هل نجاح الثورة السورية يشكل خطرا على دول الخليج ؟
بقلم : ابو ياسر السوري
يذهب بعض السياسيين إلى القول : بأن نجاح الثورة السورية ، وتمكنها من إسقاط نظام الأسد ، سيكون وبالا على بقية الأنظمة العربية ، وخاصة دول الخليج .؟ لأن شعوب المنطقة ستحذو حذو الشعب السوري ، وتطيح بأنظمتها ، التي تربعت على عروش الحكم لعشرات العقود .. بعضها ملكي متوارث ، لا يكون الحكم فيها إلا لأبناء العائلةٍ المالكة ، فهو فيهم إلى ما شاء الله من السنين .. وبعضها جمهوري مستبد ، جاء الحاكم فيه إلى الكرسي بانقلاب عسكري ، وهو غير مستعد أن يتخلى عنه إلا بانقلاب ، لذلك يكون الحاكم فيه متمسكا بالكرسي مدى الحياة ، لا ينزله عنه إلا ملك الموت .. والبعض الآخر ( جملكي ) أي جمهوري ملكي ، اخترعه حافظ الأسد ، حين استبد بالحكم ثلاثين عاما ، ثم ورَّثه لابنه من بعده ، ليستبد هذا بالحكم إلى أن يموت أيضا ، ثم يورثه لابنه ، وهكذا دواليك .. فهذا النوع من الحكم لم يكن بقوة الدستور ، كما هو الشأن في الحكم الملكي ، وإنما كان بقوة الأجهزة الأمنية ، التي بمقدورها إبادة الشعب بكامله إن قال لهم لماذا .؟ أو كيف هذا ..!؟؟
وإذا كان هذا الاستطراد قد أبعدنا قليلا عن السؤال الذي نحن بصدده ، فلا علي أن أعود للتذكير به من جديد ، فأقول : أو حقا أن نجاح الثورة السورية بإسقاط النظام ، سيدفع بقية الشعوب العربية إلى العمل على إسقاط أنظمتها ، والسير في طريق التغيير ، الذي جاء به الربيع العربي .؟
وللإجابة على هذا السؤال الكبير والخطير ، يحسن أن نتلمس الأسباب الداعية إلى التغيير ... لنقول : إن أية دولة وجد فيها ما يدعو إلى التغيير ، فلا بد من وقوع التغيير ، سواء أنجحت الثورة السورية الآن ، أم تأخر نجاحها إلى حين .
وبالنظر إلى الدول التي وقع فيها التغيير ، واستجابت لرياح الربيع العربي ، نجد أنها دول جمهورية ، أو جملكية ، استشرى فيها الاستبداد والفساد . ومارس فيها الحاكم على شعبه كل اشكال القهر والإذلال ، وكل ألوان السلب والنهب والفساد . حتى اضطر ذلك الطالب الحقوقي التونسي إلى حرق نفسه ، احتجاجا على سلبه حق العيش الكريم في الحياة . فأثار بذلك حفيظة شارع محتقن لعشرات السنين ، فخرجت تونس عن بكرة أبيها ، مطالبة بإسقاط النظام ، حتى سقط ...
وما لبث الشباب المصري أن تحرك ، فاعتصم في ميدان التحرير ، وتحمل الرمي بالرصاص ، والدهس بالسيارات ، والتصفية الجسدية في المعتقلات ، إلى أن أطاح بنظامه أيضا .. وكذلك فعل الشعب الليبي ، واليمني ، فقتل القذافي ، ونحي على عبد الله صالح ، وكان لكل بلد ظروفه الخاصة به ، والتي دفعته إلى الثورة على نظامه الحاكم ، وحملته على المطالبة بالتغيير ...
