أهكذا تحكم الأمم؟!

د/ خالد سعد النجار

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

سوريا تنتفض، وبشار أيضا ينتفض، والمحصلة مشاهد مروعة .. سحب دخان أسود تتصاعد من المدن السورية الجريحة جراء قذائف المدفعية الثقيلة، تلك المدفعية المخصصة للحصون العتيدة والمدرعات الحصينة، وليس لذوي الصدور العارية المؤلفة من لحم ودم.

طاغية سوريا يقدم كل يوم -قربانا لكرسي الحكم- قرابة المائة قتيل بجميع صنوفهم من أطفال أبرياء ونساء ضعيفات ورجال لا يحملون أي سلاح سوى هتافات «أرحل أرحل يا بشار»، وعدد القتلى تجاوز سبعة آلاف حسب التقديرات التخمينية، وإن بدا المشهد أكثر بكثير من هذه الأرقام، أما الجرحى فلا يعلم عددهم إلا الله تعالى، والعدد مرشح للازدياد، ويقترب من كسر حاجز الألف بوتيرة متسارعة، لكنه عموما يتضخم بصورة بشعة، ويقترب من ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في عملية الرصاص المسكوب.

نعم المشهد متشابه، وفعل بشار نفس فعل العدو الصهيوني بإخواننا في فلسطين، مع فارق ربما يكون بسيطا في عرف بشار، ألا وهو رباط الدين والملة الإسلامية الواحدة التي تجمع بين الذابح والذبيحة!!
والإيرانيون بقيادة خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية!! هذا الإمام الناسك الذي يظهر دائما في هيئة الزاهدين، وصاحب المواعظ والترانيم .. كل هذا لم يشفع للأبرياء لديه وزن خردلة، ولم يزحزح الدعم الإيراني لبشار قيد أنملة، بل كانت لغة المصالح السياسية أفصح من لغة الدم، ورابطة الولاء النفعي أقوى من كل روابط الدين، فأرسلت إيران سفينتين بحريتين إلى سورية رست على الموانئ السورية، وأفرغت حمولتها المجهولة والمعلومة في ذات الوقت للجميع، فبالطبع لم تكن معونات غذائية أو طبية لآلاف من الجرحى والمنكوبين، ولم تكن زهور النصر المبين، بل -بواقع الأمر- المزيد من الذخائر والأسلحة الفتاكة لبشار حليف العباءة الشيعية.

وجه الشبه كبير بين بشار والعدو الصهيوني، فكلاهما لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويستخدمون سياسة الأرض المحروقة .. الصهاينة من أجل وجودهم، وبشار من أجل كرسيه، وكلاهما يستأسد على شعب أعزل، ففي حرب تموز بين حزب الله والصهاينة كشفت المعارك الشرسة عن وهن القدرة القتالية الصهيونية، وأنهم كما وصفهم القرآن لا يقاتلوننا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، أما بشار فلقد صدأت آليات جيشه طيلة فترة حكمه وحكم أبيه من قلة الاستخدام، رغم أن الجولان المحتل يجأر بالاستغاثة، ويستنجد بالمحررين، ولم تخرج الجيوش السورية المغوارة من ثكناتها إلا لقتال فلذات أكبادها، بوحشية الحاقد الكاره الخسيس.

الآن بان للعيان لمن توجه دانات المدافع وراجمات الصواريخ، والهدف من الميزانيات الجبارة لشراء السلاح وتدعيم الجيوش العربية، ولماذا الملف الأمني هو رأس الأولويات في سياسة الحكومات العربية، وما بعده يهون .. إنها الجيوش العربية القمعية لا التحريرية، المعنية بحراسة كراسي الحكم لا حراسة الحدود والسهر على سيادة الأمة وعزتها.

صفقات سلاح فلكية، وسباق استحواذ على أرتال من الآليات والطائرات وسائر المعدات الحربية، وكأننا في الصبح القريب سنغير على الصهاينة ونحرر القدس السليب، أما رواتب العسكر فحسابها مفتوح، فضلا على حرص الزعماء العرب على تدشين احتفالية سنوية كبيرة عند تخريج دفعة من الضباط، يحضرونها بأنفسهم ولا ينوب عنهم ولي عهد ولا نائب رئيس .. تزلفا وتحايلا لضمان الولاء، والضرب دون تردد في أي فرد بالأمر المباشر.

الدولة البوليسية العربية تفوقت بامتياز في عهد الفشل العربي في كافة القطاعات السياسية والاقتصادية والإنتاجية والتعليمية .. وأجهزة المخابرات العربية تضارع مثيلاتها الأوروبية، أما الوزراء العرب فلم يتفقوا أو يتحدوا يوما كما اتحد وزراء الداخلية العربية، حيث التقت قلبوهم على الكيد لشعوبهم، وتناولوا كافة المعلومات الأمنية بكل مصداقية وشفافية.

الآن فهمنا لمن العروض العسكرية ووزارات الداخلية والجيوش العسكرية، فهمنا من يكيد لنا غير أعدائنا، أو بوضوح أكثر من هم أعداء الداخل الموالون لأعداء الخارج .. إنهم تلك الشرذمة التي أصابتها لعنة كرسي الحكم، فأصبحت لا ترى في الوجود غيره، تعيش له فقط، والكل يهون في سبيله، والشعوب المغلوب على أمرها، تهتف بقلوب خائفة: «عاشت أمتنا العربية حرة مستقلة».
يقول الشاعر:


قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر في استعراض عيد الفطر والجلاء
فتهتف النساء في النوافذ انبهارا
لا تصنع انتصارا
إن المدافع التي تصطف على الحدود في الصحارى
لا تطلق النيران إلا حين تستدير للوراء.
إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا .. إذا رفعنا صوتنا جهارا
تقتلنا، وتقتل الصغارا !


د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com