المعنى الرمزي الخطير لمؤتمر علماء المسلمين في القاهرة :
بقلم : أبو ياسر السوري
الخميس 4 شعبان 1434هـ - 13 يونيو 2013م
انعقد في القاهرة كما علم العالم كله ، مؤتمر لعلماء المسلمين ، شارك فيه 76 جمعية ورابطة للعلماء في العالم الإسلامي ، كان على رأسها : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ورابطة علماء أهل السنة ، ورابطة علماء الشام ، وكبار علماء السعودية ودعاتهم ، والإخوان المسلمون ... وكان هذا المؤتمر هو الأول من نوعه منذ عدة قرون . فقد خرج بنتائج هز بها العالم كله في مشارق الأرض ومغاربها ، ولكنه – بكل أسف – لم يهز بعض النخب السياسية والفكرية ، ممن ينسبون زُوراً إلى المسلمين . حتى خرج علينا في عقب المؤتمر ، مساعدٌ لرئيس أكبر دولة عربية بتصريحات للإعلام ، يستخف فيها بالمؤتمر والمؤتمرين ، ويستهجن ما توصلوا إليه من قرارات شرعية .. ولم يكن ذلك لسطحية في قرارات المؤتمر ، وإنما لغباء وتخلف في عقلية هذا الرجل .. وكالعادة فقد أطلق العلمانيون والملحدون لألسنتهم العِنَان ، وراحوا يمارسون على علماء المسلمين سياسة الإقصاء والتهميش ، ويسلقونهم بألسنة حداد . فمن قائل: هذا البيان دعوة إلى هرمجدون بين السنة والشيعة ، وقد يكون سببا في تدمير المنطقة .. ومن مشكك في نزاهة المؤتمرين وقائل : إنهم لم يجتمعوا إلا بعدما علموا أن أمريكا سوف تسلح المعارضة .. ومن متباكٍ على النصيرية باعتبار أنهم أبناء سوريا ولا يجوز التجييش ضدهم .. ومن مشير على علماء الأمة بأن إصلاح ذات البين كان أولى من الدعوة إلى الجهاد ...
وكأني بهؤلاء المتفلسفين ، يتكلمون وهم في حالة ( سلطنة ) يعني محششين ، ويتحدثون بدون عقل ولا تفكير .. فملخص القضية : هنالك في سوريا ، شعب يقدر بأكثر من عشرين مليون مسلم ، يتعرض للإبادة على أيدي طائفة حاكمة ، تملك الجيش والأمن والسلاح والمال ، والاعتراف الدولي بشرعيتها كدولة ، وهي عصابة طائفية ، أعمتها العصبية الدينية والحقد الأعمى ، وجعلتها تقتل المدنيين الآمنين بكافة أنواع الأسلحة ، بما فيها الطيران الحربي ، وصواريخ سكود المدمرة ، وكل القنابل المحرمة دوليا ، من منثار إلى فراغية إلى نابالم ... والمجتمع الدولي صامت ، والعالم العربي في حال سُبات ، وكأن الذين يموتون على مرأىً منهم حشرات ، وليسوا من بني الإنسان . ولم تستمع هذه العصابة القاتلة لمنطق عقل ، ولا دين ، ولا لوساطة عربية ، ولا لوساطة دولية ، فهي ماضية في سبيلها ، تقتل وتقتل وتبيد حتى صارت تستخدم الكيماوي أخيرا ، وصار من ضحاياها أطفال ونساء وشباب ، يموتون خنقا بالقذائف الكيماوية المحرمة دوليا .. لقد تقطعت السبل ، وفشلت كل المحاولات ، وتُرِكَ الشعب السوري يواجه قدره وحيدا .. فهل يترك السوريون إلى أن يبادوا عن آخرهم .؟ لقد هبت ثلاث دول شيعية واستنفرت معها كل شيعة الأرض بقضها وقضيضها ، وانحازت إلى النصيرية القتلة ضد أبناء السنة ، ومنذ عامين وحتى الآن ، وهم يمارسون على المسلمين القتل والحرق والاغتصاب والتهجير والتشريد ... فهل من الإنسانية أن يتخلى العالم عنهم إلى ما لا نهاية .؟ أين تغيب الإنسانية عن الشيعي أو العلماني أو المسيحي أو اليهودي أو المجوسي .. حين يتكلم مؤيدا للقتلة ضد شعب أعزل لا حول له ولا طول .؟؟؟
