اختيار الله لعباده خير من اختيارهم لأنفسهم
بقلم : أبو ياسر السوري
يظل اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختيار العبد لنفسه .. لأن العبد حين يختار يطغى عليه تأثير الواقع المشاهد ، على مآلات الأمور المستترة تحت سجف الغيب .. ولو كشف لنا الحجاب ، وعرفنا ما تنتهي إليه الأمور في المستقبل ، لآثرنا اختيار الله لنا في الأمور كلها ، على اختيارنا لأنفسنا ، لأن عاقبته خير وأبقى ...
ففي معركة بدر .. لم يكن في ظن الصحابة أنهم خارجون للقاء جيش عرمرم من قريش ، مزود بكل آلة الحرب ، وأسباب النصر في القتال ... وإنما خرجوا لقطع الطريق على قافلة قريش ، والاستيلاء على ما تحمله الجمال من بضائع قريش وأموالها ...
فشاء الله أن تفلت العير ، وتنجو القافلة ، ويقف الصحابة بعدها وجها لوجه أمام قريش ، التي جاءت إلى منطقة بدر تتحداهم بخيلائها ، وفرسانها ، وعتادها ، ورجالها..
وكانت رغبة النبي أن يناجز قريشا ، ولكنه لم يفعل حتى استشار أصحابة في الأمر .. فقال : أشيروا علي أيها الناس .؟؟ فتكلم أبو بكر .. وتكلم عمر .. وتكلم المقداد بن عمرو .. وكلهم من المهاجرين .. والنبي يريد أن يسمع رأي الأنصار .؟ فإنهم يوم بايعوه بيعة العقبة ، قالوا : تهاجر إلينا في المدينة ، ونحميك مما نحمي منه أهلنا وذرارينا .. وليس فيها أن ينصروه على قريش إذا خرج من المدينة ..؟
فلما أشار المهاجرون الواحد بعد الآخر ، وكرر النبي قوله : أشيروا علي أيها الناس .؟؟ قام سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان سيد الأنصار ، فقال : والله لكأنك تريدنا نحن معاشر الأنصار ، يا رسول الله .؟ قال صلى الله عليه وسلم : أجل . فقال سعد : لقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة . فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك . فَوَ الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر ، فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لَصُبُرٌ في الحرب ، صُدُقٌ في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك . فسِرْ بنا على بركة الله يا رسول الله فنحن معك ..
فسر النبي بمقالة سعد ، وقرر مناجزة العدو وقال لأصحابه : سيروا وأبشروا ، فقد وعدني الله إحدى الطائفتين أنها لكم ...
ثم كانت في صباح اليوم التالي معركة بدر . التي أذل الله فيها المشركين ، وأعز المؤمنين .. ونصرهم نصرا ليس له نظير . ومكن الله لهم في الأرض ، فقتل في هذه المعركة سبعون من صناديد قريش وعلى رأسهم فرعون هذه الأمة أبو جهل عمرو بن هشام ... يقول سيد قطب في ظلاله :
لقد أراد الله أن تكون هذه الواقعة فرقانا بين الحق والباطل ، وفرقانا في خط سير التاريخ الإسلامي ، ومن ثم فرقانا في خط سير التاريخ الإنساني .. وأراد أن يظهر فيها الآماد البعيدة بين تدبير البشر لأنفسهم ، فيما يحسبونه الخير لهم ، وتدبير رب البشر لهم ولو كرهوه في أول الأمر .
لقد كان المسلمون آنذاك يؤثرون الفوز بالقافلة ، على لقاء عدوهم .. فاختار الله لهم القتال على غنيمة المال .. وأرادها الله أن تكون ملحمة لا غنيمة .. وأراد الله لهذه العصبة المؤمنة أن يصبح لها بهذه المعركة قوة وسلطان .. وأن تعلم أن النصر ليس بكثرة العَدَد ، ولا بالتفوق بالعُدَد، وإنما النصر من عند الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ...
ولو تحقق اختيار الصحابة ، لما كان لهم من اختيارهم سوى غنيمة البضائع والمال .. وأين هذا من نصر كتبت به أنصع وأرفع وأسمى صفحات المجد في تاريخ المسلمين ... إن اختيار الله للمسلمين في بدر ، كان خيراً من اختيارهم لأنفسهم ..
