صحيفة أخبار الخليج

لعلكم تتابعون حالة الهوس والتهديدات النووية التي تطلقها كوريا الشمالية
بشكل غريب تجاه واشنطن. هناك من يحاول استيعابها في نطاق ضيق، في حين أن
خيوط القصة متشابكة ومعقدة، وملامح الصورة تحتاج منا الابتعاد عنها لنراها
أكبر من ذلك بكثير وفي حجمها الطبيعي، امتداداً من كوريا إلى سوريا.


أثناء عودته من جنوب إفريقيا قبل أكثر من أسبوع، بعد حضور اجتماع مجموعة
«بريكس» المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، أمر
الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» الجيش الروسي بإجراء مناورات بحرية ضخمة في
البحر الأسود يشارك فيها أكثر من 7000 جندي روسي من مختلف القطاعات
العسكرية الروسية، كما قامت الصين بمناورات بحرية أيضاً في بحر الجنوب
الصيني.

من جانب واحد، فاجأت المناورات الروسية حلف شمال الأطلسي
«الناتو» الذي طلب بدوره من روسيا، على لسان «ألكسندر فيرشبو» نائب الأمين
العام لقوات حلف شمال الأطلسي، إبلاغ مقر قوات الحلف في «بروكسل» بأي
مناورات بحرية مستقبلية قبل البدء بتنفيذها. ومن جانب آخر، اعتبرت واشنطن
أن المناورات الصينية في بحر جنوب الصين تهدد أمن وسلامة الأراضي
الفيتنامية.

هذه المناورات جاءت بعد أيام معدودة من ظهور تقارير تؤكد
أن حلف شمال الأطلسي يقوم بوضع خطط تدخل عسكري في سوريا على غرار ما حدث في
ليبيا. بعد ذلك بيومين، تم إعلان عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إثر
مصالحة تمثلت في تقديم إسرائيل اعتذاراً علنياٌّ لتركيا عن هجومها على
سفينة «مرمرة» في 2010، وكانت هذه المصالحة (المتفق عليها مسبقاً) قد جاءت
نتيجة وساطة مدتها 20 دقيقة نفذها الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» أثناء
زيارته تل أبيب. المصالحة كانت «ضرورية» باعتبارها تمهيدا لتنسيق إسرائيلي
تركي في خطوات تريد واشنطن تنفيذها بشأن الملف السوري.

بعد تلك
المصالحة بأيام قليلة، تم منح المعارضة السورية، ممثلة في الائتلاف الوطني،
مقعد الجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية، وهو ما فهمته
روسيا والصين على أنه محاولة لتكرار السيناريو الليبي في سوريا. وبالفعل،
طالب أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني السوري، من على مقعده في
الجامعة العربية بتدخل عسكري في سوريا لوضع حد لمعاناة الشعب، وطلب
الائتلاف السوري من السعودية وقطر وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقوات
«الناتو» السعي لفرض منطقة حظر طيران في شمال سوريا باستخدام صواريخ
«باتريوت» التابعة لحلف «الناتو» على الحدود التركية السورية.

إن تنامي
الخوف الروسي والصيني من إقدام واشنطن على التدخل العسكري في سوريا،
وخصوصاً مع ورود تقارير شبه مؤكدة تشير إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية
الأمريكية «سي آي أيه» بدأت تشرف بنفسها على توريد الأسلحة إلى المقاتلين
السوريين، جعلهما (روسيا والصين) تبادران إلى القيام بمناورات حربية ضخمة
من جهة، وإطلاق عنان كوريا الشمالية كي «تشاغب» واشنطن وتحتك بها سياسياٌّ،
وهو الأمر الذي لا يبدو أن واشنطن تلقي له بالاً كثيراً حتى الآن.