شبكة شام الإخبارية - قصة شهيد
الشهيد محمد النقاب – معضمية الشام – ريف دمشق
حكاية التين والزيتون
بين حبات زيتونها ورائحة زيتها المبارك, مع تمايل أغصان التين وتحت دالية العنب الأسود كانت أولى أنفاسه, مع صياح ديكتها وتغريد طيورها كانت أولى صرخاته, نعم هي المعضمية وهو بطلنا محمد النقاب فبينهما قصة عشق لن تنتهي .
محمد ذو الخمسة والعشرين ربيعاً ولد في هذه البلدة الهادئة, حبا على ترابها الطاهر فاكتسب سمرته، وداعبت أنامله الصغيرة خيوط شمسها وشرب عشقها مع حليب أمه ,كبر محمد في بلد ...الألم وترعرع مع الظلم المقيت, أراد أن يتمم تعليمه ولكن- حاله كحال الكثير من الشباب- أوقف دراسته باكراً في المرحلة الإعدادية لكي يعمل ويعين أسرته, كان فتى طموحاً يغني معلوماته ويعمل على تثقيف نفسه, وبشهادة من حوله كان مسالماً غيوراً لدينه ووطنه يثور ويغضب لحرمة غيره.
انفجرت الثورة في تونس ومصر، فكان محمد أيقونة ثورة المعضمية، فأخذ يتحاور مع أصدقائه ويناقشهم على العمل لبدء الحراك السلمي في بلدنا, كيف لا وهو ذاك البطل الغيور على بلده وأهلها, فحال البلد من ظلم وسلب للحريات وانتهاك للحرمات وإفقار وتجويع كانت الدافع لبطلنا.
فكان المكان أمام القصر العدلي بدمشق، والزمان يوم ذكرى أحكام الطوارئ, هكذا كان اتفاقهم: وقفة احتجاجية هناك, فأي شجاعة تلك يا محمد أنت وصحبك! فلما وصلوا فوجئوا بكثافة الأمن وكثرة الأنذال فعادوا إلى بلدتهم غير مكسورين بل عازمين على العمل.
كرر محمد المحاولة مع رفاقه عدة مرات وفي كل مرة تخفق وقفتهم بسبب كثافة الأمن, لكن الهمة لم تلن، والعزم لم ينكسر، بل ظل متأهباً كما النسر منتظراً لحظة انقضاضه.
فكر مع أصدقائه الأبطال لم لا نعمل على حراكنا السلمي في مدينتا المعضمية! فكان ذلك في الواحد والعشرين من شهر آذار عام ألفين وأحد عشر للميلاد( 21- 3- 2011), ومن كان يجرؤ على الوقوف حتى سلمياً بوجه هذا النظام الغاشم سوى الأبطال .
شاءت الأقدار أن تكون شعلة ثورتنا هي الأنامل الناعمة لأطفال درعا، فما كان من محمد ورفاقه إلاأن هبوا فزعة لدرعا ومؤازرة لها بعد أن استباح النظام دم أهلها, فخرجوا وهتفوا (يا درعا نحن معاكي للموت )بطلنا كان يقود تلك المظاهرات ويهتف برفاقه ولم تكن تلك الهتافات والأناشيد التي يختارها عبثاً إنما كان يسهر طوال الليل مع غيره من الناشطين لتحضيرها وانتقاء أجمل الكلام وأكثره تعبيرا, والعمل على تحضير اللافتات والأعلام وكل مايلزم الحراك السلمي.
لم يكن غريباً أن يكون محمد المطلوب الأول للمخابرات الجوية، فاضطر لترك عمله في دمشق بسبب الحواجز، وترك منزله وبقي يتنقل من منزل لآخر طوال السنة والنصف التي عاشها مع الثورة, يرسم البسمة أينما وجد فكان خفيف الظل على أصحاب بيوت من احتضنوه.