وهذه الثورة المباركة ، التي يخوضها السوريون ضد الفساد والاستبداد من قريب السنتين ،،، هذه الثورة التي وقع فيها على السوريين أقسى معاناة ، وأسوأ ضنك وضيق ... لو كان خير السوريون فيها لاختاروا النصر العاجل ، ولآثروا عدم إبطاء النصر عليهم كل هذه الشهور .. ولكأني بكثير منهم كان يتمنى لو نجحت الثورة بالقليل من الشهداء ، واليسير من الدماء والأشلاء .؟؟
ولو كشف الحجاب لرأينا الخير والبركة في اختيار الله لنا .. فإن هذه الأرواح التي ارتقت إلى باريها ، ستكون اللبنات التي سيبنى بها لسوريا مجد يفوق كل الأمجاد .. لأن تضحياتهم فاقت كل التضحيات .. ولو لم يتأخر علينا النصر لما انكشف لنا المزاودون والمنافقون والمتسلقون .. ولو لم يتأخر النصر لما كشفنا تخاذل المجتمع الدولي ، وتواطؤه مع القاتل . ولو لم يتأخر النصر لما افتضحت كذبة الممانعة والمقاومة ..
وعلى مستوى الفرد أذكر لكم حاثة تتعلق بشاب من داريا اسمه محمد قريطم .. اختار رحمه الله أن يعرض نفسه للاعتقال والسجن والتعذيب .. ليدفع من عذاباته ثمنا لحرية الآخرين .. فاختار الله له الشهادة ليعوضه عما فاته من الدنيا بجنة عرضها السماوات والأرض .. واختار الله له الشهادة ، ليموت من غير شعور بألم الموت ، فأنقذه مما كان ينتظره من عذاب على أيدي أولئك المجرمين ..
جاء في سنن ابن ماجة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يجد الشهيد من القتل ،إلا كما يجد أحدكم مس القرصة ) .
ألا فلنرض بما اختاره الها لنا من تأخر النصر علينا في هذه الثورة المجيدة ، لأن الجزاء على مقدار البذل والعطاء . واختيار اله أكثر بركة من اختيارنا .
بقلم : أبو ياسر السوري
يظل اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختيار العبد لنفسه .. لأن العبد حين يختار يطغى عليه تأثير الواقع المشاهد ، على مآلات الأمور المستترة تحت سجف الغيب .. ولو كشف لنا الحجاب ، وعرفنا ما تنتهي إليه الأمور في المستقبل ، لآثرنا اختيار الله لنا في الأمور كلها ، على اختيارنا لأنفسنا ، لأن عاقبته خير وأبقى ...
ففي معركة بدر .. لم يكن في ظن الصحابة أنهم خارجون للقاء جيش عرمرم من قريش ، مزود بكل آلة الحرب ، وأسباب النصر في القتال ... وإنما خرجوا لقطع الطريق على قافلة قريش ، والاستيلاء على ما تحمله الجمال من بضائع قريش وأموالها ...
فشاء الله أن تفلت العير ، وتنجو القافلة ، ويقف الصحابة بعدها وجها لوجه أمام قريش ، التي جاءت إلى منطقة بدر تتحداهم بخيلائها ، وفرسانها ، وعتادها ، ورجالها..
وكانت رغبة النبي أن يناجز قريشا ، ولكنه لم يفعل حتى استشار أصحابة في الأمر .. فقال : أشيروا علي أيها الناس .؟؟ فتكلم أبو بكر .. وتكلم عمر .. وتكلم المقداد بن عمرو .. وكلهم من المهاجرين .. والنبي يريد أن يسمع رأي الأنصار .؟ فإنهم يوم بايعوه بيعة العقبة ، قالوا : تهاجر إلينا في المدينة ، ونحميك مما نحمي منه أهلنا وذرارينا .. وليس فيها أن ينصروه على قريش إذا خرج من المدينة ..؟
فلما أشار المهاجرون الواحد بعد الآخر ، وكرر النبي قوله : أشيروا علي أيها الناس .؟؟ قام سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان سيد الأنصار ، فقال : والله لكأنك تريدنا نحن معاشر الأنصار ، يا رسول الله .؟ قال صلى الله عليه وسلم : أجل . فقال سعد : لقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة . فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك . فَوَ الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر ، فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لَصُبُرٌ في الحرب ، صُدُقٌ في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك . فسِرْ بنا على بركة الله يا رسول الله فنحن معك ..