وبادئ ذي بدء ، نحن بصدد الحديث عن المؤتمر الإسلامي الأخير ، ولست أراني بحاجة إلى دليل على أهميته ، بأكبر من ذلك الصدى ، الذي أحدثه المؤتمر على المستوى الدولي . فقد كنت أتابع كلمات المؤتمرين ، وأراقب ما ينشر على شريط الأخبار العالمية في قنوات البث الفضائي .. فلم ألاحظ في حياتي قط اهتماما غربيا وشرقيا كهذا الاهتمام الذي عكسته تلك الأخبار التي كنت أقرؤها على شريط الجزيرة والعربية والبي بي سي والحوار وفرنس 24 .. لقد أذيع أكثر من عشرة أخبار ، تخص الشأن السوري ، وكل خبر منها كان يشار إلى أهميته بكلمة (عاجل) مكتوبة بالخط العريض واللون الأحمر الصارخ .
إن رسالة المؤتمر الإسلامي وصلتْ إلى أصحاب الشأن في العالم ، واستخف بها أهلها ، للدلالة على أن الذيل سيبقى ذيلا ، ولا يمكن أن يكون رأسا بحال من الأحوال ( والكلب كلب ولو طوقته بالذهب ) .. لقد وصلت الرسالة إلى ( أوباما ) فقرر تسليح المعارضة بالأسلحة الفعالة المطلوبة .. ثم استدعى الشيخ بن بية ، وهو من كبار أعضاء المؤتمر الإسلامي ومفكريهم ، فخلا به أكثر من ساعتين بالبيت الأبيض .. ووصلت رسالةُ المؤتمر إلى روسيا ، فصرح بوتن بأنه غير متمسك بالأسد، وسرعان ما اجتمع بوتن وكاميرون ، وقد لوحظ أن البارجات الروسية بدأت أمس بالابتعاد أو الرحيل من الشواطئ السورية .. ووصلت الرسالة إلى بريطانيا ، وفرنسا ، فصارتا تلوّحان بإمكانية التعجيل في تسليح المعارضة قبل موعده.. واجتمع فابيوس وزير الخارجية الفرنسي ، بسعود الفيصل وزير الخارجية السعودي . وقطع خادم الحرمين رحلته في المغرب ، ورجع إلى المملكة .. وطار وزير الخارجية البريطاني كاميرون إلى جدة ، فالتقى فيها بكبار المسؤولين .
ولكن إعلامنا العربي الذيليُّ المتبلد ، ظل صامتا ، بانتظار صدى خارجي ، ينسج على منواله .. ويرقص على مزماره .. والسؤال هنا : لماذا كان هذا المؤتمر مختلفا ، ولماذا كان وقعه مؤثرا على أصحاب القرار في العالم .؟ الجواب بحسب رأيي المتواضع : يرجع إلى عدة أسباب جوهرية ، يحاول الإعلام طمسها ، والابتعاد عنها ، لئلا يثير بها مشكلة لا يريدها أصحاب القرار في العالم .. واسمحوا لي ألخص مزايا هذا القرار التاريخي بالآتي :
1 – هذا المؤتمر لم يكن كبقية المؤتمرات الإسلامية المسيَّسة ، التي كانت تعقد في العادة ، فتصدر عددا من التوصيات والقرارات ، التي تكون دائما متوافقة مع الخط العام للسياسة العالمية ، التي يتحكم فيها الكبار، وخاصة الدول العظمى ، ذات المقاعد الدائمة في مجلس الأمن . والتي تتحكم عادة في القرارات الدولية ، ولا يكون في هذا العالم إلا ما تريد .. إذن كان هذا المؤتمر مختلفا ، ولم يخرج كغيره من المؤتمرات ، بتوصيات وقرارات مسيسة ، لا قيمة لها ولا اعتبار . وإنما خرج بفتوى شرعية ، صادرة عن أهل الحل والعقد ، من علماء الأمة ومفكريها ، حول عدد من القضايا ، التي تهم المسلمين كأمَّة ، وليس كدولة و حكومة ولا إقليم ..
