خطابات خمس ومنطق واحد! هكذا تستمر الثورة السورية!
الإثنين 25 صفر 1434هـ - 07 يناير 2013م
معهد العربية للدراسات
أمس الأحد الخامس من يناير كان الخطاب الخامس لبشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية أمام المسجد العمري بدرعا في 18 مارس سنة 2011، وتكاد تدخل عامها الثالث بعد شهور قليلة، وقدمت - وتقدم - ما يزيد عن عشرات الآلاف من القتلى والشهداء، ولكن يبقى الأسد كما هو في خطاباته الخمس يملكه نفس المنطق التسلطي الذي يصرّ على رفض الحقيقة وتجاهل الواقع والوقائع.. تم التمهيد لخطابه الأخير وصفاً بأنه "خطاب الحل"، ولكن كسوابقه جاء مجيئه منفصلاً عن واقع متأزم ومنفجر بالقرب منه حيث تشهد العاصمة صدامات عنيفة بين جيش النظام وكتائب الثورة والشعب السوري، انتظره الجميع وتوقع بعضهم فيه جديداً ولكن لم يأت بجديد!
فهي خطابات خمس ولكنه منطق واحد! يبدو خطيبه بعيداً عن شعبه كما تشير العديد من الدلالات أنه أعد بعيداً عن أرضه.. ولكن تظل الدلالة الأهم والأعمق فيه أنه بينما تبلغ الثورة المستمر عامها الثالث بعد قليل لا زال بشار الأسد ونظامه المستبد كما هو لا يدرك أو لا يرى متغيرات اللحظة والتاريخ وما يدور بالقرب من قصره وسلطانه المترنح.
سنحاول فيما يلي رصد وتحليل سياقات هذا الخطاب وردود الفعل الداخلية والخارجية عليه.
أولاً: خطاب معدّ إيرانياً وروسياً
سبق الخطاب مشروع مبادرة حملها نائب وزير الخارجية السورى فيصل مقداد إلى موسكو في 27 ديسمبر الماضي، نقل فيها لنظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف موافقة الاسد على "تسوية جنيف" في حال عدم الاعتراض على ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2014 مع مرشحين آخرين, وتتضمن بنود التسوية "وقف اطلاق النار وحضور مراقبين دوليين إلى سوريا للإشراف على تطبيقه وانشاء لجنة تأسيسية لتعديل الدستور وتأليف حكومة وحدة وطنية وانتخاب مجلس نواب عبر انتخابات حرّة بمراقبة دولية ".
كما سبقته أيضا مقابلة ما بين وزير الخارجية الايرانى على أكبر صالحى و فيصل مقداد نائب وزير الخارجية السورى فى طهران، و فى هذا اللقاء قال وزير الخارجية الايرانى ( على أكبر صالحى ) ان القرار الخاص بمستقبل السوريين يعتمد على ارادة الشعب السورى فقط و اكد ان اى تدخل اجنبى بأى شكل فى الشئون الداخلية للدول المستقلة مرفوض إيرانيا، و كرر ان سياسة ايران الرئيسية تتمثل فى دعم و مساعدة الحكومة السورية و الشعب السورى بأن يجدا طريقهما للخروج من الوضع الحالى .
كما أكد على أنه فى ظل حقيقة وواقع ان الحكومة السورية عبرت عن استعدادها فى خوض حوار وطنى و دعت لحل سياسى للقضية ، فان الاحزاب التى تعارض الحوار الوطنى مسئولة عن استمرار تلك الازمة . كما عبر صالحى عن رغبته فى ان يعود الاستقرار و الهدوء الى سوريا من خلال التعاون البناء بين الدول الاقليمية المؤثرة .
كما لخصفيصل مقداد لوزير الخارجية الايرانى انشطته و تحركاته الدبلوماسية لحل الازمة ، متضمنة زيارته الاخيرة الى روسيا . كان نائب وزير الخارجية السورى قد زار موسكو فى 27 ديسمبر و عقد محادثات مع المسئولين الروس حول الازمة فى سوريا .
