الحرس الثوري الإيراني و تطورات الملف السوري
بقلم : هاني نسيرة
الحرس الثوري الإيراني.. بين القوة والضعف
دراسة تستعرض تاريخ هذه المؤسسة الأمنية وعلاقتها بتطورات الملف السوري
الثلاثاء 21 ذو الحجة 1433هـ - 06 نوفمبر 2012م
معهد العربية للدراسات
تُعدّ قوات الحرس الثوري الإيراني أقوى مؤسسات النظام الإيراني، وأكثرها كفاءة، وإلى حد كبير، يعتمد نفوذ إيران الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط على هذه المؤسسة، كما يمثل باعتباره جيشا عقائديا مؤمنا بإيديولوجيا الثورة الإيرانية الخمينية، أداة القمع للمعارضين والاحتجاجات خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي بفعل العقوبات وفاعلية المعارضة بفضل إلهام الثورات العربية وبخاصة الثورة على النظام السوري الحليف، فضلا عن أزمات النظام الإيراني البنيوية وفي مقدمتها العلاقة بين المرشد والرئاسة أو بين أجهزة الحرس الثوري نفسه.
في هذه الدراسة، يحاول الكاتب هاني نسيرة، عرض مسار وتشكيل الحرس الثوري وتكويناته- فيالقه- الخمس وأدوارها كما يعرض للتحديات الجديدة المتداخلة خارجيا وداخليا، بين العقوبات والثورات والمعارضات البازغة داخليا وخارجيا.
وتفترض هذه الدراسة أن الفاصل الثوري السوري الذي استهدف الحليف متزامنا مع نضوج تأثير العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي يمثلان معا فاصلا للتراجع في مسار الحرس الثوري والدولة الإيرانية على السواء، بعد انفلاق الهلال الإيراني وصعوده مع حرب تحرير العراق سنة 2003، ونجاح إيران في استثماره لصالحها وحلفائها بشكل كبير.
وتشبه قوات الحرس الثوري الإيراني الجيوش التقليدية الأخرى في أشياء كما تختلف عنها في أشياء أخرى، فهي ليست محصنة من المشكلات السياسية الداخلية شأن الجيوش التقليدية، ولكن يظل الحرس الثوري مميزا بطبيعته الإيديولوجية وإمكانياته اللامحدودة ومهامه الداخلية والخارجية التي لا تقف عند الدفاع عن الأرض بل الدفاع عن الثورة وتصديرها واستهداف مستمر لخصومها، كما أنه يختلف عن الجيوش التقليدية بتبعيته وهيراركيته التي يرأسها الولي الفقيه وهو ما ساعده على ابتلاع الجيش الإيراني النظامي نفسه، وهو ما نوضحه فيما يلي.
التأسيس والمسار
تأسست مؤسسة قوات الحرس الثوري الإيراني على يد الخميني وقيادات الثورة الدينية عام 1981 بعد قيام الثورة بعامين، ويضطلع بمهمة حماية وحفظ النظام الذي يؤمن بولاية "الفقيه" من المخاطر المحتملة الداخلية والخارجية, وهذا ما جاء في ميثاقه التنظيمي الأساسي.
أمر بتشكيل الحرس الثوريّ الإيرانيّ لأهدافٍ عديدة ولمهمّات كثيرة , يقول السيد الخميني عن حرس الثورة: "لو لم يكن حرس الثورة ما كانت الدولة, إني أوقر الحرس وأحبهم وعيني عليهم, فلقد حافظوا على البلاد عندما لم يستطع أحد. ومازالوا, إنهم مرآة تجسم معاناة هذا الشعب وعزيمته في ساحة المعركة وتاريخ الثورة". المصدرجمهوري إسلامي في 15/1/1984)
ويقول هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانيّ في بيان دور الحرس الثوريّ: " إن حرس الثورة الإسلامية الذي تشكل من أكثر الأشخاص تجربة ونضجاً, عليه مسؤولية المحافظة على منجزات الثورة ودستورها, لقد كان دور الحرس مؤثراً في إحباط كل مؤامرات القوى الاستكبارية ضد الثورة, سواء في أعمال التخريب أو التضليل أو جبهات القتال, كما قاموا بدور كبير في رفع الروح المعنوية للجماهير, وكان دورهم الفني أهم من دورهم العسكري, وقد غطى جهازهم الإعلامي الاحتياجات الإعلامية, كذلك كان لهم دور كبير خارج البلاد في تصدير الثورة الإسلامية, فأثبتوا أنهم جهاز يمكن الاعتماد عليه". المصدركيهان في 7/12/1984).