والفتوى الشرعية ، شأنها مختلف عن القرار السياسي .. فالقرار لا يكون ملزما إلا بقوة القانون ، دوليا كان أو محليا .. أما الفتوى الشرعية ، فتعني الإلزام الشرعي لكل من يدين بدين الإسلام ، وليس لمسلم حيالها إلا أن يعمل بمقتضاها ، وأن من خرج عنها كان عاصيا لله ، مخالفاً لأوامره ، متبعا غير سبيل المؤمنين .. ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا* ) . وهذا يعني أن المؤتمر الحالي خاطب الأمة الإسلامية ، عربا وغير عرب ، القريب منهم والبعيد . خاطبهم أفرادا وشعوبا وقبائل ، لا كَدُوَلٍ وحكوماتٍ وأنظمة ... وحين تخاطب الشعوبُ باسم الدين تستجيب ، ولا تنتظر إذنا من حاكم ولا رئيس ، فالأمر جاءها في هذه الحال من ملك الملوك ، وأحكم الحاكمين ، قيوم السماوات والأرض ، رب العالمين .. ولهذا خرج المسلمون في إندونيسيا يعلنون أنهم قادمون للجهاد في سوريا بمئات الألوف .. وبدأت تنطلق الدعوات إلى مقاطعة السلع الإيرانية ، وعدم التعامل مع المطاعم الشيعية في كافة بقاع الأرض . وكأني بكل مسلم بات ينظر إلى الشيعة نظرة عداء وشذر .. وكأن احتقانا قويا بدأ يتشكل هنا وهناك .. مما يؤكد بأن هذا المؤتمر قد أحدث نقطة تحول في المعادلة . ولأول مرة في التاريخ الحديث يُعارُ المسلمون كل هذا الاهتمام ..
2 – إن دعوة المؤتمر إلى الجهاد أمر مخيف جدا بالنسبة للغرب . لأنهم يفسرون الجهاد الديني ، بمعنى الجهاد المقدس . الذي يعني من منظورهم ، أنه سينطلق فيه المسلمون ليقتلوا كل مخالف لهم في الدين أينما وجد على ظهر هذا الكوكب ... ولا شك أن هذا فهم خاطئ ومخيف للعالم كله ، فغير المسلمين يقيسون حربنا الدينية ، على حروبهم الصليبية ، التي اجتاحت العالم في يوم ما ، تحت راية الصليب ، وسالت بسببها الدماء أنهارا ... والغرب لا يريد أن ينجر العالم اليوم إلى هكذا حروب ، تدمر الاستقرار العالمي ، وتعطل مصالحه الكبرى ، وهو يخشى أن يصله شررٌ من هذه الحرب ، فيما لو تركت بدون احتواء ... لذلك تغيَّر – بعد هذا المؤتمر - موقف أوباما وكاميرون وأولاند وبوتن .. وحتما تغير قبلهم موقف إسرائيل .. فالحريق إن شب وانتشر ، كانت إسرائيل من أولى ضحاياه ...
