الجمهورية-
كتب رئيس تحرير قناة العرب التلفزيونية، جمال خاشقجي، والباحث في مركز بلفر في معهد كنيدي للحكومة التابع لجامعة هارفارد، نواف عبيد، “على الرغم من أنّ وسائل الإعلام الأميركية تمضي ساعات طويلة يوميا في مناقشة التقلبات السياسية التي أفرزها عدم تدخل الولايات المتحدة في سوريا، إلا أنه لم يتم التعرض سوى بالقليل إلى التداعيات على ملفات الاستقرار والحدود وواقع السياسة نفسها في الشرق الأوسط وكذلك الدور المتغير للدول غير المنتمية لهذا الفضاء الجغرافي، في شؤون المنطقة نفسها. وحتى الساعة هناك تداعيات مهمة وبشكل مكثف، تاريخية وهائلة نحتاج إلى فهمها“.
واضافا “فعلا ليست الحرب السورية سوى المحفّز لعدة تغيرات بصدد الحصول في بنية القوى الإقليمية والدولية”، لافتين إلى انه “أولا وقبل كل شيء، تعدّ المأساة السورية نقطة تحول في التقاليد العريقة من التدخل الغربي في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فالمستنقع أنتج معطى مهما في صدارة الواقع الجديد وهو أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لم يعودوا يملكون المقدرات السياسية والاقتصادية للدفع صراحة بجيوشهم في نزاع إقليمي آخر“.
وفي الوقت الذي جلب ما يعرف بالربيع العربي آمالا واسعة في الديمقراطية والحرية للعالم العربي، يبزغ عصر جديد من نأي الجيوش الغربية بنفسها عن المنطقة وهو ما ستكون له تداعيات أكثر انتشارا مع البدء في رؤية تحالفات عسكرية وتحولات في الحدود جديدة في هذه المرحلة الانتقالية.
وبغياب احتمال التدخل الخارجي، تتزايد احتمالات أن يستمر النزاع السوري لسنوات عديدة. وأخذا بعين الاعتبار الدعم الذي يتلقاه نظام بشار الأسد من روسيا وإيران، وتزويد المعارضة بالسلاح من قبل مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة وفرنسا، يتذكر الجميع على الأقل أن حرب لبنان استمرت 15 سنة.
لكن النزاع الحالي لا يتعلق بسوريا وحدها، فقد امتد فعلا إلى جيرانها ساحبا أيضا عشائر ودولا أخرى إلى دائرة العنف. ففي تركيا، يمكن أن يواجه رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان معارضة سياسية محدودة مثلما نراها في التظاهرات الأخيرة في ميدان تقسيم، لكنه يواجه معارضة طائفية تتمحور حول الأقلية العلوية الداعمة صراحة لبشار الأسد في هطاي المحاذية لسوريا. وبقدر تورط العلويين بقدر تورط تركيا.
ومع انتهاء عصر التدخلات العسكرية المباشرة في المنطقة من قبل أكبر القوى الغربية، سيعتقد الإيرانيون أنّ سياستهم مثمرة وسيعززون مشاركتهم في النزاع السوري، وهو ما ستكون له تداعيات على الدول الصغيرة المجاورة لها، وهي التي تمشي أصلا على خيط رفيع يزن بين التحالفات مع القوى الداخلية والخارجية الفاعلة في المنطقة. وفي الحقيقة فإنّ الخلافات الإيديولوجية والطائفية والعشائرية تهز بعض تلك الدول.
في الأثناء، يبدو لبنان على وشك الانحدار في الدوامة السورية مع اشتباكات بين السنة والعلويين في طرابلس والسنة والشيعة في بيروت والسنة وحلفاء حزب الله من غير الشيعة في صيدا. كما أنّ التغير الديموغرافي مع لجوء أعداد كبيرة من السنة السوريين تنذر بتدمير التوازن الحساس تاريخيا بين طوائف البلاد من سنة وشيعة ومسيحيين ودروز.
