وبما ان الإعلام السوري الرسمي أسخف من السخافة ويستحيل أن تقوم له قائمة،
وبما انه أضرّ ببشار الأسد وكان من أفضل أسلحة المعارضة ضدّ النظام، وبما
ان الشخصيات التي يستضيفها هذا الإعلام صارت بديلة للفنانين الكوميديين
السوريين، وما أكثر من باع ضميره للشيطان بينهم... كان لابد من الاستعانة
بالإعلام اللبناني الحليف لمواكبة المجزرة الدموية المتصاعدة ضد الشعب
السوري بـ «مجزرة» إعلامية قوامها التركيز على «جبهة النصرة» وإغفال أيّ
عمل وحشي من قبل النظام.
من مراكز «الحوار» في واشنطن إلى صحف بيروت مروراً بمراسلين في أوروبا
واستعانة ببعض «الأصدقاء» في صحف غربية... ثمة مَن أطلق رصاصة البدء لتعزف
الأوركسترا سيمفونية واحدة: ركِّزوا على معارضين بعيْنهم لأنهم يهاجمون
النظام لا الرئيس وينتقدون المتطرفين والجهاديين أكثر من الجيش والشبيحة.
أبرِزوا تقارير الخلافات بين بعض أهالي القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة
المعارضين وبين المقاتلين الغرباء من جبهة النصرة. أُكتُبوا عن المحاكمات
الشرعية التي حصلت وعن هيئات الأمر بالمعروف التي انتشرت. أكثِروا من تخويف
الأقليات من القادم واستخدِموا كل خباثة الخبثاء للقول إن النظام «ارتكب
أخطاء» لكن النظام الذي سيخلفه سيحكمه أبوعبيدة وأبوقتادة وأبومصعب
وأبوقحافة تحت عباءة الظواهري، وسيفرض الجزية على المسيحيين ويسحل الشيعة
ويحرق العلويين. تفنَّنوا في إشاعة أن الجيش السوري حسم المعركة وهو يطهّر
بعض الجيوب. أَنهِكوا معنويات الثوار والثورة بتكبير التباينات بين أطراف
المعارضة من جهة وإشاعة أخبار عن اختراقات النظام لهيئات الثورة على الأرض
وعن طلبات بالجملة يرسلها معارضون للتحاور والتفاوض والمسامحة.
أليس هذا ما نقرأه ونسمعه يومياً؟
السوريون بالفطرة ضد «النصرة»، وهذه الجبهة لم تكن خيار الثورة السورية...
كانت خيار بشار الأسد منذ اليوم الأول لخروج الناشطين السوريين المسالمين
العزل بالورود في دمشق وحمص. تذكّروا عندما ذُبح غياث مطر وحمزة الخطيب
وإبراهيم القاشوش، كيف عرض وليد المعلم الفيديو - الفضيحة لمتطرفين
إرهابيين تبيّن أنه يعود لجريمة حصلت في لبنان. بل تذكّروا المقابلة
الشهيرة للأسد في «وول ستريت جورنال» قبل الثورة. يومها قال ما معناه إن
الربيع في بلاده مستبعد لأن البديل هو التطرف فالمجتمع «أصبح أكثر انغلاقاً
بسبب تزايد انغلاق العقول ما قاد إلى التطرف».
ولم تكن عناصر التطرف و«الجهاد» والطائفية أسلحة الثوار الذين هتفوا «الشعب
السوري واحد»... كانت أسلحة النظام منذ اليوم الأول حيث ردّ على المسيرات
السلمية بإذلال الشبيحة للمتظاهرين والقفز فوق ظهورهم أمام وسائل الإعلام
شاتمين أصولهم وفصولهم ودينهم ومذهبهم. كانت أسلحة النظام الذي أكمل المشهد
بسلسلة مجازر متعمدة لمناطق ومجموعات بعيْنها.
ووسط تجاهل الولايات المتحدة لنداءات السوريين رغم أن أوباما قال للرئيس
حسني مبارك «الآن يعني الامس»، ونظراً لغياب الدعم الفعلي للمعارضة، ووجود
دعم غير محدود للأسد من إيران وحزب الله وروسيا والصين، وبعدما صارت
المجازر سنّة النظام الوحيدة في التعامل مع شعبه وبعدما فتح الأسد الأبواب
والساحات لمقاتلين إيرانيين ولبنانيين... دخلت «النصرة» كما دخل غيرها لكن
إعلام «جبهة نصرة الأسد» اللبنانية التي تضمّ سياسيين وصحافيين لم يعد يرى
في المشهد السوري سوى نظام علماني حديث ممانع يحمي الأقليات ويتصدى لتنظيم
«القاعدة».
رغم التقدم الذي تحرزه على الأرض مع القوى الثورية الأخرى، إلا أن «النصرة»
هي النصرة. ليست بحاجة إلى مَن يكتب يومياً عن أدبياتها وثقافتها
ومفرداتها وسلوك أفرادها وعقيدتهم، وهي لا تخفي ذلك أو تنفيه. إنما المشكلة
الحقيقية هي التي لا يراها إعلام «جبهة نصرة الأسد اللبنانية»، فهنا لا
مجازر تحصل، ولا قصف للطوابير المنتظرة عند المخابز، ولا ديكتاتور متوحشاً
أباح قتل وذبح وسحل واعتقال كل مَن تجرأ ورفض منطق «المزرعة» والعبودية،
ولا أطفال يؤخذون من منازلهم ويعودون بلا أحشاء، ولا نساء يُغتصبن أمام
أهلهن لاذلالهم ومعاقبتهم على كلمة «حرية»، ولا نظام يحاور معارضيه
بالتفجير ويفجّر محاوريه، ولا طائرات تسوي أبنية بمن فيها بالأرض، ولا
أحياء تختفي من الخريطة... باختصار، لا توجد ثورة بل هناك من جهة نظام
علماني رئيسه شاب يعشق الحياة بكل جوانبها ويغازل عبر الإنترنت، وسيدة أولى
ترتدي أحذية مرصعة بالماس مصنوعة خصيصاً لها من دار كريستيان لو بوتان،
وحافظ الحفيد المغرم بأفلام وقصص هاري بوتر... ومن جهة أخرى «جبهة النصرة»
الإرهابية التي تريد تحويل سورية إلى تورا بورا.
هنيئاً لبعض الإعلاميين اللبنانيين مشاركتهم في المجزرة، وهنيئاً للدول
الكبرى التي لم تنصر الثورة السورية وتركتها لـ «النصرة»، وهنيئاً للبيت
الأبيض على نصرة القوى «العلمانية والمدنية والليبرالية» مثل الحرس الثوري
الإيراني و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي»... لبشار الأسد.