أسرار حول نتائج الحرب المشؤومة على غزة :
بقلم : أبو ياسر السوري
لقد ترددتُ طويلا قبل أن أكتب هذا المقالة ، لأن فلسطين هي قضية كل عربي ومسلم ، وقد استطاعت الزعامات العربية أن تتخذ منها سلما لبناء أمجادها ، وطريقا للوصول إلى كراسيها ، فكل منهم يتظاهر بتبني هذه القضية ، وكل منهم ينادي " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " ولا قضية تقدم على تحرير فلسطين .. وكم ذا طغى الحكام العرب وبغوا باسم فلسطين ، وكم سرقوا شعوبهم وأفقروهم باسم تحرير فلسطين . وكم زجت الآلاف في السجون من أجل فلسطين . ففي سوريا فرع خاص باسم فلسطين ، هو أسوأ الفروع الأمنية سمعة لدى المواطنين ... ونحن نعلم أن الشعب الفلسطيني ضحية تمزقها سكاكين الزعامات العربية ، قبل أن تمزقها صواريخ إسرائيل ...
ومنذ يومين كتبتُ مقالا بعنوان ( الحرب في غزة الآن ، ما أريد بها وجه الله ) وكنت أرى أن إسرائيل افتعلت هذه الحرب لصرف أنظار الرأي العام العربي والعالمي عما يقع في سوريا من جرائم بشار الأسد ضد الشعب السوري .. وكنت وما زلت أرى أن الاستجابة لهذه الرغبة الإسرائيلية في نشوب معركة غزة الآن ، ما أريد به وجه الله . ولا مصلحة فيها للفلسطينيين ولا للسوريين ولا للعرب قاطبة ... لأن مثل هذه الحرب في هذا التوقيت لا تخدم إلا الأسد وإسرائيل وإيران وحزب الشيطان وروسيا ... لهذا كنت أتمنى لو كان هنالك موقف عربي فاعل لمنع إسرائيل من إشعال فتيل الحرب على غزة .. والحيلولة دون سقوط صاروخ واحد عليها .. وكان يمكن أن تعلن مصر عن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد ، وتعلن الأردن عن إلغاء اتفاقية السلام بينها وبين اليهود .. وتعلن دول الخليج عن استعدادها لمد حماس بالسلاح والعتاد للدفاع عن نفسها في وجه العدوان الإسرائيلي المتكرر ، لسبب ودون سبب ... كنت أتمنى أن تتحرك هذه الزعامات الوهمية مرة واحدة بشكل مشرف ، وأن لا تنظر لإسرائيل وأمريكا على أنهما بعبع مخيف ، يخشون غضبهما أكثر مما يخشون الله ... ولكن الذي حصل ، أننا كالعادة نتعامل مع الأحداث دوما بردود أفعال ، فتحركنا إسرائيل إلى ما تريد متى تريد ...
بدأت إسرائيل بالاعتداء على غزة ، فردت غزة بالصواريخ ، فكثفت إسرائيل القصف بالطيران ، وقتلت القائد الجعبري رحمه الله .. ثم انفجر الموقف ، وكانت هذه الحرب الفاجرة ، التي ذهب ضحيتها أكثر من 160 شهيدا من غزة .. وجرح أكثر من ألف فلسطيني ، وهدمت عشرات المباني السكنية ، وعدد من الدوائر الحكومية ، منها مبنى مجلس الوزراء ، ومبنى وزارة المعارف في غزة .