فسر النبي بمقالة سعد ، وقرر مناجزة العدو وقال لأصحابه : سيروا وأبشروا ، فقد وعدني الله إحدى الطائفتين أنها لكم ...
ثم كانت في صباح اليوم التالي معركة بدر . التي أذل الله فيها المشركين ، وأعز المؤمنين .. ونصرهم نصرا ليس له نظير . ومكن الله لهم في الأرض ، فقتل في هذه المعركة سبعون من صناديد قريش وعلى رأسهم فرعون هذه الأمة أبو جهل عمرو بن هشام ... يقول سيد قطب في ظلاله :
لقد أراد الله أن تكون هذه الواقعة فرقانا بين الحق والباطل ، وفرقانا في خط سير التاريخ الإسلامي ، ومن ثم فرقانا في خط سير التاريخ الإنساني .. وأراد أن يظهر فيها الآماد البعيدة بين تدبير البشر لأنفسهم ، فيما يحسبونه الخير لهم ، وتدبير رب البشر لهم ولو كرهوه في أول الأمر .
لقد كان المسلمون آنذاك يؤثرون الفوز بالقافلة ، على لقاء عدوهم .. فاختار الله لهم القتال على غنيمة المال .. وأرادها الله أن تكون ملحمة لا غنيمة .. وأراد الله لهذه العصبة المؤمنة أن يصبح لها بهذه المعركة قوة وسلطان .. وأن تعلم أن النصر ليس بكثرة العَدَد ، ولا بالتفوق بالعُدَد، وإنما النصر من عند الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ...
ولو تحقق اختيار الصحابة ، لما كان لهم من اختيارهم سوى غنيمة البضائع والمال .. وأين هذا من نصر كتبت به أنصع وأرفع وأسمى صفحات المجد في تاريخ المسلمين ... إن اختيار الله للمسلمين في بدر ، كان خيراً من اختيارهم لأنفسهم ..
وهذه الثورة المباركة ، التي يخوضها السوريون ضد الفساد والاستبداد من قريب السنتين ،،، هذه الثورة التي وقع فيها على السوريين أقسى معاناة ، وأسوأ ضنك وضيق ... لو كان خير السوريون فيها لاختاروا النصر العاجل ، ولآثروا عدم إبطاء النصر عليهم كل هذه الشهور .. ولكأني بكثير منهم كان يتمنى لو نجحت الثورة بالقليل من الشهداء ، واليسير من الدماء والأشلاء .؟؟
ولو كشف الحجاب لرأينا الخير والبركة في اختيار الله لنا .. فإن هذه الأرواح التي ارتقت إلى باريها ، ستكون اللبنات التي سيبنى بها لسوريا مجد يفوق كل الأمجاد .. لأن تضحياتهم فاقت كل التضحيات .. ولو لم يتأخر علينا النصر لما انكشف لنا المزاودون والمنافقون والمتسلقون .. ولو لم يتأخر النصر لما كشفنا تخاذل المجتمع الدولي ، وتواطؤه مع القاتل . ولو لم يتأخر النصر لما افتضحت كذبة الممانعة والمقاومة ..
وعلى مستوى الفرد أذكر لكم حاثة تتعلق بشاب من داريا اسمه محمد قريطم .. اختار رحمه الله أن يعرض نفسه للاعتقال والسجن والتعذيب .. ليدفع من عذاباته ثمنا لحرية الآخرين .. فاختار الله له الشهادة ليعوضه عما فاته من الدنيا بجنة عرضها السماوات والأرض .. واختار الله له الشهادة ، ليموت من غير شعور بألم الموت ، فأنقذه مما كان ينتظره من عذاب على أيدي أولئك المجرمين ..
جاء في سنن ابن ماجة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يجد الشهيد من القتل ،إلا كما يجد أحدكم مس القرصة ) .
ألا فلنرض بما اختاره الها لنا من تأخر النصر علينا في هذه الثورة المجيدة ، لأن الجزاء على مقدار البذل والعطاء . واختيار اله أكثر بركة من اختيارنا .
