استغاثت حرائرنا فلم يجدن معتصما يغار عليهن :
بقلم : أبو ياسر السوري
قصة الحفاظ على العرض في الثقافة العربية والإسلامية ، أمر من المسلمات ، وقصص التاريخ تروي من ذلك الأعاجيب ...
ولعل خبر ( المعتصم ) الخليفة العباسي المعروف ، هو أشهر حادث يشير إلى ذلك . فقد بلغه أن أسيرة عربية ، صرخت حين وقعت في الأسر لدى الروم ، فقالت وامعتصماه ، فقال لها العلج يسخر منها ، ومن استغاثتها : غدا يأتيك المعتصم على ظهر خيول بلق ..!؟ فلما بلغ المعتصم خبر المرأة ، أقسم أن لا يشرب الماء البارد ، وأن لا ينام على فراش حتى يلبي نداء هذه المرأة الأسيرة ويخلصها من قيود الأسر .. فجهز ألف فرس أبلق ، وجعلها في مقدمة الجيش ، ثم جعل خلفها بقية الخيول ، وتوجه بنفسه على رأس حملة إلى بلاد الروم ، حتى دك مدينة عمورية ، وهي أكبر معاقل الروم آنذاك ، وأنقذ المرأة من ربقة الأسر ، وحقق ظن المرأة المسلمة فيه ، ووفى لها بما كانت ترجو منه .
ومما أحفظ من أخبار العرب في هذا المضمار ، قصة ( ليلى بنت لكيز) الملقبة بالعفيفة ، وكان من خبرها أنها وقعت في الأسر لدى الفرس ، فأعجب بها بعض قادتهم ، وراح يراودها عن نفسها ، فأبت أن تستجيب له ، فما زاده ذلك إلا إصرارا على النيل منها ومن شرفها . ولكن ليلى أصرت على أن تموت ولا تمكنه من نفسها . فمسها بسوء العذاب ، فلم يفلح بما أراد ..
وكان لليلى ابن عم فارس اسمه ( البَرَّاق ) فأرسلت إليه قصيدة تستحثه على خلاصها من الأسر والعذاب، قالت فيها :
فما كان من البراض إلا أن جهز جيشا من أهل النخوة ، وغزا به بلاد فارس ، وانقضى الأمر بقتل ملك الفرس وتخليص الفتاة ...
نقرأ هذه الحكايات ، لنقارن بين العرب والمسلمين أيام زمان ، والعرب والمسلمين في أيامنا الحاضرة ..!!؟ فما أكثر ما استغاثت المسلمات بملوك العرب وزعمائها في محنتهن على يد زبانية بشار الأسد ، وما أكثر ما نظمت القصائد تنخى أبا فلان وأبا علان .. ولكنها – ويا للأسف - لم تحرك نخوتهم ، لأنها نخوة ميتة ، ولم تهز حميتهم لأنها فاسدة .. ويمكن القول : إن هذه الزعامات باتت عارا على الشعوب العربية والإسلامية . ووالله إن الموت خير لهم من حياتهم مع هذا العار . لهذا كان لأبيات ( عمر أبي ريشة ) الأثر البالغ حين أجرى فيها مقارنة بين المعتصم ، وسائر زعماء الأمة العربية في زمانه ، فكان مما قال فيها :
أمَّتي هل لك بين الأممِ : منبرٌ للسيف أو للقلمِ
أتلقاك وطرفي مطرق : خجلا من أمسك المنصرمِ
ويكاد الدمع يهمي عابثا : ببقايا كبرياء الألمِ
أين دنياك التي أوحت إلى : وتري كل يتيم النغمِ
كم تخطيت على أصدائه : ملعب العز ومغنى الشممِ
وتهاديت كأني ساحب : مئزري فوق جباه الأنجمِ
أمتي كم غصة دامية : خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف : فاته الآسي فلم يلتئمِ
أ لإسرائيل تعلو راية : في حمى المهد وظل الحرم؟
كيف أغضيتِ على الذل ولم : تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنتِ إذا البغيُ اعتدى : موجةً من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمتِ وأحجمتِ ولم : يشتفِ الثأر ولم تنتقمي ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربِي : وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها : تتفانى في خسيسِ المغنم
رُبَّ وامعتصماه انطلقتْ : ملء أفواه البناتِ اليُتَّمِ
لامستْ أسماعهمْ لكنها : لم تلامسْ نخوة المعتصمِ
أمَّتي كم صنمٍ مجَّدته : لم يكنْ يحملُ طُهْرَ الصَّنمِ
لا يُلام الذئبُ في عدوانه : إنْ يَكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
فاحبسي الشكوى فلولاكِ لما : كان في الحُكْمِ عبيدُ الدرهم
أيها الجنديُّ يا كبش الفدا : يا شعاعَ الأملِ المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا : طلبتها غصص المجد الظمي
بُوركَ الجُرحُ الذي تحملُه : شرفاً تحتَ ظلالِ العَلَمِ
بقلم : أبو ياسر السوري
قصة الحفاظ على العرض في الثقافة العربية والإسلامية ، أمر من المسلمات ، وقصص التاريخ تروي من ذلك الأعاجيب ...