واليوم تم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين الطرفين .. وكل طرف يزعم أنه حقق انتصارا على الآخر .. ولو قمنا بدراسةٍ واقعيةٍ ، لنتائج هذه الحرب التي افتعلتها إسرائيل ، لوقفنا على النتائج التالية :
بالنسبة لغزة :
1 - أطلقت عددا من الصواريخ على إسرائيل ، فاعترضتها الصواريخ الإسرائيلية المسماة بالقبة الفولاذية ، ففجرت نصفها في الجو ، وسقط نصفها الآخر في إسرائيل . ولأول مرة تطلق صفارات الإنذار في المدن الإسرائيلية منذ عام 1991 يوم أطلق صدام صواريخه على تل أبيب، ولأول مرة منذ 21 سنة يلوذ اليهود إلى الملاجئ حذرا من صواريخ المقاومة الفلسطينية .. وهذا موقف يسجل للمقاومة الباسلة . ولعله كان مفاجأة لإسرائيل ، فقد تعودت أن تلقي بحممها متى أرادت دون حساب ولا عقاب .. فقالت لها صواريخ حماس : لقد تغير الحال هذه المرة ، ولن يمر عدوان إسرائيلي بعد اليوم بدون تكاليف ...
2 – لقيت حماس دعما عربيا مختلفا عما كان عليه الحال في الماضي ، فقد أعقب الاعتداء الإسرائيلي على غزة ، حضور مصري لافت ، فصرح مرسي أنه لا يسمح بضرب غزة كما كان يحدث في الماضي ، ثم طرد السفير الإسرائيلي احتجاجا على هذا العدوان . ثم أرسل رئيس وزرائه قنديل إلى غزة ، مشيرا بذلك إلى مزيد من الاهتمام المصري بشأن غزة .. وكذلك تداعى وزراء الخارجية العرب للبحث في العدوان الإسرائيلي على غزة ، وارتفعت أصوات بعض المزاودين منهم مطالبة بإيقاف العدوان الإسرائيلي ، ورفع شكوى إلى مجلس الأمن بهذا الخصوص ، وهذا موقف عربي مختلف عما كانت عليه الشأن قبل ثورات الربيع العربي .. وكان هذا الموقف العربي المساند في ظاهره موقفاً لصالح غزة أيضا . أما في حقيقته ، فلا يختلف عن مواقف الزعامات العربية من القضية الفلسطينية منذ ستين سنة وحتى الآن ... فقد خرجوا ببيان شجب وإدانة ، وآمين ، فرغ الدعاء .
بالنسبة لإسرائيل :
1 – على الرغم من سقوط صواريخ المقاومة في العمق الإسرائيلي ، وإدخالها الرعب إلى قلوب اليهود ، وإجبارهم على المبيت في الملاجئ خوفا منها .. على الرغم من هذا وذاك ، فقد استطاعت إسرائيل أن تتخذ من إطلاق هذه الصواريخ ورقة لصالحها ولصالح بشار الأسد معا .. فرفعت عقيرتها بالشكوى من كون القبة الفولاذية ليست مضمونة الجدوى مائة في المائة ، وزعمت أن صواريخ حماس قد استطاعت أن تخترقها ، فسقط ما يقارب من نصفها بالقرب من تل أبيب ، وأسدود ، وبئر السبع وغيرها من المواقع في العمق الإسرائيلي .. وقد تسببت بمقتل أربعة إسرائيليين ، منهم عسكري واحد . وألمحت إسرائيل إلى أن سقوط واحد منها على مركز ديمومة النووي يمكن أن يشكل خطرا بالغا على أمن إسرائيل والمنطقة بأسرها ..
ولهذا طالبت إسرائيل من الدول الغربية عدم تسليح المقاومة السورية ، بدعوى أنها متعاطفة مع حماس ، وأن إعطاء المعارضة السورية أسلحة مما يزيد المخاطر على إسرائيل .. والملاحظ أن هذا التخوف الإسرائيلي المصطنع من الثورة السورية ، وإصرارها على عدم تمكينها من السلاح ، إنما هو من أجل عيون عميلها وابن عميلها بشار الأسد .. وهكذا تكون المحصلة من هذه الحرب هي : الإساءة إلى الثورة السورية ، وخدمة للعصابة الأسدية ، لأنه ثبت فعلا بأن رامي مخلوف كان صادقا حين صرح : بأن أمن إسرائيل هو من أمن النظام السوري ، وأن أي خطر على أحدهما هو خطر على الآخر . وهذا يعني أن حماس متضررة كذلك بصورة غير مباشرة من هذه الحرب ، فإن مضاعفة المأساة على السوريين ، واشتداد الوطأة عليهم ، مما ينبغي أن يتألم له إخوانهم من أهل غزة ، فالعدو يربط بيننا وبينهم في الحساب ، ويطالب بعدم تسليح المعارضة السورية ، لأنها في نظره متعاطفة مع المقاومة الفلسطينية ، بل إن سوريا وغزة في نظر إسرائيل كيان واحد وعدو مشترك ..