ولكن ما نشرته وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية في السابع من يناير الحالي يؤكد ان خطاب الأسد تم إعداده في إيران قبل إلقائه، فقد كشف نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبدالله أن المشروع الذي قدمه الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس تمت دراسة بصورة مفصلة في طهران لدى زيارة فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري الأخيرة لطهران . ورأينا نحن (الإيرانيون) أنه مشروع ناجع لمستقبل سوريا. وهو ما لم تتبين أوجه نجاعته حتى الآن. وأكد المسؤول الإيراني حسب ما نقلته وكالة "مهر" للأنباء شبه الرسمية على ضرورة دعم مشروع الاسد قائلا:"نحن على يقين أن مشروع الاسد يستحق الدعم الإقليمي والدولي لأن هناك حلين في سوريا لا ثالث لهما الأول هو إستمرار الوضع الراهن والثاني هو الحل التفاوضي السياسي."
ومما تمكن ملاحظته في هذا السياق أن خطاب بشار الأخير وكذلك خطاب رئيس الحكومة العراقية نوري المالكى في تجاهل شرعية مطلبية التظاهرات والاحتجاجات في محافظة الأنبار ينطلقان من نفس المنطق كما يميلان نفس الولاء، فقد قال بشار الأسد فى خطابه أن«الربيع المزعوم عبارة عن فقاعة صابون ستختفي .. فكله طائفية وإرهابوتقسيم». وهذه الكلمات هي نفس الكلمات التي رددها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في نفس اليوم، عندما وصف مظاهرات الأنبار و الشعب العراقي في العديد من المدن بالفقاعات وشعاراتهم بالنتنة، متهما المنظمين لهذه المسيرات الشعبية بالمندسين وأنها لن تؤثر عليه ولاعلى سير حكومته لأنها مجرد فقاعات صابون . ففي تناغم غريب تبادل المالكي والأسد التعابير والدلالات ذاتها في وصف الحراك الشعبي فاستعار كلاهما فقاعات الصابون .
ثانياً: ردود فعل الداخل
فى اول رد فعل من المعارضة السورية على الخطاب اكد اعضاء بارزون فى الائتلاف الوطني السورى المعارض عن نيتهم القيام بتحرك شامل على المستوى الدولي و سيشمل مسارات ثلاثة هى:
الاول: سياسيا ستجول وفود على عواصم القرار العربي والدولي لوضعها امام مسؤولياتها حيال الشعب السوري
الثاني: على الصعيد المالي ستعمل هذه الوفود على جمع مليار دولار على الأقل لمواجهة احتياجات النازحين وإدارة المناطق المحررة.
الثالث: سينظم الائتلاف اعتصامات امام مباني برلمانات العالم بدءا من التاسع عشر من الشهر الحالي .
بينما جاء تيار التغيير الوطني السوري ليعلن فى بيان صادر عنه " الأسد تحدث باسم شعب يقتله " ليؤكد على رفض تلك السياسة و وأكد "تيار التغيير"، أن خطاب من لا شرعية له، لا يقل (في دلالاته) عن خطاب قاطع طريق أو شبيح أو مرتزق، وأن الحل الذي قدمه لإنهاء الأزمة في سوريا، لا يدخل إلا في سياق أحلامه وأوهامه وتمنياته هو. فالحل الوحيد الذي فرضته الثورة الشعبية العارمة (بتضحياته شعب لا تهمه التضحيات أكثر مما تهمه نتائجها)، هو زوال الأسد إلى الأبد ومعه عصاباته، وخضوعه إلى عدالة سوريا الحرة. وقتها لن ينفعه (كما الآن) تصفيق منظم ممنهج بائس يائس، طرب له في قاعة، لم تضم وطنياً سورياً واحداً .
واعتبر تيار التغيير الوطني السوري، أن سفاح سوريا يؤكد يوماً بعد يوم، أنه خارج الزمان والمكان، ويعيش وهم حكم يحلم باستمرار اغتصابه. ولم يع بعد أن البضائع الفاسدة التي يسوقها، لن تنشر سوى الأوبئة القاتلة في محيطه وفي دائرة عصاباته الإجرامية. إن خطابه، لم يكن سوى مجموعة من كلمات متعلثم لغوياً، وواهم سياسياً، وخائن وطنياً، ومجرم إنسانياً. وقد دخل التاريخ أصلاً، كمغتصب وحشي للحياة نفسها .
