لا أحب السفر إلى القمر ولو مجانا ..!!
بقلم : أبو ياسر السوري
بمناسبة نشر إعلان عن التفكير بتنظيم رحلة إلى سطح القمر ، وبتذكرة قدرها مليار ونصف المليار دولار أمريكي .. سئلتْ إحدى الصحفيات : لو دُعيتِ للقيام بهذه الرحلة إلى القمر مجانا هل تقبلين .؟ فأجابت تلك الصحفية دون تردد : لا أريد السفر إلى القمر ولو مجانا .!!
فطرحتُ هذا السؤال على نفسي؟ فخالجني شيء من الخوف ، واعتراني شعور بالوحشة ، فقد سبق لي أن قرأتُ في علم الفلك معلومات تقول : إن الفضاء الخارجي بعد اجتياز الغلاف الجوي المحيط بالأرض مغبرٌّ قاتم كئيب ، أشبه ما يكون بالجو الذي يقوم الغبار فيه بحجب الرؤية عنك ، فلا يمكنك معه أن ترى إلا لبضعة أمتار . فما الذي يدعوني لقبول هذه الرحلة الكئيبة .؟ وخير منها أن أسافر بسيارتي على الأرض إلى تركيا مثلا ، حيث الطبيعة الخضراء ، والحدائق الغناء ، والجوُّ الحالم البليل ، والهواء البارد العليل .
ثم مالي ولرحلة تكتنفها المخاطر من كل جانب ، ألا يمكن أن يحدث في مكوك الرحلة خلل ما ، يذهب بحياة المسافرين إلى القمر ، فيقضى عليهم بين السماء والأرض .؟ وهل يمكن أن ننسى أنه في 1/1/ 1986 انفجر مكوك الفضاء تشالنجر الأمريكي بعد إطلاقه بدقيقة و13 ثانية ، فتمزقت أجساد رواد الفضاء السبعة ، الذين كانوا على متنه أشلاء ، واحترقوا جميعا ، ولم يعثر لهم على أثر .. أليس من الجائز أن تتكرر تلك المأساة ، وتضيع بها الحياة .؟
وهب أن صاروخ الرحلة لم ينفجر ، أليس من المحتمل أن يصطدم بعد اجتيازه الغلاف الجوي بأحد الأجرام المنفلتة في الفضاء .؟ فالصاروخ ذاتي الحركة ، ينطلق في المدار المخصص له لا يعدوه ، ولا يستطيع الانحراف عن مساره مهما اعترض طريقه من أجسام سابحة في ذلك الفضاء .. ولو وقع اصطدام من هذا النوع مثلا ، فما عسى أن يحدث للركاب على متن هذا الصاروخ المشؤوم آنذاك .؟؟؟ الذي أراه ، أنه لن يكون الموت هو المخوف منه في هذه الحال ، فقد يكون موتا سريعا بفعل صدمة قوية تودي بالحياة دون إحساس بالألم .. وقد يكون موتا سريعا بسبب حريق هائل يذوب فيه الجسد بثوان معدودة .. وإنما المخوف من صدمة تفصل حجرة الاشتعال عن كبينة الركاب ، وتبقى هذه الكبينة جسما سابحا في الفضاء اللانهائي . وعندها يكون انتظار الموت أكثر إيلاما من الموت .!! وهب أن الكبينة هي الأخرى تحطمت وتناثر منها الركاب إلى المجهول قبل أن يموتوا ، وكل منهم ذهب في اتجاه . وتفرقوا وغابوا في جوف ذلك الفضاء الرهيب .. فكيف يكون شعور الواحد منهم آنذاك .؟ يا للهول ما أصعب التفكير في هذه النهاية الفظيعة .!؟ فإذا ضل أحدنا في الصحراء شعر بوحشة لا سبيل إلى وصفها ، فكيف بأن يضل وحيدا في فضاء مظلم ، لا يرى فيه شيئا ولا يسمع صوتا ، وليس حواليه رسيس ولا أنيس .؟؟