وسواء أكانت الصواريخ الغزاوية مما استعصى على القبة الفولاذية حقاً ، أم كانت إسرائيل قد تعمدت عدم اعتراض بعضها لتسقط قرب المدن الإسرائيلية ، فإن إسرائيل قد استغلت إطلاق هذه الصواريخ لصالحها ، وتذرعت بها إلى مطالبة أمريكا بالمزيد من الصواريخ النوعية المضادة لصواريخ حماس وغير حماس ، عند تعرضها لأي هجوم صاروخي معادٍ لها في المستقبل . وإسرائيل كما علمنا بارعة في استغلال كل موقف لصالحها ، والنفاذ من خلاله لابتزاز أمريكا ، وطلب المزيد من المال والسلاح ...
2 – إن بنيامين نتنياهو استطاع بهذه الحرب أن يبرهن للإسرائيليين أنه قادر على ضرب الفلسطينيين في غزة وغيرها متى شاء ، وأن وجوده كرئيس للوزراء في إسرائيل ، يعطي اليهود ضمانة وأمنا ليس لهما نظير لدى أي رئيس وزراء إسرائيلي آخر .. وهذه هي الرسالة التي كان يريد نتنياهو إيصالها لليهود بهذه الحرب على غزة .
3 – ثم إن إسرائيل استطاعت بهذه الحرب تقديم خدمة كبيرة لنظام بشار الأسد ، فصرفت بها أنظار الإعلام العربي والعالمي عن جرائم الأسد ، وأتاحت له فرصة إضافية لقتل المزيد من الشعب السوري ، وارتكاب المزيد من الخراب والدمار والقتل والإبادة في سوريا .. حتى إن قنوات الإعلام كالجزيرة والعربية وفرانس 24 وغيرها من القنوات العالمية المشهورة ، قد صرفت النظر عن الشأن السوري ، وسلطت كل الأضواء على ما يجري في غزة .. مع أنه حين كان يقتل في غزة 14 شهيدا ، كان يستشهد في سوريا عشرة أضعافهم ، وتنفذ فيها عشرات المجازر ، دون أن يلتفت إليها الإعلام العربي أو العالمي ... وأنا هنا لا أعني بأنه كان ينبغي أن يهمل الإعلام ما يقع على غزة من عدوان ، معاذ الله ، فالدم الفلسطيني والسوري واحد ، والخسارة مشتركة . ولكننا حين نفصل سوريا عن غزة ، نربح هنا قليلا ، لنخسر هناك أضعاف أضعاف ما ربحناه من غير أن ندري ..
وهذا الذي جرى على الأرض أثناء هذه الحرب ، يعني : أن إسرائيل قد ربحت من هجومها على غزة أكثر مما خسرت بكثير ... كما يعني أنها خدمت حليفها الأسد خدمات جلى سوف يدين لها بالشكر ما دام على قيد الحياة . ومن وجهة نظري ، إن خدمة الأسد أكبر خسارة للقضية الفلسطينية .