وكانت ردود الافعال الشعبية التى تاقلتها الفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن مدن سورية مثل مدينة حمص السورية ومدينة تلبيسة كلها اتفقت على ان الرئيس السورى بشار الاسد يخدع نفسة قبل شعبة والعام وقال احدهم فى تعقيبة على الخطاب ا ن هذا الرجل ساقط لا محالة وتسأل كيف يتوعد العصابات المجرمة وهم من يحمون الشعب الان ضدة وضد عصاباته وشبيحته ووجة تعجباً كيف يتحدث هكذا ونسي ان الجيش الحر مشتبك مع قواته الان فى دمشق العاصمة.واخرى من تلبيسة تقول انه رئيس فاشل لا يستحق العيش وعلية ان بتركا حتى نعيش اياماً بدلاً من هذة .
وفى معبر السلامة الحدودى مع تركيا كانت هناك ردود الافعال تحمل الكثير من المعانى والالفاظ حيث وصف النازحين الخطاب بأنه استكمال سيناريو الكذب الذى اعتدنا علية منذ عامين وان بشار الاسد لا يمثل احداً من شعبة ولا يمثل الا نفسة وسلطانة وقال احدهم ان الذى يمثلة هو الله وليس احداً اخر لا داخل سوريا ولا خارجها , وتم سبه وستمة بابشع الالفاظ من جانب المتظاهرين الذين خرجو فى تظاهرة تطالب رئيس الوزراء التركى رجب طيب اردوغان والشعب التركى بفتح المعبر ودخول النازحين المعلقين علية وتأمينهم منن بطش القوات والبرد القارس بعد اغلاقة .
وكانت ابرز ردود الافعال الشعبية بعد الخطاب التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الشبكات والمجموعات السورية التي اكتظت بمشاركات تسخر من كلمة الأسد. وآخرها كان شريطا يظهر الرئيس السوري بشار الأسد في لقطات من خطابه الأول بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظامه، لكن وبدلا من الكلام نسمع نباحاً، أما ردة فعل أعضاء مجلس الشعب السوري، البرلمان، فيأتي على شكل ثغاء خراف وتصفيق. وبعد إحدى وخمسين ثانية ينتهي شريط الفيديو وتظهر شعارات مثل "الشعب يريد إسقاط النظام ".
فيما ذكرتالجارديان فى مقال لها أن المعارضة السورية ترفض دعوات الحوار من الأسد بعد وصفه لهم بأنهم " دمى فى يد الغرب". ذكر الثوار ان الرئيس السورى لم يقدم اى تنازلات ذات معنى فى الخطاب العام الأول له منذ سبعة أشهر . فرفض الثوار مبادرته الاخيرة لانهاء العنف الذى استمر لمدة 21 شهرا ، مؤكدين على انه لم يقدم تنازلات ذات معنى و انه لابد ان يترك السلطة فى الحال .
ردود فعل القوى الإقليمية والدولية: تركيا
علق وزير الخارجية التركي "أحمد داوود أوغلو" على خطاب الأسد قائلا أنه لم يستوعب درساً من مطالب الشعوب في المنطقة، أو حتى مسؤوليته عن تدمير بلده على مدار سنتين .جاء ذلك فى معرض رده على أسئلة الصحافة، في المؤتمر الصحفي الذي عقده على هامش مؤتمر السفراء الخامس، المنعقد في مدينة إزمير التركية .
واضاف داوود أوغلو "إن الأسد لا يمكن له أن يقطع الطريق أمام المعارضة التي اعترف بها العالم، بعد مقتل 60 ألف شخص، وبعد هذا الدمار الكبير الذي لحق بالبلد " و أن التطورات على الأرض اختلفت بين ذلك الوقت والآن، مشيراً أنه في ذلك الوقت كان هناك من 3 إلى 5 آلاف قتيل، بينما وصل عدد القتلى الآن إلى 60 ألفاً.
قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو إن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد لم يقدم جديدا و كرر الاسد فيه وعودا فارغة و جوفاء و ان وعوده الآن لا تزيد عن ما ذكره مرارا و تكرارا ، و أكد ان الاسد لا يمتلك السلطة التمثيلية على الشعب السورى و كلماته فقدت القدرة على الاقناع و أن الفترة الانتقالية تحتاج ان تكتمل سريعا بالمحادثات مع ممثلى الامة السورية .