3 – الدول الكبرى تعلم أن المسلمين إن قرروا انتزاع النصر في المعركة ضد النصيرية والشيعة في سوريا ، فسوف يمكنهم ذلك ، وهذه الدول لا تريد أن يفلت زمام المسلمين من أيديها .. لذلك في تقديري أنها لن تقف بعد اليوم مكتوفة الأيدي كما كانت تفعل منذ ثلاثين شهرا وحتى الآن ، في الوقت الذي يقوم فيه بشار وإيران والعراق ولبنان بممارسة أبشع صور الإجرام في حق السوريين .. مما حرك ضمير المسلمين جميعا ، وتعالت بسببه الأصوات داعية إلى إعلان الجهاد في سبيل الله ، نصرة لكل مسلم مظلوم على وجه الأرض .. بدءا من سوريا ، ومرورا بماينمار والصومال ومالي وغيرها ، وانتهاء بفلسطين وتحرير مسجدها الأسير ... إن المجتمع الدولي بعد هذا المؤتمر ، هو غيره قبل المؤتمر . لأن الدول ذات القرار أحست بالصدمة الكبرى التي تلقتها عبر الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ، وما يمكن أن تعقبه هذه الدعوة من محاذيرَ وأخطار ...
4 – بعد صدور قرارات المؤتمر الإسلامي ، وانطلاق الدعوة إلى النفير العام ، صار هنالك من يرفع صوته مطالبا بالخلافة الإسلامية ، وتحكيم شرع الله الذي لا يُظلَمُ في ظله أحدٌ ، ولا يُحابَى فيه قويٌّ على ضعيف ، ولا ظالم على مظلوم ، ولا يُكرَه فيه الناسُ على معتقد ولا دين (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وإن هكذا دعوة ، ربما هزَّتْ كثيرا من الكراسي العربية ، التي لا يرغب المجتمع الدولي لها أن تهتز .. لهذا سوف يتحرك أوباما وشركاه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة قبل فوات الأوان .
5 – قد يقول قائل : ولكن إيران تتمتع بحظوة كبرى لدى المجتمع الدولي ، وليس من المعقول أن يخذلها الغرب ، أو الشرق ، أو حتى بعض المنافقين من العرب .. خصوصا وأن إيران على علاقات مميزة مع إسرائيل .. والجواب : إن الغرب الآن يدفع الضرر الأشد بالضرر الأخف .. فإغضاب إيران ، ومعها إسرائيل ، أخف على الدول الكبرى من عودة فكرة الجهاد المقدس إلى الساحة ، أو فكرة الخلافة الإسلامية ، أو فكرة الأمة الواحدة ، أو الشعور العميق بالانتماء الصادق إلى هذه الأمة ، التي يبلغ تعدادها اليوم أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم .. فهبْ أنه لم تقم خلافة إسلامية ، فيكفي أن تتحد هذه الأمة على مقاطعة لبضائع دولة ما ، أو شركة عالمية ما ، حتى تحكم عليها بالخسارة والإفلاس ... والعالم اليوم يخضع في علاقاته إلى قانون الاستطراق ، إذا تحرك جانب فيه تأثرت بحركته سائر الجهات .
لهذه الأسباب الجوهرية ، التي عنت لي الآن ، وربما كان هنالك أسباب غيرها مما يؤرق الغرب ، أرى انه سوف تحسم الأمور عاجلا ، ولكنها لن تحسم على الشكل الذي يرضينا – نحن السوريين - إلا إذا فعَّلنا القرارات الصادمة لهذا المؤتمر ، الذي هز العالم بأسره منذ أيام ... نعم يا سادة ، لن تحسم الأمور على ما نريد إلا إذا ركزنا بوجه خاص على إحياء فكرة الجهاد في سبيل الله ، نصرة للسوريين ، ودفعا لعدوان الشيعة المتكالبة عليهم ، من إيران والعراق ولبنان . وهي المبرر الذي بنى عليه المؤتمرون فتواهم برفع علم الجهاد .
أيها المسلمون استيقظوا ، وإياكم والنوم ثانية ، فما زال الغرب يراهن على ردكم إلى النوم ، ويستعين عليكم بحكامكم ، لحقنكم بمخدرات الوعود تارة ، وحقَنكم بالمماطلة والتسويف تارة أخرى ، إلى أن تملوا ، وتعودوا إلى النوم من جديد ..
