حافظ أسد والدولة العلوية (3)
بقلم : ابو ياسر السوري
كان الهدف المعلن من تشكيل لجنة ( عدس ) السرية ، استعادة حزب البعث بعد أن حله عبد الناصر ، والدعوة من جديد إلى التمسك بمبادئة ومنطلقاته القومية العربية .. أما الهدف الحقيقي المستور من هذه اللجنة المريبة ، فهو ، إفشال الوحدة ، والتخلص منها ، لكونها تحول بين أبناء الأقليات ، وبين الوصول إلى حكم سوريا ، كما كان أعضاؤها يخططون في الخفاء ، وبعيدا عن الرقباء ..
بدأت هذه اللجنة عملها السريَّ في مصر ، حيث كان أعضاؤها متواجدين في مهمات عسكرية هناك .. ولما استوى عود المؤامرة ، وتم الاتفاق بين الضباط البعثيين على الانقلاب ضد الوحدة ، لم يشأ أعضاء اللجنة السرية أن يظهروا للعَلَن ، وفضلوا البقاء في الظل ، فوكلوا قيادة الانقلاب إلى ضابط سني اسمه : " عبد الكريم النحلاوي " فقام بقيادة العملية الانقلابية ، وأعلن بتاريخ 28 / 9 / 1961 م انفصال سوريا عن مصر .. ووقع اختيار الانقلابيين على تعيين ناظم قدسي رئيسا لجمهورية الانفصال ، وهو سني كما ترى ، ولكنهم اختاروه طبقا لمؤامرتهم الطائفية ، التي تمنح أبناء السنة بعض المناصب الشكلية ، لذر الرماد في العيون ، وإسدال القناع على الوجه الطائفي البغيض ..
ثم وقع انقلاب على النحلاوي والقدسي بتاريخ 8 / 3 / 1963 م .. وأطلق على الانقلاب هذه المرة اسم ( ثورة الثامن من آذار ) . وكان القائمون بهذا الانقلاب أيضا ضباطاً من السنة ، على رأسهم جاسم علوان وزياد الحريري .. ولكنه ما إن وقع الانقلاب ، وأذيع ( البلاغ رقم واحد ) .. حتى سارعت لجنة (عدس ) إلى اعتقال قادة الانقلاب ، وتسريح بعضهم وزج بعضهم الآخر في السجون .. ثم استقدموا رئيسا سنيا كان مبعوثا عسكريا في البرازيل اسمه ( أمين الحافظ ) ليختبئوا وراءه ، ويسيروا في مخططهم الطائفي إلى النهاية ..
وبعد مرور ثلاث سنوات تقريبا ، أي في عام 1966 انقلب البعثيون على أمين الحافظ ، وشطروا البعث شطرين ، يميني ويساري .. وطبعا كانت اللجنة العسكرية هي التي تمثل ( جناح البعث اليساري ) . وكان هذا الانقلاب الأخير ، انقلابا داخل قيادة الحزب نفسه هذه المرة ، حيث أقصي عفلق وأمين الحافظ رئيس الجمهورية المعيّن .. وعين صلاح جديد بدلاً منه ، ثم خسرت سوريا الجولان في حرب 1967 وتفاقمت انشقاقات وخلافات الحزب الداخلية ..
وفي 16/ تشرين / 1970م جرى انقلاب ثالث عرف باسم الحركة التصحيحية بقيادة حافظ الأسد وزير الدفاع ، وكان هذا بداية وصوله إلى السلطة ؛ فعيّن الأسد أحمد الخطيب رئيسًا لفترة انتقالية .. ما لبث أن أجرى بعدها استفتاءً على شخصه ، فأصبح بموجبه حافظ الأسد رئيسًا لسوريا سنة 1971 م ..
وبدأ حافظ الأسد العمل لإصلاح الأوضاع السياسية في سوريا وتوطيد سلطته فيها . ففي عام 1972 تم توحيد الأحزاب الرئيسية في الجبهة الوطنية التقدمية ... وفي عام 1973 وضع أول دستور في ظل البعث كرّس الحزب قائدًا للدولة والمجتمع وعيّن أهداف الدولة بالوحدة والحرية والاشتراكية ، وألغى التعددية السياسية والاقتصادية واحتكر الإعلام والتعليم وغيرها من المجالات الفكرية . وأمسك حافظ الأسد بكل مفاصل الدولة ، وصار الحاكم المطلق في سوريا ..
