تفنيد شبه علماء السلطان ، بالحجة والبرهان :
بقلم : أبو ياسر السوري
إخوتي . أخواتي القراء ، أعتذر إليكم مما أكتب الآن حول التأصيل الفقهي للثورة السورية ، فأنا أعلم أنكم مؤمنون بوجوب الوقوف مع هذه الثورة المباركة ، وقد هداكم الله بإيمانكم ، وآتاكم تقواكم ، وأدركتم بالفطرة أن الانضمام إلى ركب هذه الثورة ، إنما هو انضمام إلى الحق ضد الباطل ، وانحياز إلى الحرية ضد العبودية ، وانتصار للكرامة ضد الإهانة والإذلال .
ما من سوري خلال الأربعين عاما الماضية ، إلا وقد ذاق مرارة الجور والقهر ، واكتوى بسياط الاستبداد والطغيان . وليس في الدنيا شعب لديه من المهجَّرين المشردين في بلاد الله ما لسوريا منهم ، فهنالك إحصائيات تقول إن عدد السوريين خارج سوريا 25 مليون سوري ، أي نصف الشعب السوري يعيش ممزقا في الشتات ، ونصفه الآخر في الداخل ، كتب عليه أن يطالب بالعيش على طريقة الأموات . لا أرى . لا أسمع . لا أتكلم . عليه أن يكون في أيدي حكامه ، كالميت بين يدي مغسليه . يقلبونه على المغتسل ظهرا لبطن كما أرادوا ، ولا يبدي لهم أي امتعاض ولا اعتراض .
والذي يتفطر له القلب كمدا ، ويحمل على البكاء ، أنه ما زال في السوريين أغبياء بلهاء ، يتقمصون ثوب العلم والدين ، ويلوون ألسنتهم بالكتاب ، لتحسبوه من الكتاب ، وما هو من الكتاب ، ليشرعنوا استبداد الحاكم الدكتاتور ، ويباركوا قمعه لشعبه ، ويخترعوا المبررات لإجرامه ، الذي ما أنزل الله به من سلطان ... ومِنْ المؤسف ، وإن أحببت فقل : ومن المقرف أن بعض هؤلاء ممنْ يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية ... ومنهم من لديه أتباع أوهمهم بأنه من أولياء الله المقربين ، وأن الله أعطاه مفتاح الجنة ، يدخل إليها من شاء ، ويمنع من شاء .. ومنهم من لا يخفى عليه أن الحاكم فرعون ، ولكنه آثر أن يلعب معه دور هامان ...
ولئلا يجوز كلام هؤلاء على غير المتخصصين في الدين ، رأيت لزاما عليَّ أن أكتب في تأصيل هذه القضية ، ليستيقن الأحرار بأنهم على الحق ، وليعلم المترددون الساكتون أنهم ليسوا بمنجاة من عذاب الله ، لأن سكوتهم حتى الآن نوع من الخذلان . وتعالوا بنا نعرض المسألة في نقاط نضبط بها الفكرة ، ونخلص منها إلى الفهم الدقيق ، والاستيعاب العميق ، من أقرب طريق .
أولا : الشبه التي تمسك بها المانعون من الثورة :
1 – قال الشيخ البوطي ومن لف لفه : إن هذه الثورة خروج على حاكم مسلم عادل ، يمثل جبهة الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة ، ضد العدو الصهيوني .. مما يجعل الثورة في رأيه عملا يخدم إسرائيل ، ويجعلها بمثابة الحرب لله ورسوله والمؤمنين .
2 – وزعم الشيخ الحوت ومن وراءه من أتباع : أن هذه الثورة فتنة ولعن الله من أيقظها ..
3 – وزعم الدكتور أبو الفتح البيانوني : أن هذه الثورة كان يجب أن لا تقوم ، لأن فقه الموازنات والمآلات يفرض أن لا تقوم اليوم ثورة . ويزعم أن أهل الحل والعقد من علماء حلب أجمعوا على تجريم من يخرج في المظاهرات ، وأجمعوا على منع الخروج على الحاكم . لأن المفسدة التي تترتب عليها أكبر من المصلحة المتوخاة من ورائها .