ولكن أليس جميلا أن يغادر الإنسان هذه الأرض ، التي تفاقم شرها ، وتضاءل خيرها ، وصار فيها الإنسان عدو الإنسان . بل صار فيها الساسة يتاجرون بدماء الشعوب . ويتسببون بقتل الملايين ولا يحسون بوخز الضمير ، ولا يشعرون بآلام الآخرين .؟ أليس مريحا أن يفارق المرء هذه الوحوش الضارية ، التي تعيش في الأرض ، فتبقر بطون النساء ، وتحز رقاب الأطفال الأبرياء .؟ وتئد الناس أو تحرقهم وهم أحياء .؟؟
ولماذا يكون بطن القبر الضيق أحب إلينا من رحب الفضاء . ولم لا يكون للموت في الأعالي مزية على الموت في الأرض ، وأقلُّ ما فيه أنه منجاة من ضغطة القبر ، التي تختلف منها الأضلاع كما يقولون .؟ ثم لماذا يكون الدفن في التراب خيرا من السباحة في الفضاء ، ولماذا يكون تفسخ الجسد وتحلله في القبر خير من تفسخه في الجو ؟ وما يدرينا فلعل الجسد يسلم في الجو من التفسخ والتحلل بعد الموت ، ويبقى على ما هو عليه هناك ، لا تفقأ منه عين ، ولا يتساقط شعر ، ولا يتناثر لحم ، ولا يهاض عظم ، ولا يتحول الميت عن صورته التي كان عليها إلى ما شاء الله .؟؟
ولكن لماذا هذا السرف في التفكير .؟ لماذا الاهتمام الزائد بشأن جسد فارقته الروح ؟ وما الجسد بدونها سوى ثوب بالٍ خرج منه صاحبه ومضى لسبيله .؟ وهل يزعج أحدنا أن يرمي ثوبه البالي أو يحرق أو يمزق .؟ فما الجسد بعد فراق الروح سوى ذلك الثوب الذي نزعه لابسُهُ ، ورماه زهداً فيه ..
ومهما يكن من مزايا الموت في الفضاء ، فحسبه سوءاً أن الميت فيه يموت وحيدا ، لا يودع حبيبا ولا قريبا . ولا يكون له قبر يعرف ، فيذهب بموته ذكره ، ويمحى أثره ، وكأنه لا غدا إلى هذه الحياة ولا راح ... اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك ، وموتا في بلد نبيك عليه الصلاة والسلام .
بقلم : أبو ياسر السوري
بمناسبة نشر إعلان عن التفكير بتنظيم رحلة إلى سطح القمر ، وبتذكرة قدرها مليار ونصف المليار دولار أمريكي .. سئلتْ إحدى الصحفيات : لو دُعيتِ للقيام بهذه الرحلة إلى القمر مجانا هل تقبلين .؟ فأجابت تلك الصحفية دون تردد : لا أريد السفر إلى القمر ولو مجانا .!!
فطرحتُ هذا السؤال على نفسي؟ فخالجني شيء من الخوف ، واعتراني شعور بالوحشة ، فقد سبق لي أن قرأتُ في علم الفلك معلومات تقول : إن الفضاء الخارجي بعد اجتياز الغلاف الجوي المحيط بالأرض مغبرٌّ قاتم كئيب ، أشبه ما يكون بالجو الذي يقوم الغبار فيه بحجب الرؤية عنك ، فلا يمكنك معه أن ترى إلا لبضعة أمتار . فما الذي يدعوني لقبول هذه الرحلة الكئيبة .؟ وخير منها أن أسافر بسيارتي على الأرض إلى تركيا مثلا ، حيث الطبيعة الخضراء ، والحدائق الغناء ، والجوُّ الحالم البليل ، والهواء البارد العليل .
