شام | مقالة | لا تنفّروهم من الإسلام
مجاهد ديرانية
استيقظ الناس في سوريا فجأة بعد نوم طويل، بعد نصف قرن من تسلط الأنظمة البعثية والاشتراكية والقومية والناصرية والعلمانية، فوجدوا أنهم يحبون الحرية والإسلام، وثاروا من أجل الحرية ومن أجل الإسلام، فلم يلبث أن جاء منّا قوم يريدون أن يحرموهم من حريتهم الوليدة وينفّروهم من الإسلام الذي يحبون. أيعمل هذا عاقلٌ محب لدينه يا ناس؟
إنها فرصة من فرص الزمان التي لا تتكرر؛ لقد كفر غالبية السوريين بأديان البشر وانصرفوا إلى الدين الذي بعثه خالق البشر للبشر على يد صفوة البشر وأحبهم إليه، محمد صلى الله عليه وسلم، فمَن كان يحب الله ورسوله ويحب هذا الدين العظيم فلا يضيّعنَّ هذه الفرصة. إن أحرار سوريا يريدون أن يتعلموا دينهم وأن يجعلوا الإسلام منهجاً للحياة؛ إنهم يحبونه ويرغبون فيه صادقين، كانوا كذلك من أول الثورة وما يزالون، ولكن يؤسفني أن أقول إن حماستهم اليوم أقل ممّا كانت عليه قبل عام، والسبب هو التصرفات الهوجاء والممارسات الخرقاء التي يقوم بها البعض باسم الإسلام، ممن يظنون أنهم يحسنون إليه وهم إليه يسيئون.
لو أن المسألة كانت خسارة عَرَض من أعراض الدنيا لهانت وأمكن السكوت، أمَا والخاسر هو الإسلام والضحية هي الدين فلا والله لا يصح السكوت ولا يجوز، فمن أجل ذلك كتبت هذه الكلمات، ومن أجل ذلك أدعو مَن هو أفضل مني وأعلم ليكتب ما هو خير منها وأقوم، وأدعو إخواني الدعاة والمجاهدين في سوريا إلى التمعن فيها وتدبر معانيها، عسى أن يشرح الله صدورهم لقبولها والعمل بما فيها.
* * *
هذا وقت الدعوة يا شباب الإسلام، ليس وقت الدولة. اقتدوا بسنّة نبيكم عليه صلاة الله وسلامه، فإنه ما زال يدعو الناس حتى استجابت له وآمنت به جماعةٌ من الناس أسّست دولةَ الإسلام. إن دولة الإسلام لا تقوم بالإكراه ولا يُجمَع لها الناس كما تُجمَع البهائم والسوائم، ولكنها تقوم باجتماع العقلاء المختارين على الإسلام ورضاهم به ورغبتهم فيه، ولا يكون كل ذلك إلا بالدعوة والإقناع. ثم إن دولة الإسلام لا يصلح لها إلا الأحرار، أما العبيد الذين تسوقهم عصا السلطان فليس للإسلام حاجة بهم ولا ينفعونه في معركته الفاصلة مع الأعداء. انظروا إلى مصر اليوم: مَن الذين حملوا عبء المعركة ضد الكفر والاستبداد؟ لم يحملها إلا الأحرار، أما العبيد فإنهم جند الطغاة ووَقود الطغيان.
يا أيها المجاهدون: ليس مطلوباً منكم أن تحلّلوا وتحرّموا وتُلزموا الناس بما ترونه صواباً من أحكام الإسلام، إنما يريد الناس منكم أربعة أشياء: يريدون الأمن، فإنهم لا يستطيعون العيش إذا لم تضربوا على أيدي الأشرار والمعتدين وتحاسبوا اللصوص والمفسدين. ويريدون القضاء العادل، لأن الناس لا يعيشون إلا بالقضاء ولا تقوم المجتمعات الصالحة المستقرة إلا به. ويريدون توفير الحاجات الأساسية، من مأوى وغذاء ودواء، فإنها أهم مقومات البقاء. ويريدون الحرية والعدل والكرامة، فإنهم ما ثاروا إلا على الظلم والقهر والاستبداد. وفّروا لهم ما يريدون، أو ابذلوا في توفيره ما تستطيعون، يكن عملكم أبلغَ أثراً في الدعوة إلى الله من كل القوانين والفَرَمانات.