ولما أمسك بزمام الأمور ، وانقادت له الدولة ، فكر في قضية البقاء في الحكم هو وذريته من بعده .. فرفع شعار القائد الرمز .. والقائد الأسطورة .. وبطل التشرينين .. إشارة إلى الحركة التصحيحية في تشرين ، وحرب تشرين التحريرية . علما بأن حرب تشرين كانت أبشع هزيمة للأسد ، أما حركته التصحيحية ، فلم تكن كذلك سوى لطعة عار في جبينه ، لأنه غدر فيها برفاقه أعضاء اللجنة العسكرية ، فلاحقهم وقتل بعضهم ، وسجن بعضهم الآخر حتى الموت ، وفر منه آخرون ، وهكذا ضمن حافظ الأسد بقاء الحكم له ولأبنائه من بعده مدى الحياة .. وهنا بدأ رفع شعار ( إلى الأبد يا أسد ) .
وقد أدرك حافظ الأسد أنه لكي يحافظ على احتكار السلطة الأبدية ، يتوجب أن يزجَّ معه الطائفة النصيرية بالكامل ، لأنه لا حكم إلا بعصبية تحميه .. وهو رجل غريب ، قادم من إيران ، وهو مجهول النسب والدين .. فبدأ بتشكيل سرايا الدفاع وأسند قيادتها لأخيه رفعت الأسد .. وشكل أيضا سرايا الصراع وأسند قيادتها لابن عمه عدنان الأسد .. وقام بتشكيل الحرس الجمهوري .. وقد تحرى في هذه التشكيلات أن يكون أغلب عناصرها من الطائفة النصيرية .. ثم توجه إلى المؤسسة الأمنية ، فجعل أمناء فروعها إما من الطائفة ، أو من عناصر سنية موالية له ولاء أعمى ، ووكل الأسد بكل واحد منهم رجلا من طائفته، ليقوم بتصفيته عند أول بادرة خيانة تظهر منه ضده. ثم أنشأ الشبيحة ، وهم عصابات مدنية خارجة عن القانون ، بقيادة فواز بن جميل الأسد ، ومساعده شيخ الجبل محمد الأسد ، ومهمة هؤلاء الشبيحة القيام بالفساد والإفساد والتهريب والمخدرات والقتل وإثارة الرعب في قلوب المواطنين .. ولم يجعل لأحد سلطاناً عليها .. وهذا ما زرع النقمة على الطائفة النصيرية في صدور كل المكونات السورية .. وهذا ما أراده حافظ الأسد من الشبيحة أولا وأخيرا .. إنه يريد أن تقوم بإذلال الشعب ، ليحقد عليها وعلى الطائفة التي خرجت منها هذه العصابة الإجرامية ، فيضمن بذلك اختطاف الطائفة النصيرية ، ويربط مصيرها بمصيره ، وبقاءها ببقائه ، لأنه استطاع بذلك أن يورطها بعداء جميع السوريين ، ويثير نقمتهم عليها ..
ومنذ منتصف الثمانينيات ، عمد حافظ الأسد إلى تدمير بنية الدولة .. فعسكر مؤسساتها المدنية ، وعسكر الاقتصاد .. وربط ذلك كله بالمؤسسة الأمنية .. وتلوثت أيدي رؤساء الفروع بالرشاوى والجرائم الخلقية وحتى الخيانات الوطنية ، وصار مصير كل منهم رهنا بيد الأسد نفسه .. وما أكثر ما انقلب على بعضهم وصفاهم من غير أن يسمع بهم أحد .. وطبعا لا تتم إلا تصفية أعوانه ومساعديه من أبناء السنة حصرا ..
وحتى المؤسسة الدينية لم تسلم من إفساده ، فقد اشترى ضمائر كثير من المشايخ كمفتي الجمهورية أحمد كفتارو .. وأخيرا المفتي أحمد حسون .. والشيخ سعيد رمضان البوطي وغيرهم كثير .. وكان يشتريهم بالترهيب والترغيب . ومن لم يستجب كان جزاؤه الموت ، أو عليه أن يهرب خارج سوريا ليسلم على حياته ، وممن فر من سطوة هذا الحكم الجائر الظالم : الشيخ على الطنطاوي ، والشيخ عبد الفتاح ابو غدة رحمهم الله , وغيرهم كثير ..
