لقلب النازف" فيلم وثائقي قصير أنتجه المركز الإعلامي التخصصي في اتحاد أحياء حمص وهو يرصد معاناة الأطفال في حمص الجريحة المسيّجة بالنار والحديد والبارود من خلال قبو يعيش فيه العشرات منهم، ولكل واحد منهم قصته ومعاناته وأنّاته التي لم يسمع بها أحد لأن صوت القصف كان أعلى من كل الأصوات، وقد أنجزت هذا الفيلم الناشطة الإعلامية "سما حمص" بالاشتراك مع زميلها المصور نضال خطاب الذي استشهد تحت التعذيب على يد شبيحة النظام قبل أن يكتمل العمل.
حول فكرة هذا الفيلم والظروف التي رافقت إنجازه تقول سما حمص لـ"زمان الوصل": تم تصوير الفيلم في مثل هذه الأيام من العام الماضي 2012 كنا نريد إنجاز فيلم عن الأطفال، وكنا حائرين في اختيار مكان للتصوير في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها حمص منذ أكثر من سنتين ونصف، حتى ّدلنا شاب يُدعى "كنان" على قبو في الوعر يضم عشرات الأطفال ممن صورناهم ورصدنا معاناتهم في هذا العمل، وللأسف تم اعتقال هذا الشاب بعد أيام قليلة من انتهاء التصوير ولا يزال أسيرالاعتقال لدى أجهزة النظام إلى الآن.
وتضيف "سما حمص" كان بطل العمل بامتياز المصور الشهيد نضال خطاب الملقب بـ"الحنون" -رحمه الله- الذي انتهى من إخراج العمل قبل يومين من استشهاده، و قال لي أريد أن أعرضه على القنوات, كنت مسرورة جداً لأننا أنجزنا هذا العمل وصار جاهزاً للعرض والانتشار ولكن بعد يومين تم اعتقاله من حاجز حسياء وتعذيبه حتى الموت، وضاعت النسخة المنجزة من العمل -أي النسخة التي أخرجها بشكل نهائي- و لم نجد هذه النسخة وربما بقيت معه في "اللابتوب" الذي صودر منه أثناء اعتقاله، وبعد بحث طويل عثرنا على نسخة إضافية غير منجزة، فقام شبان المركز الإعلامي التخصصي في اتحاد أحياء حمص باستكمالها وتم عرض العمل على قناة "سوريا الشعب" و كان من المفروض أن يُعرض على قنوات ثانية ولكن سوء النت منع من ذلك.
ثياب العيد ليوم الموت !
وتروي صاحبة "القلب النازف" جوانب من ظروف التصوير قائلة:
يوم قمنا بتصوير الأطفال المهجّرين داخل القبو كانت يدا "الحنون" ترتجفان من القهر والألم على وضع الأطفال المحزن وكان يقول لي: "لم أعد أقدر على التصوير، أريد أن أساعد هؤلاء الأطفال ولا أعرف كيف".
وعندما عدنا إلى البيت قال لي هل تذكرين تلك الطفلة التي كانت تبكي وهي تقول: "راح ظل لابسة تياب العيد مشان بس موت بكون لابستهن" هذه الطفلة كما قال لي الحنون: "كسرتلي قلبي من جوا ", كانت الدمعة في عينيه وحبسها.
وتضيف "سما حمص": صوّرنا الكثيرمن الأطفال الذين لم يظهروا في الفيلم لأسباب فنية, وهناك قصص بالتأكيد أكثر وجعاً وألماً من طفلة العيد لم تصل إليهم العدسة, وأتمنى من كل الناشطين أن لا ينسوا الأطفال لأنهم هم الذين دفعوا الضريبة الأكبر في هذه الحرب ولأنهم "عماد المستقبل".
