شبكة شام الإخبارية - قصة شهيد
الشهيد "علاء اللحام"
حين يتصل علاء بأمه، يظهر الاسم على جوالها: نور عيوني، وكان كلما اتصل بها بعد مغادرتها سورية يقول: أمي سأرفع رأسك...
... يبدو أن مفهوم رفع الرأس لدى الأسرة الصابرة كان في البقاء ثائراً في ساحات التظاهر ثم جندياً في الجيش الحر، بعد أن تخلف عن الالتحاق بالجيش النظامي فصار مطلوباً، فدوهم بيت الأسرة أكثر من مرة ولم يجدوا علاء.
بدايات
ولد علاء عام 1991في بلدة حرنة الشرقية التابعة لمدينة التل التي لا تبعد عن العاصمة دمشق أكثر من خمسة عشر كيلومترا، وصل في دراسته إلى الصف الثالث الإعدادي، ثم ترك الدراسة ليعمل في البناء بالحجر الذي اشتهرت به التل، وكان يحب الصيد، فيخرج مع أبيه وأخيه ورفاقه إلى وادي الدريج لصيد الأرانب، فتعلم استخدام السلاح، ويبدو أنه كان من ذوي المواهب الفنية واليدوية، ما جعله يجرب العمل في محل لتصفيف الشعر مدة شهرين، كما كان بارعاً في الطبخ، وعمل مدة مع مؤسسة أهلية تخصصت في الطبخ للحفلات والأعراس. وكان وفق حديث أمه: يحب المرح والأناقة والنظافة يرتب غرفته وسريره أحسن من ست البيت، والأهم ربما في حديث الأم، أن علاء كان إذا أراد شيئا؛ يفعله.
ثورة التلّ
خرجت التل منذ الشهر الأول للثورة وكانت لها مظاهرة حاشدة في 25-3-2011 نجدة وتأييداً لدرعا، وتعددت المظاهرات السلمية الجميلة بنشاطات مبتكرة، في كل جمعة، إضافة إلى المظاهرات المسائية.
وصبرت التل وأهلها وتحملت الكثير من أذى الأمن والشبيحة، الذين استخدموا في البداية بنادق الخردق والقنابل المسمارية ضد المتظاهرين، ثم بدأ المجرمون يقتحمون البيوت ويعتقلون وينهبون، وأحرقوا المحلات التجارية كما فعلوا في كل مدينة وبلدة طلبت الحرية بنشاط سلمي بحت.
ولما اتخذ بعض شباب الجيش الحر قراراً بالمشاركة في محاربة النظام، وقاموا بعملية في التل نفسها، وكانوا من قبل يقاتلون في مناطق أخرى قريبة؛ حاصر النظام المدينة بصورة أرعبت أهلها، وقد شاهدوا بأم أعينهم ما حلّ بمدن أخرى من قصف وتدمير، فسارع الألوف منهم لمغادرتها، لكن الجيش انسحب، وكأنه قرر عدم ضرب المدينة، فبدأ كثيرون بالعودة، لكن الغدر كان ينتظرهم فقصفت التل كغيرها، ونالها من الدمار والخراب ما نال مثيلاتها من المدن التي ثارت ضد ظلم البعث وآل أسد وفسادهما.
وقد بلغ من شدة القصف ووحشيته، أن أحصى الناس في أحد الأيام خمسين قذيفة في خمس دقائق، واقتحم الشبيحة بعض الفنادق التي لجأت إليها نساء التل في دمشق، واستاقوا عدداً منهن وفيهن الأم المرضع والشابة الصغيرة، بعد أن أسرت مجموعة من الجيش الحر المذيعة يارا صالح، ثم أطلقتها .
ثورة علاء
حسب أمِّ علاء، كان ابنها" .. كان مثلي ومثلك ومثل كل الشباب عنده أغلاط، بس قبضاي وذكرتي ومعروف بالتل وبحرنة.."
لكن علاء تغير تغيراً واضحاً بعد اشتعال الثورة، وكأنما كانت الثورة قدراً جميلاً ناصحاً كشف أمام عينيه الفتِيَّتَين حقيقة ما يريد، فهو من أسرة معارضة ولو بالقلب، إن صح التعبير، وآن الأوان أن يعبر هو بنفسه بالقول والفعل عن موقفه من النظام الظالم الفاسد.