الرئيس الوريث :
اكتشف حافظ أنه مريض بسرطان في الدم ، فعلم أن رحيله من الدنيا بات قريبا .. لذلك بدأ يسرح الحرس القديم ، أو يصفيهم ، أو يزجهم في السجون .. تمهيدا لتوريث ولده من بعده .. وكان مهد لذلك دوليا ، فأبرم اتفاقات سرية مع إسرائيل ، ووقع على قراري 1942 و 338 فاعترف بذلك ضمنيا ببقاء إسرائيل وأمنها على المستوى الرسمي ... وكان فيما ظهر أخيرا من الوثائق السرية ، أنه كان سلم القنيطرة ومرتفعات الجولان في حرب 1967 بدون قتال ، ليضمن بذلك كرسي الرئاسة في سوريا ، له ولأولاده مدى الحياة ...
وهذا ما يفسر لنا مسألة وراثة الرئاسة ، وتحويل النظام الرئاسي البرلماني الانتخابي .. إلى نظام رئاسي ملكي .. وانتقال السلطة من حافظ المقبور ، إلى ولده المجرم بشار الكيمياوي ، بكل سهولة ويسر .. فقد مات حافظ والدولة بأيدي ضباطه الأمنيين ، الذين ربط مصيرهم بمصيره ومصير ابنائه من بعده .. فلما مات الأسد الأب ، لم يكن لهؤلاء الضباط العسكريين والأمنيين ، إلا أن يرتضوا الأسد الابن وريثا على كرسي الرئاسة .. ولو شاؤوا غير ذلك ، لوجدوا معارضة دولية ، لأن المجتمع الدولي يابى إلا الأسد .. لقد كان كبار الضباط يعلمون أن قضية التوريث متفق عليها دوليا ، وليس لأحد منهم أن يتطاول إليها .. ولذلك لما مات الأسد الأب ، جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية اليهودية ( اولبرايت ) لحضور مراسم العزاء . فخلت ببشار الأسد لمدة ساعتين ونصف .. وخرجت من خلوتها معه تقول للصحفيين : " بشار الأسد يعرف كيف يفعل ما يتوجب عليه في المستقبل " ...
ومهما يكن من أمر .. فإنه لم تحدث صغيرة ولا كبيرة ، إلا بتخطيط غربي ، كان المقصود من ورائه ، أن يسلم الحكم في سوريا لآل الأسد ، وأن يبقى فيهم إلى الأبد ...
فما السر في هذا الاختيار .؟؟ هذا ما سنعرفه في مقال ( رابع ) أختم به هذا الجانب المظلم ، من تاريخ هذه الأسرة العميلة القذرة .
بقلم : ابو ياسر السوري
كان الهدف المعلن من تشكيل لجنة ( عدس ) السرية ، استعادة حزب البعث بعد أن حله عبد الناصر ، والدعوة من جديد إلى التمسك بمبادئة ومنطلقاته القومية العربية .. أما الهدف الحقيقي المستور من هذه اللجنة المريبة ، فهو ، إفشال الوحدة ، والتخلص منها ، لكونها تحول بين أبناء الأقليات ، وبين الوصول إلى حكم سوريا ، كما كان أعضاؤها يخططون في الخفاء ، وبعيدا عن الرقباء ..
بدأت هذه اللجنة عملها السريَّ في مصر ، حيث كان أعضاؤها متواجدين في مهمات عسكرية هناك .. ولما استوى عود المؤامرة ، وتم الاتفاق بين الضباط البعثيين على الانقلاب ضد الوحدة ، لم يشأ أعضاء اللجنة السرية أن يظهروا للعَلَن ، وفضلوا البقاء في الظل ، فوكلوا قيادة الانقلاب إلى ضابط سني اسمه : " عبد الكريم النحلاوي " فقام بقيادة العملية الانقلابية ، وأعلن بتاريخ 28 / 9 / 1961 م انفصال سوريا عن مصر .. ووقع اختيار الانقلابيين على تعيين ناظم قدسي رئيسا لجمهورية الانفصال ، وهو سني كما ترى ، ولكنهم اختاروه طبقا لمؤامرتهم الطائفية ، التي تمنح أبناء السنة بعض المناصب الشكلية ، لذر الرماد في العيون ، وإسدال القناع على الوجه الطائفي البغيض ..
ثم وقع انقلاب على النحلاوي والقدسي بتاريخ 8 / 3 / 1963 م .. وأطلق على الانقلاب هذه المرة اسم ( ثورة الثامن من آذار ) . وكان القائمون بهذا الانقلاب أيضا ضباطاً من السنة ، على رأسهم جاسم علوان وزياد الحريري .. ولكنه ما إن وقع الانقلاب ، وأذيع ( البلاغ رقم واحد ) .. حتى سارعت لجنة (عدس ) إلى اعتقال قادة الانقلاب ، وتسريح بعضهم وزج بعضهم الآخر في السجون .. ثم استقدموا رئيسا سنيا كان مبعوثا عسكريا في البرازيل اسمه ( أمين الحافظ ) ليختبئوا وراءه ، ويسيروا في مخططهم الطائفي إلى النهاية ..