وترجع أهمية حرس الثورة إلى أسلوب إنشائه، وأدبياته فهو تنظيم عقائدي وأيدولوجي مؤمن بولاية الفقيه وتصدير الثورة وحمايتها حسبما وضعها الخميني، ويتم تدريبه وتعليمه بشكل خاص، ويختاصر المرشد شخصيا قياداته وعناصره الشابة، المتحمسة ليتم الضخ بها في" معسكرات الثوار في مختلف أنحاء العالم، على أداء المهام القتالية من الالتحام إلى حرب المدن وحرب العصابات, ثم كلفوا بحماية قادة الثورة فكان ولاءُهم المطلق للثورة ومبادئها وأهدافها, وتم تحويلهم إلى جيش له قواته البرية والبحرية والجوية فضلاً عن وحدات الصواريخ والمصانع الحربية, في 21/4/1979 من خلال إدارة عقائدية سياسية على أساس أيديولوجية النظام, فلا يقف واجبه عند حد الدفاع عن البلاد, إنما يتخطاه إلى إقرار الأمن وتعقب أعداء الثورة وتعمير البلاد والدعاية للثورة وتصديرها إلى الخارج. (اطلاعات في 23/11/1993).
و كان لقوات الحرس الثوري الإيراني دور مبكر في قمع الخارجين على الثورة من رفقائها السابقين وفي مقدمتها منظمة مجاهدي خلق وكذلك التنظيمات الأحوازية في منطقة عربستان، وغيرهم ممن الذين شاركوا في الثورة ثم خرجوا عليها مع أطياف كثيرة اخرى ممن شاركت فيها، وصنعتها انقلب عليهم الخميني بعد فترة، وكان الحرس الثوري أداته في قضائه وحربه على من اعتبرهم اعداء الثورة رغم أنهم من صنعوها معه.
كما كان للحرس الثوري دور كبير في الحرب العراقية – الإيرانية، وكذلك في تتبع تنظيمات ومجموعات المعارضة المختلفة داخل وخارج إيران في الشرق الأوسط ومختلف دول العالم، وفي مقدمتها تدريبات فروع حزب الله الذي نثرته إيران وسط الأقليات والجماعات الشيعية في العالم العربي مواليا لها ومؤمنا بولاية الفقيه ومقدما لولايته على الانتماء الوطني! وفي أثناء الأزمة السورية دعى خامنئي عناصر الحزب الثوري للتراجع عن النشاط في بلدان العالم المختلفة، والتركيز على منطقة الشرق الأوسط، ووجه نقدا ل قاسم سليماني بسبب فشل قمع الثورة السورية، في أوائل اكتوبر سنة 2012، وهو يعد ذراع ايران الناشط الآن مع نظام بشار الأسد المترنح في سوريا.
كل هذه العوامل ساعدت جيش الحرس الثوري الإيراني في تأكيد مكانته وأهميته في صميم الأمن القومي الإيراني والسياسة الخارجية الإيرانية، وخاصة ما يتعلق منها بحلفاء إيران والأحزاب والجماعات الموالية لها سواء من حيث التدريب أو الدعم اللوجيستي، أو التخلص من الخصوم!
وتقوم تبعية الحرس الثوري المباشرة ل مرشد الثورة، الخميني ثم خامنئي، وليست لمؤسسات الدولة الاخرى بما فيها الرئاسة، فهو وليد الملالي والنخبة الدينية للثورة، وتستمر تبعيته للولي الفقيه والمرشد الأعلى دون سواه، الذي يمثله ممثل خاص في الحرس الثوري يتولاه على سعيدي، الذي صرح في 24 أكتوبر سنة 2012 على خلفية الخلاف بين المرشد والرئيس محمود احمدي نجاد على أولوية المرشد وعلو مرتبته على الرئيس بل يستمد الأخير شرعيته منه، في مقابلة مع صحيفة "اعتماد" الإصلاحية نشرتها مواقع إلكترونية في 23 أكتوبر سنة 2012, ان "تلك القوات نادمةٌ على مساندتها نجاد", مضيفاً "لم ندرك في شكل دقيق ما يدور في ذهنه أو ما يريد فعله مستقبلاً" عندما ساندناه، واشار إلى أن نجاد "يعتقد بأن شرعيته أتت من أصوات الشعب", مؤكداً أن "المرشد هو الذي يصادق على أصوات الشعب ويعين الرئيس" وهو ما اعتبره العديد من المحلليين رسالة وداع من قبل الحرس الثوري للرئيس احمدي نجاد وتخليا عنه بعد ما قدمه لصالحه وقمع معارضيه منذ انتخابات يونيو العام 2009.
ويتم تعيين جنرالات الحرس الثوري الإيراني من جانب المرشد الأعلى، وليس من جانب الحكومة المدنية.
ومع أن رجال الدين يديرون مؤسسات رسمية مهمة، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام والسلطة القضائية ومجلس الخبراء، إلا أنهم يعتمدون على قوات الحرس الثوري الإيراني لضمان سيطرتهم على هذه المؤسسات، الأمر الذي عزز ويعزز نفوذ هذه القوات، فهو ذراع المرشد الأعلى للثورة التي تسيطر على كل شئ في نمط الاستبداد الديني الحديث! رغم الزركشة المؤسساتية والانتخابية التي تتم داخل إيران.
