شبكة #شام الإخبارية - #قصة_شهيد
الشهيد بإذن الله إبراهيم خريط – ديرالزور – شام صافي -
إبراهيم خريط كاتب وأديب وقاص ومعلم وروائي سوري
ويبقى الأسد ونظامه عدواً للحضارة والثقافة والعلم .. في أبرز مظاهر هذه العداوة رزحنا تحت حكمه الذي أوغل فينا قتلاً وتمزيقاً في كيان الرقيّ .. حاول أهلنا في سورية كلٌّ في مجاله أن يكون فاعلاً في بناء سورية وأن يشارك في حملها ليساير ركب الحضارة في العالم مثل أي بلد متقدم من خلال نوابغه وعلمائه وأدبائه وفنانيه .. وها هو أديب مخضرم وكاتب شهير من أرض النهر، يقتله نظام أدنى في تعامله من بربرية حاقدة تقتله ثلة حكم ظالمة ما ميزت بين شيخ ولا امرأة ولا طفل أو شاب ولا رجل .. ولا بين المثقفين ولا العلماء ولا الكتاب ولا أصحاب المهن أو من لهم دور في إعداد الجيل، ومن كان يوماً من الأيام سهماً يستفيد منه النظام حين كان -طيلة فترة حكمه- يدّعي رعايته للثقافة والأدب؛ فيُغتال في ليلة كالحة السواد، ليلة مقمرة بقمر جديد لكنه هذه المرة شيخ في أواخر رحلة العطاء، يكتنز الكثير من الخبرة لجيل الحرية بمنة من الله وفضل بما شاء.
إبراهيم الخريط فارس القلم والكلمة والمواقف، ولد في مدينة دير الزور عام 1943 م، يحمل الإجازة في الفلسفة- جامعة دمشق، عمل في التدريس في ثانويات دير الزور لمادة الفلسفة وعلم الاجتماع، نشر قصصه الأولى في الصحف والمجلات السورية، وهو عضو في جمعية القصة والرواية وخبير في قراءة المخطوطات. وقد انشق عن الاتحاد هو وابن مدينته دير الزور الكاتب عبد الناصر العايد.
الأديب والروائي والقاص السوري عضو رابطة الكتاب السوريين أعدم بدير الزور هو وولده ( سومر ) أثناء قصف واجتياح المدينة من الجيش في مشهد بالغ القسوة والعدوانية. إذ استشهد وولده بتاريخ: 29/ 9/ 2012 – الساعة 5:21 ليل الخميس الجمعة.
إذ أقدم النظام السوري على اغتياله وابنه الشاب سومر، ولم يراع القتلة شيخوخة الكاتب الذي يقارب السبعين من عمره. كان إعدامه ميدانياً برصاص عصابات الطغمة الحاكمة والقوات النظامية التي داهمت حي القصور، وما زالت فرق الاغتيال تبحث عن ابنه الثاني ( راني ) لاستهدافه.
مؤلفاته:
1- القافلة والصحراء- قصص- 1989.
2- الحصار- قصص- 1994.
3- قصص ريفية- قصص- 1994.
4- الاغتيال - اتحاد الكتاب العرب بدمشق - 1997
5- حكايات ساخرة 1999
6- طقوس الرحلة الأخيرة- قصص 2001
7- فانتازيا- قصص 2005
8- الرحيل إلى المجهول- رواية 2010.
بضع مقتطفات من أعماله:
* التمثال (قصة)
"لملم التمثال أوراقه .. ضمها الى صدره، ابتلع غصة مرّة، تساءل:أي أمر جلل جاء بهم؟
عندما مات الشاعر الانسان كان المشيعون قلة، لم يتجاوزوا عشرين أو ثلاثين. واليوم ودونما مناسبة كما يتهيأ للشاعر التمثال، لم يبق في البلد كبير أو صغير ، متعلم أو أمي، جزّار أو ماسح أحذية، موظف أو ، أو خادم في مطعم ، أو نادل في مقهى .. راكب دراجه أو عامل سائق شاحنة الا وقد حضر."
* القيد (قصة)
"أذكر فيما أذكره اليوم أنني كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية،كأي واحد من أبناء بلدتي الراقدة على ضفاف الفرات..أجرّ قدميَّ صباحا الى المدرسة على درب ترابيّ مثيراً ورائي سحابة من الغبار أيام الجفاف،أما في الشتاء عندما يتساقط المطر وتتحول الطرقات الى غدران ماء وطين؛ تغوص قدماي في الوحل ويتسرب الماء عبر ثقوب الحذاء ويبلل جوربيَّ فأظل أرتجف من البرد وأنا على المقعد الخشبي.