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري (وفي الباب نحوه عن أنس بن مالك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: "بَشّروا ولا تنفّروا، ويَسّروا ولا تُعَسّروا". وإن في هذه الوصية النبوية العظيمة خصوصيةً تدركها العينُ البصيرة، لأنها جاءت في سياق البعوث والسرايا، أي في الوفادة على قوم لم يألفوا الحياة تحت سلطان الدولة الإسلامية، ولَعَمري إن هذا الحال ليشبه حال قوم خرجوا من حكم بعثي اشتراكي علماني كافر عاشوا في عتمته (ولا أقول تحت ظله) نصف قرن من الزمان.
وللإمام النووي في شرح الحديث كلام نفيس، قال: "وفيه تأليفُ مَن قَرُب إسلامه وتَرْكُ التشديد عليهم، وكذلك مَن تاب من المعاصي، كلهم يُتلطَّف بهم ويُدَرَّجون في أنواع الطاعة قليلاً قليلاً. وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى يُسّرت على الداخل في الطاعة أو المُريد للدخول فيها سَهُلت عليه وكانت عاقبته التزايد منها، ومتى عُسّرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم عليها". ثم قال: "وفيه أمر الولاة بالرفق مطلقاً".
* * *
ثم إن أحداً لا يستطيع الزعم أنه يطبق الإسلام الحق وأنه يقدمه خالصاً للناس. إننا نستطيع أن نقدم للناس "فهمَنا" للإسلام، نستطيع أن نختار حكماً من الأحكام أو مذهباً من المذاهب، لكننا لا نستطيع أبداً أن نقول إن هذا هو الإسلام الذي لا يصح إسلامُ مَن يخالفه.
عن بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي (ونحوه عن النعمان بن مقرّن) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّر رجلاً على سريّة أوصاه وصية منها: "وإذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا". أخرجه مسلم في صحيحه، والألباني في صحيح ابن ماجه وصحيح الترمذي.
وعلق على هذا الحديث صاحبُ أضواء البيان -في تفسير قوله تعالى في الأعراف: {قُلْ إنّما حَرّم ربيَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن} إلى قوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}- فذكر الحديث ثم قال: وفيه النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن نسبة حكم إلى الله، ولأجل هذا كان أهل العلم لا يتجرؤون على القول بالتحريم والتحليل إلا بنص من كتاب الله أو سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عبد البر في جامعه: قال الربيع بن خيثم: إياكم أن يقول الرجل في شيء إن الله حرّم هذا أو نهى عنه فيقول الله: كذبت، لم أحرّمه ولم أنْهَ عنه. وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب أنهما سمعا مالك بن أنس يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَن مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً اقتدى به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، إنما كانوا يقولون: نكره هذا ونرى هذا حسناً. وزاد عتيق بن يعقوب: ولا يقولون حلال ولا حرام.
وقال القرطبي في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرام}: عن الأعمش قال: ما سمعت إبراهيم قط يقول حلال ولا حرام، ولكن كان يقول: كانوا يكرهون، كانوا يستحبون. وقال ابن وهب: قال مالك: لم يكن من فُتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقولون: إياكم وكذا وكذا، ولم أكن لأصنع هذا. ثم قال: إذا كان مالك وإبراهيم النخعي وغيرهما من أكابر أهل العلم لا يتجرؤون أن يقولوا في شيء من مسائل الاجتهاد والرأي: هذا حلال أو حرام، فما ظنك بغيرهم من المقلدين الذين لم يستضيئوا بشيء من نور الوحي؟
* * *
فيا أيها الدعاة، يا أيها المجاهدون: إن الغاية الكبرى التي نريدها ونتمناها أن يكون الإسلام هو اختيار السوريين الأحرار جميعاً: {ويكون الدين كله لله}، وهذا لا يكون إلا بالدعوة والرفق والإقناع وتأليف القلوب. ولا تظنوا أن الناس اليوم هم ناس الأمس الذين كانوا يقبلون الدنيّة والهوان، فإن الضغط والإكراه وتهديد الكرامة والحرية توشك كلها أن تصدّ الناس عن الإسلام، أفيرضى أحد منكم أن يكون صادّاً عن سبيل الله لا قدّر الله؟
لا يرضى مسلم عاقل مخلص أن يصد عن سبيل الله، بل إنه ليضحي بنفسه لترتفع راية الإسلام خفّاقة في أيدي المؤمنين الأحرار من أهل الشام. فترفّقوا بإخوانكم ولينوا في أيديهم، واعتمدوا على الدعوة لبلوغ الغايات، وافتحوا قلوبهم بقوة الكلمة لا بقوة السلطان، فإن القوة تزول فيزول أثرها، والكلمة تُحفَظ وتبقى ويبقى أثرها إلى آخر الزمان.