و دعى الامم المتحدة ان تتخذ موقفا واضحا بخصوص سوريا و ان ترسل رسالة الى الاسد بأن يتوقف عن منع توزيع المعونات . قال " اذا اصبح واضحا الآن ان الأسد لن يقوم بأى شىء جديد فان مجلس الامن التابعة للامم المتحدة لابد ان يتخذ موقفا بشأن الوضع فى سوريا.
ردود فعل القوى الإقليمية والدولية: إيران
رحبت ايران بالمبادرة التى طرحها الاسد فلم يكن الترحيب الايرانى بالخطاب مفاجئا اذا ما نظرنا الى التصريحات السابقة للخطاب خلال اجتماعات فيصل مقداد مع وزير الخارجية الايرانى و عدد آخر من المسئولين الايرانيين .
فقد أعرب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي الاثنين عن تأييد بلاده للخطة التي اقترحها الرئيس السوري بشار الأسد لحل النزاع في سوريا.
وقال الوزير في تصريح نشره موقع وزارته أن الجمهورية الإسلامية الايرانية تؤيد مبادرة الرئيس بشار الأسد لحل شامل للازمة السورية .وأكد صالحي أن مبادرة الأسد تتضمن حلول تؤكد على ضرورة انهاء العنف والتدخل الخارجي في بلاده وتقترح عملية سياسية شاملة تضمن حضور كل من يمتكل القوة بناء على الطابع الوطنى للدولة ، و هذه المبادرة تؤكد على العمل على وضع دستور جديد ، انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة .ودعى صالحي كافة الفاعلين السوريين و منظمات مجتمع مدنى و معارضة وطنية و قوى اقليمية ومجتمع دولي إلى "اغتنام الفرصة" التي تتيحها هذه الخطة "لإعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا وتجنب امتداد الأزمة إلى المنطقة".
و أكد صالحى ان مبادرة الأسد استلهمت من وثيقة الامم المتحدة و المحاور المتشابكة من الحلول الاقليمية و الدولية متضمنة الخطة ذات الست بنود التى قدمتها ايران لحل الأزمة السورية .
ردود الفعل الدولية: بريطانيا
فى اول رد فعل دولى اتهم وزير الخارجية البريطاني وليام هيج الرئيس السوري بشار الأسد بالرياء وقال إن دعوته في كلمة ألقاها اليوم الى مبادرة للسلام لإنهاء الصراع لن تخدع أحدا
وأضاف في رسالة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي أن خطاب الأسد اكثر من رياء و أن القتلى والعنف والقمع الذين يحاصرون سوريا من صنعه. كما ذكر أن الوعود الجوفاء بالإصلاح لن تخدع أحدا
ردود الفعل الدولية: الولايات المتحدة الأمريكية
هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية على موقع وزارة الخارجية الأمريكية خطاب الأسد بوصفه منفصلا عن الواقع و قد وصفت الولايات التحدة الأمريكية خطاب الرئيس السورى بشار الأسد بأنه خطاب وهمى . فقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية ان خارطة الطريق لانهاء الحرب الاهلية التى تجتاح سوريا منفصلة عن الواقع و انه لابد ان يتنحى .
قالت فيكتوريا نولاند المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية ان خطاب الأسد هو محاولة آخرى من النظام للتشبث بالسلطة و لا يقوم بأى شىء من أجل دفع حلم الشعب السورى تجاه التحول السياسى قدما .
كما ذكرت نولامد ان مقترح الأسد يقوض من عمل " الأخضر ابراهيمى " مبعوث الأمم المتحدة فى سوريا وسيقوم فقط بالسماح للنظام لادامة الطغيان الدموى ضد الشعب السورى، فقالت انه فى خلال سنتين، توحش نظام الأسد ضد شعبه، فالأسد فقد كل شرعيته و لابد ان يبتعد من أجل التمكين لحل سياسى و تحول ديمقراطى يلتقى مع تطلعات الشعب السورى وثورته التي تدخل عامها الثالث.
وهكذا يتأكد المسار الذي اختارته الثورة السورية لنفسها وأن الأسد لا يعرف لغة الحل السياسي، ولكن يعرف لغة القمع التي لا يجدي معها غير الرفض والإسقاط لنظام يرى معارضوه أنه فقد شرعيته.
