زرت دولة الضاحية الجنوبية ورأيت جدارها الحديدي :
بقلم : ابو ياسر السوري
أوردت الأخت " الثائرة مدى " سؤالا أثير في بعض الحوارات يقول : ( متى ينهار جدار الضاحية – بيروت .؟) فكان الجواب ( بأنه سينهار بانهيار صانعه إيران . على غرار انهيار جدار برلين بانهيار الاتحاد السوفييتي .. ) .
انظر الرابط : http://www.syria2011.net/t45474-topic
ولعل هذا السؤال هو من أجمل ما قرأتُ منذ أمدٍ طويل .!! لأنه يمس قضية حساسة في عالمنا العربي .. ولعل الجواب عليه هو أيضا من أعجب الأجوبة ..!! ولعل تفسير هذا الإحساس العجيب مني بوقع السؤال وجوابه ، يرجع إلى واقعة خاصة ، تتعلق بزيارتي للضاحية في وقت مضى ...
فقبل قيام الثورة السورية ببضعة شهور ، سافرت إلى بيروت لغرض ضروري ، ودعتني حاجة إلى الذهاب للضاحية الجنوبية ، فأخذت سيارة أوصلتني إلى جسر هناك ، ثم توقفت عنده . وطلب مني السائق أن أنزل . قلت هل وصلنا الضاحية ؟ قال : لا . وعليك أن تأخذ سيارة من سيارات الضاحية ، وتكمل مسيرك إليها .. قلت ولماذا لا تكمل مسيرك معي ؟ قال : غير مسموح لغير سيارات الضاحية بدخولها .. وبينما كنت أحاور السائق ، فوجئت بحاجز أمني يطوق السيارة من كل جانب ، وبأيديهم بنادق الكلاشينكوف ، وسرعان ما امتدت أيديهم إلى جيوب السيارة من داخلها ، وطلب أحدهم من السائق أن يفتح له الباكاج ، وجرى تفتيش السيارة ، وفتحت حقيبة سفري ، وطلب مني إثبات شخصيتي .؟ ولما تبين لهم أني سوري ، فتشوني تفتيشا دقيقاً ، ثم طلبوا مني أن أحدد الغرض من توجهي إلى الضاحية .؟
كان هذا كله يجري وأنا في دهشة كبرى مما يجري ..! لقد كان موقفا غريبا بالنسبة لي . لماذا هذا الحاجز الأمني .؟ ولماذا هذا المنع لغير سيارات الضاحية من دخول الضاحية .؟ ولماذا هذا السور الحديدي الأمني ، الذي يعزل الضاحية عزلا كاملا عن بيروت .؟ ولماذا التفتيش الدقيق والمطالبة بإثبات الشخصية قبل دخول الضاحية .؟
لقد خيل إلي آنذاك أني أنتقل من دولة إلى دولة .. أقصد من دولة عربية إلى أخرى .. لأن الانتقال ما بين الدول الأوربية لا يخضع لمثل هذه الإجراءات .. حتى إنه متى دخلت إحدى دول الاتحاد الأوربي ، كان بإمكانك التنقل ما بين دوله كلها دون أن يوقفك أحد ، وقد تخرج من دولة إلى أخرى دون أن تشعر بأنك خرجت .
ودخلتُ منطقة الضاحية ، وفوجئتُ بصور حسن نصر الله مرفوعة على كل ناصية ، وإلى جوارها صورة للخميني ، وصورة لآية الله اللبناني حسين فضل الله ، وكان يومها ما زال على قيد الحياة ، ثم توفاه الله وأنا في لبنان .. كان منظر هذه الصور المرفوعة هنا وهناك ، يذكرني بصور بشار الأسد وصور والده وأخيه باسل في سوريا .. وبحركة من تداعي الأفكار لدي ، وقياس الأشباه بالنظائر ، عرفت أني في منطقة تسمى ( دولة الضاحية المقاومة ) . كما عرفت أيضا سر وضع صورة حسن وبشار على سيارات الشبيحة في سوريا .. فتلك خاصية من خواص دول الصمود والتصدي ، وعلامة على المقاومة والممانعة .. التي يفرض على الشعوب فيها أن تتعلق بالقائد الرمز .. والقائد البطل .. والزعيم الإله .. الذي يجب أن يكون محل تقديس الجماهير ، وطاعتهم له طاعة عمياء ، كما يجب أن يذكر فلا ينسى ، وحاضرا لا يغيب .. ولذلك تنشر صوره وتماثيله على نواصي الأحياء ، وفي مفترقات الطرق ، وعلى أبواب الدوائر الحكومية ، وفي مداخل الجامعات والنوادي والحدائق العامة ، ومنافذ الحدود ، وفي كل ركن وزاوية في طول البلاد وعرضها ...