وفي العراق، من شأن الروابط المتنامية بين أكراد العراق وأكراد سوريا وأكراد تركيا أن تغير حدود السيادة. وزيادة على ذلك فإنّ دعم الشيعة للأسد وجزئيا بسبب مخاوفهم من أن يقعوا وسط دائرة سنية مغلقة وكذلك الخلافات الدموية بين السنة والشيعة تدفع الأوائل إلى البحث عن أرضية مشتركة مع المعارضة المسلحة السورية.
ومن جهتها، تواجه المملكة الأردنية الهاشمية أكبر حركة لجوء إليها في التاريخ بعد أن تجاوز حدودها نصف مليون لاجئ سوري، وهو ما يزيد من الضغوط على اقتصاد ضعيف أصلا وبنية أساسية متدهورة. ومع إضافة مجموعة ديمغرافية ثالثة إلى المجموعتين التين تشكلان المجتمع وهما الفلسطينيون والعشائر الأردنية، تواجه البلاد الآن عدة احتمالات فيما يتعلق بميزان القوى والعوامل الديمغرافية.
فما الذي يمكن القيام به الآن؟ على المدى القريب، سيكون على مجلس التعاون بقيادة المملكة العربية السعودية أن تتعامل مع عبء إدارة الفوضى السياسية والاقتصادية والمالية في المنطقة وإطاحة الأسد سيكون ببساطة فرصة مهمة للسعودية لتقييم تأثيرات التدخل الإيراني في العالم العربي حتى تتركها للخطة الروسية.
ولحسن الحظ هناك سوابق كان فيها تدخل السعودية ومجلس التعاون إيجابيا من حيث فرض الاستقرار وحل النزاعات أيضا في المنطقة. ففي مصر، عندما تأكد أنّه ليس بإمكان حركة الإخوان المسلمين أن تحكم البلاد بسبب فشلها في إدارة الاقتصاد، ثار جزء مهم من الشعب المصري وضغط على الجيش للتدخل وإطاحة الرئيس السابق محمد مرسي وأنصاره من الحكم. ومع فشل الغرب في التدخل، قادت المملكة العربية السعودية دعما عربيا لشرعنة التغيير في السلطة وكانت وراء حشد مالي جمع 12 مليار دولار لمساعدة القادة المصريين الجدد.
وفي البحرين، عندما أصبح متأكدا أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين مترددون في دعم النظام الملكي هناك وهو يواجه انتفاضة شيعية، ساعدت دول مجلس التعاون بقيادة السعودية قوات الأمن في المنامة على تأمين المنشآت الحساسة. ويعلم مجلس التعاون جيدا أنّ إطاحة الملكية البحرينية سيكون تهديدا حيويا لأمن دوله من خلال إهداء نصر استراتيجي لإيران والمجموعات الشيعية، فقد كانت البحرين بوضوح خطا أحمر.
وفي النهاية فإنّ النزاع السوري ليس أزمة إنسانية رئيسة فقط، بل هي محورية شرق أوسطي بصدد التغيّر. وبعد أن أصبح ذلك واضحا، يتعين على المنطقة أن تأخذ زمام أمورها بأيديها لدرجة لم يسبق لنا أن لاحظناها من قبل ويتعين على الدول الكبيرة فيها مثل المملكة العربية السعودية أن تفعل كل شيء ممكن لدعم واستقرار المنطقة. ومع احتمال أن ينتشر التطاحن الطائفي النابع من النزاع السوري، من الحيوي وبشدة، مثلما كان الأمر في البحرين ومصر، أن تتحرك المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون وبسرعة لضمان إطاحة الأسد. عليهم أن يقوموا بذلك لمصلحتهم الذاتية أولا ولأمن المنطقة في احتواء إيران ولمنع “تنظيم القاعدة” وفوق كل ذلك من أجل الشعب السوري
كتب رئيس تحرير قناة العرب التلفزيونية، جمال خاشقجي، والباحث في مركز بلفر في معهد كنيدي للحكومة التابع لجامعة هارفارد، نواف عبيد، “على الرغم من أنّ وسائل الإعلام الأميركية تمضي ساعات طويلة يوميا في مناقشة التقلبات السياسية التي أفرزها عدم تدخل الولايات المتحدة في سوريا، إلا أنه لم يتم التعرض سوى بالقليل إلى التداعيات على ملفات الاستقرار والحدود وواقع السياسة نفسها في الشرق الأوسط وكذلك الدور المتغير للدول غير المنتمية لهذا الفضاء الجغرافي، في شؤون المنطقة نفسها. وحتى الساعة هناك تداعيات مهمة وبشكل مكثف، تاريخية وهائلة نحتاج إلى فهمها“.