بل تولى الحرس الثوري منفردا إدارة ملفات خارجية شائكة كالتدخل في العراق ولبنان والعلاقة بالعديد من الفصائل والجماعات الناشطة في المنطقة، وأخيرا الثورة السورية، ولعل النجاح الإيراني في العراق يعود لإدراك مبكر للحرس الثوري لفرصته فيها، فوفقا للعضو المؤسس لقوات الحرس الثوري محسن سازغارا الذي يعيش حاليا بالمنفى بالولايات المتحدة فإن تقييم قوات القدس للغزو الغربي للعراق كان كالتالي "لدينا فرصة ذهبية. الآن يمكننا أن نجعل الأميركيين منشغلين تماما بالعمل في العراق بما نستطيع من الفوضى التي نتمكن من إثارتها فيه".( نيويورك تايمز في 3 اكتوبر 2012).
تكوينات الحرس الثوري
تضم قوات الحرس الثوري الإيراني 125 ألف عنصر، ويتكون من خمس فيالق أو وحدات رئيسية، يرأسها مجتمعة حاليا اللواء محمد على جعفري، وهي على الترتيب:
1- فيلق قوات الباسيج: وتهتم بقمع معارضة الداخل، وكان له دور كبير في قمع الحركة الخضراء، وحركات المعارضة التي تمثل شعوب وأقليات إيران المختلفة أو النشاطيات السياسية المعارضة لنظام ولاية الفقيه حتى وإن آمنت به مثل الحركة الخضراء، وينسب للباسيج.خاصة دور كبير في تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح محمود أحمدي نجاد عام 2009، وكذلك في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها إيران أوائل مارس العام 2012.
2- فيلق القدس: وتتركز مهمة فيلق القدس تحديدا في تنفيذ العمليات في الخارج، وتدريب الأحزاب والقوات الموالية لإيران في المنطقة والعالم، وكان وكان "أحمد وحيدي" أول قائد لقوات فيلق القدس والذي كان يشغل منصب معاون الأستخبارات في فيلق حرس الثورة آنذاك, وبعد اشغاله المنصب الجديد قال "احمد وحيدي" أن الغرض من تشكيل هذه القوة هو خلق « الجيش الاسلامي الدولي» وفي عام (1997) تغير(وحيدي) وجاء عميد الحرس (قاسم سليماني) وهو من اقدم قادة فيلق الحرس وأكثرهم أجراماً , وبعد الأحتلال الامريكي للعراق قام النظام الايراني بحل«لجنة نصر»وهي أحدى اللجان المختصة والمشكلة سابقاً للتدخل الأيراني في شؤون العراق وضمها الى تشكيلات قوة القدس وصدرت أوامر من القيادة الأيرانية الى جميع الوزارات تحثهم فيها التنسيق مع قيادة قوة القدس (حصرياً) فيما يخص عمل هذه الوزارات في العراق.
ولا زال يرأسه قاسم سليماني، الذي رقي لرتبة اللواء العام 2011 وهي أعلى رتبة في الحرس الثوري، ويعد الحاكم الفعلي لإيران في العراق حسبما نشرت جريدة نيويورك تايمز في 3 أكتوبر سنة 2012 وكان سليماني المخطط لمبادرتين رئيسيتين في السياسة الخارجية الإيرانية وهما: ممارسة وتوسيع نفوذ طهران في الشؤون السياسية الداخلية بالعراق وتقديم دعم عسكري لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن هنا كان لوم المرشد لأداء الحرس الثوري في الأزمة السورية، وفي العام 2011 وضعت وزارة الخزانة الأميركية الجنرال سليماني على قائمة عقوباتها لأن مسؤولين أميركيين قالوا إنه كان مشاركا في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي بواشنطن، وهو الدور غير المستغرب عند الكثير من المراقبين والمحللين، كما أشار تقرير ألماني نشر حديث الى مشاركة عناصر من فيلق القدس مع عناصر من حزب الله في اغتيال اللواء وسام الحسن في بيروت أوائل اكتوبر الماضي!
3- فيلق القوات الجوية.
4- فيلق القوة البرية.
5- فيلق القوات البحرية
ابتلاع الدولة ووصاية الولي الفقيه
تمتلك مؤسسة الحرس الثوري اذرعا فرعية متعددة الأشكال والوظائف والاغطية، منها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعسكرية والدبلوماسية والاجتماعية، ناهيك عن الأذرع الاستخباراتية هذا التنوع الضمني، جعل هذه المؤسسة، منظومة مستقلة بقرارها ولاسيما الاقتصادي منه، متمتعة بقدر عال من الأرصدة والأصول المالية والبشرية والعضوية تتبع الولي الفقيه وحده.
فقد طوّر الحرس الثوري الإيراني حقيبة إقتصادية متينة، فالكثير من قادة هذه القوات يتقاعدون في سن مبكّرة نسبياً - حوالي 50 عاماً – ثم ينضمّون إلى نخبة إيران السياسية والإقتصادية. واليوم، يسيطر القادة السابقون لقوات الحرس الثوري الإيراني على الصناعات الثقيلة، بما فيها صناعة البناء. ويخضع المدنيون الذين يُديرون هذه الصناعات لسلطة عناصر خدمت سابقاً في قوات الحرس الثوري الإيراني وتدين بالولاء له وللولي الفقيه.