وأما بالنسبة لإيران :
فقد خدمتها هذه الحرب أيضا ، فزعم حسن نصر الشيطان أن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية هي من صناعة إيران ، وأن إيران هي راعية المقاومة ، وهي التي تقوم بدعمها ، وليس الدول العربية .. وقد سوق لهذا الزعم عدد من الكتاب في صحيفة الشرق الأوسط ، منهم الكاتب الرميحي في مقال له بعنوان : ( صواريخ إيران مع أم ضد العرب ) . مع أن مسؤولا عسكريا كبيرا في حماس أنكر بشدة أن تكون إيران هي صانعة هذه الصواريخ ، وصرح بأنها صواريخ حمساوية مائة بالمائة .. ولكن بعض القادة الفلسطينيين المتشيعين الجدد ، وعلى رأسهم خالد مشعل أبوا إلا أن يعترفوا بأن كثيرا من هذه الصواريخ إيراني الصنع ، فأصر مشعل على أن يتقدم بوافر الشكر والامتنان لولية نعمته إيران ، زاعما أن إيران هي التي كانت أمدت المقاومة بهذه الصواريخ .. ولكن قادة فلسطينيين آخرين ، تجاوزوا ما قاله مشعل ، فأصروا على أن تسليح المقاومة الفلسطينية ، من الطلقة إلى الصاروخ هو من إيران .. فيا للعار على كل عربي أو مسلم يرضى أن يركع لمجوس إيران ، ويتعامى عن عدائهم للعرب والمسلمين .!!؟؟
وفي ظني أن مشعل لم يكن وحده الذي حاول تلميع إيران بسبب هذه الصواريخ ، وإنما شكرتها معه إسرائيل أيضا .. لأنها تمكنت جراء إطلاقها من مطالبة أمريكا بمزيد من السلاح الصاروخي النوعي كما علمنا قبل قليل .. وبالنسبة لي ، فإنني واثق بأنه إن صح أن هذه الصواريخ إيرانية الصنع – وهو غير صحيح - فإن إيران قبل أن تسلمها لحماس ، لا بد أن تقوم بإعطاء إسرائيل معلومات مفصلة عنها ، وعن مداها وعن فاعليتها ، وخطورتها ، إلى آخر ما هنالك من معلومات تخدم إسرائيل ، وتفوت على المقاومة الفلسطينية عنصر المفاجأة بها ..
وأخيرا يا سادة :
فهذا السرد المنطقي والواقعي لمجريات الأحداث ، يجعلنا نشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي أشعلت نار هذه الحرب ، والمقاومة الفلسطينية التي وقعت في مصيدتها ، ومصر والمزاودين من زعماء الأمة العربية ، الذين طنطنوا بالتوصل إلى هدنة بين الطرفين .. لقد امتدح خالد مشعل المخابرات المصرية ، التي كانت إلى عهد قريب تلغ في دماء الإخوة المصريين أثناء أحداث الربيع العربي أيام مبارك ، خصوصا وأن هذا الجهاز اللعين في مصر لم يفكك هناك حتى الآن ، وأن كثيرا من العاملين فيه هم إسرائيليو الهوى .. ومع ذلك فلست أدري لماذا يصر الملا مشعل على امتداح هذا الجهاز المخابراتي الفاسد ، ولو كان مشعل شاعرا لصاغ في مديحه معلقة كمعلقة امرئ القيس .. وكما رأينا قبل قليل فإن خالد مشعل لم يكتف بامتداح المخابرات المصرية ، وتثمين جهودها في الحصول على الهدنة ووقف الاجتياح البري، الذي كانت إسرائيل تنوي القيام به ، وإنما ثنى بالمديح على إيران ، واعترف بفضلها على المقاومة ، وكأنه تعمد بهذا أن يلمع إيران في هذه المناسبة ، حتى ولو كان هذا التلميع على حساب الدم الفلسطيني الذكي .
