عابدة فضيل المؤيد العظم
نظرة قرآنية في المحنة السورية

أيها الناس

كأنكم نسيتم أن الحكمة الأساسية من خلق الإنسان هي الاختبار؟! ألم ينزل الله آدم من الجنة إلى الأرض ليشقى؟ ألم يجعل الله الدنيا دار بلاء: {لَتُبلَونَّ في أَمْوالكُم وَأنفُسكُم}؟

فلا بد أن يُبتلى المؤمن في ماله ونفسه وولده وأهله، وكل إنسان معرض للابتلاء بكل هذه البلايا أو بطرف منها: "أَمْ حَسبتُم أَنْ تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلمَّا يَأتكُم مَثَلُ الذِّينَ خَلَوا مِن قَبلكُم مَسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَاءُ وَزُلزلُوا"

فعلام العجب من شدة المحنة والعذاب؟ ومن تأخر النصر؟ ومن تكالب الأعداء؟

إن هذه سنة الله وهذا هو الامتحان ولهذا خلقنا، وإن وعد الله بنعيم الجنات (وخلوها من المنغصات وتحقيق كل الرغبات) يبين كيف تختلف الدنيا اختلافاً كبيراً عن الآخرة بما تحمله من الآلام والأحزان والصدمات

فيا أيها المؤمنون، ستبتلون لا محالة، ولكن لا تيأسو!

-1 فالابتلاء بقدر لأن البشر مختلفون في شدة صبرهم وقوة عزيمتهم واحتمالهم: {لا يُكلفُ اللهُ نَفْسَاً إلا وُسْعَهَا}، والله لا يحمل عبده المؤمن فوق طاقته، فيبتلى المرء على قدر دينه، وعلى قدر ما تحمله نفسه وما تسعه وما تطيقه ولا تعجز عنه.

وقد يُحَّمِل الله عبده بلاء لا طاقة له به، على أنه يعينه عليه بأن يفرغ عليه صبراً شديداً فلا تزلزله الصعاب ويصمد أمام الأهوال (وقد كان يظن في نفسه الضعف والهوان(

والظاهر أن الشعب السوري قوي متين وما زال بإمكانه احتمال المزيد!

-2 البلاء درجات في الشدة، وبعض البلاء يكون في كل حال أهون وأخف وطأة من بعضه الآخر، كما أن الرمد أهون من العمى. ولو قرأتم كتب التاريخ لعرفتم حجم وهول البلاء الذي حل بالأمم الماضية.

واقرؤوا كتاب "الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي" تجدوا فيه ما لا تجدون مثله في كتاب آخر من مصائب الناس ومحنهم، وأقل ما تستفيدون منه أنه يهون على المحزون منكم حزنه، حين يرى أن من الناس من أصابه أكثر مما أصاب. 

-3 وفي ساعات الضيق والشدة ينفذ الصبر ويضيق الصدر، وإذا بالله سبحانه يُهوِّن الله على عبده ببعض اليسر ليستطيع الثبات والاستمرار: {فإنَّ مَعَ العُسْر يُسْراً، إنَّ مَعَ العُسْر يُسْرَاً} ، أي أن العسر يصاحبه اليسر (أي السعة والغنى)، وقد كرر الله هذا الخبر (بقوله {إنَّ مَعَ العُسْر يُسْرَاً} مرة أخرى) ليتأكد في نفوس المؤمنين.

-4 وإذا ابتلى الله عبده بمصيبة مريرة، عوضه -فيما بعد- بأمر آخر أحب إليه من الذي أخذه منه، والتعويض قد يكون مشابهاً لما فقده المرء (ليقوم مقامه ويسد الثغرة الناتجة عنه)، وأضرب مثلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم: الله ابتلاه باليتم فآواه وكفله جده ثم عمه. ووجده فقيراً فعوضه "الرضا" بالرزق القليل وأغنى قلبه، حتى أنه لما فتحت له البلاد وامتلأت خزائنه -بما أفاء الله عليه من أموال الكفار- كان يوزع المال كله على صحابته ولا يدع لنفسه وأهله شيئاً.

وقد يعوض الله المرء المكلوم بأشياء أخرى مختلفة تماماً عما ابتلاه به كأن يجده فقيراً فيجعله فقيهاً، أو يجده مريضاً فيجعله سيداً في قومه، أو يجده عقيماً فيجعله متفوقاً ناجحاً في مناحي حياته كلها... وأسأل الله أن يعوض كل سوري وكل مظلوم بما يستحقه من الخير.

-5 وأجمل أمر أن البلاء لا يدوم أبداً وهو إلى أجل مكتوب: {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعدَ عُسْر يُسْرَاً} ، أي سيجعل الله بعد الضيق غنى وبعد الشدة سعة، والأيام دول والدنيا في تحول وتغير ولا يدوم إنسان على حال، فاطمئنوا أيها الناس واستعينوا بالله واستمروا بالمقاومة ولجهاد.

وأختم مقالي بما كتبه جدي "علي الطنطاوي" في مذكراته مما يؤكد كلامي: "وجدت ورقة في دفتر قديم فيها سطور هذا نصها أنقله لكم كما وجدته: (أنا الآن في قعر الهوة، فهل أخرج منها؟ هل أذكر هذه الأيام المريرة، فأتحدث عنها وأحمد الله على الخلاص منها، أم قد ذهبت الآمال إلى غير رجعة؟ هل قضي علي أن أبقى أبداً معلماً في القرى، أم..أم.... أم ماذا؟

وكتب بعدها بسنوات: "إن الله الحمد، فقد نقلني من تلك الهوة إلى (أم) فيا أيها الواقعون في الضيق، الذين يعيشون في الشدائد، الذين يقاسون المصائب، ويتحملون الآلام، لا تيأسوا من روح الله، إن الله عنده من كل ضيق مخرجاً، وبعد كل شدة فرجاً".