مر على هذه الزيارة التاريخية أكثر من عامين وشهور .. فلما قرأت هذا السؤال " متى ينهار جدار الضاحية .؟ " وقرأت جوابه ، تخيلت كأني عدت مرة واحدة إلى الوراء ، لأعيش تلك اللحظات الغريبة ، عند ذلك الجسر ، على بوابة الطريق المؤدي إلى ( دولة الضاحية الجنوبية ) في بيروت .. وتخيلت سور الضاحية ، الذي يفصلها عن أمها بيروت .. وتصورت سور برلين ، الذي كان يفصل جسد برلين إلى شطرين .. وتصورت يوم سقوط سور برلين عام 1989 ، وكيف كان المواطنون الألمان من الجانبين ، يعملون على هدمه ، ويحفرونه بمعاولهم ، وأيديهم .. حتى انهار ذلك السور البغيض أخيرا ، وعادت برلين إلى برلين ، والتقى الأهل بالأهل ، والجيران بالجيران ، والأصدقاء بالأصدقاء ، بعد فراق استمر أربعة عقود ...
واللافت للنظر حقا ، أنه تزامن انهيار سور برلين ببدايات انهار الاتحاد السوفييتي ، وسرَّعَ انهيارُه في عملية تفكك هذا الكيان الاستبدادي ، وشرعتْ دولُه بالاستقلال المتسارع عن روسيا ، والخروج من داخل سورها الحديدي ، إلى فضاء الحرية والكرامة في الحياة ...
فهل جاء الربيع العربي ليسقط أسوار الفرقة والتشرذم بين الدول العربية .؟ وترجع الأمة العربية أمة واحدة ، ويعود أبناؤها إلى فضاء الحرية والكرامة من جديد .؟ وهل جاء الربيع العربي ليطيح بدكتاتورية زعيم الضاحية ، وتعود ( دولة الضاحية ) المعزولة عن بيروت إلى أمها بيروت .؟ وهل آن أوانُ سقوط (إيران) ليسقط بسقوطها كل الفساد في الأرض .!؟ إن كل البوادر التي يحملها الربيع العربي تقول : نعم إن ذلك كله سيكون .. ولسوف يعود كل زعيم إلى حجمه الطبيعي في المنطقة العربية كلها .
بقلم : ابو ياسر السوري
أوردت الأخت " الثائرة مدى " سؤالا أثير في بعض الحوارات يقول : ( متى ينهار جدار الضاحية – بيروت .؟) فكان الجواب ( بأنه سينهار بانهيار صانعه إيران . على غرار انهيار جدار برلين بانهيار الاتحاد السوفييتي .. ) .
انظر الرابط : http://www.syria2011.net/t45474-topic
ولعل هذا السؤال هو من أجمل ما قرأتُ منذ أمدٍ طويل .!! لأنه يمس قضية حساسة في عالمنا العربي .. ولعل الجواب عليه هو أيضا من أعجب الأجوبة ..!! ولعل تفسير هذا الإحساس العجيب مني بوقع السؤال وجوابه ، يرجع إلى واقعة خاصة ، تتعلق بزيارتي للضاحية في وقت مضى ...
فقبل قيام الثورة السورية ببضعة شهور ، سافرت إلى بيروت لغرض ضروري ، ودعتني حاجة إلى الذهاب للضاحية الجنوبية ، فأخذت سيارة أوصلتني إلى جسر هناك ، ثم توقفت عنده . وطلب مني السائق أن أنزل . قلت هل وصلنا الضاحية ؟ قال : لا . وعليك أن تأخذ سيارة من سيارات الضاحية ، وتكمل مسيرك إليها .. قلت ولماذا لا تكمل مسيرك معي ؟ قال : غير مسموح لغير سيارات الضاحية بدخولها .. وبينما كنت أحاور السائق ، فوجئت بحاجز أمني يطوق السيارة من كل جانب ، وبأيديهم بنادق الكلاشينكوف ، وسرعان ما امتدت أيديهم إلى جيوب السيارة من داخلها ، وطلب أحدهم من السائق أن يفتح له الباكاج ، وجرى تفتيش السيارة ، وفتحت حقيبة سفري ، وطلب مني إثبات شخصيتي .؟ ولما تبين لهم أني سوري ، فتشوني تفتيشا دقيقاً ، ثم طلبوا مني أن أحدد الغرض من توجهي إلى الضاحية .؟
كان هذا كله يجري وأنا في دهشة كبرى مما يجري ..! لقد كان موقفا غريبا بالنسبة لي . لماذا هذا الحاجز الأمني .؟ ولماذا هذا المنع لغير سيارات الضاحية من دخول الضاحية .؟ ولماذا هذا السور الحديدي الأمني ، الذي يعزل الضاحية عزلا كاملا عن بيروت .؟ ولماذا التفتيش الدقيق والمطالبة بإثبات الشخصية قبل دخول الضاحية .؟
لقد خيل إلي آنذاك أني أنتقل من دولة إلى دولة .. أقصد من دولة عربية إلى أخرى .. لأن الانتقال ما بين الدول الأوربية لا يخضع لمثل هذه الإجراءات .. حتى إنه متى دخلت إحدى دول الاتحاد الأوربي ، كان بإمكانك التنقل ما بين دوله كلها دون أن يوقفك أحد ، وقد تخرج من دولة إلى أخرى دون أن تشعر بأنك خرجت .