وإلى جانب النشاط الميداني كان محمد من الناشطين على صفحات الإنترنت، ففي الوقت الذي كان الناس يخافون حتى من النظر إلى الصفحات المعارضة؛ كان النقّاب يدخل باسمه الحقيقي ويدلي بأفكاره ومقترحاته لإنجاح الثورة.
تحول الحراك السلمي إلى مسلح مع زيادة بطش النظام ومع زيادة أعداد المنشقين, ومع يقين محمد أنه يجب حمل السلاح للدفاع عن أعراضنا التي انتهكت والثأر لشبابنا التي استشهدت على أيدي نظام الغدر والطائفية؛ التحق البطل بالجيش الحر لكي يكون فارساً مغواراً في ساحات الوغى، كما كان في ساحات التظاهر, هماماً ليس كأي همام عنيداً جَلداً لا يأبه لقوة خصمه ولا يستكين أبدا, وضع الشهادة أمام عينيه وتمناها بصدق وعمل على تحقيق النصر بجد وبسالة.
وفي أولى ليالي عيد الفطر ذهب إلى أهله ليعايدهم ويودعهم بعد أن أتت الأخبار بتجهز فرق الجيش الأسدية المحاصرة للمدينة منذ أكثر من شهرين، وفي الصباح شارك في الانتشار تحت راية سرية المهام الخاصة التابعة للجيش الحر في المدينة خوفا من حصول أي أمر طارئ يهدد حياة المدنيين العزل. وفي صباح ثاني أيام العيد قدمت التعزيزات و الحشود العسكرية الأسدية مع عناصر الأمن والشبيحة، وبدأ القصف المدفعي والصاروخي الهمجي على المدينة في الساعة الخامسة صباحاً، مما أوقع خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وكان القصف يرافقه إطلاق الرصاص الكثيف مع دخول العديد من الدبابات والمدرعات، ما استوجب من عناصر الجيش الحر الدفاع عن الأهالي والتصدي لمحاولة اقتحام المدينة، فقام المجاهد محمد النقّاب بمحاولة التصدي لمجموعة من العساكر الذين خانوا الوطن، محاولاً تدمير دبابة متمركزة أمام مخفر المدينة، فلما نفدت ذخيرته استهدفته الدبابة بقذيفة ما أدى إلى استشهاده مع اثنين من رفاقه وكان ذلك يوم( 20- 8- 2012) نسأل الله أن يتقبلهم من الشهداء ويسكنهم في فسيح جناته.
لن أعلن موت محمد ولن أقول أنه رحل! لا بل حينها فقط ولد محمد ،فهو الآن في عليين يقرأ معي ما أكتب يبتسم لي ويشد على يدي، يوصيني بالسير على خطاه, ربما رحل جسده ولكن النقّاب لم ترحل عزيمته وتفاؤله، ضحكاته الجميلة قد عششت في مسمعي ونخوته النادرة أضحت هي مثلي, سالت دماؤه العطرة على ثرى بلدته واختلطت به فكانت رائحة كرائحة المسك وطيباً كطيب العنبر, فأرض تلد محمداً ليس عجيباً ولا هو بالغريب أن يجتمع فيها ما باركه الله: التين والزيتون .
قيلت فيه قصيدة أقتطف منها:
أبكي فتىً فوق الثريا نفسُه= يلقى الممات ولا يعيش ذليلا
أبكي فتى كان الجميع يعده= رجلا وإن كان الرجال قليلا
يا من ضربت لنا المثال مضحيا= وأريتنا صور الجهاد الأولى
فحييت في ظل العقيدة ثابتا= وأبيت الا أن تموت أصيلا
هذا الفيديو أغنية للشهيد غناها قبل استشهاده بيومين
https://www.youtube.com/watch?v=V2m4glFYgLI&feature=youtu.be
بقلم محمود الواوي أبو أنس- من كتاب سيرة مئة قمر سوري_ منشورات تيار العدالة الوطني 2013
الشهيد محمد النقاب – معضمية الشام – ريف دمشق
حكاية التين والزيتون
بين حبات زيتونها ورائحة زيتها المبارك, مع تمايل أغصان التين وتحت دالية العنب الأسود كانت أولى أنفاسه, مع صياح ديكتها وتغريد طيورها كانت أولى صرخاته, نعم هي المعضمية وهو بطلنا محمد النقاب فبينهما قصة عشق لن تنتهي .