وقد ساعد هذا التمدد والتوزع لبنية وهياكل الحرس الثوري وحدوده اللامتناهية في السلطة الإيرانية عبر التعبية المباشرة للولي الفقيه فقط، إلى أن امتد نفوذه وابتلاعه لغيره من مؤسسات الدولة الأخرى، مثل الجيش النظامي أو القوّات المسلّحة الكلاسيكية والمؤسسات الدينية المختلفة والسلطة التنفيذية، التي يقودها الرّئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؛ وإلى الدائرة الرئيسية للإستخبارات المدنية ووزارة الأمن القومي والاستخبارات.
وفي العقود الأخيرة، وسّعت قوات الحرس الثوري الإيراني نفوذها - وسيطرتها في بعض الحالات – إلى أجهزة تطبيق القانون والعمليات الاستخباراتية الخارجية والقيادة العسكرية الإستراتيجية والإقتصاد الوطني.
ولما سبق يمكن القول إن التوقعات التي انيطت بمؤسسة الحرس الثوري الإيراني عند تأسيسها عام 1981 فاقت توقعات مؤسسيها أنفسهم، فمن الناحية النظرية، يدين قادة وضبّاط الحرس الثوري الإيراني بالولاء للسيد خامنئي والمؤسسة الدينية.
لكن عملياً، لا تتبع قوات الحرس الثوري الإيراني إلى أيّ كيان أو فئة. إذ تعتبر قوات الحرس الثوري الإيراني نفسها الوريث الشرعي للثورة والمنقذ الحقيقي للجمهورية الاسلامية، وقد تناثرت أنباء عن اعتراضت وجهها المرشد لأدائها أثناء الثورة السورية.
كما تعتبر نفسها الأقدر على حكم البلاد والأجدر بهذا الدور، علماً أن الدستور الإيراني يمنع الحرس الثوري الإيراني من الاضطلاع بأي دور سياسي. في المقابل، هناك ما يبرر القناعات الموجودة لدى الحرس الثوري الإيراني. فمنذ فترة طويلة، تقدم مؤسسة الحرس الثوري الإيراني للقطاع المدني المحلي بالعديد من كبار المديرين الأكفاء أصحاب التوجهات مختلفة.
بالتالي، تعكس الإشارة إلى موقف مؤسسة الحرس الثوري الإيراني من قضية ما موقف غالبية قادة المؤسسة.
كما أن الإشارة إلى المصالح المؤسساتية لقوات الحرس الثوري الإيراني تعكس موقف غالبية القادة والضبّاط الذين يتبنون نفس القيم. لذا، من المؤكّد أن هناك إختلافات في الرأي بين قادة الحرس الثوري الإيراني لكن هذه الإختلافات لم تتحول بعد إلى انقسامات حادة، داخل هذه المؤسسة العسكرية النخبوية. ومع أن تماسك مؤسسة الحرس الثوري الإيراني قد يضعف في المستقبل، إلا أنه سيظل متيناً في المرحلة الراهنة، على أقل تقدير.
فاصل الثورة السورية والعقوبات
تجد قوات الحرس الثوري الإيراني نفسها عالقة بين قائدها الأعلى – وهو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران - والرئيس.
فمن ناحية، رغم ما تبديه وما تؤكده في مواقفها من ولائها الإيماني والقانوني للمرشد الأعلى، ولكن في ظل العقوبات والأزمة السورية والتحديات المختلفة في الداخل الإيراني وخارجه، بل وداخل هياكل الحرس الثوري نفسه يبدو التوجه للتوازن حفاظا على موقع الحرس الثوري ودوره في النظام السياسي الإيراني الذي يدير معاركه بكل أدواته ووجوهه وليس المرشد فقط، بل قد يكون بحاجة للتناقض في التصريحات من باب المراوغة أحيانا كثيرة، خاصة في الملفات الحرجة كالعقوبات والبرنامج النووي والأزمة السورية والعلاقة بالخليج العربي وغير ذلك من باب إرباك الخصوم أحيانا، أو ضخ الطمأنينة بالسياسة أو بالعنف الخطابي للداخل الإيراني أحيانا أخرى.
ولكن تزداد هذه الحالة تعقيداً بسبب الفجوة المتزايدة بين دائرة استخبارات مؤسسة الحرس الثوري الإيراني وباقي أجهزة هذه المؤسسة، وهو ما يمكن رده للفشل الذي سقطت فيه مؤسسات الحرس الثوري وخاصة فيلق القدس سواء في العمليات التي فشلت أو التي انكشفت في الولايات المتحدة أو لبنان أو العراق في العام الأخير.
وهنا، يكمن أحد المصادر الرئيسية للصراع داخل مؤسسة الحرس الثوري الإيراني. فقد أفاد بعض التقارير بأنّ دائرة إستخبارات الحرس الثوري الإيراني تتنصت بشكل دوري على هواتف ومحادثات قادة وضبّاط قوات الحرس الثوري الإيراني. وتكمن المشكلة بين وحدة الإستخبارات وبقيّة قوات الحرس الثوري الإيراني في حقيقة أن قيادتها معيّنة من قِبل خامنئي وترفع تقاريرها إليه.