-------------------------------------------
منقووووووول
الإثنين 25 صفر 1434هـ - 07 يناير 2013م
معهد العربية للدراسات
أمس الأحد الخامس من يناير كان الخطاب الخامس لبشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية أمام المسجد العمري بدرعا في 18 مارس سنة 2011، وتكاد تدخل عامها الثالث بعد شهور قليلة، وقدمت - وتقدم - ما يزيد عن عشرات الآلاف من القتلى والشهداء، ولكن يبقى الأسد كما هو في خطاباته الخمس يملكه نفس المنطق التسلطي الذي يصرّ على رفض الحقيقة وتجاهل الواقع والوقائع.. تم التمهيد لخطابه الأخير وصفاً بأنه "خطاب الحل"، ولكن كسوابقه جاء مجيئه منفصلاً عن واقع متأزم ومنفجر بالقرب منه حيث تشهد العاصمة صدامات عنيفة بين جيش النظام وكتائب الثورة والشعب السوري، انتظره الجميع وتوقع بعضهم فيه جديداً ولكن لم يأت بجديد!
فهي خطابات خمس ولكنه منطق واحد! يبدو خطيبه بعيداً عن شعبه كما تشير العديد من الدلالات أنه أعد بعيداً عن أرضه.. ولكن تظل الدلالة الأهم والأعمق فيه أنه بينما تبلغ الثورة المستمر عامها الثالث بعد قليل لا زال بشار الأسد ونظامه المستبد كما هو لا يدرك أو لا يرى متغيرات اللحظة والتاريخ وما يدور بالقرب من قصره وسلطانه المترنح.
سنحاول فيما يلي رصد وتحليل سياقات هذا الخطاب وردود الفعل الداخلية والخارجية عليه.
أولاً: خطاب معدّ إيرانياً وروسياً
سبق الخطاب مشروع مبادرة حملها نائب وزير الخارجية السورى فيصل مقداد إلى موسكو في 27 ديسمبر الماضي، نقل فيها لنظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف موافقة الاسد على "تسوية جنيف" في حال عدم الاعتراض على ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2014 مع مرشحين آخرين, وتتضمن بنود التسوية "وقف اطلاق النار وحضور مراقبين دوليين إلى سوريا للإشراف على تطبيقه وانشاء لجنة تأسيسية لتعديل الدستور وتأليف حكومة وحدة وطنية وانتخاب مجلس نواب عبر انتخابات حرّة بمراقبة دولية ".
كما سبقته أيضا مقابلة ما بين وزير الخارجية الايرانى على أكبر صالحى و فيصل مقداد نائب وزير الخارجية السورى فى طهران، و فى هذا اللقاء قال وزير الخارجية الايرانى ( على أكبر صالحى ) ان القرار الخاص بمستقبل السوريين يعتمد على ارادة الشعب السورى فقط و اكد ان اى تدخل اجنبى بأى شكل فى الشئون الداخلية للدول المستقلة مرفوض إيرانيا، و كرر ان سياسة ايران الرئيسية تتمثل فى دعم و مساعدة الحكومة السورية و الشعب السورى بأن يجدا طريقهما للخروج من الوضع الحالى .
كما أكد على أنه فى ظل حقيقة وواقع ان الحكومة السورية عبرت عن استعدادها فى خوض حوار وطنى و دعت لحل سياسى للقضية ، فان الاحزاب التى تعارض الحوار الوطنى مسئولة عن استمرار تلك الازمة . كما عبر صالحى عن رغبته فى ان يعود الاستقرار و الهدوء الى سوريا من خلال التعاون البناء بين الدول الاقليمية المؤثرة .
كما لخصفيصل مقداد لوزير الخارجية الايرانى انشطته و تحركاته الدبلوماسية لحل الازمة ، متضمنة زيارته الاخيرة الى روسيا . كان نائب وزير الخارجية السورى قد زار موسكو فى 27 ديسمبر و عقد محادثات مع المسئولين الروس حول الازمة فى سوريا .