مجاهد ديرانية
استيقظ الناس في سوريا فجأة بعد نوم طويل، بعد نصف قرن من تسلط الأنظمة البعثية والاشتراكية والقومية والناصرية والعلمانية، فوجدوا أنهم يحبون الحرية والإسلام، وثاروا من أجل الحرية ومن أجل الإسلام، فلم يلبث أن جاء منّا قوم يريدون أن يحرموهم من حريتهم الوليدة وينفّروهم من الإسلام الذي يحبون. أيعمل هذا عاقلٌ محب لدينه يا ناس؟
إنها فرصة من فرص الزمان التي لا تتكرر؛ لقد كفر غالبية السوريين بأديان البشر وانصرفوا إلى الدين الذي بعثه خالق البشر للبشر على يد صفوة البشر وأحبهم إليه، محمد صلى الله عليه وسلم، فمَن كان يحب الله ورسوله ويحب هذا الدين العظيم فلا يضيّعنَّ هذه الفرصة. إن أحرار سوريا يريدون أن يتعلموا دينهم وأن يجعلوا الإسلام منهجاً للحياة؛ إنهم يحبونه ويرغبون فيه صادقين، كانوا كذلك من أول الثورة وما يزالون، ولكن يؤسفني أن أقول إن حماستهم اليوم أقل ممّا كانت عليه قبل عام، والسبب هو التصرفات الهوجاء والممارسات الخرقاء التي يقوم بها البعض باسم الإسلام، ممن يظنون أنهم يحسنون إليه وهم إليه يسيئون.
لو أن المسألة كانت خسارة عَرَض من أعراض الدنيا لهانت وأمكن السكوت، أمَا والخاسر هو الإسلام والضحية هي الدين فلا والله لا يصح السكوت ولا يجوز، فمن أجل ذلك كتبت هذه الكلمات، ومن أجل ذلك أدعو مَن هو أفضل مني وأعلم ليكتب ما هو خير منها وأقوم، وأدعو إخواني الدعاة والمجاهدين في سوريا إلى التمعن فيها وتدبر معانيها، عسى أن يشرح الله صدورهم لقبولها والعمل بما فيها.
* * *
هذا وقت الدعوة يا شباب الإسلام، ليس وقت الدولة. اقتدوا بسنّة نبيكم عليه صلاة الله وسلامه، فإنه ما زال يدعو الناس حتى استجابت له وآمنت به جماعةٌ من الناس أسّست دولةَ الإسلام. إن دولة الإسلام لا تقوم بالإكراه ولا يُجمَع لها الناس كما تُجمَع البهائم والسوائم، ولكنها تقوم باجتماع العقلاء المختارين على الإسلام ورضاهم به ورغبتهم فيه، ولا يكون كل ذلك إلا بالدعوة والإقناع. ثم إن دولة الإسلام لا يصلح لها إلا الأحرار، أما العبيد الذين تسوقهم عصا السلطان فليس للإسلام حاجة بهم ولا ينفعونه في معركته الفاصلة مع الأعداء. انظروا إلى مصر اليوم: مَن الذين حملوا عبء المعركة ضد الكفر والاستبداد؟ لم يحملها إلا الأحرار، أما العبيد فإنهم جند الطغاة ووَقود الطغيان.
يا أيها المجاهدون: ليس مطلوباً منكم أن تحلّلوا وتحرّموا وتُلزموا الناس بما ترونه صواباً من أحكام الإسلام، إنما يريد الناس منكم أربعة أشياء: يريدون الأمن، فإنهم لا يستطيعون العيش إذا لم تضربوا على أيدي الأشرار والمعتدين وتحاسبوا اللصوص والمفسدين. ويريدون القضاء العادل، لأن الناس لا يعيشون إلا بالقضاء ولا تقوم المجتمعات الصالحة المستقرة إلا به. ويريدون توفير الحاجات الأساسية، من مأوى وغذاء ودواء، فإنها أهم مقومات البقاء. ويريدون الحرية والعدل والكرامة، فإنهم ما ثاروا إلا على الظلم والقهر والاستبداد. وفّروا لهم ما يريدون، أو ابذلوا في توفيره ما تستطيعون، يكن عملكم أبلغَ أثراً في الدعوة إلى الله من كل القوانين والفَرَمانات.