وإذا كان هذا الانقسام قائماً بالفعل، فإنه يمثّل الاستثناء الواضح لحالة التماسك العام لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني، فضلا عن التحديات التي تتحدى بنية النظام الإيراني ككل بدءا من العقوبات إلى المعارضة الداخلية، السياسية والدينية، وسقوط الحلفاء الخارجيين أو انكشافهم! .
ويمكن إجمالا تحديد نقاط الضعف البنيوية والمحتملة في أداء ومسار الحرس الثوري في النقاط التالية:
لقد حددنا خمسة تطوّرات يُمكنها أن تهدّد وحدة قوات الحرس الثوري الإيراني.
• أولاً نظراً إلى انخراط الساسة والعسكر في الإقتصاد، ظهر استياء في صفوف عناصر قوات الحرس الثوري الإيراني الأقل تراتبية، وذلك على خلفية قناعتهم بأن المنافع الإقتصادية لا توزّع بشكل منصف على الأصغر رتبة.
• ثانياً أصبحت قوات الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن الأمن الداخلي بعد عام 2009، وأحداث الحركة الخضراء حيث وُضعت قوات الباسيج تحت إمرتها على أثر قمع الحركة الخضراء.
لذا، تتحسّب مؤسسة الحرس الثوري الإيراني من إتّخاذ اجراءات صارمة ضدّ حركة المعارضة لأنها تضمّ عدداً من كبار المسؤولين الرسميين السابقين بها مما يخشى أن يشتت ولاءات عناصرها مع الوقت أو يهدد بناءها الأيدولوجي خاصة وأن الحركة الخضراء لم تكن ضد ولاية الفقيه كنظرية ولكن ضد خامنئي والمحافظين كممارسة!
• ثالثا: أدت آخر جولة من العقوبات وإدراج الحرس الثوري الإيراني في القائمة السوداء إلى إضعاف القدرات التمويلية لهذه المؤسسة واستهدافها بشكل خاص عبر العقوبات المختلفة، وهو ما أثر على فاعليتها وأدائها، خاصة مع تجفييف الروافد المالية لها، رغم كثرة تصريحات قادتها وتهديداتها التي تزداد وتتراجع حدتها بين آن وآخر.
• رابعا: أدت حوادث عدّة إلى انعدام الثقة بين عناصر وقادة قوات الحرس الثوري الإيراني. خاصة بعد حالة الفشل في دعم الحليف الأسدي الحاكم في سوريا أمام ثورة شعبها النبيل وهو ما يمثل حرجا كبيرا للحرس الثوري وحزب الله وسائر التنظيمات الموالية له والداعمة عمليا ولوجيستيا لنظام بشار الأسد أمام رافضيه، دون تحقيق نجاحات نوعية ومع انحسارات نوعية وكمية في بنية النظام التي تشرف على التفكك الكامل مع توالى الانشقاقات عنه والانضمام لصفوف الثورة! فقد قادت الثورة السورية الكثير من الإيرانيين إلى الشك في قيادة الحرس الثوري الإيراني وأحيت الثقة في صفوف المعارضة الداخلية والخارجية على السواء.
تأثير العقوبات على إيران
رغم مؤسسة الحرس الثوري الإيراني هي أكثر المؤسسات الإيرانية تماسكا، لكن الضغط المتزايد بسبب حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، وضع هذه المؤسسة العسكرية النخبوية في حالة غير مسبوقة، فقد تراجعت عائدات تصدير النفط وتدنى سعر صرف الريال الإيراني، بينما انزلق الحليف السوري في حرب أهلية منذ مدة طويلة.
وازدادت هذه المشكلة تعقيداً بسبب انقسام المؤسسة السياسية الإيرانية الذي بدأ في عاميّ 2004 و2005، عندما سيطر الإصلاحيون بقيادة خاتمي على المجلس التشريعي والرئاسة.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل سينتقل هذا الانقسام إلى مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، علماً أنها حافظت على تماسكها الداخلي منذ عقود من الزمن؟ وتكمن أهمية هذا السؤال في حقيقة أنّ ضعف مؤسسة الحرس الثوري الإيراني يعني ضعف النظام الإيراني برمته.
وتبدو مشكلات إيران الإقتصادية المتواصلة أثارت بعض الشكوك حول مصداقية الحرس الثوري الإيراني، ناهيك عن ترنّح النظام السوري.
وفي هذه الأثناء، يشعر الكثيرون في إيران بالقلق من إمكانية انتقال الانقسامات التي أصابت المؤسسات المدنية إلى مؤسسة البلاد الرئيسية: مؤسسة الحرس الثوري الإيراني.
