هل أخطأ أحمد معاذ الخطيب أم أصاب .؟
بقلم : أبو ياسر السوري
ثقتنا بنزاهة هذا الرجل دفعتنا إلى تأييده بداية فيما ذهب إليه من دون تفكير عميق ولا رويَّة ، وكان فهمنا لهذا اللقاء المرتقب بين رئيس الائتلاف الوطني ، وبين عناصر من النظام ، ممن لم تتلطخ أيديهم بالجريمة . وكان فهمنا أن الحوار فيه سيتمحور حول خروج الأسد من السلطة ، ورحيله هو ونظامه نهائيا من الحكم ، بدون إعطائه أي ضمانات تعفيه أو تعفي أحدا من ضباط أمنه المجرمين من المساءلة والقصاص لاحقا ...
وكان مما أقنعنا بموافقة الخطيب على هذه الخطوة ، أنه اشترط أن لا يكون اللقاء في موسكو ، لئلا يعد ذلك تنازلا من المعارضة لروسيا حليفة النظام ، والعضد الأقوى للنظام في المحافل الدولة ، وتوريد السلاح ...
ومما قوى تأييدنا للخطيب أنه اشترط لقبول هذا اللقاء أن يُطلَقَ قبل أي خطوة تتخذ ، سراحُ 160 ألف سجين ما بين امرأة ورجل من سجون الأسد .. ليعتبر هذا بمثابة برهان على جدية النظام في إنهاء هذه المجازر ، وإيقاف القتل وخراب البلد عند هذا الحد المتردي ، الذي انتهت إليه الأمور في داخل سوريا ..
ثم لامست قصة منح السوريين في الخارج جوازات سفر رغبة ملحة لدى هؤلاء المشردين ، لأن أوضاعهم وأوضاع أسرهم وأبنائهم تلح على مثل هذه الإجراءات الضرورية ، التي بدونها تصعب عليهم الحياة .
أضف إلى هذا وذاك ، أن المشردين في الخارج يتمنون العودة إلى وطنهم الذي أخرجوا منه ، وأن من يقصف بالقنابل الفراغية ، والصواريخ البلاستيكية ، ويحرم من كل حقوقه الإنسانية في الداخل ، يتمنى عودة الهدوء والأمن ، ويرجو لو توقف هذا الإجرام المتواصل ..
ولكن عدم المعرفة بدهاليز السياسة ، وأكاذيبها ، فوَّتَ علينا ، ولعله فوَّتَ أيضا على الأخ أحمد معاذ الخطيب معرفة ما يترتب على هذا اللقاء .؟؟ فقد تبين أخيراً أن لهذا اللقاء آثارا سلبية ، لا تقاس بها هذه الإيجابيات ، التي ذكرناها ..
لأن موافقة رئيس الائتلاف الوطني على لقاء مع ممثلين للنظام ، لن تتوقف آثاره عند حل لقضية المساجين ، أو حل لقضية من ليس لديه جواز سفر ، وإنما سيكون لهذا اللقاء أبعاد خطيرة جدا جدا .. وأنه سيخدم النظام خدمات ما كان يحلم بها ، ولا يحلم بها أنصاره ، ولا في المنام .. فلنستمع إلى ما قيل عن سلبيات هذا اللقاء ، وأهمها أنه سيكون بمثابة اعتراف رسمي من الائتلاف الوطني المعارض بما يلي :
1 – أن هذا اللقاء سيكون بمثابة اعتراف رسمي بشرعية النظام ، الذي قامت الثورة للإطاحة به ، وإزاحته من موقع السلطة في البلاد .
2 – سيكون كذلك ، بمثابة إقرار ضمني بعدم وجود ثورة في الأصل ، وأن القائمين بالحراك الثوري خلال 22 شهرا مضت ، لم يكونوا سوى جماعات تخريبية مسلحة مندسة ، وقد شعرت أخيرا بخطئها ، فجاءت معترفة بذنبها ، مطالبة ببعض الإصلاحات ، كالإفراج عن المساجين ، ومنح جوازات سفر للمحتاجين .
3 – وهذا التوصيف الجديد ، الذي سينشأ عن هذا اللقاء ، سوف يعفي بشار الأسد وكل عصابته من كل ما ارتكبوه من قتل وسحل واغتصاب وتهجير وتدمير وخراب ... وسوف تضيع دماء أكثر من نصف مليون شهيد ، وأكثر من نصف مليون معوق ، وسوف يكون هذا اللقاء بمثابة التنازل عن كل الأعراض التي انتهكت ، والدور التي هدمت ، والمرافق العامة التي عطلت .. وسوف تعتبر تنازلا عن كل ما ترتب على الحل الأمني من أضرار القتل والإبادة والتشريد ...