وبعد مرور ثلاث سنوات تقريبا ، أي في عام 1966 انقلب البعثيون على أمين الحافظ ، وشطروا البعث شطرين ، يميني ويساري .. وطبعا كانت اللجنة العسكرية هي التي تمثل ( جناح البعث اليساري ) . وكان هذا الانقلاب الأخير ، انقلابا داخل قيادة الحزب نفسه هذه المرة ، حيث أقصي عفلق وأمين الحافظ رئيس الجمهورية المعيّن .. وعين صلاح جديد بدلاً منه ، ثم خسرت سوريا الجولان في حرب 1967 وتفاقمت انشقاقات وخلافات الحزب الداخلية ..
وفي 16/ تشرين / 1970م جرى انقلاب ثالث عرف باسم الحركة التصحيحية بقيادة حافظ الأسد وزير الدفاع ، وكان هذا بداية وصوله إلى السلطة ؛ فعيّن الأسد أحمد الخطيب رئيسًا لفترة انتقالية .. ما لبث أن أجرى بعدها استفتاءً على شخصه ، فأصبح بموجبه حافظ الأسد رئيسًا لسوريا سنة 1971 م ..
وبدأ حافظ الأسد العمل لإصلاح الأوضاع السياسية في سوريا وتوطيد سلطته فيها . ففي عام 1972 تم توحيد الأحزاب الرئيسية في الجبهة الوطنية التقدمية ... وفي عام 1973 وضع أول دستور في ظل البعث كرّس الحزب قائدًا للدولة والمجتمع وعيّن أهداف الدولة بالوحدة والحرية والاشتراكية ، وألغى التعددية السياسية والاقتصادية واحتكر الإعلام والتعليم وغيرها من المجالات الفكرية . وأمسك حافظ الأسد بكل مفاصل الدولة ، وصار الحاكم المطلق في سوريا ..
ولما أمسك بزمام الأمور ، وانقادت له الدولة ، فكر في قضية البقاء في الحكم هو وذريته من بعده .. فرفع شعار القائد الرمز .. والقائد الأسطورة .. وبطل التشرينين .. إشارة إلى الحركة التصحيحية في تشرين ، وحرب تشرين التحريرية . علما بأن حرب تشرين كانت أبشع هزيمة للأسد ، أما حركته التصحيحية ، فلم تكن كذلك سوى لطعة عار في جبينه ، لأنه غدر فيها برفاقه أعضاء اللجنة العسكرية ، فلاحقهم وقتل بعضهم ، وسجن بعضهم الآخر حتى الموت ، وفر منه آخرون ، وهكذا ضمن حافظ الأسد بقاء الحكم له ولأبنائه من بعده مدى الحياة .. وهنا بدأ رفع شعار ( إلى الأبد يا أسد ) .
وقد أدرك حافظ الأسد أنه لكي يحافظ على احتكار السلطة الأبدية ، يتوجب أن يزجَّ معه الطائفة النصيرية بالكامل ، لأنه لا حكم إلا بعصبية تحميه .. وهو رجل غريب ، قادم من إيران ، وهو مجهول النسب والدين .. فبدأ بتشكيل سرايا الدفاع وأسند قيادتها لأخيه رفعت الأسد .. وشكل أيضا سرايا الصراع وأسند قيادتها لابن عمه عدنان الأسد .. وقام بتشكيل الحرس الجمهوري .. وقد تحرى في هذه التشكيلات أن يكون أغلب عناصرها من الطائفة النصيرية .. ثم توجه إلى المؤسسة الأمنية ، فجعل أمناء فروعها إما من الطائفة ، أو من عناصر سنية موالية له ولاء أعمى ، ووكل الأسد بكل واحد منهم رجلا من طائفته، ليقوم بتصفيته عند أول بادرة خيانة تظهر منه ضده. ثم أنشأ الشبيحة ، وهم عصابات مدنية خارجة عن القانون ، بقيادة فواز بن جميل الأسد ، ومساعده شيخ الجبل محمد الأسد ، ومهمة هؤلاء الشبيحة القيام بالفساد والإفساد والتهريب والمخدرات والقتل وإثارة الرعب في قلوب المواطنين .. ولم يجعل لأحد سلطاناً عليها .. وهذا ما زرع النقمة على الطائفة النصيرية في صدور كل المكونات السورية .. وهذا ما أراده حافظ الأسد من الشبيحة أولا وأخيرا .. إنه يريد أن تقوم بإذلال الشعب ، ليحقد عليها وعلى الطائفة التي خرجت منها هذه العصابة الإجرامية ، فيضمن بذلك اختطاف الطائفة النصيرية ، ويربط مصيرها بمصيره ، وبقاءها ببقائه ، لأنه استطاع بذلك أن يورطها بعداء جميع السوريين ، ويثير نقمتهم عليها ..