ومن المرجح أن يكون هذا القلق سبب التزام كبار قادة الحرس الثوري الإيراني بالحدّ من إختلافاتهم لأجْل الحفاظ على سلامة الدولة – خصوصاً أنّ هذه المؤسسة تتولى مهمة ضمان أمن النظام الإيراني. لكن في أوقات الأزمات، تتعرض أكثر المؤسسات انضباطاً واحتراماً لدعوات التغيير، الأمر الذي قد يعرضها إلى الإنقسام الداخلي. وهذا ما ينطبق أيضاً على مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، وهو الأثر الذي تحدثه العقوبات على الداخل والاجتماع والاقتصاد الإيراني كما تحدثه طموحات الثورة على الأصل الإيراني كما وقعت على الحليف السوري!.
---------------------------------------------
منقوووووول
بقلم : هاني نسيرة
الحرس الثوري الإيراني.. بين القوة والضعف
دراسة تستعرض تاريخ هذه المؤسسة الأمنية وعلاقتها بتطورات الملف السوري
الثلاثاء 21 ذو الحجة 1433هـ - 06 نوفمبر 2012م
معهد العربية للدراسات
تُعدّ قوات الحرس الثوري الإيراني أقوى مؤسسات النظام الإيراني، وأكثرها كفاءة، وإلى حد كبير، يعتمد نفوذ إيران الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط على هذه المؤسسة، كما يمثل باعتباره جيشا عقائديا مؤمنا بإيديولوجيا الثورة الإيرانية الخمينية، أداة القمع للمعارضين والاحتجاجات خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي بفعل العقوبات وفاعلية المعارضة بفضل إلهام الثورات العربية وبخاصة الثورة على النظام السوري الحليف، فضلا عن أزمات النظام الإيراني البنيوية وفي مقدمتها العلاقة بين المرشد والرئاسة أو بين أجهزة الحرس الثوري نفسه.
في هذه الدراسة، يحاول الكاتب هاني نسيرة، عرض مسار وتشكيل الحرس الثوري وتكويناته- فيالقه- الخمس وأدوارها كما يعرض للتحديات الجديدة المتداخلة خارجيا وداخليا، بين العقوبات والثورات والمعارضات البازغة داخليا وخارجيا.
وتفترض هذه الدراسة أن الفاصل الثوري السوري الذي استهدف الحليف متزامنا مع نضوج تأثير العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي يمثلان معا فاصلا للتراجع في مسار الحرس الثوري والدولة الإيرانية على السواء، بعد انفلاق الهلال الإيراني وصعوده مع حرب تحرير العراق سنة 2003، ونجاح إيران في استثماره لصالحها وحلفائها بشكل كبير.
وتشبه قوات الحرس الثوري الإيراني الجيوش التقليدية الأخرى في أشياء كما تختلف عنها في أشياء أخرى، فهي ليست محصنة من المشكلات السياسية الداخلية شأن الجيوش التقليدية، ولكن يظل الحرس الثوري مميزا بطبيعته الإيديولوجية وإمكانياته اللامحدودة ومهامه الداخلية والخارجية التي لا تقف عند الدفاع عن الأرض بل الدفاع عن الثورة وتصديرها واستهداف مستمر لخصومها، كما أنه يختلف عن الجيوش التقليدية بتبعيته وهيراركيته التي يرأسها الولي الفقيه وهو ما ساعده على ابتلاع الجيش الإيراني النظامي نفسه، وهو ما نوضحه فيما يلي.
التأسيس والمسار
تأسست مؤسسة قوات الحرس الثوري الإيراني على يد الخميني وقيادات الثورة الدينية عام 1981 بعد قيام الثورة بعامين، ويضطلع بمهمة حماية وحفظ النظام الذي يؤمن بولاية "الفقيه" من المخاطر المحتملة الداخلية والخارجية, وهذا ما جاء في ميثاقه التنظيمي الأساسي.
أمر بتشكيل الحرس الثوريّ الإيرانيّ لأهدافٍ عديدة ولمهمّات كثيرة , يقول السيد الخميني عن حرس الثورة: "لو لم يكن حرس الثورة ما كانت الدولة, إني أوقر الحرس وأحبهم وعيني عليهم, فلقد حافظوا على البلاد عندما لم يستطع أحد. ومازالوا, إنهم مرآة تجسم معاناة هذا الشعب وعزيمته في ساحة المعركة وتاريخ الثورة". المصدرجمهوري إسلامي في 15/1/1984)
ويقول هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانيّ في بيان دور الحرس الثوريّ: " إن حرس الثورة الإسلامية الذي تشكل من أكثر الأشخاص تجربة ونضجاً, عليه مسؤولية المحافظة على منجزات الثورة ودستورها, لقد كان دور الحرس مؤثراً في إحباط كل مؤامرات القوى الاستكبارية ضد الثورة, سواء في أعمال التخريب أو التضليل أو جبهات القتال, كما قاموا بدور كبير في رفع الروح المعنوية للجماهير, وكان دورهم الفني أهم من دورهم العسكري, وقد غطى جهازهم الإعلامي الاحتياجات الإعلامية, كذلك كان لهم دور كبير خارج البلاد في تصدير الثورة الإسلامية, فأثبتوا أنهم جهاز يمكن الاعتماد عليه". المصدركيهان في 7/12/1984).
