضللين بمقولة " الطيران لا يحتل أرضا " ؟ ولو لم يكن الطيران سلاحا فعالا لما استأثر به الغربيون من دوننا .