اندفع للخروج في المظاهرات الحاشدة مع أخيه الأصغر وأقاربه، يحمل العلَم أو السلاح ليحميهم من قوات الأمن، شارك في عمليات الإسعاف، وبعد سنة من قيام الثورة أسس معهم تنسيقية حرنة الشرقية مستقلة عن تنسيقيات التل، فكان إعلامياً ناشطاً يصوِّر وينشر، ومما نشره مقطع لقصف التل بطائرة ميغ، صوره من قريته، واستطاع في إحدى المظاهرات أن يسقط أحد الشبيحة الذين هاجموه أرضاً ويستوليَ على جواله، فوجد فيه مشاهد لتعذيب السجناء، فنشرها.
خافت أمه عليه، وحاولت منعه، وكانت له الأم والأب والصديق وبيت الأسرار قبل الثورة، لأن الأب غائب يحصل رزق أهله في السعودية، لكنها لما رأت تصميمه باركت نشاطه ودعت له مثل كل الأمهات اللواتي كانت أمومتهن أثمن وأنقى وقود للثورة اليتيمة العنيدة.
وكان أكثر ما وجدته الأم من تغيير لدى علاء، أنه اتجه إلى الصلاة قبل استشهاده وأنه أطلق لحيته، بقدر ما سرها هذا ودعت له، أقلقها غموضه وتكتمه غير المعتاد معها، وتأجيله الإجابة عن كل أسئلتها ل( بعدين)
ولما اعتقل أخوه فترة من الزمن، ونال حصته من التعذيب ، خاف الوالدان عليه، والتحقت الأم بزوجها خارج البلاد، خوف أن يعتقل صغيرهما مرة أخرى أو يقتل!
أما علاء فلطالما ردد وأكد أنه لن يخرج من التل مهما حصل، وأنه سيبقى فيها حتى آخر نفس في صدره.
مع الجيش الحر
بعد سفر الأم التحق علاء بالجيش الحر، وكان يعزّ عليه أنه لم يودعها، فيكرر في كل اتصالاته بها: كل الشباب ودعوا أمهاهم قبل الالتحاق إلا أنا.. أحزنتها هذه العبارة، وماتزال تذكرها: " حرق قلبي بهذه الكلمات: لم أودعك يا أمي كما فعل رفاقي...". وكأنه كان يشعر تماماً أنهما لن يلتقيا بعد.
ولأن علاء كان مشاركاً بقوة وشجاعة فهو" لا يهاب الموت" حسب تعبير أحد رفاقه، أصيب أيام المظاهرات السلمية بالخردق في أجزاء كثيرة من جسمه، كما أصيب في رجله مرة، كما أصيب بعد الالتحاق بالجيش الحر في رأسه واحتاج إلى غرزات، فقلق أبوه عليه، وعاد إلى سورية ليطمئن عليه، فقضيا معاً خمسة أشهر جعلت الأب يزداد تعلقاً بابنه، كما كانت سبباً في شعوره بفقده أكثر فيما بعد .
يوم الشهادة
كان علاء حين انضم إلى الجيش الحر قد استلم بندقية روسية، فلما استشهد صديق من مجموعته استلم رشاشه الآر بي جي، وبدأ يتدرب عليه فأصاب دبابة وأعطبها في اليوم التالي لاستلام السلاح.
صمد علاء وعدد من الأبطال في التل حتى بعد وصول جيش النظام لمنطقة السرايا قلب التل.
فلما كان يوم 27رمضان 1433، الموافق: 15- 8- 2012 كان ضمن مجموعة كمَنت لجيش النظام في منطقة السرايا، وكان إلى جانبه الشهيد لؤي عرنوس يحتميان بجدار، يراقبان منه إحدى الدبابات تي 82، المزودة بكاميرا، والتي تطلق قذائف موجهة حرارياً، فأطلق لؤي قذيفة من سلاحه الآر بي جي تجاهها، فلم يصبها، بل سرعان ما دارت سبطانتها ووجهت نحوه قذيفة شوهت وجهه وأردته فورا.
فتناول علاء سلاح رفيقه، وأطل برأسه للحظات، ليحدد موقع الدبابة ويطلق عليها، لكن قذيفتها عاجلته هو الآخر في عنقه.
حاول علاء التحامل على نفسه، والسير خطوة أو اثنتين، ثم سقط وهو يضحك، ونطق بالشهادتين، وقال : قولوا لأمي لا تبكي علي..هذا بالضبط ما نقله الرفاق للأم وهم يخبرونها باستشهاد علاء، وأكدوا لها أن علاء مات ميتة شريفة، كما تمنى وطلب.. فرفع رأسها كما وعدها.