وعن أسباب اختيارها لاسم "القلب النازف" لعملها تقول "سما حمص":
"القلب النازف" هو اسم لزهرة تنبت في الظل وتكبر, ما يميز هذه الزهرة أنها على شكل قلب، وتفرز مادة لونها أحمر سامة، والأطفال الذين يعيشون ويتربون في الأقبية يشبهون كثيراً هذه الوردة، إنهم مفرطو الجمال ولكن بما أن جوّ الأقبية ليس جوّهم الطبيعي سيتحول الكثيرون منهم عندما يكبرون إلى أشخاص عدوانيين ويصبحون "سمّا زعافاً " بالنسبة للمجتمع، لذلك أطلب من أجيالنا اليوم أن ينقذوا "الغد" بعيون أطفالنا.
وحول الظروف الأمنية التي رافقت تصوير هذا الفيلم تقول صاحبة العمل:
عندما صورنا الفيلم في الوعر السنة الماضية كان الحي لايزال خاضعاً لسيطرة النظام، ولم نتعرض للأذى أو الملاحقة باستثناء الشاب "كنان" الذي دلنا على القبو واعتقاله على أحد حواجز الريف الشرقي وقد تم اعتقاله على أحد حواجز الريف الشمالي ليس بسبب "القلب النازف" وإنما بسبب نشاطات أخرى له في خدمة الثورة.
وفي اليوم الأول لدخولنا القبو تعرفنا على الناس فيه, وذهبنا للتصوير في اليوم الثاني ففوجئنا بأن الكهرباء مقطوعة، وكان القبو معتماً فلم نستطع التصوير، وأردنا العودة في اليوم الثالث ولكننا خفنا أن يشي بنا أحدهم للأمن فتم تأجيل التصوير ليومين آخرين حتى جئنا للتصوير بلا موعد و أكملنا تصويرنا، وبالفعل في اليوم الذي لم نذهب فيه داهمت قوات من الأمن القبو وروّعت المهجرين فيه.
وحول مشاهداتها في القبو الذي شهد تصوير الفيلم وأوضاع النازحين فيه تقول "سما حمص":
كان الوضع في القبو مأساوياً جداً، غرف من "البلوك" إلى جانب بعضها البعض تم إنشاؤها دون إكساء على عجل لتؤوي كل هؤلاء الناس، كان وضع الأطفال هناك مزرياً، بعضهم ممزق الثياب وبعضهم كان مصاباً بالربو وبأمراض أخرى، كان أهاليهم طبعاً مسجلين كلهم بجمعيات ولكن إمكانيات هذه الجمعيات أقل من أن تغطي حاجاتاتهم، كانت المطابخ والحمامات في هذا القبو مشتركة في بداية لجوئهم ولكن فيما بعد قام أهل الخير ببناء حمام ومطبخ لكل غرفة.
الثورة حياة
وحول تفكيرها بتكرار هذه التجربة في إنجاز أعمال أخرى تقول صاحبة "القلب النازف":
عملنا في ظروف استثنائية للغاية لإنجاز هذا العمل أنا والصديق الشهيد "الحنون" وكانت لدينا أفكار ومشاريع كثيرة حول المعاقين, والمفقودين ومعاناة أهاليهم.
والمشاكل النفسية التي يتعرض لها الأطفال نتيجة أحداث سوريا، وأنجزنا بالفعل تقريراً صغيراً عن الأطفال والعيد تم عرضه على قناة "العربية"، ولكن استشهاد شريكي في العمل وتركي للبلد حالا دون متابعة المسيرة.
وعن رأيها بأهمية مثل هذه الوثائقيات في خدمة الثورة ورصد معاناة المهجّرين والمحاصرين تقول "سما حمص":
من أهم أهداف هذه الأفلام الوثائقية توثيق آلام الناس ومعاناتهم في غمرة الأحداث، وفي النهاية الثورة بدأت من أجل الانسان، من أجل حريته وكرامته وعيشه الكريم، فالثورة حياة، وأنا أكثر ما يهمني الأطفال لأنهم أبرياء لا ذنب لهم بما يجري ولم يختاروا واقعهم الأليم ومع ذلك دفعوا ضريبة غالية جداً من حياتهم وأمنهم واستقرارهم.