واضافا “فعلا ليست الحرب السورية سوى المحفّز لعدة تغيرات بصدد الحصول في بنية القوى الإقليمية والدولية”، لافتين إلى انه “أولا وقبل كل شيء، تعدّ المأساة السورية نقطة تحول في التقاليد العريقة من التدخل الغربي في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فالمستنقع أنتج معطى مهما في صدارة الواقع الجديد وهو أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لم يعودوا يملكون المقدرات السياسية والاقتصادية للدفع صراحة بجيوشهم في نزاع إقليمي آخر“.
وفي الوقت الذي جلب ما يعرف بالربيع العربي آمالا واسعة في الديمقراطية والحرية للعالم العربي، يبزغ عصر جديد من نأي الجيوش الغربية بنفسها عن المنطقة وهو ما ستكون له تداعيات أكثر انتشارا مع البدء في رؤية تحالفات عسكرية وتحولات في الحدود جديدة في هذه المرحلة الانتقالية.
وبغياب احتمال التدخل الخارجي، تتزايد احتمالات أن يستمر النزاع السوري لسنوات عديدة. وأخذا بعين الاعتبار الدعم الذي يتلقاه نظام بشار الأسد من روسيا وإيران، وتزويد المعارضة بالسلاح من قبل مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة وفرنسا، يتذكر الجميع على الأقل أن حرب لبنان استمرت 15 سنة.
لكن النزاع الحالي لا يتعلق بسوريا وحدها، فقد امتد فعلا إلى جيرانها ساحبا أيضا عشائر ودولا أخرى إلى دائرة العنف. ففي تركيا، يمكن أن يواجه رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان معارضة سياسية محدودة مثلما نراها في التظاهرات الأخيرة في ميدان تقسيم، لكنه يواجه معارضة طائفية تتمحور حول الأقلية العلوية الداعمة صراحة لبشار الأسد في هطاي المحاذية لسوريا. وبقدر تورط العلويين بقدر تورط تركيا.
ومع انتهاء عصر التدخلات العسكرية المباشرة في المنطقة من قبل أكبر القوى الغربية، سيعتقد الإيرانيون أنّ سياستهم مثمرة وسيعززون مشاركتهم في النزاع السوري، وهو ما ستكون له تداعيات على الدول الصغيرة المجاورة لها، وهي التي تمشي أصلا على خيط رفيع يزن بين التحالفات مع القوى الداخلية والخارجية الفاعلة في المنطقة. وفي الحقيقة فإنّ الخلافات الإيديولوجية والطائفية والعشائرية تهز بعض تلك الدول.
في الأثناء، يبدو لبنان على وشك الانحدار في الدوامة السورية مع اشتباكات بين السنة والعلويين في طرابلس والسنة والشيعة في بيروت والسنة وحلفاء حزب الله من غير الشيعة في صيدا. كما أنّ التغير الديموغرافي مع لجوء أعداد كبيرة من السنة السوريين تنذر بتدمير التوازن الحساس تاريخيا بين طوائف البلاد من سنة وشيعة ومسيحيين ودروز.
