شام | مقالة | ممانعة
إبراهيم طيار

لا أعرف من هو الشخص الذي اشتق لنا مصطلح " الممانعة " من جعبته اللغوية , و لكنني أجزم أنه " رجل " مُخنَّث.
مانعَ يُمانعُ مُمانعةً , أول تفسير يتبادر إلى ذهني لدى بحثي في جميع معاجم دماغي التي تأخذ بأوائل الكلماتِ أو بأواخرها , هو ذلك التفسير المرتبط بـ ( يتمنعنَّ و هـنَّ الراغبات ) , ثم يتبعه في التبادر مقطع من فيلم مصري قديم , يهمُّ فيه بطله ببطلتهِ في غرفةٍ مغلقةٍ شبه مظلمةٍ , فتتدلل عليه , و تتمنَّع عنه بلطفٍ مبالغٍ فيه هامسةً في أذنيه : مِش وقتو يا حبيبي ... , يقطع الرقيب المصري بقية المشهد , و يترك للمشاهدِ العربي فرصة تخيِّل ما سيحدث بعد ذلك من مشاهد حميمية.
بالنسبة إلي فقد كنت دائماً أتخيَلُ ذلك البطل يتابعُ دوره البطولي مع تلك البطلة دون اكتراثٍ بـ " مُمانعتها " , و هو على قناعةٍ تامة بأنَّ ممانعتها تلك ليست سوى مقبلاتٍ لا بدَّ منها تمهيداً للطبق الرئيسي.
و ليس ما يدفع مخيلتي الواسعةِ إلى هذه الفرضية أنني " راجل مبيختشيش " لا سمح الله , بل لأنَّ الواقع كان و ما زال منذ اشتقاق الممانعة لغةً و اصطلاحاً و ممارسة و حتى اليوم أوسع من خيالي الواسع بأضعاف مضاعفة.
" إسرائيل " تضرب و الممانعةُ " تُمانع " .
يخرج وزير الدفاع بشاربيه المفتولين و كامل ترسانته من النياشين و الأوسمة – التي لا ندري متى و كيف و لماذا حصل عليها – ليصرَّح على الهواء مباشرةً لطائرات العدو و صواريخه , هامساً بلطفٍ مبالغ فيه : مِش وقتو يا حبيبي .....
يقطع مقصُّ الرقيب بقية المشهد تاركاً للمشاهد العربي فرصة تخيِّل ما سيحدث بعد ذلك من مشاهد حميمية.
و خيال المشاهد العربي الواسع أوسع مما تتخيَّل أنظمة الممانعة , و لذلك تتهم تلك الأنظمة ذلك المشاهد دوماً بأنَّه : راجلِ مبيختشيش ....
ثم تتهم الإعلام العربي و الإعلام الأجنبي معه بأنه إعلام أبو عين زايغة , يتلصص من ثقوب الأبواب و دراخيشها على ما قد يفوت المشاهد العربي من مشاهد حميمية.
و لكنَّ الإعلام بريء من هذه التهمة براءة الذئب من دم ابن يعقوب , و المتَّهم الحقيقي هنا هو هذا " الزمن العاطل " الذي لم نعد فيه للأبواب ثقوب و لا دراخيش يعوُّلُ عليها في جعل التلصص السياسي ممتعاً كما كان عليه الحال أيَّام رشدي أباظة و تحية كاريوكا , فالأبواب طارت , و الغرف المظلمة لم تعد مظلمة , و المشاهد السياسية الحميمية أصبحت تصوَّرُ على الأرصفة و الشطآن و مسارح الهواء الطلق , و المُمانِعات من الأنظمة ينتظمن في محاور و أحلاف و نقابات , ويمارسن أدوارهن البطولية برخصةٍ نظامية .... و على عينك يا تاجر.

مانعَ يُمانعُ مُمانعةً 580313_550629048324052_154579971_n