وعلى هذا فأدلة المانعين تقوم على المقولات التالية :
1 – الثورة خروج على بشار الأسد بغير حق .
2 – الثورة فتنة لا يجوز المشاركة فيها .
3 – الثورة تغرير بحياة المسلمين ، وضررها أكبر من نفعها .
ثانيا : تفنيد شبهات هؤلاء الممانعين :
تفنيد القول بأن الثورة ( خروج على بشار الأسد بغير حق ) :
وهذا رأي تبناه البوطي ، ودافع عنه إلى آخر لحظة من حياته ، فهو يرى أن حافظ الأسد كان أعظم رئيس في سوريا ، وأن عهده أبرك العهود . ولما ورث الحكم بشار انتقل البوطي إلى تمجيده على غرار ما كان يمجد أباه من قبل . فلما قامت الثورة قال إنها " خروج على الحاكم بغير حق " وراح يستدل بالنصوص التي تأمر بطاعة الحاكم ، وتنهى عن الخروج عليه ، من مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني ) .
ونسي البوطي أو تناسى أن : هذه النصوص وأشباهها هي خارج موطن النزاع ، فهي تأمر بطاعة الحاكم المسلم ، وتنهى عن الخروج عليه . و( بشار ) ليس بحاكم مسلم ، وإنما هو نصيري كافر بكل الأديان . وليس هذا اتهاما له ، وإنما هو حكم مستند إلى الإقٌرار ، فالنصيرية يقرون بأنهم كفار لا يدينون بدين ، وأنهم يصرحون بأن اليهود والنصارى أقرب إليهم من المسلمين ، والقاعدة الشرعية تقول " الإقرار سيد الأدلة " .
ولعل البوطي نسي أو تناسى أنه : حتى ولو كان (بشار ) عنده مسلما ، فإنه لم يعد كذلك بعدما صار يأمر بالكفر البواح ، فهو يدعي الألوهية ، وشبيحته يكرهون الناس على قول " لا إله إلا بشار " ... وفي مثل هذه الحال أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج على الحاكم . عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : " بَايَعَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " (متفق عليه )
تفنيد القول بأن الثورة ( فتنة لا يجوز المشاركة فيها ) :
وهذا الرأي تبناه الشيخ الحوت أكثر من غيره ، وركز على الأحاديث التي وردت في الفتن ، فأسقطها على الواقع إسقاطا خاطئا ، واعتبر خروج الناس في المظاهرات مشاركة في إشعال نار الفتنة ، وأن المشارك فيها مخالف لقوله تعالى ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ) وكان الحوت يقول للناس : المشاركة في الفتنة أكبر من سفك الدماء . لقوله تعالى ( والفتنةُ أشدُّ من القتل ) ويروي لهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان ( إِيَّاكَ وَالْفِتَنَ لاَ يَشْخَصْ لَهَا أَحَدٌ ، فَوَ اللَّهِ مَا شَخَصَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ نَسَفَتْهُ كَمَا يَنْسِفُ السَّيْلُ الدِّمَنَ ) . ويردد الحوت وأتباعه على المنابر حديثا ضعيفا بل منكرا بل هو أقرب إلى أن يكون موضوعا ، يقول ( الفتنة نائمة واللعنة على من أيقظها ) وهو مما لا يُعمل به شرعا لأنه كذب على لسان رسول الله ..
وكل النصوص الواردة في ذم الفتن ، لا يمكن تنزيلها على الواقع السوري ، فهذا الذي يجري في سوريا ما هو فتنة ، وإنما هو حرب بين معسكرين واضحين ، معسكر كفر ومعسكر إيمان . معسكرٍ يقول " لا إله إلا الله " ومعسكر يقول " لا إله إلا بشار " معسكر تلهج ألسنة المقاتلين فيه بالتهليل والتكبير والاستنصار بالله " .. ومعسكر لا همَّ لمقاتليه إلا الكفر بالله ورسوله وذبح المسلمين ، وهدم مساجدهم ، وتمزيق مصاحفهم ، وذبح أطفالهم ، وانتهاك أعراض نسائهم..