وترجع أهمية حرس الثورة إلى أسلوب إنشائه، وأدبياته فهو تنظيم عقائدي وأيدولوجي مؤمن بولاية الفقيه وتصدير الثورة وحمايتها حسبما وضعها الخميني، ويتم تدريبه وتعليمه بشكل خاص، ويختاصر المرشد شخصيا قياداته وعناصره الشابة، المتحمسة ليتم الضخ بها في" معسكرات الثوار في مختلف أنحاء العالم، على أداء المهام القتالية من الالتحام إلى حرب المدن وحرب العصابات, ثم كلفوا بحماية قادة الثورة فكان ولاءُهم المطلق للثورة ومبادئها وأهدافها, وتم تحويلهم إلى جيش له قواته البرية والبحرية والجوية فضلاً عن وحدات الصواريخ والمصانع الحربية, في 21/4/1979 من خلال إدارة عقائدية سياسية على أساس أيديولوجية النظام, فلا يقف واجبه عند حد الدفاع عن البلاد, إنما يتخطاه إلى إقرار الأمن وتعقب أعداء الثورة وتعمير البلاد والدعاية للثورة وتصديرها إلى الخارج. (اطلاعات في 23/11/1993).
و كان لقوات الحرس الثوري الإيراني دور مبكر في قمع الخارجين على الثورة من رفقائها السابقين وفي مقدمتها منظمة مجاهدي خلق وكذلك التنظيمات الأحوازية في منطقة عربستان، وغيرهم ممن الذين شاركوا في الثورة ثم خرجوا عليها مع أطياف كثيرة اخرى ممن شاركت فيها، وصنعتها انقلب عليهم الخميني بعد فترة، وكان الحرس الثوري أداته في قضائه وحربه على من اعتبرهم اعداء الثورة رغم أنهم من صنعوها معه.
كما كان للحرس الثوري دور كبير في الحرب العراقية – الإيرانية، وكذلك في تتبع تنظيمات ومجموعات المعارضة المختلفة داخل وخارج إيران في الشرق الأوسط ومختلف دول العالم، وفي مقدمتها تدريبات فروع حزب الله الذي نثرته إيران وسط الأقليات والجماعات الشيعية في العالم العربي مواليا لها ومؤمنا بولاية الفقيه ومقدما لولايته على الانتماء الوطني! وفي أثناء الأزمة السورية دعى خامنئي عناصر الحزب الثوري للتراجع عن النشاط في بلدان العالم المختلفة، والتركيز على منطقة الشرق الأوسط، ووجه نقدا ل قاسم سليماني بسبب فشل قمع الثورة السورية، في أوائل اكتوبر سنة 2012، وهو يعد ذراع ايران الناشط الآن مع نظام بشار الأسد المترنح في سوريا.
كل هذه العوامل ساعدت جيش الحرس الثوري الإيراني في تأكيد مكانته وأهميته في صميم الأمن القومي الإيراني والسياسة الخارجية الإيرانية، وخاصة ما يتعلق منها بحلفاء إيران والأحزاب والجماعات الموالية لها سواء من حيث التدريب أو الدعم اللوجيستي، أو التخلص من الخصوم!
وتقوم تبعية الحرس الثوري المباشرة ل مرشد الثورة، الخميني ثم خامنئي، وليست لمؤسسات الدولة الاخرى بما فيها الرئاسة، فهو وليد الملالي والنخبة الدينية للثورة، وتستمر تبعيته للولي الفقيه والمرشد الأعلى دون سواه، الذي يمثله ممثل خاص في الحرس الثوري يتولاه على سعيدي، الذي صرح في 24 أكتوبر سنة 2012 على خلفية الخلاف بين المرشد والرئيس محمود احمدي نجاد على أولوية المرشد وعلو مرتبته على الرئيس بل يستمد الأخير شرعيته منه، في مقابلة مع صحيفة "اعتماد" الإصلاحية نشرتها مواقع إلكترونية في 23 أكتوبر سنة 2012, ان "تلك القوات نادمةٌ على مساندتها نجاد", مضيفاً "لم ندرك في شكل دقيق ما يدور في ذهنه أو ما يريد فعله مستقبلاً" عندما ساندناه، واشار إلى أن نجاد "يعتقد بأن شرعيته أتت من أصوات الشعب", مؤكداً أن "المرشد هو الذي يصادق على أصوات الشعب ويعين الرئيس" وهو ما اعتبره العديد من المحلليين رسالة وداع من قبل الحرس الثوري للرئيس احمدي نجاد وتخليا عنه بعد ما قدمه لصالحه وقمع معارضيه منذ انتخابات يونيو العام 2009.
ويتم تعيين جنرالات الحرس الثوري الإيراني من جانب المرشد الأعلى، وليس من جانب الحكومة المدنية.