ودخلتُ منطقة الضاحية ، وفوجئتُ بصور حسن نصر الله مرفوعة على كل ناصية ، وإلى جوارها صورة للخميني ، وصورة لآية الله اللبناني حسين فضل الله ، وكان يومها ما زال على قيد الحياة ، ثم توفاه الله وأنا في لبنان .. كان منظر هذه الصور المرفوعة هنا وهناك ، يذكرني بصور بشار الأسد وصور والده وأخيه باسل في سوريا .. وبحركة من تداعي الأفكار لدي ، وقياس الأشباه بالنظائر ، عرفت أني في منطقة تسمى ( دولة الضاحية المقاومة ) . كما عرفت أيضا سر وضع صورة حسن وبشار على سيارات الشبيحة في سوريا .. فتلك خاصية من خواص دول الصمود والتصدي ، وعلامة على المقاومة والممانعة .. التي يفرض على الشعوب فيها أن تتعلق بالقائد الرمز .. والقائد البطل .. والزعيم الإله .. الذي يجب أن يكون محل تقديس الجماهير ، وطاعتهم له طاعة عمياء ، كما يجب أن يذكر فلا ينسى ، وحاضرا لا يغيب .. ولذلك تنشر صوره وتماثيله على نواصي الأحياء ، وفي مفترقات الطرق ، وعلى أبواب الدوائر الحكومية ، وفي مداخل الجامعات والنوادي والحدائق العامة ، ومنافذ الحدود ، وفي كل ركن وزاوية في طول البلاد وعرضها ...
مر على هذه الزيارة التاريخية أكثر من عامين وشهور .. فلما قرأت هذا السؤال " متى ينهار جدار الضاحية .؟ " وقرأت جوابه ، تخيلت كأني عدت مرة واحدة إلى الوراء ، لأعيش تلك اللحظات الغريبة ، عند ذلك الجسر ، على بوابة الطريق المؤدي إلى ( دولة الضاحية الجنوبية ) في بيروت .. وتخيلت سور الضاحية ، الذي يفصلها عن أمها بيروت .. وتصورت سور برلين ، الذي كان يفصل جسد برلين إلى شطرين .. وتصورت يوم سقوط سور برلين عام 1989 ، وكيف كان المواطنون الألمان من الجانبين ، يعملون على هدمه ، ويحفرونه بمعاولهم ، وأيديهم .. حتى انهار ذلك السور البغيض أخيرا ، وعادت برلين إلى برلين ، والتقى الأهل بالأهل ، والجيران بالجيران ، والأصدقاء بالأصدقاء ، بعد فراق استمر أربعة عقود ...
واللافت للنظر حقا ، أنه تزامن انهيار سور برلين ببدايات انهار الاتحاد السوفييتي ، وسرَّعَ انهيارُه في عملية تفكك هذا الكيان الاستبدادي ، وشرعتْ دولُه بالاستقلال المتسارع عن روسيا ، والخروج من داخل سورها الحديدي ، إلى فضاء الحرية والكرامة في الحياة ...
فهل جاء الربيع العربي ليسقط أسوار الفرقة والتشرذم بين الدول العربية .؟ وترجع الأمة العربية أمة واحدة ، ويعود أبناؤها إلى فضاء الحرية والكرامة من جديد .؟ وهل جاء الربيع العربي ليطيح بدكتاتورية زعيم الضاحية ، وتعود ( دولة الضاحية ) المعزولة عن بيروت إلى أمها بيروت .؟ وهل آن أوانُ سقوط (إيران) ليسقط بسقوطها كل الفساد في الأرض .!؟ إن كل البوادر التي يحملها الربيع العربي تقول : نعم إن ذلك كله سيكون .. ولسوف يعود كل زعيم إلى حجمه الطبيعي في المنطقة العربية كلها .