فيا خيل الله اركبي .. و يا جند الله تأهبي
والله أكبر ولله الحمد
بقلم : أبو ياسر السوري
الخميس 4 شعبان 1434هـ - 13 يونيو 2013م
انعقد في القاهرة كما علم العالم كله ، مؤتمر لعلماء المسلمين ، شارك فيه 76 جمعية ورابطة للعلماء في العالم الإسلامي ، كان على رأسها : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ورابطة علماء أهل السنة ، ورابطة علماء الشام ، وكبار علماء السعودية ودعاتهم ، والإخوان المسلمون ... وكان هذا المؤتمر هو الأول من نوعه منذ عدة قرون . فقد خرج بنتائج هز بها العالم كله في مشارق الأرض ومغاربها ، ولكنه – بكل أسف – لم يهز بعض النخب السياسية والفكرية ، ممن ينسبون زُوراً إلى المسلمين . حتى خرج علينا في عقب المؤتمر ، مساعدٌ لرئيس أكبر دولة عربية بتصريحات للإعلام ، يستخف فيها بالمؤتمر والمؤتمرين ، ويستهجن ما توصلوا إليه من قرارات شرعية .. ولم يكن ذلك لسطحية في قرارات المؤتمر ، وإنما لغباء وتخلف في عقلية هذا الرجل .. وكالعادة فقد أطلق العلمانيون والملحدون لألسنتهم العِنَان ، وراحوا يمارسون على علماء المسلمين سياسة الإقصاء والتهميش ، ويسلقونهم بألسنة حداد . فمن قائل: هذا البيان دعوة إلى هرمجدون بين السنة والشيعة ، وقد يكون سببا في تدمير المنطقة .. ومن مشكك في نزاهة المؤتمرين وقائل : إنهم لم يجتمعوا إلا بعدما علموا أن أمريكا سوف تسلح المعارضة .. ومن متباكٍ على النصيرية باعتبار أنهم أبناء سوريا ولا يجوز التجييش ضدهم .. ومن مشير على علماء الأمة بأن إصلاح ذات البين كان أولى من الدعوة إلى الجهاد ...
وكأني بهؤلاء المتفلسفين ، يتكلمون وهم في حالة ( سلطنة ) يعني محششين ، ويتحدثون بدون عقل ولا تفكير .. فملخص القضية : هنالك في سوريا ، شعب يقدر بأكثر من عشرين مليون مسلم ، يتعرض للإبادة على أيدي طائفة حاكمة ، تملك الجيش والأمن والسلاح والمال ، والاعتراف الدولي بشرعيتها كدولة ، وهي عصابة طائفية ، أعمتها العصبية الدينية والحقد الأعمى ، وجعلتها تقتل المدنيين الآمنين بكافة أنواع الأسلحة ، بما فيها الطيران الحربي ، وصواريخ سكود المدمرة ، وكل القنابل المحرمة دوليا ، من منثار إلى فراغية إلى نابالم ... والمجتمع الدولي صامت ، والعالم العربي في حال سُبات ، وكأن الذين يموتون على مرأىً منهم حشرات ، وليسوا من بني الإنسان . ولم تستمع هذه العصابة القاتلة لمنطق عقل ، ولا دين ، ولا لوساطة عربية ، ولا لوساطة دولية ، فهي ماضية في سبيلها ، تقتل وتقتل وتبيد حتى صارت تستخدم الكيماوي أخيرا ، وصار من ضحاياها أطفال ونساء وشباب ، يموتون خنقا بالقذائف الكيماوية المحرمة دوليا .. لقد تقطعت السبل ، وفشلت كل المحاولات ، وتُرِكَ الشعب السوري يواجه قدره وحيدا .. فهل يترك السوريون إلى أن يبادوا عن آخرهم .؟ لقد هبت ثلاث دول شيعية واستنفرت معها كل شيعة الأرض بقضها وقضيضها ، وانحازت إلى النصيرية القتلة ضد أبناء السنة ، ومنذ عامين وحتى الآن ، وهم يمارسون على المسلمين القتل والحرق والاغتصاب والتهجير والتشريد ... فهل من الإنسانية أن يتخلى العالم عنهم إلى ما لا نهاية .؟ أين تغيب الإنسانية عن الشيعي أو العلماني أو المسيحي أو اليهودي أو المجوسي .. حين يتكلم مؤيدا للقتلة ضد شعب أعزل لا حول له ولا طول .؟؟؟
