النازحون في دمشق … غلاء الأجار و قلة الإيثار
لم يكن أحد ليصدق أن ربع السوريين سيجبرون على ترك منازلهم واللجوء الى أماكن أُخرى داخل أو خارج سوريا خلال سنتين ، حيث أكدت آخر التصريحات الصادرة عن “المفوضية العليا للاجئين” التابعة للامم المتحدة وصول عدد النازحين إلى نحو أربعة ملايين شخص داخل سوريا ، بالإضافة إلى نحو مليون ومئتي ألف لاجىءٍ أُجبروا على مغادرة سورية واللجوء إلى الدول المجاورة .
وتعد مدينه دمشق الحاضن الأكبر للكثير من السوريين الذين نزحوا إليها بعد القصف الذي طال مناطقهم ، حيث شهدت العاصمة وفود أعداد كبيرة من نازحي المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى الوافدين من الريف الدمشقي . وبالرغم من الجهود التي تبذل من قبل بعض المنظمات الدولية لمساعدة النازحين في العاصمة، إلا أن الوضع الإنساني للكثير منهم يعد سيئاً ، حيث عانى النازحون في العاصمة من غلاء أسعار المواد الأساسية ، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد مكان للإقامة بأجار منخفض . مما اضطرهم إلى مشاركة المسكن مع عائلات أخرى ، أو إلى اللجوء للمدارس التي جهزت لاستقبالهم بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة فيها.
ومع اشتعال المعارك في بعض أحياء مدينة دمشق ، بدأت العاصمة تشهد حالة نزوح داخلية ، حيث نزح الكثيرون من بعض الأحياء التي اشتدت فيها المعارك و قصفتها قوات الأسد كالحجر الأسود،ومناطق كانت تعتبر آمنة كالغوطة الشرقية وصولاً إلى مخيم اليرموك . وقد شملت حالة النزوح أبناء بقية المدن السورية النازحين إلى في دمشق والذين استقروا في هذه الأحياء ، حيث نزحوا ضمن دمشق نفسها من الأحياء التي نزحوا إليها أولاً ولم تعد آمنة إلى أحياء أكثر “أمناً” ، فأصبحت المدارس ودور العبادة وتحديداً الجوامع هي الملجأ الوحيد للقسم الأكبر منهم ، وذلك بعد أن تخاذل كثير من أهل العاصمة في تقديم يد العون لهم ودعمهم ومساعدتهم في محنتهم .
ويظهر للمتابع أن المناطق التي شهدت موجة النزوح الثانية وما زالت آمنة مثل جرمانا والمزة وغيرها لم تعد تتسع لكميات العائلات النازحة، والتي تحتاج ميزانية كبيرة لسد حاجاتها ومصاريف إقامتها . وأدى ذلك إلى تشرد الكثير من النازحين إلى دمشق ، حيث أصبحت تشاهد في وسط دمشق العشرات من النازحين يفترشون عشب الحدائق العامة،و يقيمون خيماً بدائية ، كحديقة السبكي وسط أسواق الشام، وكذلك في عدة حدائق في أحياء المزة والقصاع وركن الدين .
إن النازحين إلى دمشق والذين افترشوا الحدائق واتخذوها مسكناً ليسوا مستمتعين بالخريف الدمشقي ، ولا هم في الحدائق للتسلية وقضاء الوقت في أحضان الطبيعة ، إنهم نازحون من محافظات تتذوق طعم الدم يوميا ً، حيث لم يجدوا إلا حدائق دمشق ، التي احتضنتهم ووقتهم شر الدمار والخراب والموت الذي يحصد العشرات من السوريين يومياَ .
المصدر