فماذا أقول يا سادة ؟ ولمن أوجه اللوم .؟
إن تحرير فلسطين لن يتم قبل تحرير سوريا من الاستعمار الأسدي ، وإن الحفاظ على الثورة المصرية ، والتمسك بكل مكتسباتها ، لن يكون إلا بنجاح الثورة السورية ، وإن إلجام إيران ، وإيقافها عند حدها ، وكف يدها وخطرها عن كل دول الخليج ، لن يكون إلا بنجاح الثورة السورية .. وإن إلغاء سياسة الاغتيالات في لبنان والعالم العربي لن يكون إلا بنجاح الثورة السورية كذلك ... وبكل الأسى والأسف أقول : إن هذه الحقائق ، مما لا تقبل الجدل ولا المماحكة .. ولكنْ لا يريد استيعابها الآخرون .!!؟؟
بقلم : أبو ياسر السوري
لقد ترددتُ طويلا قبل أن أكتب هذا المقالة ، لأن فلسطين هي قضية كل عربي ومسلم ، وقد استطاعت الزعامات العربية أن تتخذ منها سلما لبناء أمجادها ، وطريقا للوصول إلى كراسيها ، فكل منهم يتظاهر بتبني هذه القضية ، وكل منهم ينادي " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " ولا قضية تقدم على تحرير فلسطين .. وكم ذا طغى الحكام العرب وبغوا باسم فلسطين ، وكم سرقوا شعوبهم وأفقروهم باسم تحرير فلسطين . وكم زجت الآلاف في السجون من أجل فلسطين . ففي سوريا فرع خاص باسم فلسطين ، هو أسوأ الفروع الأمنية سمعة لدى المواطنين ... ونحن نعلم أن الشعب الفلسطيني ضحية تمزقها سكاكين الزعامات العربية ، قبل أن تمزقها صواريخ إسرائيل ...
ومنذ يومين كتبتُ مقالا بعنوان ( الحرب في غزة الآن ، ما أريد بها وجه الله ) وكنت أرى أن إسرائيل افتعلت هذه الحرب لصرف أنظار الرأي العام العربي والعالمي عما يقع في سوريا من جرائم بشار الأسد ضد الشعب السوري .. وكنت وما زلت أرى أن الاستجابة لهذه الرغبة الإسرائيلية في نشوب معركة غزة الآن ، ما أريد به وجه الله . ولا مصلحة فيها للفلسطينيين ولا للسوريين ولا للعرب قاطبة ... لأن مثل هذه الحرب في هذا التوقيت لا تخدم إلا الأسد وإسرائيل وإيران وحزب الشيطان وروسيا ... لهذا كنت أتمنى لو كان هنالك موقف عربي فاعل لمنع إسرائيل من إشعال فتيل الحرب على غزة .. والحيلولة دون سقوط صاروخ واحد عليها .. وكان يمكن أن تعلن مصر عن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد ، وتعلن الأردن عن إلغاء اتفاقية السلام بينها وبين اليهود .. وتعلن دول الخليج عن استعدادها لمد حماس بالسلاح والعتاد للدفاع عن نفسها في وجه العدوان الإسرائيلي المتكرر ، لسبب ودون سبب ... كنت أتمنى أن تتحرك هذه الزعامات الوهمية مرة واحدة بشكل مشرف ، وأن لا تنظر لإسرائيل وأمريكا على أنهما بعبع مخيف ، يخشون غضبهما أكثر مما يخشون الله ... ولكن الذي حصل ، أننا كالعادة نتعامل مع الأحداث دوما بردود أفعال ، فتحركنا إسرائيل إلى ما تريد متى تريد ...
بدأت إسرائيل بالاعتداء على غزة ، فردت غزة بالصواريخ ، فكثفت إسرائيل القصف بالطيران ، وقتلت القائد الجعبري رحمه الله .. ثم انفجر الموقف ، وكانت هذه الحرب الفاجرة ، التي ذهب ضحيتها أكثر من 160 شهيدا من غزة .. وجرح أكثر من ألف فلسطيني ، وهدمت عشرات المباني السكنية ، وعدد من الدوائر الحكومية ، منها مبنى مجلس الوزراء ، ومبنى وزارة المعارف في غزة .
واليوم تم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين الطرفين .. وكل طرف يزعم أنه حقق انتصارا على الآخر .. ولو قمنا بدراسةٍ واقعيةٍ ، لنتائج هذه الحرب التي افتعلتها إسرائيل ، لوقفنا على النتائج التالية :
بالنسبة لغزة :
1 - أطلقت عددا من الصواريخ على إسرائيل ، فاعترضتها الصواريخ الإسرائيلية المسماة بالقبة الفولاذية ، ففجرت نصفها في الجو ، وسقط نصفها الآخر في إسرائيل . ولأول مرة تطلق صفارات الإنذار في المدن الإسرائيلية منذ عام 1991 يوم أطلق صدام صواريخه على تل أبيب، ولأول مرة منذ 21 سنة يلوذ اليهود إلى الملاجئ حذرا من صواريخ المقاومة الفلسطينية .. وهذا موقف يسجل للمقاومة الباسلة . ولعله كان مفاجأة لإسرائيل ، فقد تعودت أن تلقي بحممها متى أرادت دون حساب ولا عقاب .. فقالت لها صواريخ حماس : لقد تغير الحال هذه المرة ، ولن يمر عدوان إسرائيلي بعد اليوم بدون تكاليف ...
