شاب من شباب التنسيقية يروي ما حدث له في أقبية السجون الأسدية
حيث نجا وذبح زملاؤه الناشطون الأربعة المتبقون تحت التعذيب .
( منقول )
حظيرة الموت ...
بسم الله أبدأ :
من حظيرة الموت أخرجتني يد الرحمن لكني لم أنسى يوماَ سكراته وآلامه ، ولم تنزع من رأسي بطاقة الذاكرة تلك البطاقة التي حمّلنا فيها مرغمين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر .. سرت في عروقي في دمائي تلك الفنتازيا المرعبة .. صنعوا في حظرتنا ولأجلنا أفلاماَ للخيال العلمي .. أرونا مملكة الشر بكل شخوصها .
فمنذ أن تم اقتيادنا إلى مسرح الجريمة تهاطلت علينا عبارات المديح والترحاب أن أهلاً يا أبناء الكذا والكذا والكذا .......... شتائم لم تكن لتخطر على بال بشر .. إبداع وتفنن في كل مفرداتها .. كانوا يستمتعون في شتم الذات الإلهية ، كنت تسمع منهم كل جديد في (فن) البذائة والحقد .. أمطرت أيديهم وأرجلهم وأسلحتهم أجسادنا وابلاً لا ينقطع من سياط الجحيم ، حتى ظننا أننا فيه ، حتى قبل أن تلفحنا نيرانه .. أدركنا العذاب قبل أن تشرع لنا راياته . حشرنا في مكانً لا يشبه أياً من الأماكن .. بدأ التحقيق وبدأت معه حرب البقاء ، فقد كانوا ينزعون منا الاعترافات نزعاً ، تارة يعلقوننا بين الأرض والسماء(نشبح) حتى تكاد أن تتقطع أيدينا وتشل أعصابنا ، وتارة تربط أطرافنا إلى كرسي بشكل عكسي ويرفع بنا حتى تصبح أجسادنا كالقوس ، إلى أن يكسر ظهر أحدنا ، على أن السياط لا تنقطع عنا ، وكأنها وابل من المطر ، يدرك كل عضو فينا لتصبح هذه الأعضاء فيما بعد ملونة بكل ألوان الطيف ، حيناً تحمر ، وحيناً تصبح زرقاء ، وحيناً عفنية من القيح ، وقد تكسر أو تشل إلى أن نفقد وعينا وقدرتنا على الاحتمال ، ويضطر بعضنا إلى أن يعترف بأشياء لم يفعلها ، لينقذ نفسه من العذاب .. يتكالبون علينا وكأنهم وحوش استساغت القتل والتنكيل ، حتى أننا لنفقد عقولنا من شدة التفكير . هل هؤلاء من البشر أم من الوحوش أم من جنس أخر استعذب رائحة الدم والقتل ، وبعد كل هذا العذاب كنا نلقى في أماكن ، لا تصلح لحياة البهائم ، فتختلط دماؤنا بالأوساخ ، لتجتمع علينا كل الأمراض ، ولنصبح عرضة للموت البطيء ، في سياسة ممنهجة ، يبتغى منها قتل كل من لم يمت بالسياط والتعذيب .. فكان يسقط كل يوم منا مالا يقل عن العشرين إلى الثلاثين شهيداً ، تلفّ أجسادهم بالبطانيات العسكرية عراة ، لا يحملون إلا أرقاماً تسلسلية ، تكتب على صدورهم ، يحصى فيها عدد الشهداء ، فيصار إلى تجميعيهم ليلاً وفي كل يوم ، فيلقون في أحد الحفر في مقابر جماعية ، لا يعلم أحد منا أو من ذويهم أين هي .؟ أما من ناضل منا في معركة البقاء فقد شهد مالم تشهده عين البشرية على مد العصور ، إلا في حقبها المظلمة ، أسرار العذاب وجرعات الموت ونزع الكرامة ، فقد كنا نشتاق إلى النوم اشتياقاً ، ونبحث عن أماكن نقضي فيها دقائقه ، بفتيلة وسراج ، يخصص لكل منا بضع سنتيمترات لنجلس فيها ساعة ، ويجلس أخر ساعة ، ويجلس ثالث ساعة ..
أما الطعام ، فقد كنا نحرمه ، ولو وجد ففي الصباح نفطر على ربع ملعقة من اللبن ، أو غيره لا تزيد ، ولكن تنقص . وفي الغداء لا يتغير لون الطعام ، ولو تغيرت الدنيا . لا تستطيع أن تتجرعه ولكن تأكله مرغماً ، لتضمن بقاءك حياً .. أما العشاء فقد كان جرعة إضافية ، تضمن أن تبقى حياً ، لتشهد في اليوم التالي فصلاً جديداً من فصول سلب كرامة الإنسان ، فعندما تريد أن تذهب إلى الخلاء ، تبدأ التحضير للسباق مع الزمن ، فخلال عشر عدّات ، عليك أن تقضي حاجتك ، وإلا فإنك تجر جراً خارج بيت الخلاء ، كما تجر البهائم ، وتلقى فوق الأوساخ ، وقد تحرم ليوم أو يومين من دخوله ، عندها لن تتمكن من التحكم في نفسك ، فتجد أن مكان جلوسك أصبح هو نفسه بيتاً للخلاء .