وبادئ ذي بدء ، نحن بصدد الحديث عن المؤتمر الإسلامي الأخير ، ولست أراني بحاجة إلى دليل على أهميته ، بأكبر من ذلك الصدى ، الذي أحدثه المؤتمر على المستوى الدولي . فقد كنت أتابع كلمات المؤتمرين ، وأراقب ما ينشر على شريط الأخبار العالمية في قنوات البث الفضائي .. فلم ألاحظ في حياتي قط اهتماما غربيا وشرقيا كهذا الاهتمام الذي عكسته تلك الأخبار التي كنت أقرؤها على شريط الجزيرة والعربية والبي بي سي والحوار وفرنس 24 .. لقد أذيع أكثر من عشرة أخبار ، تخص الشأن السوري ، وكل خبر منها كان يشار إلى أهميته بكلمة (عاجل) مكتوبة بالخط العريض واللون الأحمر الصارخ .
إن رسالة المؤتمر الإسلامي وصلتْ إلى أصحاب الشأن في العالم ، واستخف بها أهلها ، للدلالة على أن الذيل سيبقى ذيلا ، ولا يمكن أن يكون رأسا بحال من الأحوال ( والكلب كلب ولو طوقته بالذهب ) .. لقد وصلت الرسالة إلى ( أوباما ) فقرر تسليح المعارضة بالأسلحة الفعالة المطلوبة .. ثم استدعى الشيخ بن بية ، وهو من كبار أعضاء المؤتمر الإسلامي ومفكريهم ، فخلا به أكثر من ساعتين بالبيت الأبيض .. ووصلت رسالةُ المؤتمر إلى روسيا ، فصرح بوتن بأنه غير متمسك بالأسد، وسرعان ما اجتمع بوتن وكاميرون ، وقد لوحظ أن البارجات الروسية بدأت أمس بالابتعاد أو الرحيل من الشواطئ السورية .. ووصلت الرسالة إلى بريطانيا ، وفرنسا ، فصارتا تلوّحان بإمكانية التعجيل في تسليح المعارضة قبل موعده.. واجتمع فابيوس وزير الخارجية الفرنسي ، بسعود الفيصل وزير الخارجية السعودي . وقطع خادم الحرمين رحلته في المغرب ، ورجع إلى المملكة .. وطار وزير الخارجية البريطاني كاميرون إلى جدة ، فالتقى فيها بكبار المسؤولين .
ولكن إعلامنا العربي الذيليُّ المتبلد ، ظل صامتا ، بانتظار صدى خارجي ، ينسج على منواله .. ويرقص على مزماره .. والسؤال هنا : لماذا كان هذا المؤتمر مختلفا ، ولماذا كان وقعه مؤثرا على أصحاب القرار في العالم .؟ الجواب بحسب رأيي المتواضع : يرجع إلى عدة أسباب جوهرية ، يحاول الإعلام طمسها ، والابتعاد عنها ، لئلا يثير بها مشكلة لا يريدها أصحاب القرار في العالم .. واسمحوا لي ألخص مزايا هذا القرار التاريخي بالآتي :
1 – هذا المؤتمر لم يكن كبقية المؤتمرات الإسلامية المسيَّسة ، التي كانت تعقد في العادة ، فتصدر عددا من التوصيات والقرارات ، التي تكون دائما متوافقة مع الخط العام للسياسة العالمية ، التي يتحكم فيها الكبار، وخاصة الدول العظمى ، ذات المقاعد الدائمة في مجلس الأمن . والتي تتحكم عادة في القرارات الدولية ، ولا يكون في هذا العالم إلا ما تريد .. إذن كان هذا المؤتمر مختلفا ، ولم يخرج كغيره من المؤتمرات ، بتوصيات وقرارات مسيسة ، لا قيمة لها ولا اعتبار . وإنما خرج بفتوى شرعية ، صادرة عن أهل الحل والعقد ، من علماء الأمة ومفكريها ، حول عدد من القضايا ، التي تهم المسلمين كأمَّة ، وليس كدولة و حكومة ولا إقليم ..
والفتوى الشرعية ، شأنها مختلف عن القرار السياسي .. فالقرار لا يكون ملزما إلا بقوة القانون ، دوليا كان أو محليا .. أما الفتوى الشرعية ، فتعني الإلزام الشرعي لكل من يدين بدين الإسلام ، وليس لمسلم حيالها إلا أن يعمل بمقتضاها ، وأن من خرج عنها كان عاصيا لله ، مخالفاً لأوامره ، متبعا غير سبيل المؤمنين .. ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا* ) . وهذا يعني أن المؤتمر الحالي خاطب الأمة الإسلامية ، عربا وغير عرب ، القريب منهم والبعيد . خاطبهم أفرادا وشعوبا وقبائل ، لا كَدُوَلٍ وحكوماتٍ وأنظمة ... وحين تخاطب الشعوبُ باسم الدين تستجيب ، ولا تنتظر إذنا من حاكم ولا رئيس ، فالأمر جاءها في هذه الحال من ملك الملوك ، وأحكم الحاكمين ، قيوم السماوات والأرض ، رب العالمين .. ولهذا خرج المسلمون في إندونيسيا يعلنون أنهم قادمون للجهاد في سوريا بمئات الألوف .. وبدأت تنطلق الدعوات إلى مقاطعة السلع الإيرانية ، وعدم التعامل مع المطاعم الشيعية في كافة بقاع الأرض . وكأني بكل مسلم بات ينظر إلى الشيعة نظرة عداء وشذر .. وكأن احتقانا قويا بدأ يتشكل هنا وهناك .. مما يؤكد بأن هذا المؤتمر قد أحدث نقطة تحول في المعادلة . ولأول مرة في التاريخ الحديث يُعارُ المسلمون كل هذا الاهتمام ..
2 – إن دعوة المؤتمر إلى الجهاد أمر مخيف جدا بالنسبة للغرب . لأنهم يفسرون الجهاد الديني ، بمعنى الجهاد المقدس . الذي يعني من منظورهم ، أنه سينطلق فيه المسلمون ليقتلوا كل مخالف لهم في الدين أينما وجد على ظهر هذا الكوكب ... ولا شك أن هذا فهم خاطئ ومخيف للعالم كله ، فغير المسلمين يقيسون حربنا الدينية ، على حروبهم الصليبية ، التي اجتاحت العالم في يوم ما ، تحت راية الصليب ، وسالت بسببها الدماء أنهارا ... والغرب لا يريد أن ينجر العالم اليوم إلى هكذا حروب ، تدمر الاستقرار العالمي ، وتعطل مصالحه الكبرى ، وهو يخشى أن يصله شررٌ من هذه الحرب ، فيما لو تركت بدون احتواء ... لذلك تغيَّر – بعد هذا المؤتمر - موقف أوباما وكاميرون وأولاند وبوتن .. وحتما تغير قبلهم موقف إسرائيل .. فالحريق إن شب وانتشر ، كانت إسرائيل من أولى ضحاياه ...
3 – الدول الكبرى تعلم أن المسلمين إن قرروا انتزاع النصر في المعركة ضد النصيرية والشيعة في سوريا ، فسوف يمكنهم ذلك ، وهذه الدول لا تريد أن يفلت زمام المسلمين من أيديها .. لذلك في تقديري أنها لن تقف بعد اليوم مكتوفة الأيدي كما كانت تفعل منذ ثلاثين شهرا وحتى الآن ، في الوقت الذي يقوم فيه بشار وإيران والعراق ولبنان بممارسة أبشع صور الإجرام في حق السوريين .. مما حرك ضمير المسلمين جميعا ، وتعالت بسببه الأصوات داعية إلى إعلان الجهاد في سبيل الله ، نصرة لكل مسلم مظلوم على وجه الأرض .. بدءا من سوريا ، ومرورا بماينمار والصومال ومالي وغيرها ، وانتهاء بفلسطين وتحرير مسجدها الأسير ... إن المجتمع الدولي بعد هذا المؤتمر ، هو غيره قبل المؤتمر . لأن الدول ذات القرار أحست بالصدمة الكبرى التي تلقتها عبر الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ، وما يمكن أن تعقبه هذه الدعوة من محاذيرَ وأخطار ...
4 – بعد صدور قرارات المؤتمر الإسلامي ، وانطلاق الدعوة إلى النفير العام ، صار هنالك من يرفع صوته مطالبا بالخلافة الإسلامية ، وتحكيم شرع الله الذي لا يُظلَمُ في ظله أحدٌ ، ولا يُحابَى فيه قويٌّ على ضعيف ، ولا ظالم على مظلوم ، ولا يُكرَه فيه الناسُ على معتقد ولا دين (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وإن هكذا دعوة ، ربما هزَّتْ كثيرا من الكراسي العربية ، التي لا يرغب المجتمع الدولي لها أن تهتز .. لهذا سوف يتحرك أوباما وشركاه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة قبل فوات الأوان .
5 – قد يقول قائل : ولكن إيران تتمتع بحظوة كبرى لدى المجتمع الدولي ، وليس من المعقول أن يخذلها الغرب ، أو الشرق ، أو حتى بعض المنافقين من العرب .. خصوصا وأن إيران على علاقات مميزة مع إسرائيل .. والجواب : إن الغرب الآن يدفع الضرر الأشد بالضرر الأخف .. فإغضاب إيران ، ومعها إسرائيل ، أخف على الدول الكبرى من عودة فكرة الجهاد المقدس إلى الساحة ، أو فكرة الخلافة الإسلامية ، أو فكرة الأمة الواحدة ، أو الشعور العميق بالانتماء الصادق إلى هذه الأمة ، التي يبلغ تعدادها اليوم أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم .. فهبْ أنه لم تقم خلافة إسلامية ، فيكفي أن تتحد هذه الأمة على مقاطعة لبضائع دولة ما ، أو شركة عالمية ما ، حتى تحكم عليها بالخسارة والإفلاس ... والعالم اليوم يخضع في علاقاته إلى قانون الاستطراق ، إذا تحرك جانب فيه تأثرت بحركته سائر الجهات .
لهذه الأسباب الجوهرية ، التي عنت لي الآن ، وربما كان هنالك أسباب غيرها مما يؤرق الغرب ، أرى انه سوف تحسم الأمور عاجلا ، ولكنها لن تحسم على الشكل الذي يرضينا – نحن السوريين - إلا إذا فعَّلنا القرارات الصادمة لهذا المؤتمر ، الذي هز العالم بأسره منذ أيام ... نعم يا سادة ، لن تحسم الأمور على ما نريد إلا إذا ركزنا بوجه خاص على إحياء فكرة الجهاد في سبيل الله ، نصرة للسوريين ، ودفعا لعدوان الشيعة المتكالبة عليهم ، من إيران والعراق ولبنان . وهي المبرر الذي بنى عليه المؤتمرون فتواهم برفع علم الجهاد .
أيها المسلمون استيقظوا ، وإياكم والنوم ثانية ، فما زال الغرب يراهن على ردكم إلى النوم ، ويستعين عليكم بحكامكم ، لحقنكم بمخدرات الوعود تارة ، وحقَنكم بالمماطلة والتسويف تارة أخرى ، إلى أن تملوا ، وتعودوا إلى النوم من جديد ..
فيا خيل الله اركبي .. و يا جند الله تأهبي
والله أكبر ولله الحمد