2 – لقيت حماس دعما عربيا مختلفا عما كان عليه الحال في الماضي ، فقد أعقب الاعتداء الإسرائيلي على غزة ، حضور مصري لافت ، فصرح مرسي أنه لا يسمح بضرب غزة كما كان يحدث في الماضي ، ثم طرد السفير الإسرائيلي احتجاجا على هذا العدوان . ثم أرسل رئيس وزرائه قنديل إلى غزة ، مشيرا بذلك إلى مزيد من الاهتمام المصري بشأن غزة .. وكذلك تداعى وزراء الخارجية العرب للبحث في العدوان الإسرائيلي على غزة ، وارتفعت أصوات بعض المزاودين منهم مطالبة بإيقاف العدوان الإسرائيلي ، ورفع شكوى إلى مجلس الأمن بهذا الخصوص ، وهذا موقف عربي مختلف عما كانت عليه الشأن قبل ثورات الربيع العربي .. وكان هذا الموقف العربي المساند في ظاهره موقفاً لصالح غزة أيضا . أما في حقيقته ، فلا يختلف عن مواقف الزعامات العربية من القضية الفلسطينية منذ ستين سنة وحتى الآن ... فقد خرجوا ببيان شجب وإدانة ، وآمين ، فرغ الدعاء .
بالنسبة لإسرائيل :
1 – على الرغم من سقوط صواريخ المقاومة في العمق الإسرائيلي ، وإدخالها الرعب إلى قلوب اليهود ، وإجبارهم على المبيت في الملاجئ خوفا منها .. على الرغم من هذا وذاك ، فقد استطاعت إسرائيل أن تتخذ من إطلاق هذه الصواريخ ورقة لصالحها ولصالح بشار الأسد معا .. فرفعت عقيرتها بالشكوى من كون القبة الفولاذية ليست مضمونة الجدوى مائة في المائة ، وزعمت أن صواريخ حماس قد استطاعت أن تخترقها ، فسقط ما يقارب من نصفها بالقرب من تل أبيب ، وأسدود ، وبئر السبع وغيرها من المواقع في العمق الإسرائيلي .. وقد تسببت بمقتل أربعة إسرائيليين ، منهم عسكري واحد . وألمحت إسرائيل إلى أن سقوط واحد منها على مركز ديمومة النووي يمكن أن يشكل خطرا بالغا على أمن إسرائيل والمنطقة بأسرها ..
ولهذا طالبت إسرائيل من الدول الغربية عدم تسليح المقاومة السورية ، بدعوى أنها متعاطفة مع حماس ، وأن إعطاء المعارضة السورية أسلحة مما يزيد المخاطر على إسرائيل .. والملاحظ أن هذا التخوف الإسرائيلي المصطنع من الثورة السورية ، وإصرارها على عدم تمكينها من السلاح ، إنما هو من أجل عيون عميلها وابن عميلها بشار الأسد .. وهكذا تكون المحصلة من هذه الحرب هي : الإساءة إلى الثورة السورية ، وخدمة للعصابة الأسدية ، لأنه ثبت فعلا بأن رامي مخلوف كان صادقا حين صرح : بأن أمن إسرائيل هو من أمن النظام السوري ، وأن أي خطر على أحدهما هو خطر على الآخر . وهذا يعني أن حماس متضررة كذلك بصورة غير مباشرة من هذه الحرب ، فإن مضاعفة المأساة على السوريين ، واشتداد الوطأة عليهم ، مما ينبغي أن يتألم له إخوانهم من أهل غزة ، فالعدو يربط بيننا وبينهم في الحساب ، ويطالب بعدم تسليح المعارضة السورية ، لأنها في نظره متعاطفة مع المقاومة الفلسطينية ، بل إن سوريا وغزة في نظر إسرائيل كيان واحد وعدو مشترك ..
