لم يعرف احد مالذي جعل هذا الحشد حول جثمان الشهيد
يصمت بهذا الشكل
بالرغم من اللغط الحاصل بمقدمة الموكب
والهتاف بمؤخرة الشارع الذي لايكاد يفهم منه الا كلمة الله
وكلمة الموت
=========================
المشهد رقم واحد
تصرخ وتبكي فلايعلمون ماذا تقول تسكتها النساء وتصبرها
بكلمات معهودة لدينا ....اصبري...
استهدي بالرحمن
فتحاول التفلت منهم وتهجم على الذين يحملون النعش
فيغلبها الرجال من اقاربها
فيعيدونها للداخل ...ويغمى عليها
ويتكرر المشهد مرات عديدة ...حتى تصبح مبللة الثياب
من اثار الماء الذي تقوم نساء الحي بمسح وجهها به لتصحو
يحصل كل هذا وانا اراقب يدها المحكمة الاغلاق على شئ ابيض يشبه المنديل
لا بل انه منديل
واقول في نفسي :امسحي وجهك من المياه بالمنديل واتمنى ان تسمعني
ولكنني لا اجرؤ على الاقتراب منها
=========================
لم يعلم احد ماذا كانت تريد ولم يعلم احد من الحشد الا انها ام الشهيد
حتى يأتي رجل تعفر وجهه بالتراب وكأنه خرج من الارض
عرفت فوراا من ثيابه الممزقة والجرح على لحيته انه
كان وقت سقوط القذيفة داخل المنزل
فسكتت فور رؤيته وهمست باذنه شيئاا فاندفع نحو النعش بسرعة
وامسك النعش من على الاكتاف طالباا منهم انزاله فرضخ الجميع لطلبه
وما ان حط النعش على الارض حتى دخلت المرأة بنوبة هستيرية جديدة
فتسكتها النساء كالعادة والرجل يقف جامد الوجه كالمشلول
ينظر الى الجثة باستغراب
ثم ينطلق ذلك الصوت المرعب من بين حشد النسااااااء المكتض
انه صوت نفس المرأة ولكنه مفهوم هذه المرة
ابعدو عني يا نااااس حرام عليكم
فسكت الجميع واطبق ذلك الصمت المرعب على الجميع
والنظر الى الوجوه يحتاج مفسرين محترفين
وجوه تقول ...عيب صوتها يعلى...
واخرى تقول ...جنت المسكينة ...
واخرى واخرى
حتى زعقت من جديد ابتعدوا
هل تظنون انني سامنعكم من دفنه
انه ابني الشهيد.....خذوه الى ربه
وهنا بدى على وجهها ذلك الجلد الذي كنت اراه وجوه جميع الامهات اللاتي فقدن اولادهن
وتقدمت اليه واخرجت المنديل وفتحته وخاطبت الشهيد
خذ يابني
اصبع السبابة تبعك
كانو رح يدفنوك بدونو
تركتو مكان ما طالعوك
ونظرت الى الحشد موجهة باقي الكلام اليهم
كيف تريدون ان تدفنوه بدون الاصبع التي كان يرفعها وهو يموت
انها سبابة ابني ...
عندما مات كان يصلي بدعاء التشهد
قالت تلك الكلمة ودخلت بصمت الى المنزل واغلقت الباب خلفها على من تبقى من النساء داخل البيت

من يوميات
اخوكم غسان الجاموس...