نقل علاء إلى مشفى الزهراء، ثم دفن على عجل في حديقة إلى جوارها.
بعد الفراق
كان أبو علاء يوم الواقعة في سورية، يؤمّن إقامة لعدد من أفراد عائلته بعيداً عن التل، خوفاً عليهم من القصف المتواصل على المدينة، فلما وصله الخبر متأخراً بسبب انقطاع الاتصالات، أصيب بانهيار عصبي، فأدخل المشفى، فلما خرج وعلم بمكان دفن ابنه، توجه مع بعض أفراد الجيش الحر لينقل جثمانه إلى المقبرة، لكن عيناً خائنة سبقتهم، فوجدوا بانتظارهم عناصر من النظام هناك فانسحبوا.. ثم جاءت أخبار بأن الأمن سرق جثمانين من تلك البقعة، وظل الأب في غمّ وهمّ حتى طمأنه رفاق علاء، أن جثمان البطل لم يسرق، وأنه مازال هناك في حديقة قرب المشفى..
أراد الأب أن يبقى في سورية، ثم اقتنع أن يعود إلى عمله في السعودية، لأن صحته لن تحتمل الاعتقال والتعذيب..
أم الأم فتقول حرفياً تقريباً: "..الحمد لله هيك ربي بدو وأنا رضيانة بحكمته وقضائه، والحمد لله وقت استشهد كل الشباب يلّي كانت معه حاكوني وقالوا لي لا تزعلي مات موتة تشرّف كل أم.."
الأخ الأصغر غاضب وحزين، يذكر أخاه الصديق البطل بكل فخر، ويقسم أنه سيثأر له.
أما علاء..
فمازال جثمانه مسجّى تحت التراب قريباً من المشفى، لعله يرعى المصابين المتألمين بنظرة الرضى التي ودّع بها دنياه، يبشرهم أن ما عند الله خير وأبقى، وأنه انضم إلى قافلة" ..بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" .
بقلم فاطمة صالح - من كتاب سيرة مئة قمر سوري – منشورات تيار العدالة الوطني 2013
الشهيد "علاء اللحام"
حين يتصل علاء بأمه، يظهر الاسم على جوالها: نور عيوني، وكان كلما اتصل بها بعد مغادرتها سورية يقول: أمي سأرفع رأسك...
... يبدو أن مفهوم رفع الرأس لدى الأسرة الصابرة كان في البقاء ثائراً في ساحات التظاهر ثم جندياً في الجيش الحر، بعد أن تخلف عن الالتحاق بالجيش النظامي فصار مطلوباً، فدوهم بيت الأسرة أكثر من مرة ولم يجدوا علاء.
بدايات
ولد علاء عام 1991في بلدة حرنة الشرقية التابعة لمدينة التل التي لا تبعد عن العاصمة دمشق أكثر من خمسة عشر كيلومترا، وصل في دراسته إلى الصف الثالث الإعدادي، ثم ترك الدراسة ليعمل في البناء بالحجر الذي اشتهرت به التل، وكان يحب الصيد، فيخرج مع أبيه وأخيه ورفاقه إلى وادي الدريج لصيد الأرانب، فتعلم استخدام السلاح، ويبدو أنه كان من ذوي المواهب الفنية واليدوية، ما جعله يجرب العمل في محل لتصفيف الشعر مدة شهرين، كما كان بارعاً في الطبخ، وعمل مدة مع مؤسسة أهلية تخصصت في الطبخ للحفلات والأعراس. وكان وفق حديث أمه: يحب المرح والأناقة والنظافة يرتب غرفته وسريره أحسن من ست البيت، والأهم ربما في حديث الأم، أن علاء كان إذا أراد شيئا؛ يفعله.
ثورة التلّ
خرجت التل منذ الشهر الأول للثورة وكانت لها مظاهرة حاشدة في 25-3-2011 نجدة وتأييداً لدرعا، وتعددت المظاهرات السلمية الجميلة بنشاطات مبتكرة، في كل جمعة، إضافة إلى المظاهرات المسائية.
