لأسباب الخفية وراء وضع أوباما "جبهة النصرة" على قائمة الإرهاب
2013-1-26 |
الطاهر إبراهيم "جبهة النصرة" ذات التوجه الإسلامي التي تقاتل الحرس الجمهوري وشبيحة "بشار أسد"، أثبتت أنها جبهة منضبطة، لم تقترف من الجرائم، ما يجعلها عرضة لانتقاد جماعات حقوق الإنسان.
وقد ساء واشنطن أنها لم تجد عليها مأخذا، مع ذلك وضعها "أوباما" على لائحة الإرهاب. فلماذا فعل ذلك؟ وما هي الأسباب الخفية وراء وضعها على قائمة الإرهاب؟
عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من زغرب في1 نوفمبر 2012 أنها تنتظر من المعارضة السورية أن تتوسع إلى ما هو أبعد من المجلس الوطني السوري، وأن “تقاوم بشكل أقوى محاولات المتطرفين لتحويل مسار الثورة” في سوريا ضد بشار الأسد، فقد تساءل المراقبون عن مغزى هذا الكلام؟ فواشنطن لم تغب -في شخص وزيرة خارجيتها- عن أيٍ من لقاءات "أصدقاء الشعب السوري"، حيث تم الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري. شعر المراقبون بعد هذا التصريح أن "وراء الأكمة ما وراءها".
وعندما تداعت شخصيات سورية معارضة إلى تفعيل ما سمي في حينه "المبادرة"، وتم الإعلان عن قيام "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" في الدوحة في 13 نوفمبر 2012، سارعت واشنطن إلى مباركة هذا المولود الجديد.
غير أن ما أثار حنق واشنطن أن "أحمد معاذ الخطيب" رئيس الائتلاف الوطني لم يكد ينتهي من خطبته أمام ما سُمي بـ"مؤتمر أصدقاء سورية" بنسخته الرابعة في مراكش المغربية في 12 ديسمبر 2012، حتى نهض "الخطيب" مدافعا عن "جبهة النصرة" التي وضعها الرئيس الأمريكي "أوباما" قبل يوم واحد في 11 ديسمبر 2012 على لائحة الإرهاب.
كما استغرب "جورج صبرا" نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض إدراجَ الولايات المتحدة جبهةَ النصرة على لائحة الإرهاب، وأكد أن جبهة النصرة جزء من الثورة في سوريا.
وكأن واشنطن اعتبرت رفض رئيس الائتلاف الوطني المسلم ونائبه المسيحي رفضا لسياسات واشنطن في المنطقة. ورأينا تغييرا واضحا في مواقف واشنطن تجاه الثورة السورية، ما اعتبر محاولة للالتفاف على الثورة السورية ومحاولة لاستنساخ قيادة جديدة للحكم بتوليفة تضم، فيمن تضم، بعض أركان النظام الحالي، الأمر الذي ترفضه الثورة والشعب السوري معا.
إن موقف رئيس الائتلاف الوطني "الخطيب" ونائبه "صبرة" يعبر عن رفض متجذر لدى الشعب السوري لأي إملاءات تفرض عليه من خارج قوى الشعب السوري. وما كان السوريون ليقبلوا الخروج من تحت سيطرة الطغمة المستبدة الحالية ليقعوا تحت هيمنة واشنطن.
وكانت مسارعة الخطيب للدفاع عن جبهة النصرة هو الإعلان بوضوح أن لا مساومة على حرية خيار الشعب السوري في شكل الحكم الذي يتوق إليه.
أستعجل فأقول: إنه يبدو من تصريح "أوباما"، وقد قرر ألا يخوض حروبا خارجية، كما فعل سلفه "بوش"، أنه أراد أن يحرّش بين جبهة النصرة وباقي مكونات الجيش الحر، بحيث يحرض بعض الوحدات على جبهة النصرة فيقع الاقتتال.
كن فأل "أوباما" خاب، إذ ظهر العميد "سليم إدريس" رئيس هيئة أركان الجيش الحر رافضا إدراج جبهة النصرة بقائمة الإرهاب الأمريكية، منوها بأن الجبهة إنما تعتمد على الشباب السوري المثقف.
وزادت الصورة والمشهد السوري روعة بتصريح رئيس المجلس العسكري السوري بحلب العقيد "عبد الجبار العكيدي" الذي يقاتل جنبا إلى جنب مع جبهة النصرة، فامتدح جبهة النصرة وسلوكيات عناصرها، وهو أمر رائع وطيب من قبل عقيد يعرف ما يقول ولا تستطيع واشنطن وغيرها اتهامه بأنه إرهابي ومطلوب أيضا شحنه إلى "غوانتانامو" .
قد يقول قائل: واشنطن تخاف من البديل الذي يأتي بعد بشار أسد، كأن تأتي حكومة على شاكلة حكومة طالبان، وفي أحسن الحالات، ربما يكون البديل من بشار أسد حكومة إسلامية يقودها الإخوان المسلمون. يتبادر فورا إلى الذهن السؤال: من فوض واشنطن أن تقبل أولا تقبل شكل الحكم في سورية بعد إطاحة بشار أسد، أو طبيعة أحزابه التي ستشكل نسيج الحكم والمجتمع؟ كما نعتبر موقف أوباما تدخلا سافرا في شئون الشعب السوري.
الحكومة السورية التي جاءت بعد الاستقلال عن فرنسا كانت أكثر ديمقراطية من كثير من دول الجوار العربي، واشنطن لم ترتح لهذه الحكومة الديمقراطية التي شكل جيشها خطرا أقلق حدود إسرائيل، فدعمت "حسني الزعيم" الذي خطط للإطاحة بالرئيس المنتخب "شكري القوتلي" وقام بانقلاب تم التخطيط له في السفارة الأمريكية في دمشق في 31 مارس 1949، واعتقل الرئيس المنتخب ديمقراطيا ورئيس حكومته.
من جهة أخرى، فإن "أوباما" آخر من يحق له أن يقترح على الثوار السوريين شكل حكومتهم. فلم يجد هؤلاء منه إلا كلاما معسولا. بل وضغط أوباما على دول عربية كي تخفض مساعداتها إلى الحد الأدنى.
كما حرض دول حلف الناتو بمن فيها تركيا، ألا تقدم أسلحة مضادة للطيران والدروع، ما تسبب بمقتل أكثر من 60 ألف شهيد بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، وتدمير أكثر من 300 ألف عمارة ومسكن.
ورأينا العالم المتحضر، وعلى رأسه أمريكا، يقف متفرجا على ما يفعله نظام بشار أسد، من تدمير منهجي، وإعادة سورية إلى ما قبل تاريخ القرن العشرين. وكانت واشنطن يحمر وجهها غضبا لأقل من ذلك بكثير، عندما يكون المعتدى عليه من غير المسلمين.
يبقى أن نقول إن ثوار الجيش الحر يتطلعون إلى استعادة حرية سورية كاملة، ويعملون لإرغام بشار أسد ورجال نظامه على الرحيل أو قتلهم، شاءت واشنطن وموسكو وطهران أم أبت، مهما بلغ عدد الشهداء وعدد المساكن التي تدمر!!!