ومنذ منتصف الثمانينيات ، عمد حافظ الأسد إلى تدمير بنية الدولة .. فعسكر مؤسساتها المدنية ، وعسكر الاقتصاد .. وربط ذلك كله بالمؤسسة الأمنية .. وتلوثت أيدي رؤساء الفروع بالرشاوى والجرائم الخلقية وحتى الخيانات الوطنية ، وصار مصير كل منهم رهنا بيد الأسد نفسه .. وما أكثر ما انقلب على بعضهم وصفاهم من غير أن يسمع بهم أحد .. وطبعا لا تتم إلا تصفية أعوانه ومساعديه من أبناء السنة حصرا ..
وحتى المؤسسة الدينية لم تسلم من إفساده ، فقد اشترى ضمائر كثير من المشايخ كمفتي الجمهورية أحمد كفتارو .. وأخيرا المفتي أحمد حسون .. والشيخ سعيد رمضان البوطي وغيرهم كثير .. وكان يشتريهم بالترهيب والترغيب . ومن لم يستجب كان جزاؤه الموت ، أو عليه أن يهرب خارج سوريا ليسلم على حياته ، وممن فر من سطوة هذا الحكم الجائر الظالم : الشيخ على الطنطاوي ، والشيخ عبد الفتاح ابو غدة رحمهم الله , وغيرهم كثير ..
الرئيس الوريث :
اكتشف حافظ أنه مريض بسرطان في الدم ، فعلم أن رحيله من الدنيا بات قريبا .. لذلك بدأ يسرح الحرس القديم ، أو يصفيهم ، أو يزجهم في السجون .. تمهيدا لتوريث ولده من بعده .. وكان مهد لذلك دوليا ، فأبرم اتفاقات سرية مع إسرائيل ، ووقع على قراري 1942 و 338 فاعترف بذلك ضمنيا ببقاء إسرائيل وأمنها على المستوى الرسمي ... وكان فيما ظهر أخيرا من الوثائق السرية ، أنه كان سلم القنيطرة ومرتفعات الجولان في حرب 1967 بدون قتال ، ليضمن بذلك كرسي الرئاسة في سوريا ، له ولأولاده مدى الحياة ...
وهذا ما يفسر لنا مسألة وراثة الرئاسة ، وتحويل النظام الرئاسي البرلماني الانتخابي .. إلى نظام رئاسي ملكي .. وانتقال السلطة من حافظ المقبور ، إلى ولده المجرم بشار الكيمياوي ، بكل سهولة ويسر .. فقد مات حافظ والدولة بأيدي ضباطه الأمنيين ، الذين ربط مصيرهم بمصيره ومصير ابنائه من بعده .. فلما مات الأسد الأب ، لم يكن لهؤلاء الضباط العسكريين والأمنيين ، إلا أن يرتضوا الأسد الابن وريثا على كرسي الرئاسة .. ولو شاؤوا غير ذلك ، لوجدوا معارضة دولية ، لأن المجتمع الدولي يابى إلا الأسد .. لقد كان كبار الضباط يعلمون أن قضية التوريث متفق عليها دوليا ، وليس لأحد منهم أن يتطاول إليها .. ولذلك لما مات الأسد الأب ، جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية اليهودية ( اولبرايت ) لحضور مراسم العزاء . فخلت ببشار الأسد لمدة ساعتين ونصف .. وخرجت من خلوتها معه تقول للصحفيين : " بشار الأسد يعرف كيف يفعل ما يتوجب عليه في المستقبل " ...
ومهما يكن من أمر .. فإنه لم تحدث صغيرة ولا كبيرة ، إلا بتخطيط غربي ، كان المقصود من ورائه ، أن يسلم الحكم في سوريا لآل الأسد ، وأن يبقى فيهم إلى الأبد ...
فما السر في هذا الاختيار .؟؟ هذا ما سنعرفه في مقال ( رابع ) أختم به هذا الجانب المظلم ، من تاريخ هذه الأسرة العميلة القذرة .