ولعل خبر ( المعتصم ) الخليفة العباسي المعروف ، هو أشهر حادث يشير إلى ذلك . فقد بلغه أن أسيرة عربية ، صرخت حين وقعت في الأسر لدى الروم ، فقالت وامعتصماه ، فقال لها العلج يسخر منها ، ومن استغاثتها : غدا يأتيك المعتصم على ظهر خيول بلق ..!؟ فلما بلغ المعتصم خبر المرأة ، أقسم أن لا يشرب الماء البارد ، وأن لا ينام على فراش حتى يلبي نداء هذه المرأة الأسيرة ويخلصها من قيود الأسر .. فجهز ألف فرس أبلق ، وجعلها في مقدمة الجيش ، ثم جعل خلفها بقية الخيول ، وتوجه بنفسه على رأس حملة إلى بلاد الروم ، حتى دك مدينة عمورية ، وهي أكبر معاقل الروم آنذاك ، وأنقذ المرأة من ربقة الأسر ، وحقق ظن المرأة المسلمة فيه ، ووفى لها بما كانت ترجو منه .
ومما أحفظ من أخبار العرب في هذا المضمار ، قصة ( ليلى بنت لكيز) الملقبة بالعفيفة ، وكان من خبرها أنها وقعت في الأسر لدى الفرس ، فأعجب بها بعض قادتهم ، وراح يراودها عن نفسها ، فأبت أن تستجيب له ، فما زاده ذلك إلا إصرارا على النيل منها ومن شرفها . ولكن ليلى أصرت على أن تموت ولا تمكنه من نفسها . فمسها بسوء العذاب ، فلم يفلح بما أراد ..
وكان لليلى ابن عم فارس اسمه ( البَرَّاق ) فأرسلت إليه قصيدة تستحثه على خلاصها من الأسر والعذاب، قالت فيها :
ليت ( للبَرَّاق ) عيناً فترى : ما أقاسي من بلاءٍ وعَنَا
يا كليبا ، يا عقيلا ، إخوتي : يا جنيدا أسعدوني بالبُكا
عذبت أختكمُ يا ويحكم : بعذاب النكر صُبحا ومَسَا
يكذبُ الأعجم ما يقربني : و معي بعضُ حُشاشات الحيا
قيدوني ، غللوني ، و افعلوا : كل ما شئتم جميعا من بلا
فأنا كارهة بغيتكم : و مرير الموت عندي قد حلا
أتدلون علينا فارسا : يا بني أنمار يا أهل الخنا
يا إياداً خسرت صفقتكم : ورمي المنظر من برد العمى
يا بني الأعمام إما تقطعوا : لبني عدنان أسباب الرجا
فاصطبارا وعزاءا حسنا : كل نصر بعد ضر يرتجى
قل لعدنان فديتم شمروا : لبني الأعجام تشمير الوحى
واعقدوا الرايات في أقطارها : واشهروا البيض و سيروا في الضحى
يا بني تغلب سيروا و انصروا : و ذروا الغفلة عنكم والكرى
واحذروا العار على أعقابكم : وعليكم ما بقيتم في الورى
يا كليبا ، يا عقيلا ، إخوتي : يا جنيدا أسعدوني بالبُكا
عذبت أختكمُ يا ويحكم : بعذاب النكر صُبحا ومَسَا
يكذبُ الأعجم ما يقربني : و معي بعضُ حُشاشات الحيا
قيدوني ، غللوني ، و افعلوا : كل ما شئتم جميعا من بلا
فأنا كارهة بغيتكم : و مرير الموت عندي قد حلا
أتدلون علينا فارسا : يا بني أنمار يا أهل الخنا
يا إياداً خسرت صفقتكم : ورمي المنظر من برد العمى
يا بني الأعمام إما تقطعوا : لبني عدنان أسباب الرجا
