حقل التجلد
أحيانا
يتحول المرض إلى ( نِعمَةٌ مُهْدَاة )
لا تجد أمامها
إلا أن تردد برضا
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
وأحيان أخرى
يقبل (المرض) في ثوب فرصة
مضمخة بالألم
لتذكرنا بالحقيقة الخالدة
{وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}
ومع اشتداد المرض
واستبداد الألم
تكون هناك فرصة أكبر
في أن نتعلم الكثير
بل ونصل إلى يقين تام
أننا وإن كنا نتعلم قليلا .. في الانتصار
غير أننا نتعلم كثيرا .. في الانكسار
كنت و سأظل
مدينة لذلك (العارض الصحي)
الذي دهمني طوال الفترة الماضية
حيث أنه ومع شدة (الألم الجسدي)
إلا أنني شعرت للحظة
أنني أصبحت
( أكثر إشراقا )
ملامحي عكست شيئا مما شعرت به
فأنت مع المرض
تشعر
وكأن ملامحك باتت مرآه لروحك
فإذا ما أشرقت روحك
تجلى إشراقها في قسمات وجهك
لايخفيها تعب ولا إنهاك
وحينما تزيد إلى الصبر.. تجلدا
فإنك تجمع بين إشراقين
إشراق روح.. وإشراق فكر
وأذكر أنه في تلك الأيام
إذا اشتد بي التعب
رددت أعجوبة ( إيليا أبو ماضي ) :
إني إذا نزل البلاء بصاحبي *** دافعت عنه بناجذي و بمخلبي
و شددت ساعِدَهُ الضعيف بساعدي *** و سترت منكبه العري بمنكبي .
كان قلبي..
هو صاحبي
فكلما تخطفه ألم .. أو استبد به يأس
أو أنهكه التعب .. أو استبطأ شفاء وعافية
ربتُّ عليه برفق
وقلت :
{ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }
ثم ما أزال أرقيه بآيات السكينة
حتى أرى مصداق هذه الآية:
{فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ }
وفي مرحلة (الضعف البدني) تلك
ازداد يقيني
بحاجة الإنسان
إلى مصدر قوة (ثابت)
لا تغيره ظروف ..
و لا تهزه أزمات ..
و لم أجد أقرب و لا أقوى
من القوي سبحانه ـ
{ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }
فيبقى المرض بيد من ابتلاك به
فلا تخلو ان اشتكيت
إما من حبيب يشفق لحالك
ولا يملك إلا العجز حيالك
أو قريب تظن أنه سيكون لك عونا
لكنه يغرق في لجة الانشغالات
ويكون خذلانه وبالا
لهذا لا أجمل من أن تعود نفسك
أنه مهما تتالت عليك الأمراض
لا تلجأ لمخلوق
فـ أرواحنا المحلقة .. قد شلَّها الوهن
وليست بحاجة إلى مزيد
و قلوبنا الصغيرة قد أثقلتها الجراح
وهي أيضا ..
ليست بحاجة لمزيد
و لئن يبقى المرض يغتال الجسد
خيرٌ لنا
من أن ينال الخذلان من الروح
و يردي القلب جريحا.
ولست هنا
أزعم استغنائي
عن تلك العلاقات البشرية الفطرية الدافئة
بل تبقى كلماتهم الصادقة
عزاء للقلب المُتعب المكدود
غير أن ما أعنيه
هو ما حدثنا به جبران خليل جبران في أحرفه الأنيقة:
0]زرعت أوجاعي في حقل من التجلد فأنبتت أفراحا]
المرض
كما قال مصطفى السباعي:
مدرسة تربوية لو أحسن المريض الاستفادة منها لكان نعمة لا نقمة
حاجتك للتجلد أولا
والانشغال بالتفكر في مرضك ثانيا
أكثر من حاجتك لكلمات تواسيك
وقد تزيدك ضعفا
أنت بحاجة
لأن تتأمل الإنسان الذي يجمع غاية الضعف في مرضه
كيف غرته قوته فغفل وظلم وبطش
أنت بحاجة
لأن تتأمل علاقتك بالناس
الذين أنفقت صحتك عليهم
فوجدت قليلاً منهم في مرضك
لست أحرضك على هجر أحد
لكني أريد أن أقول لك
ان كان هذا يحدث في حياتك.. فماذا سيحدث بعد موتك ؟!
لاتنشغل برضاهم
عن رضا ربك!
أنت بحاجة
أن تستشعر كيف أن المرض رحمة ووقاية
وإلا لافترست الصحة
أجمل نوازع الرحمة فينا
وقتلت القوة
كل مساحات التعاطف في أعماقنا
أنت بحاجة
أن تشكر الله أن جعل مرضك سببا في أن تكون
منه أقرب
وعليه أكثر توكلا
وبه أكمل استعانة
اشْدُدْ يدَيكَ بحبْلِ اللَّهِ مُعتصما *** فإِنّهُ الرُّكنُ إِنْ خانتْكَ أَرْكَانُ
أنت بحاجة
لأن تجعل مرضك سببا لتصحيح خط سيرك
فكم من صحيح الجسم .. تائه في طريقه
وكم من مريض
جعل المرض حافزا لمزيد مراجعة ومزيد هداية
أفعل ذلك ولسان الحال:
فإن تكن الأيام أودت بصحتي
وعاقت خطى عزمي بكل مسدِّد
فما كنت خواراً ولا كنت يائساً
ولست بثاوٍ في فراشي ومقعدي
فمن ساءه عزمي على السير إنني
إلى الله ماضٍ فليطل هم حسَّدي
لو تعاملنا مع المرض بمثل هذا
وزرعنا أوجاعنا في (حقل من التجلد)
فستنبت
ابتهاجا .. وإشراقا .. وأفراحا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
كتبته: هند عامر