ولو رجعنا إلى حديث حذيفة لرأينا أن آخره يفسر الفتنة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول فيها . فتمام الحديث يقول ( إِنَّهَا مُشْبِهَةٌ مُقْبِلَةً ، حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ هَذِهِ تُشْبِهُ مُقْبِلَةً ، وَتَتَبَيَّنَ مُدْبِرَةً ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا ، فَاجْتَمِعُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَاكْسِرُوا سُيُوفَكُمْ ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ ، وَغَطُّوا وُجُوهَكُمْ ) أي إن الفتنة يلتبسُ أمرُها فلا يُعرَفُ فيها الحقُّ من الباطل في بدايتها ، فإذا انقضت اتضح أمرُها ، وبان فيها الخطأ من الصواب ، ولكنْ بعدَ فَوَاتِ الأوَان ... وما نحنُ فيه يا سادة ليس بفتنة مشتبه فيها ، لأن الذي يجري واضحٌ وُضوحَ الشمس في رابعة النهار ، والوقوفُ على جانب الحقِّ فيه لا يحتاج إلى كبير ذكاء .
وحين يستشهد الحوت وشركاؤه بآيات التحذير من الفتنة ، إما أنهم يهرفون بما لا يعرفون ، وإما أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه إرضاء لبشار . فالفتنة التي ذكرت في قوله تعالى ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) المقصود بها ، كما يقول ابن عباس رضي الله عنه هو : تحذير المؤمنين من إقرار المنكر بين أظهرهم لئلا يعمهم الله بالعذاب . والفتنة التي ذكرت في قوله تعالى ( والفتنةُ أشدُّ من القتل ) المقصود بها ، بيان أن إكراه المؤمن على الردة وصرفه عن دينه ، أكبر إثما عند الله من قتله ... فهذه الآيات وأمثالها لا تصلح للاستدلال ، ولا تقوم بها حجة لهؤلاء الجهال .
تفنيد القول بأن الثورة ( تغرير بحياة المسلمين ، وضررها أكبر من نفعها ) :
وقد تمسك الدكتور أبو الفتح البيانوني بهذه الذريعة ، وعض عليها بالنواجذ ، وقد تمكن من إقناع كل مشايخ حلب بأن الخروج في المظاهرات محرم ، وأن المشاركين فيها عصاة ، وأنه لا يجوز مساعدتهم ، ولا إيواؤهم ولا التستر عليهم ، وأنه يجب عليهم الكف عما هم فيه . والرجوع إلى بيوتهم .. ونظرا لكون المتظاهرين لم ينصاعوا لإرشادات علماء حلب ، الذين هم برأيه أهل الحل والعقد ، فليحصدوا عاقبة مخالفتهم لعلمائهم . وعلى نفسها جنت براقش .
ونحن نقول للبيانوني ومن هم على شاكلته : ما هو معيار الموازنة الشرعية فيما نحن فيه .؟؟ سوريا منذ أربعين سنة تحكم حكما طائفيا فاسدا مستبدا ، يحاول صرف الناس عن دينهم ، ودفعهم إلى الكفر والإلحاد يوما بعد يوم . وقد هيأت الأقدار الإلهية أمر الخروج عليه ، ولو قامت حلب ودمشق في البداية لسقط حكم آل الأسد بأيسر التضحيات . ولعادت سوريا دولة مسلمة ، تنعم بالحرية والكرامة ... فأين الخسارة في هذا .؟ وأين المفسدة .؟ وأين الضرر .؟
فإذا كانوا ينتظرون التغيير على طريقة الصوفية ، بأن نقرأ البخاري على نية النصر على أعداء الدين .. فهم واهمون ، وهم يقومون بتخدير المسلمين وتنويمهم . ولن تقوم لنا قائمة إلى أن نغير ما بأنفسنا ، ونمارس الجهاد والاستشهاد في سبيل الله ، ونضحي بالنفس والنفيس لإعلاء كلمة الدين وعزة المسلمين . ولو فكر أصحاب النبي على هذه الطريقة ، لما خرجوا من المدينة يجاهدون الفرس والرومان ، ويصارعون أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمان .
بقلم : أبو ياسر السوري
إخوتي . أخواتي القراء ، أعتذر إليكم مما أكتب الآن حول التأصيل الفقهي للثورة السورية ، فأنا أعلم أنكم مؤمنون بوجوب الوقوف مع هذه الثورة المباركة ، وقد هداكم الله بإيمانكم ، وآتاكم تقواكم ، وأدركتم بالفطرة أن الانضمام إلى ركب هذه الثورة ، إنما هو انضمام إلى الحق ضد الباطل ، وانحياز إلى الحرية ضد العبودية ، وانتصار للكرامة ضد الإهانة والإذلال .
ما من سوري خلال الأربعين عاما الماضية ، إلا وقد ذاق مرارة الجور والقهر ، واكتوى بسياط الاستبداد والطغيان . وليس في الدنيا شعب لديه من المهجَّرين المشردين في بلاد الله ما لسوريا منهم ، فهنالك إحصائيات تقول إن عدد السوريين خارج سوريا 25 مليون سوري ، أي نصف الشعب السوري يعيش ممزقا في الشتات ، ونصفه الآخر في الداخل ، كتب عليه أن يطالب بالعيش على طريقة الأموات . لا أرى . لا أسمع . لا أتكلم . عليه أن يكون في أيدي حكامه ، كالميت بين يدي مغسليه . يقلبونه على المغتسل ظهرا لبطن كما أرادوا ، ولا يبدي لهم أي امتعاض ولا اعتراض .
والذي يتفطر له القلب كمدا ، ويحمل على البكاء ، أنه ما زال في السوريين أغبياء بلهاء ، يتقمصون ثوب العلم والدين ، ويلوون ألسنتهم بالكتاب ، لتحسبوه من الكتاب ، وما هو من الكتاب ، ليشرعنوا استبداد الحاكم الدكتاتور ، ويباركوا قمعه لشعبه ، ويخترعوا المبررات لإجرامه ، الذي ما أنزل الله به من سلطان ... ومِنْ المؤسف ، وإن أحببت فقل : ومن المقرف أن بعض هؤلاء ممنْ يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية ... ومنهم من لديه أتباع أوهمهم بأنه من أولياء الله المقربين ، وأن الله أعطاه مفتاح الجنة ، يدخل إليها من شاء ، ويمنع من شاء .. ومنهم من لا يخفى عليه أن الحاكم فرعون ، ولكنه آثر أن يلعب معه دور هامان ...
ولئلا يجوز كلام هؤلاء على غير المتخصصين في الدين ، رأيت لزاما عليَّ أن أكتب في تأصيل هذه القضية ، ليستيقن الأحرار بأنهم على الحق ، وليعلم المترددون الساكتون أنهم ليسوا بمنجاة من عذاب الله ، لأن سكوتهم حتى الآن نوع من الخذلان . وتعالوا بنا نعرض المسألة في نقاط نضبط بها الفكرة ، ونخلص منها إلى الفهم الدقيق ، والاستيعاب العميق ، من أقرب طريق .
أولا : الشبه التي تمسك بها المانعون من الثورة :
1 – قال الشيخ البوطي ومن لف لفه : إن هذه الثورة خروج على حاكم مسلم عادل ، يمثل جبهة الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة ، ضد العدو الصهيوني .. مما يجعل الثورة في رأيه عملا يخدم إسرائيل ، ويجعلها بمثابة الحرب لله ورسوله والمؤمنين .
2 – وزعم الشيخ الحوت ومن وراءه من أتباع : أن هذه الثورة فتنة ولعن الله من أيقظها ..
3 – وزعم الدكتور أبو الفتح البيانوني : أن هذه الثورة كان يجب أن لا تقوم ، لأن فقه الموازنات والمآلات يفرض أن لا تقوم اليوم ثورة . ويزعم أن أهل الحل والعقد من علماء حلب أجمعوا على تجريم من يخرج في المظاهرات ، وأجمعوا على منع الخروج على الحاكم . لأن المفسدة التي تترتب عليها أكبر من المصلحة المتوخاة من ورائها .
