يوميات الثائر المتفائل
حتى لا نتباكى على قصير أخرى لنتعلم الدرس ولو لمرة
الطامة الكبرى لم تكن ما أسماه عدونا سقوط القصير, ورحنا نردد هذا التعبير بعده, بل الطامة الكبرى هو اختزال الثورة بمعركة واحدة بمدينة واحدة ولو محببة لقلبنا. منذ أول يوم تسلطت الأضواء كلها على معركة القصير, ولم تكد تمر ساعة واحدة خلال الثلاثة أسابيع الماضية من دون تقارير تنهال من كل حدب وصوب عن سير المعركة في القصير.... منذ أول يوم تم فيه هذا التركيز الإعلامي المخيف, تم تقرير مصير القصير (بالسقوط). فلقد أرادها العدو نصرا حسينياً إلهياً آخر, وكما انتصاراته السابقة, أجوف في حقيقته, ولكنه مدوي على شاشات التلفزيون وهي نفسها تلك التي دوت لانتصارات مشابهة في ال 2006 تدوي له اليوم أيضاً. وما هو أسوء هو مشاركة بعض الناشطين المعروفين بنشر هذه البروباغاندا عن غير قصد طبعا وعن حسن نية, عندما صرخوا إن سقطت القصير فستنهار الثورة! هذا نداء لا يناديه إلا العدو... هداهم الله, فخسارة أي جبهة في حرب هو أمر وارد ولا يجوز أن نكون ألعوبة بيد آلة العدو الإعلامية. فلقد حكمنا على القصير بالسقوط بعد أن أعطيناها على الإعلام هذه الأهمية لنا ولثورتنا.
جبهة القصير هي أمر عسكري بحت, لا مكان فيه للمشاعر ولا لصرخات أين أنتم يا عرب وأين أنتم يا مسلمون, فهذه الصرخات أولاً, لم يكن يوما لها أي أثر إيجابي على أي شيء, وثانياً فهي تجلب المصائب علينا, فكما تكلمنا عن رصد ألم العدو من صرخاته, هو رصد ألمنا من صرخاتنا عن القصير ورصد التغطية الكثيفة جدا لهذه المعركة ورصد تصريحات النشطاء التي اختزلت الثورة بمعركة القصير بطريقة اسطورية تهدي الرابح فيها كأس البطولة, وهذه سذاجة ولعب بدماء المسلمين. فما جرى ويجري هناك له اعتبارات عسكرية بحتة. المدينة محاصرة, ولابد من الهروب من الحصار وإجلاء المدنيين. وبما أن هذه الخيارات لم تتوفر من قبل باقي عناصر الجيش الحر خارج القصير والذي فشل بتوحيد صفوفه خارج القصير لفتح جبهات يضرب فيها حزب اللات في معاقله على القرى الحدودية, فكان واجباً على الجيش الحر داخل القصير أن يتخذ قراراً بأقل الخسائر, ألا وهو الانسحاب ليجنب الأهالي مزيداً من العذاب, وليحافظ على قواته من أجل إعادة الكرة. هذا باختصار ما حصل.
القصير لم تسقط, ليس لأنه لا يعجبني تعبير السقوط, ولكن لأن القوات المدافعة لم تنكسر بل انسحبت ضمن سياق المعركة, وذلك لإخلاء المدنيين والجرحى, فهذه العوامل باتت اليد التي تلوى مع كل طلوع فجر. بالمقابل العدو يبحث عن نصر كما سبق وناقشنا, وما أنسب معركة القصير التي تكفلنا نحن للأسف بالدعاية لها. فوضع كل ما يملك من عتاد وقدرة على القصف ليجبر القوات المدافعة على الانسحاب أو الموت تحت الركام.
الدروس التي وجب أن نتعلمها من خسارة جبهة القصير ولو مؤقتاً, هو عدم الإعلان عن معركة ما على أنها مفصلية, و حاسمة, وووو.... فنحن الطرف الأضعف وإعلان كهذا سيجعل من عدونا يتراكض هو وروسيا وإيران لكسبها, فمعها سيكسب الدعاية الإعلامية تلقائياً... دعاية نحن صنعناها له.
ثانياً, أرجو من قادة الجيش الحر الإعلاميين في هيئة الأركان والمجالس العسكرية عدم التصرف بشكل أسدي بإطلاق تهديدات فارغة, كإعطاء مهل 24 ساعة, أو القسم أمام الكاميرات بأن حزب اللات لن يدخل على القصير إلا على جثثنا... فهاهو الحزب قد دخل! الدعاية الإعلامية لا تعني استغباء أفراد جيشك وأفراد شعبك.
ثالثاً, أرجو من الفصائل المقاتلة التي لا تنضوي تحت راية الجيش الحر أن تكف عن التنظير وتعمل باستراتيجية وليس بسياسة. توسيع الجبهات لتشمل قرى حزب اللات ومدنه ضمن لبنان هي ضرورة استراتيجية, فالقصير محاصرة, وكسر الحصار ب 250 جندي لن يقلب الموازين. على الأقل وجب تنسيق الجهود ليكون هناك شبه جيش يأتمر باستراتيجية واحدة.
رابعاً وهو الأكثر أهمية, سيحاول النظام تكرار تجربة القصير إما في ريف حلب أو ريف دمشق, فهو يستهدفهما في هذه اللحظات بقصف هائل, وهو ينتظر الفضائيات والنشطاء ليحددوا المعركة الحاسمة القادمة والتي تعني الثورة بكاملها, ليركز عليها. لذلك, نرجو الاكتفاء بنقل الأخبار من دون تحليلات عن ماهو مفصلي عسكريا واستراتيجياً فمعظمكم لستم أهل لهذا.