ولكن ما نشرته وكالة مهر الإيرانية شبه الرسمية في السابع من يناير الحالي يؤكد ان خطاب الأسد تم إعداده في إيران قبل إلقائه، فقد كشف نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبدالله أن المشروع الذي قدمه الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس تمت دراسة بصورة مفصلة في طهران لدى زيارة فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري الأخيرة لطهران . ورأينا نحن (الإيرانيون) أنه مشروع ناجع لمستقبل سوريا. وهو ما لم تتبين أوجه نجاعته حتى الآن. وأكد المسؤول الإيراني حسب ما نقلته وكالة "مهر" للأنباء شبه الرسمية على ضرورة دعم مشروع الاسد قائلا:"نحن على يقين أن مشروع الاسد يستحق الدعم الإقليمي والدولي لأن هناك حلين في سوريا لا ثالث لهما الأول هو إستمرار الوضع الراهن والثاني هو الحل التفاوضي السياسي."
ومما تمكن ملاحظته في هذا السياق أن خطاب بشار الأخير وكذلك خطاب رئيس الحكومة العراقية نوري المالكى في تجاهل شرعية مطلبية التظاهرات والاحتجاجات في محافظة الأنبار ينطلقان من نفس المنطق كما يميلان نفس الولاء، فقد قال بشار الأسد فى خطابه أن«الربيع المزعوم عبارة عن فقاعة صابون ستختفي .. فكله طائفية وإرهابوتقسيم». وهذه الكلمات هي نفس الكلمات التي رددها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في نفس اليوم، عندما وصف مظاهرات الأنبار و الشعب العراقي في العديد من المدن بالفقاعات وشعاراتهم بالنتنة، متهما المنظمين لهذه المسيرات الشعبية بالمندسين وأنها لن تؤثر عليه ولاعلى سير حكومته لأنها مجرد فقاعات صابون . ففي تناغم غريب تبادل المالكي والأسد التعابير والدلالات ذاتها في وصف الحراك الشعبي فاستعار كلاهما فقاعات الصابون .
ثانياً: ردود فعل الداخل
فى اول رد فعل من المعارضة السورية على الخطاب اكد اعضاء بارزون فى الائتلاف الوطني السورى المعارض عن نيتهم القيام بتحرك شامل على المستوى الدولي و سيشمل مسارات ثلاثة هى:
الاول: سياسيا ستجول وفود على عواصم القرار العربي والدولي لوضعها امام مسؤولياتها حيال الشعب السوري
الثاني: على الصعيد المالي ستعمل هذه الوفود على جمع مليار دولار على الأقل لمواجهة احتياجات النازحين وإدارة المناطق المحررة.
الثالث: سينظم الائتلاف اعتصامات امام مباني برلمانات العالم بدءا من التاسع عشر من الشهر الحالي .
بينما جاء تيار التغيير الوطني السوري ليعلن فى بيان صادر عنه " الأسد تحدث باسم شعب يقتله " ليؤكد على رفض تلك السياسة و وأكد "تيار التغيير"، أن خطاب من لا شرعية له، لا يقل (في دلالاته) عن خطاب قاطع طريق أو شبيح أو مرتزق، وأن الحل الذي قدمه لإنهاء الأزمة في سوريا، لا يدخل إلا في سياق أحلامه وأوهامه وتمنياته هو. فالحل الوحيد الذي فرضته الثورة الشعبية العارمة (بتضحياته شعب لا تهمه التضحيات أكثر مما تهمه نتائجها)، هو زوال الأسد إلى الأبد ومعه عصاباته، وخضوعه إلى عدالة سوريا الحرة. وقتها لن ينفعه (كما الآن) تصفيق منظم ممنهج بائس يائس، طرب له في قاعة، لم تضم وطنياً سورياً واحداً .
واعتبر تيار التغيير الوطني السوري، أن سفاح سوريا يؤكد يوماً بعد يوم، أنه خارج الزمان والمكان، ويعيش وهم حكم يحلم باستمرار اغتصابه. ولم يع بعد أن البضائع الفاسدة التي يسوقها، لن تنشر سوى الأوبئة القاتلة في محيطه وفي دائرة عصاباته الإجرامية. إن خطابه، لم يكن سوى مجموعة من كلمات متعلثم لغوياً، وواهم سياسياً، وخائن وطنياً، ومجرم إنسانياً. وقد دخل التاريخ أصلاً، كمغتصب وحشي للحياة نفسها .