وكذلك كان الشأن في سوريا ، بل إن دواعي التغيير لدى السوريين ، تفوق كل الدواعي لدى الشعوب الأخرى ، التي حركها الربيع العربي إلى التغيير .. ولعله لم تشهد الدنيا كلها ، وعلى مدار التاريخ البشري ، حكما أكثر استبداد وفسادا من حكم حافظ الأسد وابنه على مدار أربعين سنة ، كان الشعب السوري فيها ، كما لو كان محبوسا في قمقم . لا يجرؤ الرجل أن يحدث نفسه بخلاف ما يهوى النظام ، فهو نظام يقرأ الخواطر ، ويحاسب عليها ، فيعتقل على الظن ، ويقتل على الظن ، ويعاقب البريء بجريرة المذنب ، ويمارس سياسة الإقصاء والتمييز والطائفية والعمالة وبيع تراب الوطن ، ويحرم المواطن من كافة حقوقه ، فهو في نظر عناصر الأمن أقل من الحشرة ، يمكن اعتقاله وسجنه وتصفيته لأتفه الأسباب . وحسبك أن تعلم من أخبار الاستبداد ، أن حافظ الأسد قتل في حماة وحلب والجسر وإدلب في أحداث الثمانينات ما يقارب (500) ألف مواطن ، ( 100 ) ألف منهم في حماة وحدها ، و(260) ألف في حلب ، و(140) ألف في جسر الشغور وريفها وإدلب وريفها واعزاز وريفها ... وحسبك أن تعلم أن في سجون حافظ أسد مساجين منذ (40) سنة ، لا يعرف عنهم أهلهم شيئا ، ولا يدرون إن كانوا في الأحياء هم أم في الأموات ...
وحسبك أن تعلم من أخبار الفساد ، أن دخل البترول والغاز في سوريا يبلغ (7،2) مليار دولار سنويا ، لم يدخل من ذلك في خزينة الدولة دولار واحد ، وإنما سرقها حافظ الأسد وابناؤه ، ووضعوها في حساباتهم الخاصة لدى البنوك الأجنبية .. أضف إلى ذلك سرقتهم لموارد الاتصالات الهاتف والجوال والإنترنيت .. أضف إلى ذلك الضرائب التي لا يستثنى منها أحد ، حتى بياع الخضار على عربة خشبية ، عليه ضريبة ، حتى السيارات الواقفة في أغلب الشوارع بحلب ودمشق وحمص وحماة ، كان أصحابها يدفعون ضريبة وقوف تحسب عليهم بالساعة ... وهذا كله يسري على كافة الطوائف ، ما عدا الطائفة العلوية الحقيرة .. وأشدد على كلمة الحقيرة ، ولا كرَّم الله كل من يكرمها ..
فدواعي التغيير في سوريا ، أقوى منها في أي بلد آخر . لأنه لا استبداد كاستبداد آل الأسد ، ولا فساد كفسادهم ..
فلتنظر كل دولة عربية إلى سيرتها في رعيتها ، فإن كانت تسير فيهم سيرة العدل والمساواة والحرية والكرامة .. فلن يكون فيها تغيير طالما أن دواعيه غير موجودة ... أما إن كان هنالك قهر وإذلال وتهميش وتمييز وهدر للكرامة وتكميم للأفواه ، فلن يخطئهم التغيير ، عاجلا كان أم آجلا . ولا دخل للتغيير بنجاح الثورة السورية ، أو قمعها - لا سمح الله - ..
وما أظن نشر مثل هذه الإشاعة إلا من فعل شياطين الشيعة في المنطقة ، لئلا يقف أحد مع الثورة السورية ، وليستفرد بها أعداء الله ، الذين تكالبوا عليها من كل مكان ... وهذا مع الأسف ما حدث ويحدث حتى الآن ...
والحقيقة : إن نجاح الثورة السورية ، يعني نهاية كل فساد واستبداد في المنطقة ، وإن نجاح الثورة السورية ، يعني الوأد التام لفكرة المد الشيعي الفارسي القادم من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان .. وإيقاف التوسع الإيراني في كافة أرجاء الوطن العربي ، وأولها دول الخليج .. وهم يلمحون بذلك ويصرحون ..
أما الزعمُ بأنَّ نجاح الثورة السورية ، يهدد أمن الأنظمة العربية ، وخاصة دول الخليج ، فهو محضُ كذبٍ وافتراء ، الغايةُ منه أن تستفرد إيران بدول المنطقة واحدة واحدة ، ليسهل عليها ابتلاع كافة الدول العربية في نهاية المطاف .