ثم مالي ولرحلة تكتنفها المخاطر من كل جانب ، ألا يمكن أن يحدث في مكوك الرحلة خلل ما ، يذهب بحياة المسافرين إلى القمر ، فيقضى عليهم بين السماء والأرض .؟ وهل يمكن أن ننسى أنه في 1/1/ 1986 انفجر مكوك الفضاء تشالنجر الأمريكي بعد إطلاقه بدقيقة و13 ثانية ، فتمزقت أجساد رواد الفضاء السبعة ، الذين كانوا على متنه أشلاء ، واحترقوا جميعا ، ولم يعثر لهم على أثر .. أليس من الجائز أن تتكرر تلك المأساة ، وتضيع بها الحياة .؟
وهب أن صاروخ الرحلة لم ينفجر ، أليس من المحتمل أن يصطدم بعد اجتيازه الغلاف الجوي بأحد الأجرام المنفلتة في الفضاء .؟ فالصاروخ ذاتي الحركة ، ينطلق في المدار المخصص له لا يعدوه ، ولا يستطيع الانحراف عن مساره مهما اعترض طريقه من أجسام سابحة في ذلك الفضاء .. ولو وقع اصطدام من هذا النوع مثلا ، فما عسى أن يحدث للركاب على متن هذا الصاروخ المشؤوم آنذاك .؟؟؟ الذي أراه ، أنه لن يكون الموت هو المخوف منه في هذه الحال ، فقد يكون موتا سريعا بفعل صدمة قوية تودي بالحياة دون إحساس بالألم .. وقد يكون موتا سريعا بسبب حريق هائل يذوب فيه الجسد بثوان معدودة .. وإنما المخوف من صدمة تفصل حجرة الاشتعال عن كبينة الركاب ، وتبقى هذه الكبينة جسما سابحا في الفضاء اللانهائي . وعندها يكون انتظار الموت أكثر إيلاما من الموت .!! وهب أن الكبينة هي الأخرى تحطمت وتناثر منها الركاب إلى المجهول قبل أن يموتوا ، وكل منهم ذهب في اتجاه . وتفرقوا وغابوا في جوف ذلك الفضاء الرهيب .. فكيف يكون شعور الواحد منهم آنذاك .؟ يا للهول ما أصعب التفكير في هذه النهاية الفظيعة .!؟ فإذا ضل أحدنا في الصحراء شعر بوحشة لا سبيل إلى وصفها ، فكيف بأن يضل وحيدا في فضاء مظلم ، لا يرى فيه شيئا ولا يسمع صوتا ، وليس حواليه رسيس ولا أنيس .؟؟
ولكن أليس جميلا أن يغادر الإنسان هذه الأرض ، التي تفاقم شرها ، وتضاءل خيرها ، وصار فيها الإنسان عدو الإنسان . بل صار فيها الساسة يتاجرون بدماء الشعوب . ويتسببون بقتل الملايين ولا يحسون بوخز الضمير ، ولا يشعرون بآلام الآخرين .؟ أليس مريحا أن يفارق المرء هذه الوحوش الضارية ، التي تعيش في الأرض ، فتبقر بطون النساء ، وتحز رقاب الأطفال الأبرياء .؟ وتئد الناس أو تحرقهم وهم أحياء .؟؟
ولماذا يكون بطن القبر الضيق أحب إلينا من رحب الفضاء . ولم لا يكون للموت في الأعالي مزية على الموت في الأرض ، وأقلُّ ما فيه أنه منجاة من ضغطة القبر ، التي تختلف منها الأضلاع كما يقولون .؟ ثم لماذا يكون الدفن في التراب خيرا من السباحة في الفضاء ، ولماذا يكون تفسخ الجسد وتحلله في القبر خير من تفسخه في الجو ؟ وما يدرينا فلعل الجسد يسلم في الجو من التفسخ والتحلل بعد الموت ، ويبقى على ما هو عليه هناك ، لا تفقأ منه عين ، ولا يتساقط شعر ، ولا يتناثر لحم ، ولا يهاض عظم ، ولا يتحول الميت عن صورته التي كان عليها إلى ما شاء الله .؟؟
ولكن لماذا هذا السرف في التفكير .؟ لماذا الاهتمام الزائد بشأن جسد فارقته الروح ؟ وما الجسد بدونها سوى ثوب بالٍ خرج منه صاحبه ومضى لسبيله .؟ وهل يزعج أحدنا أن يرمي ثوبه البالي أو يحرق أو يمزق .؟ فما الجسد بعد فراق الروح سوى ذلك الثوب الذي نزعه لابسُهُ ، ورماه زهداً فيه ..
ومهما يكن من مزايا الموت في الفضاء ، فحسبه سوءاً أن الميت فيه يموت وحيدا ، لا يودع حبيبا ولا قريبا . ولا يكون له قبر يعرف ، فيذهب بموته ذكره ، ويمحى أثره ، وكأنه لا غدا إلى هذه الحياة ولا راح ... اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك ، وموتا في بلد نبيك عليه الصلاة والسلام .