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري (وفي الباب نحوه عن أنس بن مالك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: "بَشّروا ولا تنفّروا، ويَسّروا ولا تُعَسّروا". وإن في هذه الوصية النبوية العظيمة خصوصيةً تدركها العينُ البصيرة، لأنها جاءت في سياق البعوث والسرايا، أي في الوفادة على قوم لم يألفوا الحياة تحت سلطان الدولة الإسلامية، ولَعَمري إن هذا الحال ليشبه حال قوم خرجوا من حكم بعثي اشتراكي علماني كافر عاشوا في عتمته (ولا أقول تحت ظله) نصف قرن من الزمان.
وللإمام النووي في شرح الحديث كلام نفيس، قال: "وفيه تأليفُ مَن قَرُب إسلامه وتَرْكُ التشديد عليهم، وكذلك مَن تاب من المعاصي، كلهم يُتلطَّف بهم ويُدَرَّجون في أنواع الطاعة قليلاً قليلاً. وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى يُسّرت على الداخل في الطاعة أو المُريد للدخول فيها سَهُلت عليه وكانت عاقبته التزايد منها، ومتى عُسّرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم عليها". ثم قال: "وفيه أمر الولاة بالرفق مطلقاً".
* * *
ثم إن أحداً لا يستطيع الزعم أنه يطبق الإسلام الحق وأنه يقدمه خالصاً للناس. إننا نستطيع أن نقدم للناس "فهمَنا" للإسلام، نستطيع أن نختار حكماً من الأحكام أو مذهباً من المذاهب، لكننا لا نستطيع أبداً أن نقول إن هذا هو الإسلام الذي لا يصح إسلامُ مَن يخالفه.
عن بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي (ونحوه عن النعمان بن مقرّن) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّر رجلاً على سريّة أوصاه وصية منها: "وإذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا". أخرجه مسلم في صحيحه، والألباني في صحيح ابن ماجه وصحيح الترمذي.
وعلق على هذا الحديث صاحبُ أضواء البيان -في تفسير قوله تعالى في الأعراف: {قُلْ إنّما حَرّم ربيَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن} إلى قوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}- فذكر الحديث ثم قال: وفيه النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن نسبة حكم إلى الله، ولأجل هذا كان أهل العلم لا يتجرؤون على القول بالتحريم والتحليل إلا بنص من كتاب الله أو سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عبد البر في جامعه: قال الربيع بن خيثم: إياكم أن يقول الرجل في شيء إن الله حرّم هذا أو نهى عنه فيقول الله: كذبت، لم أحرّمه ولم أنْهَ عنه. وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب أنهما سمعا مالك بن أنس يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَن مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً اقتدى به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، إنما كانوا يقولون: نكره هذا ونرى هذا حسناً. وزاد عتيق بن يعقوب: ولا يقولون حلال ولا حرام.
وقال القرطبي في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرام}: عن الأعمش قال: ما سمعت إبراهيم قط يقول حلال ولا حرام، ولكن كان يقول: كانوا يكرهون، كانوا يستحبون. وقال ابن وهب: قال مالك: لم يكن من فُتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقولون: إياكم وكذا وكذا، ولم أكن لأصنع هذا. ثم قال: إذا كان مالك وإبراهيم النخعي وغيرهما من أكابر أهل العلم لا يتجرؤون أن يقولوا في شيء من مسائل الاجتهاد والرأي: هذا حلال أو حرام، فما ظنك بغيرهم من المقلدين الذين لم يستضيئوا بشيء من نور الوحي؟
* * *
فيا أيها الدعاة، يا أيها المجاهدون: إن الغاية الكبرى التي نريدها ونتمناها أن يكون الإسلام هو اختيار السوريين الأحرار جميعاً: {ويكون الدين كله لله}، وهذا لا يكون إلا بالدعوة والرفق والإقناع وتأليف القلوب. ولا تظنوا أن الناس اليوم هم ناس الأمس الذين كانوا يقبلون الدنيّة والهوان، فإن الضغط والإكراه وتهديد الكرامة والحرية توشك كلها أن تصدّ الناس عن الإسلام، أفيرضى أحد منكم أن يكون صادّاً عن سبيل الله لا قدّر الله؟
لا يرضى مسلم عاقل مخلص أن يصد عن سبيل الله، بل إنه ليضحي بنفسه لترتفع راية الإسلام خفّاقة في أيدي المؤمنين الأحرار من أهل الشام. فترفّقوا بإخوانكم ولينوا في أيديهم، واعتمدوا على الدعوة لبلوغ الغايات، وافتحوا قلوبهم بقوة الكلمة لا بقوة السلطان، فإن القوة تزول فيزول أثرها، والكلمة تُحفَظ وتبقى ويبقى أثرها إلى آخر الزمان.