وكانت ردود الافعال الشعبية التى تاقلتها الفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن مدن سورية مثل مدينة حمص السورية ومدينة تلبيسة كلها اتفقت على ان الرئيس السورى بشار الاسد يخدع نفسة قبل شعبة والعام وقال احدهم فى تعقيبة على الخطاب ا ن هذا الرجل ساقط لا محالة وتسأل كيف يتوعد العصابات المجرمة وهم من يحمون الشعب الان ضدة وضد عصاباته وشبيحته ووجة تعجباً كيف يتحدث هكذا ونسي ان الجيش الحر مشتبك مع قواته الان فى دمشق العاصمة.واخرى من تلبيسة تقول انه رئيس فاشل لا يستحق العيش وعلية ان بتركا حتى نعيش اياماً بدلاً من هذة .
وفى معبر السلامة الحدودى مع تركيا كانت هناك ردود الافعال تحمل الكثير من المعانى والالفاظ حيث وصف النازحين الخطاب بأنه استكمال سيناريو الكذب الذى اعتدنا علية منذ عامين وان بشار الاسد لا يمثل احداً من شعبة ولا يمثل الا نفسة وسلطانة وقال احدهم ان الذى يمثلة هو الله وليس احداً اخر لا داخل سوريا ولا خارجها , وتم سبه وستمة بابشع الالفاظ من جانب المتظاهرين الذين خرجو فى تظاهرة تطالب رئيس الوزراء التركى رجب طيب اردوغان والشعب التركى بفتح المعبر ودخول النازحين المعلقين علية وتأمينهم منن بطش القوات والبرد القارس بعد اغلاقة .
وكانت ابرز ردود الافعال الشعبية بعد الخطاب التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الشبكات والمجموعات السورية التي اكتظت بمشاركات تسخر من كلمة الأسد. وآخرها كان شريطا يظهر الرئيس السوري بشار الأسد في لقطات من خطابه الأول بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظامه، لكن وبدلا من الكلام نسمع نباحاً، أما ردة فعل أعضاء مجلس الشعب السوري، البرلمان، فيأتي على شكل ثغاء خراف وتصفيق. وبعد إحدى وخمسين ثانية ينتهي شريط الفيديو وتظهر شعارات مثل "الشعب يريد إسقاط النظام ".
فيما ذكرتالجارديان فى مقال لها أن المعارضة السورية ترفض دعوات الحوار من الأسد بعد وصفه لهم بأنهم " دمى فى يد الغرب". ذكر الثوار ان الرئيس السورى لم يقدم اى تنازلات ذات معنى فى الخطاب العام الأول له منذ سبعة أشهر . فرفض الثوار مبادرته الاخيرة لانهاء العنف الذى استمر لمدة 21 شهرا ، مؤكدين على انه لم يقدم تنازلات ذات معنى و انه لابد ان يترك السلطة فى الحال .
ردود فعل القوى الإقليمية والدولية: تركيا
علق وزير الخارجية التركي "أحمد داوود أوغلو" على خطاب الأسد قائلا أنه لم يستوعب درساً من مطالب الشعوب في المنطقة، أو حتى مسؤوليته عن تدمير بلده على مدار سنتين .جاء ذلك فى معرض رده على أسئلة الصحافة، في المؤتمر الصحفي الذي عقده على هامش مؤتمر السفراء الخامس، المنعقد في مدينة إزمير التركية .
واضاف داوود أوغلو "إن الأسد لا يمكن له أن يقطع الطريق أمام المعارضة التي اعترف بها العالم، بعد مقتل 60 ألف شخص، وبعد هذا الدمار الكبير الذي لحق بالبلد " و أن التطورات على الأرض اختلفت بين ذلك الوقت والآن، مشيراً أنه في ذلك الوقت كان هناك من 3 إلى 5 آلاف قتيل، بينما وصل عدد القتلى الآن إلى 60 ألفاً.
قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو إن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد لم يقدم جديدا و كرر الاسد فيه وعودا فارغة و جوفاء و ان وعوده الآن لا تزيد عن ما ذكره مرارا و تكرارا ، و أكد ان الاسد لا يمتلك السلطة التمثيلية على الشعب السورى و كلماته فقدت القدرة على الاقناع و أن الفترة الانتقالية تحتاج ان تكتمل سريعا بالمحادثات مع ممثلى الامة السورية .
