عندما
قام القذافي بشن حرب على شعبه , معتبرا إياه حشرات عليه أن يبيدها بما
تراكم لديه من أسلحة و ذخائر, اعتبرنا ما قام به هذا النظام شيئا يفوق كل
تصور. و تبين الآن أن ما يجري في سوريا أكثر مما رأيناه في ليبيا. فما إن
خرج الشعب السوري مطالباً بالحرية و الكرامة, حتى استرجع النظام السوري
ذاكرته الدموية في حماة , و أراد تسجيل مفاخره على درعا أو عروس سهل حوران
المعزولة, فكان أن تحولت مطالب الشعب السوري في كل سوريا من الحرية إلى
الرحيل.

كشر الأسد عن أنيابه, و خلناه يضحك, وهو يقدم روزنامة من
"الإصلاحات" المدججة بالحديد و النار, و خرجت " الشبيحة" من القمقم لترينا
أصناف التعذيب و التنكيل, وهي تلتف على جماهير كانت تخرج ليلاً و مازالت,
لتغني و تصفق إيذاناً برحيل نظام استنفذ خطابه مشروعيته منذ زمان.

لم تختلف الأنظمة العربية التي خرجت عليها شعوبها مطالبة برحيلها مظهراً
أو مخبراً, فالشعب الذي خرج مطالباً بالإصلاحات إرهابي و موجه من القاعدة
... إنها اللغة نفسها التي استعملتها أمريكا في حربها المباشرة على الشعب
العربي و الإسلامي في العراق و أفغانستان.و تحت ذريعة مواجهة "الإرهاب",
تخاض الحرب الإبادية. منذ عامين كاملين و رحى الحرب التي شنها النظام
السوري على شعبه تدور مخلفة يوميا عشرات القتلى و مئات الجرحى, و آلاف
النازحين. مورست في الحرب كل أصناف الأسلحة, البرية و الجوية و حتى المحرمة
دولياً. و يساندها الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن العصابات الإرهابية
الموجهة من الخارج.

كان التخويف من الإرهاب و التدخل الخارجي سيد
الموقف. وكانت المهل المعطاة للنظام السوري سواء من لدن الجامعة العربية أو
الأمم المتحدة, و كان للفيتو الروسي الصيني دور كبير في إعطاء الشرعية
للنظام لإبادة شعبه و هو لطالما اعتز بذلك الفيتو إلى يومنا هذا.

الشعب السوري راق و متحضر. و شعب مثقف و فنان. شعب يحب الحياة و يزهو
بالأمل, صبرا كثيراً على التعسف و القمع و عد الأنفاس, باسم المقاومة. و
عندما انتفض مطالبا بالحرية, لم يتفهمه النظام السادر في ممانعته و قد صارت
منعا للكلام و المطالبة بالديمقراطية. خذل الشعب السوري, وهو يحترق تحت
نيران الظلم و الطغيان, لكن الشعب عبر عن استماتته في الدفاع عن مطالبه
العادلة كما أبان شجاعة نادرة في مواجهة الآلة الحربية و القمعية التي لم
تسلم منها أسرة سورية. أن يصبر الشعب طيلة عامين كاملين أمام عجز العالم
العربي و الغرب عن إيقاف المأساة. فهذا دليل على انه سيحسم الأمر لصالحه
مهما كلفه ذلك من تضحيات.

ها قد برزت يا أسد إلى " غزالة الشعب في
الوغى" و ظل قلبك في جناحي طائر. فهل تستطيع إيجاد حل للمأساة التي أغرقت
فيها سوريا؟ وهل تفلح في إيقاف عجلة العنف التي تتحرك في المدن و القرى و
الأرياف؟ إن من يزرع الشوك لا يجني سوى العاصفة. فسوريا المعارضة مطالبة
بالارتقاء إلى الحلم الشعبي و إلى ممارسة الاختلاف بطريقة حضارية, تبين
المستوى الحقيقي للشعب السوري, و كل ما يزخر به من طاقات و مؤهلات, تمكنه
من الخروج من العاصفة ظافراً و قادرا على الحفاظ على سوريا عملاقة, و
شامخة, تنبت كل الثمار و الفواكه التي تحمل أسماء أريافها و مدنها العريقة و
الأصيلة.