ثمة تطورات تتوالى في العلاقات السورية – اللبنانية، تؤشر إلى الأخطار
المستقبلية التي يمكن أن تحيط بهذه العلاقات. وتتوزع هذه التطورات على
مستويين رسمي وشعبي، وهذا هو الأشد خطرا على علاقات البلدين والشعبين.. فمن
الجانب السوري قامت وحدات من الجيش السوري بخرق الحدود اللبنانية مرات،
وأطلقت النار على لبنانيين، فقتلت وأصابت بعضهم بحجة أنها تلاحق جنودا من
الجيش السوري الحر، وتم تكليف وزير لبناني سابق بحمل متفجرات إلى لبنان
لاستخدامها في تفجيرات، كان يفترض أن تقتل وتجرح رجال دين وسياسيين
لبنانيين. وعلى المستوى الشعبي، قام سوريون باحتجاز لبنانيين قبل أشهر في
حلب بشبهة أنهم محسوبون على فريق لبناني، يقف إلى جانب النظام، ويؤيد
سياسته الأمنية العسكرية، التي تقتل وتجرح وتعتقل السوريين وتدمر ممتلكاتهم
ومصادر عيشهم.

ومثل الممارسات السورية، هناك مقابل لبناني لها.. فالدولة في لبنان رغم
شعارها النأي بالنفس عن الانخراط في الأزمة السورية والوقوف إلى جانب واحد
من طرفي الأزمة في سوريا، فقد قامت بخطوات كسرت هذه القاعدة وعبرت عن
انحيازها العميق، كان من بينها توفير محروقات ومواد بترولية يستخدمها
النظام لتحريك آلياته من دبابات وعربات مدرعة وسيارات وطائرات تواصل الحرب
المجنونة على المدن والقرى السورية، وتقتل وتجرح مزيدا من السوريين، وتلحق
الدمار بما تبقى لهم من ممتلكات ووسائل عيش قليلة، كما يقع في سياق تلك
الخطوات توفير فرص للتغلب على العقوبات الدولية والعربية المفروضة على
النظام ببعض مؤسساته وأشخاصه، ومنها تسهيلات تقدمها المصارف اللبنانية
لتجاوز نظام دمشق التقييدات المالية لحركته بهدف الضغط على النظام من أجل
تبديل سياساته في التعامل مع مطالب الثورة السورية العادلة من أجل الحرية
والعدالة والمساواة.

كما أن بين الخطوات الرسمية اللبنانية جعل لبنان ممرا لعناصر خارجية لها
تأثير مباشر في الوضع السوري على نحو ما ظهر في قضية جنرال الحرس الثوري
الإيراني الذي قتل في سوريا، وقد كان يقيم في لبنان رسميا باسم آخر، ويتولى
ملف إعادة إعمار لبنان، وهي مهمة لا تصل لحدود مهمات له باسم آخر في
الأراضي السورية حيث قتل.

وبخلاف تلك الخطوات والسياسات الرسمية اللبنانية، فثمة ما هو لافت للنظر في
ممارسات بعض الجماعات اللبنانية، ومن ذلك قيام حزب الله اللبناني بالدخول
على خط الأزمة في سوريا وإعلان انحيازه إلى جانب النظام، وهو أمر كان يمكن
فهمه في إطار اختلاف السياسات لولا أن الحزب أتبع انحيازه بتقديم مساعدات
وخبرات متعددة للنظام، كان الأهم فيها إرسال مقاتلين إلى سوريا، وقد تبنى
الحزب ذلك بحجة دفاعه عن لبنانيين يقيمون في قرى سورية على تماس مع الحدود
اللبنانية. وذهبت جماعة لبنانية متحالفة مع حزب الله هي التيار الوطني الحر
إلى شن حملة على اللاجئين السوريين في لبنان بحجة أنهم سوف يؤثرون بصورة
سلبية على تركيبة لبنان السكانية - الطائفية، وعلى فرص اللبنانيين بالعمل
والعيش على نحو ما للوجود الفلسطيني في لبنان من تأثير سلبي حسب قناعات ذلك
الطرف اللبناني، والطريف في الأمر أن الحواضن الاجتماعية لحزب الله
وللتيار العوني وجدت كل دعم ومساندة من السوريين أثناء الاعتداءات
الإسرائيلية على لبنان، واضطرار أعداد كبيرة منها إلى اللجوء إلى سوريا،
ولا سيما أثناء العدوان الإسرائيلي في عام 2006.

ورغم أن في الجانبين السوري واللبناني مواقف وممارسات أخرى غير التي أشرنا
إليها، وكثير منها استمرار للطابع الإيجابي لعلاقات البلدين والشعبين، فإن
في السياسات والخطوات المشار إليها ما يحمل معنى الخطر على واقع ومستقبل
العلاقات السورية - اللبنانية.. إذ هي توسع إطار العنف في سوريا وتنقله من
طابعه المحلي إلى امتداد خارجي، وتدخل في أتونه قوى وجماعات لا علاقة لها
به، بل تعطي ذلك الدخول طابعا عسكريا طائفيا ودينيا، يمثل خطرا على لبنان
وعلى سوريا وامتدادهما الإقليمي، وهذا خطر إضافي يمكن أن تستثمره قوى
إقليمية ودولية في التأثير على البلدين والشعبين الشقيقين.

إن الخطر المستقبلي لما يحدث في العلاقات السورية - اللبنانية الحالية،
سيؤثر على البلدين، وقد يؤدي إلى انفجارهما وإعادة تركيبهما بصور مختلفة
مجددا، وفي حال لم يحصل ذلك في سياق وتداعيات الأزمة السورية، واستطاع
البلدان الحفاظ على وجودهما المستقبلي بعد نهاية الأزمة، فإن ما يحصل اليوم
سيعيد علاقات لبنان بسوريا إلى دائرة القلق والتوتر، وعلاقات سوريا مع
لبنان إلى دائرة التوجس والمخاوف وربما التصادم، وسيمنع السوريون تواصل دور
لبنان المشرقي عبر سوريا، بل إن علاقات لبنان بسوريا سوف تتقلص، وسيفقد
قوة العمل الكثيفة والرخيصة التي يوفرها الشقيق الأكبر، بينما سيجد
السوريون كل الذرائع لإحكام الإغلاق على الأخ اللبناني، ويمنعونه من
المشاركة بخبراته ورأس ماله بدور في إعادة بناء وإنماء سوريا بعد نهاية
الصراع، ولن يخسر اللبنانيون تلك الفرصة فقط، بل إنهم لن يدخلوا السوق
السورية التي تساوي أكثر عشرات المرات من مساحة لبنان وأكثر أربع مرات من
عدد سكانه.

لقد عانى اللبنانيون من سنوات حرب أهلية طويلة، ثم عانوا من عداوات
واجتياحات إسرائيلية كثيرة، وعاني السوريون من حرب نظامهم عليهم ومن حروب
إسرائيل ضدهم، وبين السوريين واللبنانيين كثير من المشتركات التاريخية
والسكانية والثقافية والاجتماعية، وبينهما ما هو مستقبلي على صعيد السياسة
والاقتصاد، ولكل هذا ينبغي للبلدين وللشعبين ولفعالياتهما الذهاب في اتجاه
يختلف عما تسير إليه سياسات وتطورات اليوم بين البلدين والشعبين، التي لن
تذهب إلا نحو الأسوأ، بينما المطلوب هو الذهاب إلى الأحسن.