وأذكر أنني عدت يوما من المدرسة وقد أنهكني التعب والجوع، وجمّد البرد والصقيع أطرافي..دفعت الباب بيدي فسمعت صريرا كأنين المرضى، ثم دخلت.
نظرت حولي..بحثت عما يمكن أن يقضي على الرتابة في حياتنا ويبعث الأمل في نفوسنا..وجبة شهية، زائر يحمل هدية،مفاجأة..خبر..
لا جديد..
أمي تقبع في زاوية من زوايا الغرفة، تخيط بالإبرة قطعا من القماش مختلفة الشكل واللون لتصنع منها غطاء نتدثر به في ليالي الشتاء. أخي يلعب في باحة المنزل، أما أختي الصغرى فهي تحاول أن تقلد والدتي التي كانت تنهرها كلما مدت يدها لتأخذ خيطا أو إبرة.
صورة ميتة هذه التي أراها أمامي ..قاتمة ..سوداء، كل شيء تنقصه الحركة..ينقصه اللون والبريق،ينقصه نبض الحياة.
رميت كتبي على مقعد قديم ونظرت الى نفسي في المرآة،إنني صورة منهم..عيناي غائرتان ذابلتان، شعري أشعث مغبر، وجهي شاحب،جسمي هزيل..لوني يميل الى الاصفرار.سألت:ماذا لدينا على الغداء؟
ودون أن ترفع أمي رأسها قالت: لا شيء.
انتابني ضيق شديد،شعرت بألم في بطني وكدت أن أتقيأ.
صرخت:لا شيء..كيف؟ إنني أموت من الجوع.
ردت بغضب: لاتصرخ في وجهي.ماذا أفعل لك؟!
وقبل أن أغادر الغرفة جاءني صوتها:
-عندك الخبز والزيت والزعتر..
قلت بضيق:خبز! خبز.! لاشيء إلا الخبز! يا أمي حرام، والله حرام..رفاقي في المدرسة يأكلون اللحم والبيض والفاكهة..وأنا..
قالت مستنكرة: كلهم..؟!
استدركت: لا..ولكن..
قالت بلهجة صارمة: اسكت إذن ..لا تكفر بالنعمة،قد يأتي عليك يوم تركض وراء اللقمة فلا تجدها، وتنظر إلى القمر فتحسبه رغيفا أحمر..ثم..ما ذنبي أنا ؟! قل هذا الكلام لأبيك.
سألتها: أين أبي؟
أجابت دون اهتمام: لاأدري.
تساءلت: ترى ألم يجد عملا بعد أن سرحّ من وظيفته لعجز صحي؟ ألم يدفعوا له التعويض الذي وعدوه به؟ لقد وعدنا بوجبة شهية وحلوى وهدايا وألبسة. أذكر أنه قال لأمي: البرد قارس ياامرأة،والجوع كافر، والأولاد محرومون من كل شيء. ومنذ أن سمعنا ذلك ونحن نحلم باليوم الموعود، ونترقبه بفارغ الصبر."
* المقبرة (قصة)
"هممنا بالعودة بعد أن قرأنا الفاتحة..هدرت محركات السيارات وتحرك بعضها على عجل.
فاجأني صوت ضعيف خافت:
-هيه..أنت،انتظر..
شدني الصوت،تلفت يمينا ويسارا،نظرت ورائي، سمعت دقات قلبي،سرت رعشة في بدني..تساءلت: ماذا أصابني هل أنا أتوهم ؟!
كرر مرة أخرى: أنت ابق قليلا..أريدك.
تلكأت في المسير، تعثرت خطواتي..
نادى علي صاحب السيارة التي أقلتني:ما بك؟ماذا تنتظر؟
قلت وأنا أحاول أن أخفي دهشتي واضطرابي: لاشيء،أنا آت.
جاءني الصوت مرة أخرى: هيه..أنت أيها الرجل، نعم أنت ..ألا تسمعني؟! قلت لك انتظر.
كان الصوت ينسرب من أسفل القبر الذى وقفنا عنده قبل قليل.
وهنت قواي،تسمرت قدماي في الأرض.التفت الى الوراء،رماني رفيقي صاحب السيارة بنظرة دهشة واستنكار وقال لائما معاتبا عندما وصلت اليه:
-لم نبق إلا نحن ،أنا وأنت ،ما بك.
تهاويت بجانبه فكرر سؤاله:مابك؟ وجهك شاحب وأطرافك ترتجف لم هذا كله؟الموت علينا حق ،والميت كما أعلم ليس من ذويك ولا هو من أصدقائك المقربين.
ما كان عليك أن تنهار هكذا.
صمت لحظة ثم أضاف مستغربا:
-عيناك ذاهلتان دامعتان..هل بكيت؟
قلت وأنا أحاول أن أبرر موقفي:كلٌ يبكي على موتاه.
رد قائلا: هذا صحيح،ولكني ما عهدتك هكذا."
