الحفاظ على القانون الدولي لن يكون بضربة تجميلية  ، وإنما بضربة كبرى تليق بالكبار :
بقلم : ابو ياسر السوري
الولايات المتحدة الأمريكية ، هي القطب الأوحد في العالم اليوم ، وعليها تقع المسؤولية الكبرى في الحفاظ على القانون الدولي الذي يحكم العالم ، ويرسم خطط التعايش بين مكونات المنظومة الدولية فوق هذه الأرض . وقد كان إنشاء منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة لاهاي ومنظمة اليونيسيف والجمعية العامة .. لقد كانت هذه المنظمات جميعا من أجل أن يظل العالم في سلم وسلام ، وأمن وأمان ، وأن لا يتعرض أي شعب في الأرض للإبادة ، تحت أي اعتبار ..
والحالة السورية ، وطبقا للقانون الدولي العام ،  توجب على أمريكا وعلى العالم كله أن يعملوا على إيقاف الآلة الحربية الأسدية الغاشمة ، التي تقوم على مدار الساعة ، ومنذ 30 شهرا بحصد أرواح المئات من أبناء شعب لم يكن له ذنب سوى مطالبته بحريته . فكان رد نظامه المستبد عليه ، أن يقتله بكل سلاح لديه ، تقليدي وغير تقليدي .. ولأول مرة في التاريخ أن شعبا يشن عليه نظامه الحاكم حربا بالدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ والطيران المروحي والحربي .. ولأول مرة في التاريخ يقوم نظام حاكم بتدمير البيوت فوق رؤوس مواطنيه ، من أجل أن يبقى حاكما عليهم ..
وإذا كنا نسجل هذه الأولوية لنظام الأسد الحاكم في سوريا .. فيجب أن لا ننسى أن العالم الحر كان وما زال يشاهد كل ممارسات الأسد القمعية ، ويسكت عليها . فلا يشجب ولا يستنكر ولا يمتعض ولا يعترض . بل كان يطمئن المجرم بأنه لن يتدخل أحد بينه وبين الشعب ، وله أن يقمع الحراك بما شاء ، وكيفما شاء ...
وللتغطية على هذا التخاذل الدولي قام أصحاب الشأن بتوصيف ما يجري في سوريا على أنه ليس بثورة شعبية على نظام حكم فاسد ومستبد ، وإنما هو حرب أهلية ، وصراع مذهبي طائفي عرقي ، لا ينبغي أن يتدخل فيه أحد .. مع أن حراك الشعب بدأ سلميا ، واقتصرت مطالبه على الإصلاح ، والانتقال بالحكم من الديكتاتورية إلى الديمقراطية . ومع أن شعاراته كانت تردد وتقول ( واحد . واحد . واحد . الشعب السوري واحد ) .
لم تكن هنالك إرادة دولية لإنهاء الأزمة ، وإنما كانت الإرادة الدولية تفضل إدارة الأزمة . وكان هنالك شبه إجماع عالمي " غربي - شرقي - عربي " على ضرورة قمع الثورة ، وإبقاء الأسد على كرسيه .. فلما أحس الشعب بأن العالم قد أذن للأسد وعصابته بقمع الثورة ، رفع الشعب شعار ( الموت ولا المذلة ) .. فتغول الأسد وبدأ يحصد الأرواح بغير حساب ، حتى اضطر الثوار أخيراً إلى حمل السلاح خوفا من الإبادة الكاملة . وتفاقمت الأزمة ، وصعَّد النظامُ في عمليات القمع ، وصار يلوِّحُ باستخدام الكيمياوي ، وعندها ألهم الله أوباما أن يتكلم ، فقال ثلاث كلمات ( الكيمياوي خط أحمر) ... وفهم النظام من هذا التصريح ، أنه ممنوع أن يستخدم الكيمياوي في قتل الشعب ، وأنه لا بأس عليه أن يقتله بأي سلاح آخر لديه ، وبكل القنابل حتى المحرمة دوليا .. من القنابل الفراغية ، إلى المنثار ، إلى النابالم ، إلى البراميل المتفجرة ذات القدرة التدميرية العالية ، فالواحد منها يهدم عددا من المباني ، ويودي بحياة المئات .