محمد ذو الخمسة والعشرين ربيعاً ولد في هذه البلدة الهادئة, حبا على ترابها الطاهر فاكتسب سمرته، وداعبت أنامله الصغيرة خيوط شمسها وشرب عشقها مع حليب أمه ,كبر محمد في بلد ...الألم وترعرع مع الظلم المقيت, أراد أن يتمم تعليمه ولكن- حاله كحال الكثير من الشباب- أوقف دراسته باكراً في المرحلة الإعدادية لكي يعمل ويعين أسرته, كان فتى طموحاً يغني معلوماته ويعمل على تثقيف نفسه, وبشهادة من حوله كان مسالماً غيوراً لدينه ووطنه يثور ويغضب لحرمة غيره.
انفجرت الثورة في تونس ومصر، فكان محمد أيقونة ثورة المعضمية، فأخذ يتحاور مع أصدقائه ويناقشهم على العمل لبدء الحراك السلمي في بلدنا, كيف لا وهو ذاك البطل الغيور على بلده وأهلها, فحال البلد من ظلم وسلب للحريات وانتهاك للحرمات وإفقار وتجويع كانت الدافع لبطلنا.
فكان المكان أمام القصر العدلي بدمشق، والزمان يوم ذكرى أحكام الطوارئ, هكذا كان اتفاقهم: وقفة احتجاجية هناك, فأي شجاعة تلك يا محمد أنت وصحبك! فلما وصلوا فوجئوا بكثافة الأمن وكثرة الأنذال فعادوا إلى بلدتهم غير مكسورين بل عازمين على العمل.
كرر محمد المحاولة مع رفاقه عدة مرات وفي كل مرة تخفق وقفتهم بسبب كثافة الأمن, لكن الهمة لم تلن، والعزم لم ينكسر، بل ظل متأهباً كما النسر منتظراً لحظة انقضاضه.
فكر مع أصدقائه الأبطال لم لا نعمل على حراكنا السلمي في مدينتا المعضمية! فكان ذلك في الواحد والعشرين من شهر آذار عام ألفين وأحد عشر للميلاد( 21- 3- 2011), ومن كان يجرؤ على الوقوف حتى سلمياً بوجه هذا النظام الغاشم سوى الأبطال .
شاءت الأقدار أن تكون شعلة ثورتنا هي الأنامل الناعمة لأطفال درعا، فما كان من محمد ورفاقه إلاأن هبوا فزعة لدرعا ومؤازرة لها بعد أن استباح النظام دم أهلها, فخرجوا وهتفوا (يا درعا نحن معاكي للموت )بطلنا كان يقود تلك المظاهرات ويهتف برفاقه ولم تكن تلك الهتافات والأناشيد التي يختارها عبثاً إنما كان يسهر طوال الليل مع غيره من الناشطين لتحضيرها وانتقاء أجمل الكلام وأكثره تعبيرا, والعمل على تحضير اللافتات والأعلام وكل مايلزم الحراك السلمي.
لم يكن غريباً أن يكون محمد المطلوب الأول للمخابرات الجوية، فاضطر لترك عمله في دمشق بسبب الحواجز، وترك منزله وبقي يتنقل من منزل لآخر طوال السنة والنصف التي عاشها مع الثورة, يرسم البسمة أينما وجد فكان خفيف الظل على أصحاب بيوت من احتضنوه.