الشهيد بإذن الله إبراهيم خريط – ديرالزور – شام صافي -
إبراهيم خريط كاتب وأديب وقاص ومعلم وروائي سوري
ويبقى الأسد ونظامه عدواً للحضارة والثقافة والعلم .. في أبرز مظاهر هذه العداوة رزحنا تحت حكمه الذي أوغل فينا قتلاً وتمزيقاً في كيان الرقيّ .. حاول أهلنا في سورية كلٌّ في مجاله أن يكون فاعلاً في بناء سورية وأن يشارك في حملها ليساير ركب الحضارة في العالم مثل أي بلد متقدم من خلال نوابغه وعلمائه وأدبائه وفنانيه .. وها هو أديب مخضرم وكاتب شهير من أرض النهر، يقتله نظام أدنى في تعامله من بربرية حاقدة تقتله ثلة حكم ظالمة ما ميزت بين شيخ ولا امرأة ولا طفل أو شاب ولا رجل .. ولا بين المثقفين ولا العلماء ولا الكتاب ولا أصحاب المهن أو من لهم دور في إعداد الجيل، ومن كان يوماً من الأيام سهماً يستفيد منه النظام حين كان -طيلة فترة حكمه- يدّعي رعايته للثقافة والأدب؛ فيُغتال في ليلة كالحة السواد، ليلة مقمرة بقمر جديد لكنه هذه المرة شيخ في أواخر رحلة العطاء، يكتنز الكثير من الخبرة لجيل الحرية بمنة من الله وفضل بما شاء.
إبراهيم الخريط فارس القلم والكلمة والمواقف، ولد في مدينة دير الزور عام 1943 م، يحمل الإجازة في الفلسفة- جامعة دمشق، عمل في التدريس في ثانويات دير الزور لمادة الفلسفة وعلم الاجتماع، نشر قصصه الأولى في الصحف والمجلات السورية، وهو عضو في جمعية القصة والرواية وخبير في قراءة المخطوطات. وقد انشق عن الاتحاد هو وابن مدينته دير الزور الكاتب عبد الناصر العايد.
الأديب والروائي والقاص السوري عضو رابطة الكتاب السوريين أعدم بدير الزور هو وولده ( سومر ) أثناء قصف واجتياح المدينة من الجيش في مشهد بالغ القسوة والعدوانية. إذ استشهد وولده بتاريخ: 29/ 9/ 2012 – الساعة 5:21 ليل الخميس الجمعة.
إذ أقدم النظام السوري على اغتياله وابنه الشاب سومر، ولم يراع القتلة شيخوخة الكاتب الذي يقارب السبعين من عمره. كان إعدامه ميدانياً برصاص عصابات الطغمة الحاكمة والقوات النظامية التي داهمت حي القصور، وما زالت فرق الاغتيال تبحث عن ابنه الثاني ( راني ) لاستهدافه.
مؤلفاته:
1- القافلة والصحراء- قصص- 1989.
2- الحصار- قصص- 1994.
3- قصص ريفية- قصص- 1994.
4- الاغتيال - اتحاد الكتاب العرب بدمشق - 1997
5- حكايات ساخرة 1999
6- طقوس الرحلة الأخيرة- قصص 2001
7- فانتازيا- قصص 2005
8- الرحيل إلى المجهول- رواية 2010.
بضع مقتطفات من أعماله:
* التمثال (قصة)
"لملم التمثال أوراقه .. ضمها الى صدره، ابتلع غصة مرّة، تساءل:أي أمر جلل جاء بهم؟
عندما مات الشاعر الانسان كان المشيعون قلة، لم يتجاوزوا عشرين أو ثلاثين. واليوم ودونما مناسبة كما يتهيأ للشاعر التمثال، لم يبق في البلد كبير أو صغير ، متعلم أو أمي، جزّار أو ماسح أحذية، موظف أو ، أو خادم في مطعم ، أو نادل في مقهى .. راكب دراجه أو عامل سائق شاحنة الا وقد حضر."
* القيد (قصة)
"أذكر فيما أذكره اليوم أنني كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية،كأي واحد من أبناء بلدتي الراقدة على ضفاف الفرات..أجرّ قدميَّ صباحا الى المدرسة على درب ترابيّ مثيراً ورائي سحابة من الغبار أيام الجفاف،أما في الشتاء عندما يتساقط المطر وتتحول الطرقات الى غدران ماء وطين؛ تغوص قدماي في الوحل ويتسرب الماء عبر ثقوب الحذاء ويبلل جوربيَّ فأظل أرتجف من البرد وأنا على المقعد الخشبي.
وأذكر أنني عدت يوما من المدرسة وقد أنهكني التعب والجوع، وجمّد البرد والصقيع أطرافي..دفعت الباب بيدي فسمعت صريرا كأنين المرضى، ثم دخلت.