وسواء أكانت الصواريخ الغزاوية مما استعصى على القبة الفولاذية حقاً ، أم كانت إسرائيل قد تعمدت عدم اعتراض بعضها لتسقط قرب المدن الإسرائيلية ، فإن إسرائيل قد استغلت إطلاق هذه الصواريخ لصالحها ، وتذرعت بها إلى مطالبة أمريكا بالمزيد من الصواريخ النوعية المضادة لصواريخ حماس وغير حماس ، عند تعرضها لأي هجوم صاروخي معادٍ لها في المستقبل . وإسرائيل كما علمنا بارعة في استغلال كل موقف لصالحها ، والنفاذ من خلاله لابتزاز أمريكا ، وطلب المزيد من المال والسلاح ...
2 – إن بنيامين نتنياهو استطاع بهذه الحرب أن يبرهن للإسرائيليين أنه قادر على ضرب الفلسطينيين في غزة وغيرها متى شاء ، وأن وجوده كرئيس للوزراء في إسرائيل ، يعطي اليهود ضمانة وأمنا ليس لهما نظير لدى أي رئيس وزراء إسرائيلي آخر .. وهذه هي الرسالة التي كان يريد نتنياهو إيصالها لليهود بهذه الحرب على غزة .
3 – ثم إن إسرائيل استطاعت بهذه الحرب تقديم خدمة كبيرة لنظام بشار الأسد ، فصرفت بها أنظار الإعلام العربي والعالمي عن جرائم الأسد ، وأتاحت له فرصة إضافية لقتل المزيد من الشعب السوري ، وارتكاب المزيد من الخراب والدمار والقتل والإبادة في سوريا .. حتى إن قنوات الإعلام كالجزيرة والعربية وفرانس 24 وغيرها من القنوات العالمية المشهورة ، قد صرفت النظر عن الشأن السوري ، وسلطت كل الأضواء على ما يجري في غزة .. مع أنه حين كان يقتل في غزة 14 شهيدا ، كان يستشهد في سوريا عشرة أضعافهم ، وتنفذ فيها عشرات المجازر ، دون أن يلتفت إليها الإعلام العربي أو العالمي ... وأنا هنا لا أعني بأنه كان ينبغي أن يهمل الإعلام ما يقع على غزة من عدوان ، معاذ الله ، فالدم الفلسطيني والسوري واحد ، والخسارة مشتركة . ولكننا حين نفصل سوريا عن غزة ، نربح هنا قليلا ، لنخسر هناك أضعاف أضعاف ما ربحناه من غير أن ندري ..
وهذا الذي جرى على الأرض أثناء هذه الحرب ، يعني : أن إسرائيل قد ربحت من هجومها على غزة أكثر مما خسرت بكثير ... كما يعني أنها خدمت حليفها الأسد خدمات جلى سوف يدين لها بالشكر ما دام على قيد الحياة . ومن وجهة نظري ، إن خدمة الأسد أكبر خسارة للقضية الفلسطينية .