وإلى جانب النشاط الميداني كان محمد من الناشطين على صفحات الإنترنت، ففي الوقت الذي كان الناس يخافون حتى من النظر إلى الصفحات المعارضة؛ كان النقّاب يدخل باسمه الحقيقي ويدلي بأفكاره ومقترحاته لإنجاح الثورة.
تحول الحراك السلمي إلى مسلح مع زيادة بطش النظام ومع زيادة أعداد المنشقين, ومع يقين محمد أنه يجب حمل السلاح للدفاع عن أعراضنا التي انتهكت والثأر لشبابنا التي استشهدت على أيدي نظام الغدر والطائفية؛ التحق البطل بالجيش الحر لكي يكون فارساً مغواراً في ساحات الوغى، كما كان في ساحات التظاهر, هماماً ليس كأي همام عنيداً جَلداً لا يأبه لقوة خصمه ولا يستكين أبدا, وضع الشهادة أمام عينيه وتمناها بصدق وعمل على تحقيق النصر بجد وبسالة.
وفي أولى ليالي عيد الفطر ذهب إلى أهله ليعايدهم ويودعهم بعد أن أتت الأخبار بتجهز فرق الجيش الأسدية المحاصرة للمدينة منذ أكثر من شهرين، وفي الصباح شارك في الانتشار تحت راية سرية المهام الخاصة التابعة للجيش الحر في المدينة خوفا من حصول أي أمر طارئ يهدد حياة المدنيين العزل. وفي صباح ثاني أيام العيد قدمت التعزيزات و الحشود العسكرية الأسدية مع عناصر الأمن والشبيحة، وبدأ القصف المدفعي والصاروخي الهمجي على المدينة في الساعة الخامسة صباحاً، مما أوقع خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وكان القصف يرافقه إطلاق الرصاص الكثيف مع دخول العديد من الدبابات والمدرعات، ما استوجب من عناصر الجيش الحر الدفاع عن الأهالي والتصدي لمحاولة اقتحام المدينة، فقام المجاهد محمد النقّاب بمحاولة التصدي لمجموعة من العساكر الذين خانوا الوطن، محاولاً تدمير دبابة متمركزة أمام مخفر المدينة، فلما نفدت ذخيرته استهدفته الدبابة بقذيفة ما أدى إلى استشهاده مع اثنين من رفاقه وكان ذلك يوم( 20- 8- 2012) نسأل الله أن يتقبلهم من الشهداء ويسكنهم في فسيح جناته.
لن أعلن موت محمد ولن أقول أنه رحل! لا بل حينها فقط ولد محمد ،فهو الآن في عليين يقرأ معي ما أكتب يبتسم لي ويشد على يدي، يوصيني بالسير على خطاه, ربما رحل جسده ولكن النقّاب لم ترحل عزيمته وتفاؤله، ضحكاته الجميلة قد عششت في مسمعي ونخوته النادرة أضحت هي مثلي, سالت دماؤه العطرة على ثرى بلدته واختلطت به فكانت رائحة كرائحة المسك وطيباً كطيب العنبر, فأرض تلد محمداً ليس عجيباً ولا هو بالغريب أن يجتمع فيها ما باركه الله: التين والزيتون .
قيلت فيه قصيدة أقتطف منها:
أبكي فتىً فوق الثريا نفسُه= يلقى الممات ولا يعيش ذليلا
أبكي فتى كان الجميع يعده= رجلا وإن كان الرجال قليلا
يا من ضربت لنا المثال مضحيا= وأريتنا صور الجهاد الأولى
فحييت في ظل العقيدة ثابتا= وأبيت الا أن تموت أصيلا
هذا الفيديو أغنية للشهيد غناها قبل استشهاده بيومين
https://www.youtube.com/watch?v=V2m4glFYgLI&feature=youtu.be
بقلم محمود الواوي أبو أنس- من كتاب سيرة مئة قمر سوري_ منشورات تيار العدالة الوطني 2013