وصبرت التل وأهلها وتحملت الكثير من أذى الأمن والشبيحة، الذين استخدموا في البداية بنادق الخردق والقنابل المسمارية ضد المتظاهرين، ثم بدأ المجرمون يقتحمون البيوت ويعتقلون وينهبون، وأحرقوا المحلات التجارية كما فعلوا في كل مدينة وبلدة طلبت الحرية بنشاط سلمي بحت.
ولما اتخذ بعض شباب الجيش الحر قراراً بالمشاركة في محاربة النظام، وقاموا بعملية في التل نفسها، وكانوا من قبل يقاتلون في مناطق أخرى قريبة؛ حاصر النظام المدينة بصورة أرعبت أهلها، وقد شاهدوا بأم أعينهم ما حلّ بمدن أخرى من قصف وتدمير، فسارع الألوف منهم لمغادرتها، لكن الجيش انسحب، وكأنه قرر عدم ضرب المدينة، فبدأ كثيرون بالعودة، لكن الغدر كان ينتظرهم فقصفت التل كغيرها، ونالها من الدمار والخراب ما نال مثيلاتها من المدن التي ثارت ضد ظلم البعث وآل أسد وفسادهما.
وقد بلغ من شدة القصف ووحشيته، أن أحصى الناس في أحد الأيام خمسين قذيفة في خمس دقائق، واقتحم الشبيحة بعض الفنادق التي لجأت إليها نساء التل في دمشق، واستاقوا عدداً منهن وفيهن الأم المرضع والشابة الصغيرة، بعد أن أسرت مجموعة من الجيش الحر المذيعة يارا صالح، ثم أطلقتها .
ثورة علاء
حسب أمِّ علاء، كان ابنها" .. كان مثلي ومثلك ومثل كل الشباب عنده أغلاط، بس قبضاي وذكرتي ومعروف بالتل وبحرنة.."
لكن علاء تغير تغيراً واضحاً بعد اشتعال الثورة، وكأنما كانت الثورة قدراً جميلاً ناصحاً كشف أمام عينيه الفتِيَّتَين حقيقة ما يريد، فهو من أسرة معارضة ولو بالقلب، إن صح التعبير، وآن الأوان أن يعبر هو بنفسه بالقول والفعل عن موقفه من النظام الظالم الفاسد.
اندفع للخروج في المظاهرات الحاشدة مع أخيه الأصغر وأقاربه، يحمل العلَم أو السلاح ليحميهم من قوات الأمن، شارك في عمليات الإسعاف، وبعد سنة من قيام الثورة أسس معهم تنسيقية حرنة الشرقية مستقلة عن تنسيقيات التل، فكان إعلامياً ناشطاً يصوِّر وينشر، ومما نشره مقطع لقصف التل بطائرة ميغ، صوره من قريته، واستطاع في إحدى المظاهرات أن يسقط أحد الشبيحة الذين هاجموه أرضاً ويستوليَ على جواله، فوجد فيه مشاهد لتعذيب السجناء، فنشرها.
خافت أمه عليه، وحاولت منعه، وكانت له الأم والأب والصديق وبيت الأسرار قبل الثورة، لأن الأب غائب يحصل رزق أهله في السعودية، لكنها لما رأت تصميمه باركت نشاطه ودعت له مثل كل الأمهات اللواتي كانت أمومتهن أثمن وأنقى وقود للثورة اليتيمة العنيدة.
وكان أكثر ما وجدته الأم من تغيير لدى علاء، أنه اتجه إلى الصلاة قبل استشهاده وأنه أطلق لحيته، بقدر ما سرها هذا ودعت له، أقلقها غموضه وتكتمه غير المعتاد معها، وتأجيله الإجابة عن كل أسئلتها ل( بعدين)
ولما اعتقل أخوه فترة من الزمن، ونال حصته من التعذيب ، خاف الوالدان عليه، والتحقت الأم بزوجها خارج البلاد، خوف أن يعتقل صغيرهما مرة أخرى أو يقتل!
أما علاء فلطالما ردد وأكد أنه لن يخرج من التل مهما حصل، وأنه سيبقى فيها حتى آخر نفس في صدره.
مع الجيش الحر
بعد سفر الأم التحق علاء بالجيش الحر، وكان يعزّ عليه أنه لم يودعها، فيكرر في كل اتصالاته بها: كل الشباب ودعوا أمهاهم قبل الالتحاق إلا أنا.. أحزنتها هذه العبارة، وماتزال تذكرها: " حرق قلبي بهذه الكلمات: لم أودعك يا أمي كما فعل رفاقي...". وكأنه كان يشعر تماماً أنهما لن يلتقيا بعد.
