موضة "المؤتمرات"!؟

عابدة فضيل المؤيد العظم


أرانا ابتلينا -في ثورتنا السورية المباركة- ببلية المؤتمرات، كلما ألمت بنا خاطرة عقدنا لها مؤتمراً، وحشدنا لها كل الطاقات، ولا تحسبوا التحضير للمؤتمر أمراً سهلاً إنه مرهق وعظيم، يستهلك الوقت كله والجهد جله ولا يبين، ولقد جربته مع فريق مميز وعملنا على الإعداد لمؤتمر إشهار، فأخذ منا شهرين متواصلين من العمل الدؤوب (في الاتصالات وجمع أسماء المدعوين، وكتابة الدعوات والسفر إلى بلد التجمع وتأمين مكان جيد لإقامة الضيوف، وحجوزات الطيران والفنادق والمواصلات بين المطار والأوتيل، وفي إعداد البرنامج وتوزيعه على فقرات وأشخاص، وللمؤتمر ذيول لا تقل إرهاقاً منه: كورش العمل، وعشاء رجال الأعمال...).

ابتُليتنا بهذه المؤتمرات فاشتغلنا بها عن غيرها من الأعمال المفيدة، وأخذنا التحضير لها على أصل إقامتها! فأصبحت مصيبة وقد كانت الأمل والنجاة بنتائجها!

وكثيراً ما تكون المؤتمرات مملة ببرامجها وفقراتها لما يملؤونها به من خطابات حماسية، حتى ينام بعض الضيوف ويسرح بعضهم الآخر مع أفكاره، وتخرج مجموعة منهم خارج القاعة ويتسامرون... وينتهي المؤتمر بتوصيات كبيرة وكلمات رنانة، ثم يرجعون كل إلى بلاده ولا نعلم علام انجلى الموضوع.

فما أفدنا من حضورهم ولا أفادوا!

صارت المؤتمرات موضة هذا الزمان، وكل مؤتمر بعنوان، ولا تقل تكلفة أحدها عن مليون ريال سعودي، ولقد أقاموا في هذين الشهرين عشرين مؤتمراً!؟ ذهب المشاركون إليها بكل الحماس والتفاؤل فلما عادوا لم تكن إلا أيام حتى تكسرت أحلامهم، وكيف لا تتكسر وأكثر المؤتمرات حتى الآن كلام في كلام، لا يحتمل الواقع مثاليته، فانتهى الطريق به إلى النسيان والإهمال. وذهبت تكاليف المؤتمر هباء منثوراً وضاعت أموال الأمة هدراً، وكان من الممكن أن يجهزوا بها جيشاً كاملاً خير تجهيز فينتصر في معركة دمشق أو القصير.

وإني أخاف أن تصبح المؤتمرات أول سبب لخراب المشروعات واضطراب الموازنات... فكروا معي كم أصبحنا ننفق من الأموال في مؤتمرات لا يأتي منها فائدة تساوي نفقتها، وما كان في تركها ضرر ونحن نشكو قلة الذخيرة وكثرة اللاجئين والمعاقين والجرحى... سمعت عن مؤتمر كلف مليون وكان له وقع رائع، ثم مرت الأيام واختلف القائمون عليه وانقسموا ونسي العاملون عليه توصياته... وذهبت الأموال التي انفقت عليه؛ مليون ريال صُرفت في يومين ، ونصف الأمة يتضور جوعاً.

وفي كل مؤتمر يدعون الشيوخ المشهوين -المحسوبين أنهم قدوة الناس وخيرتهم- ليحثوا الناس على التبرع والعطاء، فيتطلبون في المسكن وفي حجوزات الطيران، وقد يتبنون المؤتمر ويدعي بعضهم أنه الراعي له والقائم عليه!! ويحضرون إليه ويجلسون في الصفوف الأمامية ويشاركون في كافة الفعاليات ويخطبون الخطب المدوية ويتكلمون بالآيات والأحاديث، ويحثون الناس على بذل أموالهم ولا يمد أي واحد فيهم يده إلى كيسه ولا يخرج منه قرشاً... فكيف سيتشجع الناس ويتبرعون وهم يرون ما يرونه من إحجام قدواتهم عن البذل والعطاء في كل موقف.

وإن في سوريا بشر من بني آدم، بل من إخواننا وقراباتنا، يرون هذه المؤتمرات في وسائل الإعلام فيسخطون، ويشتهون مئة ريال من الأموال التي صرفت أو أقل منه ليشتروا به طعاماً أو كساء أو مأوى يبيتون به وقد هدمت بيوتهم واجلوا عن ديارهم وأموالهم... وإن هؤلاء كانوا أعزة في بيوتهم ملوكاً في أعمالهم وكانوا أرضى لله وأنفع للوطن منا، ولكن قوى الغدر والنظام الغاشم أفقرهم وهجرهم وأورثهم العاهات وعذبهم.

إن هؤلاء الصامدون هم ركن الوطن، رابطوا فيه حين هاجرنا، وثاروا حين تقاعسنا، هم أهله وسكانه، بقوا فيه شوكة تؤلم آل الأسد وتخوفهم، فحرام علينا أن ننساهم ونهملهم! حرام أن نضيع هذه الأموال وهم جوعى، حرام في دين الله وحرام من باب الإنسانية.

فإلى متى نضيع أموالاً نحن أحوج إليها اليوم من كل يوم مضى لأننا في عهد ثورة وحرب حاسمة، ولأننا في معركة فاصلة بين الكفر والإيمان.

وأنا لا أحارب المؤتمرات على إطلاقها، وإنما أجيزها بشروط قاسية، والمؤتمر حدث كبير ومكلف فلا يقام إلا للضرورات القصوى، وإذا تبين أن عائده أكبر من مشقته، وفي الحالة السورية يفضل الابتعاد عنه للظروف الاقتصادية القاسية والوضع الإنساني المبكي.

أيها المصلحون

فكروا معي: ألا يمكننا عمل مؤتمر مميز بكلفة صغيرة، ألا يمكن أن نحجز للناس في فنادق وطيران أرخص؟ ألا يمكن أن ندعو الناس على حسابهم الشخصي مساهمة منهم في الثورة؟ ستقولون لن يحضروا، وأقول لكم الذي لن يحضر من أجل تذكرة لن تروا منه ثمرة (إلا الذين ضاق عليهم الرزق فما استطاعوا إليه سبيلاً فهؤلاء ممكن التماسهم بالنفقات إن كانوا ممن يفيد حضورهم فائدة كبيرة).

نحن في عصر الإبداع والابتكار، والتواصل السريع الذكي، وقد كثرت وسائل الإعلام وتنوعت... ألا يوجد –إذن- طرق أخرى (غير المؤتمرات) تفي بالغرض؟ فكروا وسوف تجدون أبواباً جديدة لجمع الناس والتشاور معهم وحشدهم للمساهمة في القضايا الإنسانية والاجتماعية.

ولو فكرتم ستجدون أيضاً أساليب سهلة لنشر أفكاركم والإعلان عن منظماتكم ومؤسساتكم، وستجدون وسائل متنوعة للدعاية لإنجازاتكم، وستعثرون على طرق ممتازة تبقي أموال الأمة وتحقق أغراضكم فخذوا بها بارك الله فيكم، واحفظوا للأمة أموالها.