وعلى هذا فأدلة المانعين تقوم على المقولات التالية :
1 – الثورة خروج على بشار الأسد بغير حق .
2 – الثورة فتنة لا يجوز المشاركة فيها .
3 – الثورة تغرير بحياة المسلمين ، وضررها أكبر من نفعها .
ثانيا : تفنيد شبهات هؤلاء الممانعين :
تفنيد القول بأن الثورة ( خروج على بشار الأسد بغير حق ) :
وهذا رأي تبناه البوطي ، ودافع عنه إلى آخر لحظة من حياته ، فهو يرى أن حافظ الأسد كان أعظم رئيس في سوريا ، وأن عهده أبرك العهود . ولما ورث الحكم بشار انتقل البوطي إلى تمجيده على غرار ما كان يمجد أباه من قبل . فلما قامت الثورة قال إنها " خروج على الحاكم بغير حق " وراح يستدل بالنصوص التي تأمر بطاعة الحاكم ، وتنهى عن الخروج عليه ، من مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني ) .
ونسي البوطي أو تناسى أن : هذه النصوص وأشباهها هي خارج موطن النزاع ، فهي تأمر بطاعة الحاكم المسلم ، وتنهى عن الخروج عليه . و( بشار ) ليس بحاكم مسلم ، وإنما هو نصيري كافر بكل الأديان . وليس هذا اتهاما له ، وإنما هو حكم مستند إلى الإقٌرار ، فالنصيرية يقرون بأنهم كفار لا يدينون بدين ، وأنهم يصرحون بأن اليهود والنصارى أقرب إليهم من المسلمين ، والقاعدة الشرعية تقول " الإقرار سيد الأدلة " .
ولعل البوطي نسي أو تناسى أنه : حتى ولو كان (بشار ) عنده مسلما ، فإنه لم يعد كذلك بعدما صار يأمر بالكفر البواح ، فهو يدعي الألوهية ، وشبيحته يكرهون الناس على قول " لا إله إلا بشار " ... وفي مثل هذه الحال أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج على الحاكم . عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : " بَايَعَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " (متفق عليه )
تفنيد القول بأن الثورة ( فتنة لا يجوز المشاركة فيها ) :
وهذا الرأي تبناه الشيخ الحوت أكثر من غيره ، وركز على الأحاديث التي وردت في الفتن ، فأسقطها على الواقع إسقاطا خاطئا ، واعتبر خروج الناس في المظاهرات مشاركة في إشعال نار الفتنة ، وأن المشارك فيها مخالف لقوله تعالى ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ) وكان الحوت يقول للناس : المشاركة في الفتنة أكبر من سفك الدماء . لقوله تعالى ( والفتنةُ أشدُّ من القتل ) ويروي لهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان ( إِيَّاكَ وَالْفِتَنَ لاَ يَشْخَصْ لَهَا أَحَدٌ ، فَوَ اللَّهِ مَا شَخَصَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ نَسَفَتْهُ كَمَا يَنْسِفُ السَّيْلُ الدِّمَنَ ) . ويردد الحوت وأتباعه على المنابر حديثا ضعيفا بل منكرا بل هو أقرب إلى أن يكون موضوعا ، يقول ( الفتنة نائمة واللعنة على من أيقظها ) وهو مما لا يُعمل به شرعا لأنه كذب على لسان رسول الله ..
وكل النصوص الواردة في ذم الفتن ، لا يمكن تنزيلها على الواقع السوري ، فهذا الذي يجري في سوريا ما هو فتنة ، وإنما هو حرب بين معسكرين واضحين ، معسكر كفر ومعسكر إيمان . معسكرٍ يقول " لا إله إلا الله " ومعسكر يقول " لا إله إلا بشار " معسكر تلهج ألسنة المقاتلين فيه بالتهليل والتكبير والاستنصار بالله " .. ومعسكر لا همَّ لمقاتليه إلا الكفر بالله ورسوله وذبح المسلمين ، وهدم مساجدهم ، وتمزيق مصاحفهم ، وذبح أطفالهم ، وانتهاك أعراض نسائهم..