ولأن علاء كان مشاركاً بقوة وشجاعة فهو" لا يهاب الموت" حسب تعبير أحد رفاقه، أصيب أيام المظاهرات السلمية بالخردق في أجزاء كثيرة من جسمه، كما أصيب في رجله مرة، كما أصيب بعد الالتحاق بالجيش الحر في رأسه واحتاج إلى غرزات، فقلق أبوه عليه، وعاد إلى سورية ليطمئن عليه، فقضيا معاً خمسة أشهر جعلت الأب يزداد تعلقاً بابنه، كما كانت سبباً في شعوره بفقده أكثر فيما بعد .
يوم الشهادة
كان علاء حين انضم إلى الجيش الحر قد استلم بندقية روسية، فلما استشهد صديق من مجموعته استلم رشاشه الآر بي جي، وبدأ يتدرب عليه فأصاب دبابة وأعطبها في اليوم التالي لاستلام السلاح.
صمد علاء وعدد من الأبطال في التل حتى بعد وصول جيش النظام لمنطقة السرايا قلب التل.
فلما كان يوم 27رمضان 1433، الموافق: 15- 8- 2012 كان ضمن مجموعة كمَنت لجيش النظام في منطقة السرايا، وكان إلى جانبه الشهيد لؤي عرنوس يحتميان بجدار، يراقبان منه إحدى الدبابات تي 82، المزودة بكاميرا، والتي تطلق قذائف موجهة حرارياً، فأطلق لؤي قذيفة من سلاحه الآر بي جي تجاهها، فلم يصبها، بل سرعان ما دارت سبطانتها ووجهت نحوه قذيفة شوهت وجهه وأردته فورا.
فتناول علاء سلاح رفيقه، وأطل برأسه للحظات، ليحدد موقع الدبابة ويطلق عليها، لكن قذيفتها عاجلته هو الآخر في عنقه.
حاول علاء التحامل على نفسه، والسير خطوة أو اثنتين، ثم سقط وهو يضحك، ونطق بالشهادتين، وقال : قولوا لأمي لا تبكي علي..هذا بالضبط ما نقله الرفاق للأم وهم يخبرونها باستشهاد علاء، وأكدوا لها أن علاء مات ميتة شريفة، كما تمنى وطلب.. فرفع رأسها كما وعدها.
نقل علاء إلى مشفى الزهراء، ثم دفن على عجل في حديقة إلى جوارها.
بعد الفراق
كان أبو علاء يوم الواقعة في سورية، يؤمّن إقامة لعدد من أفراد عائلته بعيداً عن التل، خوفاً عليهم من القصف المتواصل على المدينة، فلما وصله الخبر متأخراً بسبب انقطاع الاتصالات، أصيب بانهيار عصبي، فأدخل المشفى، فلما خرج وعلم بمكان دفن ابنه، توجه مع بعض أفراد الجيش الحر لينقل جثمانه إلى المقبرة، لكن عيناً خائنة سبقتهم، فوجدوا بانتظارهم عناصر من النظام هناك فانسحبوا.. ثم جاءت أخبار بأن الأمن سرق جثمانين من تلك البقعة، وظل الأب في غمّ وهمّ حتى طمأنه رفاق علاء، أن جثمان البطل لم يسرق، وأنه مازال هناك في حديقة قرب المشفى..
أراد الأب أن يبقى في سورية، ثم اقتنع أن يعود إلى عمله في السعودية، لأن صحته لن تحتمل الاعتقال والتعذيب..
أم الأم فتقول حرفياً تقريباً: "..الحمد لله هيك ربي بدو وأنا رضيانة بحكمته وقضائه، والحمد لله وقت استشهد كل الشباب يلّي كانت معه حاكوني وقالوا لي لا تزعلي مات موتة تشرّف كل أم.."
الأخ الأصغر غاضب وحزين، يذكر أخاه الصديق البطل بكل فخر، ويقسم أنه سيثأر له.
أما علاء..
فمازال جثمانه مسجّى تحت التراب قريباً من المشفى، لعله يرعى المصابين المتألمين بنظرة الرضى التي ودّع بها دنياه، يبشرهم أن ما عند الله خير وأبقى، وأنه انضم إلى قافلة" ..بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" .
بقلم فاطمة صالح - من كتاب سيرة مئة قمر سوري – منشورات تيار العدالة الوطني 2013