نظرت حولي..بحثت عما يمكن أن يقضي على الرتابة في حياتنا ويبعث الأمل في نفوسنا..وجبة شهية، زائر يحمل هدية،مفاجأة..خبر..
لا جديد..
أمي تقبع في زاوية من زوايا الغرفة، تخيط بالإبرة قطعا من القماش مختلفة الشكل واللون لتصنع منها غطاء نتدثر به في ليالي الشتاء. أخي يلعب في باحة المنزل، أما أختي الصغرى فهي تحاول أن تقلد والدتي التي كانت تنهرها كلما مدت يدها لتأخذ خيطا أو إبرة.
صورة ميتة هذه التي أراها أمامي ..قاتمة ..سوداء، كل شيء تنقصه الحركة..ينقصه اللون والبريق،ينقصه نبض الحياة.
رميت كتبي على مقعد قديم ونظرت الى نفسي في المرآة،إنني صورة منهم..عيناي غائرتان ذابلتان، شعري أشعث مغبر، وجهي شاحب،جسمي هزيل..لوني يميل الى الاصفرار.سألت:ماذا لدينا على الغداء؟
ودون أن ترفع أمي رأسها قالت: لا شيء.
انتابني ضيق شديد،شعرت بألم في بطني وكدت أن أتقيأ.
صرخت:لا شيء..كيف؟ إنني أموت من الجوع.
ردت بغضب: لاتصرخ في وجهي.ماذا أفعل لك؟!
وقبل أن أغادر الغرفة جاءني صوتها:
-عندك الخبز والزيت والزعتر..
قلت بضيق:خبز! خبز.! لاشيء إلا الخبز! يا أمي حرام، والله حرام..رفاقي في المدرسة يأكلون اللحم والبيض والفاكهة..وأنا..
قالت مستنكرة: كلهم..؟!
استدركت: لا..ولكن..
قالت بلهجة صارمة: اسكت إذن ..لا تكفر بالنعمة،قد يأتي عليك يوم تركض وراء اللقمة فلا تجدها، وتنظر إلى القمر فتحسبه رغيفا أحمر..ثم..ما ذنبي أنا ؟! قل هذا الكلام لأبيك.
سألتها: أين أبي؟
أجابت دون اهتمام: لاأدري.
تساءلت: ترى ألم يجد عملا بعد أن سرحّ من وظيفته لعجز صحي؟ ألم يدفعوا له التعويض الذي وعدوه به؟ لقد وعدنا بوجبة شهية وحلوى وهدايا وألبسة. أذكر أنه قال لأمي: البرد قارس ياامرأة،والجوع كافر، والأولاد محرومون من كل شيء. ومنذ أن سمعنا ذلك ونحن نحلم باليوم الموعود، ونترقبه بفارغ الصبر."
* المقبرة (قصة)
"هممنا بالعودة بعد أن قرأنا الفاتحة..هدرت محركات السيارات وتحرك بعضها على عجل.
فاجأني صوت ضعيف خافت:
-هيه..أنت،انتظر..
شدني الصوت،تلفت يمينا ويسارا،نظرت ورائي، سمعت دقات قلبي،سرت رعشة في بدني..تساءلت: ماذا أصابني هل أنا أتوهم ؟!
كرر مرة أخرى: أنت ابق قليلا..أريدك.
تلكأت في المسير، تعثرت خطواتي..
نادى علي صاحب السيارة التي أقلتني:ما بك؟ماذا تنتظر؟
قلت وأنا أحاول أن أخفي دهشتي واضطرابي: لاشيء،أنا آت.
جاءني الصوت مرة أخرى: هيه..أنت أيها الرجل، نعم أنت ..ألا تسمعني؟! قلت لك انتظر.
كان الصوت ينسرب من أسفل القبر الذى وقفنا عنده قبل قليل.
وهنت قواي،تسمرت قدماي في الأرض.التفت الى الوراء،رماني رفيقي صاحب السيارة بنظرة دهشة واستنكار وقال لائما معاتبا عندما وصلت اليه:
-لم نبق إلا نحن ،أنا وأنت ،ما بك.
تهاويت بجانبه فكرر سؤاله:مابك؟ وجهك شاحب وأطرافك ترتجف لم هذا كله؟الموت علينا حق ،والميت كما أعلم ليس من ذويك ولا هو من أصدقائك المقربين.
ما كان عليك أن تنهار هكذا.
صمت لحظة ثم أضاف مستغربا:
-عيناك ذاهلتان دامعتان..هل بكيت؟
قلت وأنا أحاول أن أبرر موقفي:كلٌ يبكي على موتاه.
رد قائلا: هذا صحيح،ولكني ما عهدتك هكذا."