و دعى الامم المتحدة ان تتخذ موقفا واضحا بخصوص سوريا و ان ترسل رسالة الى الاسد بأن يتوقف عن منع توزيع المعونات . قال " اذا اصبح واضحا الآن ان الأسد لن يقوم بأى شىء جديد فان مجلس الامن التابعة للامم المتحدة لابد ان يتخذ موقفا بشأن الوضع فى سوريا.
ردود فعل القوى الإقليمية والدولية: إيران
رحبت ايران بالمبادرة التى طرحها الاسد فلم يكن الترحيب الايرانى بالخطاب مفاجئا اذا ما نظرنا الى التصريحات السابقة للخطاب خلال اجتماعات فيصل مقداد مع وزير الخارجية الايرانى و عدد آخر من المسئولين الايرانيين .
فقد أعرب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي الاثنين عن تأييد بلاده للخطة التي اقترحها الرئيس السوري بشار الأسد لحل النزاع في سوريا.
وقال الوزير في تصريح نشره موقع وزارته أن الجمهورية الإسلامية الايرانية تؤيد مبادرة الرئيس بشار الأسد لحل شامل للازمة السورية .وأكد صالحي أن مبادرة الأسد تتضمن حلول تؤكد على ضرورة انهاء العنف والتدخل الخارجي في بلاده وتقترح عملية سياسية شاملة تضمن حضور كل من يمتكل القوة بناء على الطابع الوطنى للدولة ، و هذه المبادرة تؤكد على العمل على وضع دستور جديد ، انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة .ودعى صالحي كافة الفاعلين السوريين و منظمات مجتمع مدنى و معارضة وطنية و قوى اقليمية ومجتمع دولي إلى "اغتنام الفرصة" التي تتيحها هذه الخطة "لإعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا وتجنب امتداد الأزمة إلى المنطقة".
و أكد صالحى ان مبادرة الأسد استلهمت من وثيقة الامم المتحدة و المحاور المتشابكة من الحلول الاقليمية و الدولية متضمنة الخطة ذات الست بنود التى قدمتها ايران لحل الأزمة السورية .
ردود الفعل الدولية: بريطانيا
فى اول رد فعل دولى اتهم وزير الخارجية البريطاني وليام هيج الرئيس السوري بشار الأسد بالرياء وقال إن دعوته في كلمة ألقاها اليوم الى مبادرة للسلام لإنهاء الصراع لن تخدع أحدا
وأضاف في رسالة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي أن خطاب الأسد اكثر من رياء و أن القتلى والعنف والقمع الذين يحاصرون سوريا من صنعه. كما ذكر أن الوعود الجوفاء بالإصلاح لن تخدع أحدا
ردود الفعل الدولية: الولايات المتحدة الأمريكية
هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية على موقع وزارة الخارجية الأمريكية خطاب الأسد بوصفه منفصلا عن الواقع و قد وصفت الولايات التحدة الأمريكية خطاب الرئيس السورى بشار الأسد بأنه خطاب وهمى . فقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية ان خارطة الطريق لانهاء الحرب الاهلية التى تجتاح سوريا منفصلة عن الواقع و انه لابد ان يتنحى .
قالت فيكتوريا نولاند المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية ان خطاب الأسد هو محاولة آخرى من النظام للتشبث بالسلطة و لا يقوم بأى شىء من أجل دفع حلم الشعب السورى تجاه التحول السياسى قدما .
كما ذكرت نولامد ان مقترح الأسد يقوض من عمل " الأخضر ابراهيمى " مبعوث الأمم المتحدة فى سوريا وسيقوم فقط بالسماح للنظام لادامة الطغيان الدموى ضد الشعب السورى، فقالت انه فى خلال سنتين، توحش نظام الأسد ضد شعبه، فالأسد فقد كل شرعيته و لابد ان يبتعد من أجل التمكين لحل سياسى و تحول ديمقراطى يلتقى مع تطلعات الشعب السورى وثورته التي تدخل عامها الثالث.
وهكذا يتأكد المسار الذي اختارته الثورة السورية لنفسها وأن الأسد لا يعرف لغة الحل السياسي، ولكن يعرف لغة القمع التي لا يجدي معها غير الرفض والإسقاط لنظام يرى معارضوه أنه فقد شرعيته.
-------------------------------------------
منقووووووول