حيث نجا وذبح زملاؤه الناشطون الأربعة المتبقون تحت التعذيب .
( منقول )
حظيرة الموت ...
بسم الله أبدأ :
من حظيرة الموت أخرجتني يد الرحمن لكني لم أنسى يوماَ سكراته وآلامه ، ولم تنزع من رأسي بطاقة الذاكرة تلك البطاقة التي حمّلنا فيها مرغمين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر .. سرت في عروقي في دمائي تلك الفنتازيا المرعبة .. صنعوا في حظرتنا ولأجلنا أفلاماَ للخيال العلمي .. أرونا مملكة الشر بكل شخوصها .
فمنذ أن تم اقتيادنا إلى مسرح الجريمة تهاطلت علينا عبارات المديح والترحاب أن أهلاً يا أبناء الكذا والكذا والكذا .......... شتائم لم تكن لتخطر على بال بشر .. إبداع وتفنن في كل مفرداتها .. كانوا يستمتعون في شتم الذات الإلهية ، كنت تسمع منهم كل جديد في (فن) البذائة والحقد .. أمطرت أيديهم وأرجلهم وأسلحتهم أجسادنا وابلاً لا ينقطع من سياط الجحيم ، حتى ظننا أننا فيه ، حتى قبل أن تلفحنا نيرانه .. أدركنا العذاب قبل أن تشرع لنا راياته . حشرنا في مكانً لا يشبه أياً من الأماكن .. بدأ التحقيق وبدأت معه حرب البقاء ، فقد كانوا ينزعون منا الاعترافات نزعاً ، تارة يعلقوننا بين الأرض والسماء(نشبح) حتى تكاد أن تتقطع أيدينا وتشل أعصابنا ، وتارة تربط أطرافنا إلى كرسي بشكل عكسي ويرفع بنا حتى تصبح أجسادنا كالقوس ، إلى أن يكسر ظهر أحدنا ، على أن السياط لا تنقطع عنا ، وكأنها وابل من المطر ، يدرك كل عضو فينا لتصبح هذه الأعضاء فيما بعد ملونة بكل ألوان الطيف ، حيناً تحمر ، وحيناً تصبح زرقاء ، وحيناً عفنية من القيح ، وقد تكسر أو تشل إلى أن نفقد وعينا وقدرتنا على الاحتمال ، ويضطر بعضنا إلى أن يعترف بأشياء لم يفعلها ، لينقذ نفسه من العذاب .. يتكالبون علينا وكأنهم وحوش استساغت القتل والتنكيل ، حتى أننا لنفقد عقولنا من شدة التفكير . هل هؤلاء من البشر أم من الوحوش أم من جنس أخر استعذب رائحة الدم والقتل ، وبعد كل هذا العذاب كنا نلقى في أماكن ، لا تصلح لحياة البهائم ، فتختلط دماؤنا بالأوساخ ، لتجتمع علينا كل الأمراض ، ولنصبح عرضة للموت البطيء ، في سياسة ممنهجة ، يبتغى منها قتل كل من لم يمت بالسياط والتعذيب .. فكان يسقط كل يوم منا مالا يقل عن العشرين إلى الثلاثين شهيداً ، تلفّ أجسادهم بالبطانيات العسكرية عراة ، لا يحملون إلا أرقاماً تسلسلية ، تكتب على صدورهم ، يحصى فيها عدد الشهداء ، فيصار إلى تجميعيهم ليلاً وفي كل يوم ، فيلقون في أحد الحفر في مقابر جماعية ، لا يعلم أحد منا أو من ذويهم أين هي .؟ أما من ناضل منا في معركة البقاء فقد شهد مالم تشهده عين البشرية على مد العصور ، إلا في حقبها المظلمة ، أسرار العذاب وجرعات الموت ونزع الكرامة ، فقد كنا نشتاق إلى النوم اشتياقاً ، ونبحث عن أماكن نقضي فيها دقائقه ، بفتيلة وسراج ، يخصص لكل منا بضع سنتيمترات لنجلس فيها ساعة ، ويجلس أخر ساعة ، ويجلس ثالث ساعة ..
أما الطعام ، فقد كنا نحرمه ، ولو وجد ففي الصباح نفطر على ربع ملعقة من اللبن ، أو غيره لا تزيد ، ولكن تنقص . وفي الغداء لا يتغير لون الطعام ، ولو تغيرت الدنيا . لا تستطيع أن تتجرعه ولكن تأكله مرغماً ، لتضمن بقاءك حياً .. أما العشاء فقد كان جرعة إضافية ، تضمن أن تبقى حياً ، لتشهد في اليوم التالي فصلاً جديداً من فصول سلب كرامة الإنسان ، فعندما تريد أن تذهب إلى الخلاء ، تبدأ التحضير للسباق مع الزمن ، فخلال عشر عدّات ، عليك أن تقضي حاجتك ، وإلا فإنك تجر جراً خارج بيت الخلاء ، كما تجر البهائم ، وتلقى فوق الأوساخ ، وقد تحرم ليوم أو يومين من دخوله ، عندها لن تتمكن من التحكم في نفسك ، فتجد أن مكان جلوسك أصبح هو نفسه بيتاً للخلاء .