ولو رجعنا إلى حديث حذيفة لرأينا أن آخره يفسر الفتنة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول فيها . فتمام الحديث يقول ( إِنَّهَا مُشْبِهَةٌ مُقْبِلَةً ، حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ هَذِهِ تُشْبِهُ مُقْبِلَةً ، وَتَتَبَيَّنَ مُدْبِرَةً ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا ، فَاجْتَمِعُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَاكْسِرُوا سُيُوفَكُمْ ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ ، وَغَطُّوا وُجُوهَكُمْ ) أي إن الفتنة يلتبسُ أمرُها فلا يُعرَفُ فيها الحقُّ من الباطل في بدايتها ، فإذا انقضت اتضح أمرُها ، وبان فيها الخطأ من الصواب ، ولكنْ بعدَ فَوَاتِ الأوَان ... وما نحنُ فيه يا سادة ليس بفتنة مشتبه فيها ، لأن الذي يجري واضحٌ وُضوحَ الشمس في رابعة النهار ، والوقوفُ على جانب الحقِّ فيه لا يحتاج إلى كبير ذكاء .
وحين يستشهد الحوت وشركاؤه بآيات التحذير من الفتنة ، إما أنهم يهرفون بما لا يعرفون ، وإما أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه إرضاء لبشار . فالفتنة التي ذكرت في قوله تعالى ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) المقصود بها ، كما يقول ابن عباس رضي الله عنه هو : تحذير المؤمنين من إقرار المنكر بين أظهرهم لئلا يعمهم الله بالعذاب . والفتنة التي ذكرت في قوله تعالى ( والفتنةُ أشدُّ من القتل ) المقصود بها ، بيان أن إكراه المؤمن على الردة وصرفه عن دينه ، أكبر إثما عند الله من قتله ... فهذه الآيات وأمثالها لا تصلح للاستدلال ، ولا تقوم بها حجة لهؤلاء الجهال .
تفنيد القول بأن الثورة ( تغرير بحياة المسلمين ، وضررها أكبر من نفعها ) :
وقد تمسك الدكتور أبو الفتح البيانوني بهذه الذريعة ، وعض عليها بالنواجذ ، وقد تمكن من إقناع كل مشايخ حلب بأن الخروج في المظاهرات محرم ، وأن المشاركين فيها عصاة ، وأنه لا يجوز مساعدتهم ، ولا إيواؤهم ولا التستر عليهم ، وأنه يجب عليهم الكف عما هم فيه . والرجوع إلى بيوتهم .. ونظرا لكون المتظاهرين لم ينصاعوا لإرشادات علماء حلب ، الذين هم برأيه أهل الحل والعقد ، فليحصدوا عاقبة مخالفتهم لعلمائهم . وعلى نفسها جنت براقش .
ونحن نقول للبيانوني ومن هم على شاكلته : ما هو معيار الموازنة الشرعية فيما نحن فيه .؟؟ سوريا منذ أربعين سنة تحكم حكما طائفيا فاسدا مستبدا ، يحاول صرف الناس عن دينهم ، ودفعهم إلى الكفر والإلحاد يوما بعد يوم . وقد هيأت الأقدار الإلهية أمر الخروج عليه ، ولو قامت حلب ودمشق في البداية لسقط حكم آل الأسد بأيسر التضحيات . ولعادت سوريا دولة مسلمة ، تنعم بالحرية والكرامة ... فأين الخسارة في هذا .؟ وأين المفسدة .؟ وأين الضرر .؟
فإذا كانوا ينتظرون التغيير على طريقة الصوفية ، بأن نقرأ البخاري على نية النصر على أعداء الدين .. فهم واهمون ، وهم يقومون بتخدير المسلمين وتنويمهم . ولن تقوم لنا قائمة إلى أن نغير ما بأنفسنا ، ونمارس الجهاد والاستشهاد في سبيل الله ، ونضحي بالنفس والنفيس لإعلاء كلمة الدين وعزة المسلمين . ولو فكر أصحاب النبي على هذه الطريقة ، لما خرجوا من المدينة يجاهدون الفرس والرومان ، ويصارعون أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمان .