شبكة #شام الإخبارية - قصة شهيد
الشهيد فيصل جميل عدي
لخصت أم فيصل وهي تودع ابنها الشهيد؛ المأساة السورية المستمرة من خمسين سنة، منذ انقلب حزب البعث على سورية الحرة التي تحاول تلمس طريق القوة بعد الاستقلال ، ليفرِّخ بسرعة حاكماً طاغيةً حاقداً اسمه حافظ أسد .
انكبت الأم على جثمان ابنها تقبل وجهه حزينة مخلوعة الفؤاد لتعبر في كلمات قليلة عن مأساة عشرات الألوف من بيوتنا بين الماضي والحاضر، بين الأب والابن: أبوه قتل أباك سنة 82.. وترككم صغاراً، يا ابني يا حبيبي .. وأضافت أكثر من... مرة( نيالك)
صوت عجوز متحشرج، ينوح على الشاب الذي رحل في زهرة العمر، ربته أم وحيدة، اختطف المجرم زوجها، مثل أربعين ألفاً من أهل حماة، وألوف في شتى السجون ومراكز( الويل) الأمنية.
صعدوا بها درج المشفى محمولة في كرسي بعجلات، لرؤيته شهيداً مربوط الفكين، ثابت النظرة، ثم تكرر مشهد الوداع بعد الصلاة عليه، ملفوفاً في كفن وردي، ألقيت فوقه الزهور والأغصان الخضر.
أما الزوجة الملتاعة فقد ودعته في السيارة التي ستحمله إلى حيث يدفن.. وراحت تمسح كل موضع من وجهه ولحيته، وتضم الرأس الساكن إلى صدرها تحدثه همساً وتنشج، ثم تعود لتمرر الأصابع الفتية من جديد على وجهه ..
فلما توجهوا لدفنه، سارت وراءهم..متباعدة قليلا، فلما أنزلوه في قبره، رفعت ذراعيها وشبكت بين أصابع كفيها خلف رأسها، وكأنها تعلن استعلاءها على حزنها وعلى عدوها وعلى مخاوفها.. وتصغي إلى صوت عقلها ودينها فحسب.
أخبار فيصل
لا غرابة إذن في أن يكون فيصل من السباقين إلى ساحات الثورة، فهو ابن حماة وابن شهيد من شهداء مجزرة حماة الشهيرة 1982.
تخرج من المعهد الصناعي للنِّجارة، لم يتردد في الانضمام إلى الثورة، وكان حديث عهد بالزواج، منذ بدأت حماة تنطلق في مظاهراتها المهيبة الحافلة، وكان بعلو همته وجرأته وكرمه من عناصر نجاحها وتميزها، فقد ذكر أصدقاؤه الذين نعَوه ورثَوه في صفحاتهم على الفيسبوك أنه: " كان ثورةً وحدَه" وجاء في التفاصيل:
" كان من أهم الناشطين في حماة في كل المجالات ومن أوائل الناس الذين خرجوا في المظاهرات وشجعوا الخائفين عليها. كان في المقدمة دوماً وأمام الدبابات متحدياً وللشباب منسقاً. أول من صنع مشنقة لبشار الأسد في حماة. وهو مشرف على تنفيذ فكرة العلم الذي رسم بأجساد الحمويين. كان يدفع من جيبه وعمل من محله مطبخاً لإطعام الثوار. وكان أهم محور من محاور الحاضر عند المناخ ".
ويفصل أحدهم نشاطات الشهيد أكثر فيقول:
" أشرف في شهر تموز( يوليو) على حواجز حماة
أشرف في جمعة " أحفاد خالد " على ذاك العلم البشري المنظم في ساحة العاصي
أشرف على خطِّ اللافتات التي رفعت على ساعة حماة
و أسهم بما استطاع , بالمطالبة بالإفراج عن معتقلي حماة حينها
أسهم بحماية المشافي " دون أن يكون له سلاح إلا جسده " و أسهم بإسعاف مصابي المظاهرات
أسهم بنقل الأدوية وجمعها من هنا وهناك.
في آخر جمعة تظاهر فيها الحمويون في ساحة العاصي قبل دخول الجيش .. رٌفِعَ مجسّمٌ خشبي لبشار الأسد بجناحين مشنوقاً، رُفِعَ على ساعة حماة , كان الشهيد فيصل من نحته وشنق بشار"
وقالوا: " كان متظاهراً ومصوراً وهاتفاً وهتّيفاً في آن".
إصابته
قدرت حشود مظاهرة حماة بنصف مليون من البشر يوم الجمعة السابق للمجزرة التي عرفت بمجزرة هلال رمضان ، وتميزت مظاهرات حماة بتنظيمها وإبداعاتها، وبخاصة مع صوت البطل إبراهيم القاشوش الذي كان يغني ببساطة ويردد معه عشرات الألوف: يللا ارحل يابشار.
وكان فيصل رحمه الله واحداً من حوالي مائة شهيد سقطوا يوم اقتحام الجيش حماة فجر 31- تموز( يوليو) 2011 .
يقول من نعَوا الشهيد:
" أصيب يوم الأحد عند بداية الاقتحام الهمجي، بأربع طلقات مقابل مخفر الحاضر وانتقل إلى رحمته تعالى الآن بعد صلاة الفجر متأثرا بجراحه صائماً و دفن في أرض قريبة على بيته .
إصابات الشهيد البطل فيصل جميل عدي كانت في اليد اليسرى وطلقة في البطن أدت إلى استئصال الكولون وطلقة في الفخذ الأيسر"
قال صديقه الذي كان معه لحظة إصابته:
" أصيب، ابتسم، أسعفوه، خدروه، نوى الصيام، صام، استشهد" .
زوجة الشهيد:
وإلى جانب الفيديوهات الكثيرة التي اعتنت بفيصل، وعرضت صوراً شخصية له في سياحة أو نزهة أو صوره في عمرة أو حج، تجد رسالة زوجته، التي تلقي مزيداً من الضوء على شخصيته، فنكتشف- دون استغراب- أنه اختار وتآلف مع صبية أديبة متدينة، تشاركه بعمق وحب وإيمان كل ما يؤمن به، ويحيا من أجله.
الرسالة خصت بها الزوجة ملتقى للحمويين في مدينة الرياض، رسالة رقيقة في قوة، أجد من الوفاء لتاريخ سورية وللشهيد وزوجته ألا أقتطع منها شيئاً:
" زوجي الشهيد ...حين أكتب عنك يقف القلم, و تهرب العبارات خجلى عجزاً عن وصفك. لا أدري ماذا أقول أأرثيك؟ أم أهنيك؟
لكن لا لن أرثيَك وإنما أهنيك فهنيئاً لك و هنيئاً لي بك.
مرّت أيامي معك كلمح البصر كنت فيها زوجاً حنونا محباً مرحاً متقداً بالشباب و مفعماً بالحياة, و جودك كان ربيعاً لوّن لي فصول الحياة.
يشدني الشوق إليك و الحنين, ما تمنيت الموت يوماً إلا بعد استشهادك اشتياقاً لك و رغبة في استعادة لحظات قليلة لكنها جميلة سرقناها في غفلة من الزمن, فقد ظننت أنك معي طول السنين.
لم يفاجئني نبأ استشهادك, فلطالما أغراك أجر الشهيد و أن الجنة عروس مهرها النفوس, فمبارك لك هذي العروس.
كم تمنيت أن أبشرك بطفل منك أحمله في أحشائي, لكنك كنت سباقاً و جاءت البشرى منك عندما تنبأت به قبل ساعات من استشهادك فقلت لصاحبك: " بدي اطلع لعند مرتي بارك لها بالحمل"
أدركت حينها أني سأبقي معك دوماً و لن تنساني بعد استشهادك, و كن على ثقة يا حبيبي أني ما نسيتك و لن أنساك أبداً, و أعاهدك على أن أربيَ ابننا كما حلمت أن تربيَه.
يا حيــــــــــــــف .... يا حيـــــــــــــــــــف
أخواني الثوار:
أستحلفكم بالله أن تأخذوا لي بالثأر ممن حرمني و ابني منه. أستحلفكم بالله ألا تبرد همّتكم وأن تضرموا نار الثورة أكثر. أستحلفكم بالله أن تصبروا و تصابروا فما النصر الا صبر ساعة.
أستحلفكم بالله ألا يثنيكم عن الثورة عدّةٌ و عتادٌ حشدها نظام الطاغية في وجوهكم, و تذكروا قول الله تعالى:
" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"
و قوله تعالى: و لا تحسبن الله غافلا عمّا يعمل الظالمون "
و أخيراً: أخي حاضر هذا الملتقى, يامن حرمك بعد المسافة من النزول إلى ساحات الحرية, أستحلفكم بالله أن تكون ثائراً بالدعاء لنا, شهماً في إطلاق سهام الليل تضرعاً لله بتعجيل النصر المحتم لنا.
أتهزأ بالدعاء و تزدريه ... و ما تدري بما صنع الدعاء"
بقلم فاطمة صالح ، من كتاب سيرة مئة قمر سوري، منشورات تيار العدالة الوطني 2013
الشهيد فيصل جميل عدي
لخصت أم فيصل وهي تودع ابنها الشهيد؛ المأساة السورية المستمرة من خمسين سنة، منذ انقلب حزب البعث على سورية الحرة التي تحاول تلمس طريق القوة بعد الاستقلال ، ليفرِّخ بسرعة حاكماً طاغيةً حاقداً اسمه حافظ أسد .
انكبت الأم على جثمان ابنها تقبل وجهه حزينة مخلوعة الفؤاد لتعبر في كلمات قليلة عن مأساة عشرات الألوف من بيوتنا بين الماضي والحاضر، بين الأب والابن: أبوه قتل أباك سنة 82.. وترككم صغاراً، يا ابني يا حبيبي .. وأضافت أكثر من... مرة( نيالك)
صوت عجوز متحشرج، ينوح على الشاب الذي رحل في زهرة العمر، ربته أم وحيدة، اختطف المجرم زوجها، مثل أربعين ألفاً من أهل حماة، وألوف في شتى السجون ومراكز( الويل) الأمنية.
صعدوا بها درج المشفى محمولة في كرسي بعجلات، لرؤيته شهيداً مربوط الفكين، ثابت النظرة، ثم تكرر مشهد الوداع بعد الصلاة عليه، ملفوفاً في كفن وردي، ألقيت فوقه الزهور والأغصان الخضر.
أما الزوجة الملتاعة فقد ودعته في السيارة التي ستحمله إلى حيث يدفن.. وراحت تمسح كل موضع من وجهه ولحيته، وتضم الرأس الساكن إلى صدرها تحدثه همساً وتنشج، ثم تعود لتمرر الأصابع الفتية من جديد على وجهه ..
فلما توجهوا لدفنه، سارت وراءهم..متباعدة قليلا، فلما أنزلوه في قبره، رفعت ذراعيها وشبكت بين أصابع كفيها خلف رأسها، وكأنها تعلن استعلاءها على حزنها وعلى عدوها وعلى مخاوفها.. وتصغي إلى صوت عقلها ودينها فحسب.
أخبار فيصل
لا غرابة إذن في أن يكون فيصل من السباقين إلى ساحات الثورة، فهو ابن حماة وابن شهيد من شهداء مجزرة حماة الشهيرة 1982.
تخرج من المعهد الصناعي للنِّجارة، لم يتردد في الانضمام إلى الثورة، وكان حديث عهد بالزواج، منذ بدأت حماة تنطلق في مظاهراتها المهيبة الحافلة، وكان بعلو همته وجرأته وكرمه من عناصر نجاحها وتميزها، فقد ذكر أصدقاؤه الذين نعَوه ورثَوه في صفحاتهم على الفيسبوك أنه: " كان ثورةً وحدَه" وجاء في التفاصيل:
" كان من أهم الناشطين في حماة في كل المجالات ومن أوائل الناس الذين خرجوا في المظاهرات وشجعوا الخائفين عليها. كان في المقدمة دوماً وأمام الدبابات متحدياً وللشباب منسقاً. أول من صنع مشنقة لبشار الأسد في حماة. وهو مشرف على تنفيذ فكرة العلم الذي رسم بأجساد الحمويين. كان يدفع من جيبه وعمل من محله مطبخاً لإطعام الثوار. وكان أهم محور من محاور الحاضر عند المناخ ".
ويفصل أحدهم نشاطات الشهيد أكثر فيقول:
" أشرف في شهر تموز( يوليو) على حواجز حماة
أشرف في جمعة " أحفاد خالد " على ذاك العلم البشري المنظم في ساحة العاصي
أشرف على خطِّ اللافتات التي رفعت على ساعة حماة
و أسهم بما استطاع , بالمطالبة بالإفراج عن معتقلي حماة حينها
أسهم بحماية المشافي " دون أن يكون له سلاح إلا جسده " و أسهم بإسعاف مصابي المظاهرات
أسهم بنقل الأدوية وجمعها من هنا وهناك.
في آخر جمعة تظاهر فيها الحمويون في ساحة العاصي قبل دخول الجيش .. رٌفِعَ مجسّمٌ خشبي لبشار الأسد بجناحين مشنوقاً، رُفِعَ على ساعة حماة , كان الشهيد فيصل من نحته وشنق بشار"
وقالوا: " كان متظاهراً ومصوراً وهاتفاً وهتّيفاً في آن".