4 – إن هذا اللقاء سوف يرفع الغطاء عن المقاومة المسلحة في الداخل ، ويتم خنقها خنقا كاملا من قبل المجتمع الدولي ، ويمكن نظام الأسد من قمع الحراك الثوري ، ويعود لإحكام قبضته على سوريا من جديد ، وتبدأ بعدها مرحلة حساب الطائفة السنية وتصفيات الملايين منهم ، لئلا تقوم لهم قائمة فيما بعد .
5 – إن هذا اللقاء ، سيجعل من حق النظام المجرم أن يشارك في حكم سوريا بنسبة قد تكون الأكثرية ، وقد تكون مناصفة ، وربما تكون أقلية في العدد ، ولكنها صاحبة قرار ، كأن تبقى المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية في أيدي الطائفة العلوية .. ويكون بإمكانهم الإطاحة بأي حكومة متى شاؤوا ، والعودة إلى الحكم الاستبدادي من جديد ..
وبعد المقارنة ما بين إيجابيات هذا اللقاء ، وما يترتب عليه من سلبيات ، أظن ليس من المنطق السليم أن يستمر معاذ الخطيب في الإقدام على هذا اللقاء الخاطئ الفادح المدمر ، والرجوع عن الخطأ فضيلة . خصوصا وأنه لم يستشر في هذه الخطوة أحدا من زملائه في الائتلاف ، وكان عليه أن يستشير .. ولا يقبل منه ادعاؤه أن هذا منه رأي شخصي ، فهو الآن لا يتكلم باسمه الشخصي ، وإنما يتكلم باسم ثورة ، جعلته رئيسا لجناحها السياسي ، ومن حقها عليه أن لا يخطو خطوة تجر على الثوار كل دمار وخسار .
ولا يشفع للخطيب في هذا التوجُّهِ حرصُهُ على إيقاف الدم النازف ، لأنه إن وقف النزيف اليوم ، فسوف يعود غدا بعد المصالحة الشكلية ، التي لن تحول ما بين النظام واستئنافه السجن والقتل والتصفيات التي قد تستمر لعشرات السنين .
ولا يشفع للخطيب أيضا قناعته الشخصية ، بأن العالم كله مجمع على خراب سوريا ، وذلك بإبقاء الصراع الحالي إلى أن تنهار سوريا كدولة انهيارا كاملا ، وتتحول إلى أرض اقتتال ، يغيب فيها الأمن والأمان لعشرات السنين ... لأن هذه القناعة ربما تولدت لديه بإيحاءات غربية جعلته محبطا ، لدرجة بات معها يقبل بأي حل ، ويعتبره خيرا من الاستمرار في الاقتتال ، الذي يحصد الأرواح باستمرار ... ألم يعلم الأخ الخطيب أن النصر من عند الله ، وأن المجتمع الدولي مجتمع متواطئ مع العصابة القاتلة ، وشريك لها في القتل . وهل نسي الخطيب أن أي قضية وراءها شعب لا تخسر في نهاية المطاف ، لأن يد الله مع الجماعة ، ومن كان الله معه فلن يغلبه أهل الأرض جميعا ، ولو اجتمعوا عليه ..
يا أخ معاذ الخطيب ، إن السوريين يقدرون لك مشاعرك ، ورحمتك بهم ، ولكن يطالبونك أن تكون حصيفا قبل اتخاذ أي قرار ، وليس من الحصافة أن تستبد في رأيك .. لا تشق الصف ، ولا تخرج عن رأي الجماعة ، ولا تكن سببا في إبادة أهل السنة والجماعة إبادة كاملة بهذا اللقاء .. وكما كانت لديك الجرأة وأعلنت عن استعدادك للقاء مع عناصر النظام ، ممن لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين ، أرى أن تستحضر نفس هذه الجرأة ، فتخرج على إحدى القنوات ، وتعلن أنك لن تقابل أحدا من عناصر هذا النظام المجرم ، لأنه ليس فيهم من لم تتلطخ أيديه بدم الشعب البريء ، وكل عصابة الأسد في الجريمة والعار سواء ..