وأخيرا ، أراد النظام اختبار أوباما ، فتجاوز خطه الأحمر بكميات محدودة من الكيمياوي ، فلم يحرك أوباما ساكنا . مما شجع النظام على التمادي في تجاوز الخط الأوبامي الأحمر ، ففعلها 62 مرة ، والعالم كله يرى ضحايا الكيماوي ، ويسمع استغاثة ذويهم ، ولكن لا أحد يتحرك . لأن أوباما صاحب الخط الأحمر لم يردع المخالف ، ولم ينكر عليه .. مما شجع الأسد أخيرا أن يقوم بهجومه الكيمياوي الكبير . الذي بلغ عدد المصابين فيه 15 ألفاً . مات منهم ما لا يقل عن عشرة آلاف . تم توثيق 1681 ضحية ، والقلة القليلة الذين لم يموتوا ، سوف يعيشون بقية حياتهم معوقين ...
لقد استطاع الأسد أن يضع مصداقية أوباما وأمريكا على المحك ، واستطاع أن يضع مصداقية المجتمع الدولي الحر كله على المحك .. فإما أن يكونوا أو يكون ... لقد أحدثت هذه الضربة زلزالا ، هز الأرض من تحت أقدام الكبار ، وأحسوا أن ديكتاتورا صنعوه بأيديهم ، وشجعوه على الإجرام ، قام بخرق القانون الدولي ، واحتقار من كتبوه . لقد استخدم سلاحا من أسلحة الدمار الشامل ، غير مكترث لأحد .. وصار لزاما على هؤلاء الكبار أن يضطلعوا بمسؤولياتهم ، ويأخذوا على يديه ، وإلا فعلى قانونهم الدولي السلام .
أوباما ، يحرك ست قطع حربية من الأسطول الأمريكي السادس ، تحمل أكثر من 600 صاروخ كروز وتوماهوك .. وفوقها مئات الطائرات الحربية العملاقة .. وفرنسا تنضم إلى أمريكا ، وتنضم السعودية وقطر وتركيا .. وما زال الباب مشرعا لانضمام الآخرين .. إن تحالفا دوليا يتنامى الآن لحظة بلحظة وساعة بساعة ، فإذا استوى على سوقه ، أعطيت إشارة البدء ، وكان الحساب .
يقولون : إنها ضربة تجميلية ، ومن قبلها قالوا : إنهم سيضربون رتلا متوجها من طرابلس الغرب إلى بنغازي ، فماذا كان .؟ لقد طار القذافي ، وصار في خبر كان .. وكذلك سيكون الشأن في سوريا ، إنهم يعلنون عن ضربة محدودة ، ويمكن أن تمتد حدودها ، إلى أن يتم إسقاط الأسد أو قتله بإحدى الغارات الجوية ، أو تمكين الثوار منه ليقتلوه بأيديهم .. ويمكن أن تمتد حدودها ، حتى تقضي على السلاح الكيمياوي ، وعلى الصواريخ البلاستيكية التي يقصف بها المدنيون ، وعلى كل مستودعات الأسلحة والذخائر الحربية ، وعلى كل قصور الطاغية ، ومطاراته الحربية ، ومحطات راداراته ومراكز اتصالاته ... ثم يترك حسابه الأخير وحساب عصابته إلى الجيش الحر ، الذي يصفي معهم بقية الحساب .
لن تعمد أمريكا إلى ضربة تجميلية ، فليس هذا من طبيعة الكبار .. فالكبير إما أن يضرب فيوجع ، وإما أن لا يفعل .. ولو كانت ضربة أمريكا للأسد ضربة تجميلية كما يشاع في وسائل الإعلام . لما احتاجت إلى كل هذا الإعداد الضخم ... ولما استنفرت تحالفا دوليا ، ولما أشركت معها الدول العربية .. وكان يكفيها أن ترسل إليه سربا من الطيران الحربي ، من إحدى قواعدها في تركيا أو الخليج ، فتقصف بعض مواقعه  العسكرية ، وترجع أدراجها .. ولكن الشأن غير ذلك .. إنها ضربة كبرى ، تليق بدولة كبرى .. وهذا ما قاله جون ماكين .. إما ضربة تطيح بالأسد ، وترسم مصير كل طاغية يتخطى القانون الدولي ، وإلا فعدم الضربة أولى .. لأنها سوف تسيء إلى أمريكا ، وتسيء إلى القانون الدولي المحميِّ بسلاح الكبار .