إصابته
قدرت حشود مظاهرة حماة بنصف مليون من البشر يوم الجمعة السابق للمجزرة التي عرفت بمجزرة هلال رمضان ، وتميزت مظاهرات حماة بتنظيمها وإبداعاتها، وبخاصة مع صوت البطل إبراهيم القاشوش الذي كان يغني ببساطة ويردد معه عشرات الألوف: يللا ارحل يابشار.
وكان فيصل رحمه الله واحداً من حوالي مائة شهيد سقطوا يوم اقتحام الجيش حماة فجر 31- تموز( يوليو) 2011 .
يقول من نعَوا الشهيد:
" أصيب يوم الأحد عند بداية الاقتحام الهمجي، بأربع طلقات مقابل مخفر الحاضر وانتقل إلى رحمته تعالى الآن بعد صلاة الفجر متأثرا بجراحه صائماً و دفن في أرض قريبة على بيته .
إصابات الشهيد البطل فيصل جميل عدي كانت في اليد اليسرى وطلقة في البطن أدت إلى استئصال الكولون وطلقة في الفخذ الأيسر"
قال صديقه الذي كان معه لحظة إصابته:
" أصيب، ابتسم، أسعفوه، خدروه، نوى الصيام، صام، استشهد" .
زوجة الشهيد:
وإلى جانب الفيديوهات الكثيرة التي اعتنت بفيصل، وعرضت صوراً شخصية له في سياحة أو نزهة أو صوره في عمرة أو حج، تجد رسالة زوجته، التي تلقي مزيداً من الضوء على شخصيته، فنكتشف- دون استغراب- أنه اختار وتآلف مع صبية أديبة متدينة، تشاركه بعمق وحب وإيمان كل ما يؤمن به، ويحيا من أجله.
الرسالة خصت بها الزوجة ملتقى للحمويين في مدينة الرياض، رسالة رقيقة في قوة، أجد من الوفاء لتاريخ سورية وللشهيد وزوجته ألا أقتطع منها شيئاً:
" زوجي الشهيد ...حين أكتب عنك يقف القلم, و تهرب العبارات خجلى عجزاً عن وصفك. لا أدري ماذا أقول أأرثيك؟ أم أهنيك؟
لكن لا لن أرثيَك وإنما أهنيك فهنيئاً لك و هنيئاً لي بك.
مرّت أيامي معك كلمح البصر كنت فيها زوجاً حنونا محباً مرحاً متقداً بالشباب و مفعماً بالحياة, و جودك كان ربيعاً لوّن لي فصول الحياة.
يشدني الشوق إليك و الحنين, ما تمنيت الموت يوماً إلا بعد استشهادك اشتياقاً لك و رغبة في استعادة لحظات قليلة لكنها جميلة سرقناها في غفلة من الزمن, فقد ظننت أنك معي طول السنين.
لم يفاجئني نبأ استشهادك, فلطالما أغراك أجر الشهيد و أن الجنة عروس مهرها النفوس, فمبارك لك هذي العروس.
كم تمنيت أن أبشرك بطفل منك أحمله في أحشائي, لكنك كنت سباقاً و جاءت البشرى منك عندما تنبأت به قبل ساعات من استشهادك فقلت لصاحبك: " بدي اطلع لعند مرتي بارك لها بالحمل"
أدركت حينها أني سأبقي معك دوماً و لن تنساني بعد استشهادك, و كن على ثقة يا حبيبي أني ما نسيتك و لن أنساك أبداً, و أعاهدك على أن أربيَ ابننا كما حلمت أن تربيَه.
يا حيــــــــــــــف .... يا حيـــــــــــــــــــف
أخواني الثوار:
أستحلفكم بالله أن تأخذوا لي بالثأر ممن حرمني و ابني منه. أستحلفكم بالله ألا تبرد همّتكم وأن تضرموا نار الثورة أكثر. أستحلفكم بالله أن تصبروا و تصابروا فما النصر الا صبر ساعة.
أستحلفكم بالله ألا يثنيكم عن الثورة عدّةٌ و عتادٌ حشدها نظام الطاغية في وجوهكم, و تذكروا قول الله تعالى:
" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"
و قوله تعالى: و لا تحسبن الله غافلا عمّا يعمل الظالمون "
و أخيراً: أخي حاضر هذا الملتقى, يامن حرمك بعد المسافة من النزول إلى ساحات الحرية, أستحلفكم بالله أن تكون ثائراً بالدعاء لنا, شهماً في إطلاق سهام الليل تضرعاً لله بتعجيل النصر المحتم لنا.
أتهزأ بالدعاء و تزدريه ... و ما تدري بما صنع الدعاء"
بقلم فاطمة صالح ، من كتاب سيرة مئة قمر سوري، منشورات تيار العدالة الوطني 2013