وفي العراق، من شأن الروابط المتنامية بين أكراد العراق وأكراد سوريا وأكراد تركيا أن تغير حدود السيادة. وزيادة على ذلك فإنّ دعم الشيعة للأسد وجزئيا بسبب مخاوفهم من أن يقعوا وسط دائرة سنية مغلقة وكذلك الخلافات الدموية بين السنة والشيعة تدفع الأوائل إلى البحث عن أرضية مشتركة مع المعارضة المسلحة السورية.
ومن جهتها، تواجه المملكة الأردنية الهاشمية أكبر حركة لجوء إليها في التاريخ بعد أن تجاوز حدودها نصف مليون لاجئ سوري، وهو ما يزيد من الضغوط على اقتصاد ضعيف أصلا وبنية أساسية متدهورة. ومع إضافة مجموعة ديمغرافية ثالثة إلى المجموعتين التين تشكلان المجتمع وهما الفلسطينيون والعشائر الأردنية، تواجه البلاد الآن عدة احتمالات فيما يتعلق بميزان القوى والعوامل الديمغرافية.
فما الذي يمكن القيام به الآن؟ على المدى القريب، سيكون على مجلس التعاون بقيادة المملكة العربية السعودية أن تتعامل مع عبء إدارة الفوضى السياسية والاقتصادية والمالية في المنطقة وإطاحة الأسد سيكون ببساطة فرصة مهمة للسعودية لتقييم تأثيرات التدخل الإيراني في العالم العربي حتى تتركها للخطة الروسية.
ولحسن الحظ هناك سوابق كان فيها تدخل السعودية ومجلس التعاون إيجابيا من حيث فرض الاستقرار وحل النزاعات أيضا في المنطقة. ففي مصر، عندما تأكد أنّه ليس بإمكان حركة الإخوان المسلمين أن تحكم البلاد بسبب فشلها في إدارة الاقتصاد، ثار جزء مهم من الشعب المصري وضغط على الجيش للتدخل وإطاحة الرئيس السابق محمد مرسي وأنصاره من الحكم. ومع فشل الغرب في التدخل، قادت المملكة العربية السعودية دعما عربيا لشرعنة التغيير في السلطة وكانت وراء حشد مالي جمع 12 مليار دولار لمساعدة القادة المصريين الجدد.
وفي البحرين، عندما أصبح متأكدا أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين مترددون في دعم النظام الملكي هناك وهو يواجه انتفاضة شيعية، ساعدت دول مجلس التعاون بقيادة السعودية قوات الأمن في المنامة على تأمين المنشآت الحساسة. ويعلم مجلس التعاون جيدا أنّ إطاحة الملكية البحرينية سيكون تهديدا حيويا لأمن دوله من خلال إهداء نصر استراتيجي لإيران والمجموعات الشيعية، فقد كانت البحرين بوضوح خطا أحمر.
وفي النهاية فإنّ النزاع السوري ليس أزمة إنسانية رئيسة فقط، بل هي محورية شرق أوسطي بصدد التغيّر. وبعد أن أصبح ذلك واضحا، يتعين على المنطقة أن تأخذ زمام أمورها بأيديها لدرجة لم يسبق لنا أن لاحظناها من قبل ويتعين على الدول الكبيرة فيها مثل المملكة العربية السعودية أن تفعل كل شيء ممكن لدعم واستقرار المنطقة. ومع احتمال أن ينتشر التطاحن الطائفي النابع من النزاع السوري، من الحيوي وبشدة، مثلما كان الأمر في البحرين ومصر، أن تتحرك المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون وبسرعة لضمان إطاحة الأسد. عليهم أن يقوموا بذلك لمصلحتهم الذاتية أولا ولأمن المنطقة في احتواء إيران ولمنع “تنظيم القاعدة” وفوق كل ذلك من أجل الشعب السوري