فاصطبارا وعزاءا حسنا : كل نصر بعد ضر يرتجى
قل لعدنان فديتم شمروا : لبني الأعجام تشمير الوحى
واعقدوا الرايات في أقطارها : واشهروا البيض و سيروا في الضحى
يا بني تغلب سيروا و انصروا : و ذروا الغفلة عنكم والكرى
واحذروا العار على أعقابكم : وعليكم ما بقيتم في الورى
فما كان من البراض إلا أن جهز جيشا من أهل النخوة ، وغزا به بلاد فارس ، وانقضى الأمر بقتل ملك الفرس وتخليص الفتاة ...
نقرأ هذه الحكايات ، لنقارن بين العرب والمسلمين أيام زمان ، والعرب والمسلمين في أيامنا الحاضرة ..!!؟ فما أكثر ما استغاثت المسلمات بملوك العرب وزعمائها في محنتهن على يد زبانية بشار الأسد ، وما أكثر ما نظمت القصائد تنخى أبا فلان وأبا علان .. ولكنها – ويا للأسف - لم تحرك نخوتهم ، لأنها نخوة ميتة ، ولم تهز حميتهم لأنها فاسدة .. ويمكن القول : إن هذه الزعامات باتت عارا على الشعوب العربية والإسلامية . ووالله إن الموت خير لهم من حياتهم مع هذا العار . لهذا كان لأبيات ( عمر أبي ريشة ) الأثر البالغ حين أجرى فيها مقارنة بين المعتصم ، وسائر زعماء الأمة العربية في زمانه ، فكان مما قال فيها :
أمَّتي هل لك بين الأممِ : منبرٌ للسيف أو للقلمِ
أتلقاك وطرفي مطرق : خجلا من أمسك المنصرمِ
ويكاد الدمع يهمي عابثا : ببقايا كبرياء الألمِ
أين دنياك التي أوحت إلى : وتري كل يتيم النغمِ
كم تخطيت على أصدائه : ملعب العز ومغنى الشممِ
وتهاديت كأني ساحب : مئزري فوق جباه الأنجمِ
أمتي كم غصة دامية : خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف : فاته الآسي فلم يلتئمِ
أ لإسرائيل تعلو راية : في حمى المهد وظل الحرم؟
كيف أغضيتِ على الذل ولم : تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنتِ إذا البغيُ اعتدى : موجةً من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمتِ وأحجمتِ ولم : يشتفِ الثأر ولم تنتقمي ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربِي : وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها : تتفانى في خسيسِ المغنم
رُبَّ وامعتصماه انطلقتْ : ملء أفواه البناتِ اليُتَّمِ
لامستْ أسماعهمْ لكنها : لم تلامسْ نخوة المعتصمِ
أمَّتي كم صنمٍ مجَّدته : لم يكنْ يحملُ طُهْرَ الصَّنمِ
لا يُلام الذئبُ في عدوانه : إنْ يَكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
فاحبسي الشكوى فلولاكِ لما : كان في الحُكْمِ عبيدُ الدرهم
أيها الجنديُّ يا كبش الفدا : يا شعاعَ الأملِ المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا : طلبتها غصص المجد الظمي
بُوركَ الجُرحُ الذي تحملُه : شرفاً تحتَ ظلالِ العَلَمِ