وأما بالنسبة لإيران :
فقد خدمتها هذه الحرب أيضا ، فزعم حسن نصر الشيطان أن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية هي من صناعة إيران ، وأن إيران هي راعية المقاومة ، وهي التي تقوم بدعمها ، وليس الدول العربية .. وقد سوق لهذا الزعم عدد من الكتاب في صحيفة الشرق الأوسط ، منهم الكاتب الرميحي في مقال له بعنوان : ( صواريخ إيران مع أم ضد العرب ) . مع أن مسؤولا عسكريا كبيرا في حماس أنكر بشدة أن تكون إيران هي صانعة هذه الصواريخ ، وصرح بأنها صواريخ حمساوية مائة بالمائة .. ولكن بعض القادة الفلسطينيين المتشيعين الجدد ، وعلى رأسهم خالد مشعل أبوا إلا أن يعترفوا بأن كثيرا من هذه الصواريخ إيراني الصنع ، فأصر مشعل على أن يتقدم بوافر الشكر والامتنان لولية نعمته إيران ، زاعما أن إيران هي التي كانت أمدت المقاومة بهذه الصواريخ .. ولكن قادة فلسطينيين آخرين ، تجاوزوا ما قاله مشعل ، فأصروا على أن تسليح المقاومة الفلسطينية ، من الطلقة إلى الصاروخ هو من إيران .. فيا للعار على كل عربي أو مسلم يرضى أن يركع لمجوس إيران ، ويتعامى عن عدائهم للعرب والمسلمين .!!؟؟
وفي ظني أن مشعل لم يكن وحده الذي حاول تلميع إيران بسبب هذه الصواريخ ، وإنما شكرتها معه إسرائيل أيضا .. لأنها تمكنت جراء إطلاقها من مطالبة أمريكا بمزيد من السلاح الصاروخي النوعي كما علمنا قبل قليل .. وبالنسبة لي ، فإنني واثق بأنه إن صح أن هذه الصواريخ إيرانية الصنع – وهو غير صحيح - فإن إيران قبل أن تسلمها لحماس ، لا بد أن تقوم بإعطاء إسرائيل معلومات مفصلة عنها ، وعن مداها وعن فاعليتها ، وخطورتها ، إلى آخر ما هنالك من معلومات تخدم إسرائيل ، وتفوت على المقاومة الفلسطينية عنصر المفاجأة بها ..
وأخيرا يا سادة :
فهذا السرد المنطقي والواقعي لمجريات الأحداث ، يجعلنا نشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي أشعلت نار هذه الحرب ، والمقاومة الفلسطينية التي وقعت في مصيدتها ، ومصر والمزاودين من زعماء الأمة العربية ، الذين طنطنوا بالتوصل إلى هدنة بين الطرفين .. لقد امتدح خالد مشعل المخابرات المصرية ، التي كانت إلى عهد قريب تلغ في دماء الإخوة المصريين أثناء أحداث الربيع العربي أيام مبارك ، خصوصا وأن هذا الجهاز اللعين في مصر لم يفكك هناك حتى الآن ، وأن كثيرا من العاملين فيه هم إسرائيليو الهوى .. ومع ذلك فلست أدري لماذا يصر الملا مشعل على امتداح هذا الجهاز المخابراتي الفاسد ، ولو كان مشعل شاعرا لصاغ في مديحه معلقة كمعلقة امرئ القيس .. وكما رأينا قبل قليل فإن خالد مشعل لم يكتف بامتداح المخابرات المصرية ، وتثمين جهودها في الحصول على الهدنة ووقف الاجتياح البري، الذي كانت إسرائيل تنوي القيام به ، وإنما ثنى بالمديح على إيران ، واعترف بفضلها على المقاومة ، وكأنه تعمد بهذا أن يلمع إيران في هذه المناسبة ، حتى ولو كان هذا التلميع على حساب الدم الفلسطيني الذكي .
فماذا أقول يا سادة ؟ ولمن أوجه اللوم .؟
إن تحرير فلسطين لن يتم قبل تحرير سوريا من الاستعمار الأسدي ، وإن الحفاظ على الثورة المصرية ، والتمسك بكل مكتسباتها ، لن يكون إلا بنجاح الثورة السورية ، وإن إلجام إيران ، وإيقافها عند حدها ، وكف يدها وخطرها عن كل دول الخليج ، لن يكون إلا بنجاح الثورة السورية .. وإن إلغاء سياسة الاغتيالات في لبنان والعالم العربي لن يكون إلا بنجاح الثورة السورية كذلك ... وبكل الأسى والأسف أقول : إن هذه الحقائق ، مما لا تقبل الجدل ولا المماحكة .. ولكنْ لا يريد استيعابها الآخرون .!!؟؟