ومع أن رجال الدين يديرون مؤسسات رسمية مهمة، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام والسلطة القضائية ومجلس الخبراء، إلا أنهم يعتمدون على قوات الحرس الثوري الإيراني لضمان سيطرتهم على هذه المؤسسات، الأمر الذي عزز ويعزز نفوذ هذه القوات، فهو ذراع المرشد الأعلى للثورة التي تسيطر على كل شئ في نمط الاستبداد الديني الحديث! رغم الزركشة المؤسساتية والانتخابية التي تتم داخل إيران.
بل تولى الحرس الثوري منفردا إدارة ملفات خارجية شائكة كالتدخل في العراق ولبنان والعلاقة بالعديد من الفصائل والجماعات الناشطة في المنطقة، وأخيرا الثورة السورية، ولعل النجاح الإيراني في العراق يعود لإدراك مبكر للحرس الثوري لفرصته فيها، فوفقا للعضو المؤسس لقوات الحرس الثوري محسن سازغارا الذي يعيش حاليا بالمنفى بالولايات المتحدة فإن تقييم قوات القدس للغزو الغربي للعراق كان كالتالي "لدينا فرصة ذهبية. الآن يمكننا أن نجعل الأميركيين منشغلين تماما بالعمل في العراق بما نستطيع من الفوضى التي نتمكن من إثارتها فيه".( نيويورك تايمز في 3 اكتوبر 2012).
تكوينات الحرس الثوري
تضم قوات الحرس الثوري الإيراني 125 ألف عنصر، ويتكون من خمس فيالق أو وحدات رئيسية، يرأسها مجتمعة حاليا اللواء محمد على جعفري، وهي على الترتيب:
1- فيلق قوات الباسيج: وتهتم بقمع معارضة الداخل، وكان له دور كبير في قمع الحركة الخضراء، وحركات المعارضة التي تمثل شعوب وأقليات إيران المختلفة أو النشاطيات السياسية المعارضة لنظام ولاية الفقيه حتى وإن آمنت به مثل الحركة الخضراء، وينسب للباسيج.خاصة دور كبير في تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح محمود أحمدي نجاد عام 2009، وكذلك في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها إيران أوائل مارس العام 2012.
2- فيلق القدس: وتتركز مهمة فيلق القدس تحديدا في تنفيذ العمليات في الخارج، وتدريب الأحزاب والقوات الموالية لإيران في المنطقة والعالم، وكان وكان "أحمد وحيدي" أول قائد لقوات فيلق القدس والذي كان يشغل منصب معاون الأستخبارات في فيلق حرس الثورة آنذاك, وبعد اشغاله المنصب الجديد قال "احمد وحيدي" أن الغرض من تشكيل هذه القوة هو خلق « الجيش الاسلامي الدولي» وفي عام (1997) تغير(وحيدي) وجاء عميد الحرس (قاسم سليماني) وهو من اقدم قادة فيلق الحرس وأكثرهم أجراماً , وبعد الأحتلال الامريكي للعراق قام النظام الايراني بحل«لجنة نصر»وهي أحدى اللجان المختصة والمشكلة سابقاً للتدخل الأيراني في شؤون العراق وضمها الى تشكيلات قوة القدس وصدرت أوامر من القيادة الأيرانية الى جميع الوزارات تحثهم فيها التنسيق مع قيادة قوة القدس (حصرياً) فيما يخص عمل هذه الوزارات في العراق.
ولا زال يرأسه قاسم سليماني، الذي رقي لرتبة اللواء العام 2011 وهي أعلى رتبة في الحرس الثوري، ويعد الحاكم الفعلي لإيران في العراق حسبما نشرت جريدة نيويورك تايمز في 3 أكتوبر سنة 2012 وكان سليماني المخطط لمبادرتين رئيسيتين في السياسة الخارجية الإيرانية وهما: ممارسة وتوسيع نفوذ طهران في الشؤون السياسية الداخلية بالعراق وتقديم دعم عسكري لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن هنا كان لوم المرشد لأداء الحرس الثوري في الأزمة السورية، وفي العام 2011 وضعت وزارة الخزانة الأميركية الجنرال سليماني على قائمة عقوباتها لأن مسؤولين أميركيين قالوا إنه كان مشاركا في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي بواشنطن، وهو الدور غير المستغرب عند الكثير من المراقبين والمحللين، كما أشار تقرير ألماني نشر حديث الى مشاركة عناصر من فيلق القدس مع عناصر من حزب الله في اغتيال اللواء وسام الحسن في بيروت أوائل اكتوبر الماضي!
3- فيلق القوات الجوية.
4- فيلق القوة البرية.
5- فيلق القوات البحرية
ابتلاع الدولة ووصاية الولي الفقيه
تمتلك مؤسسة الحرس الثوري اذرعا فرعية متعددة الأشكال والوظائف والاغطية، منها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعسكرية والدبلوماسية والاجتماعية، ناهيك عن الأذرع الاستخباراتية هذا التنوع الضمني، جعل هذه المؤسسة، منظومة مستقلة بقرارها ولاسيما الاقتصادي منه، متمتعة بقدر عال من الأرصدة والأصول المالية والبشرية والعضوية تتبع الولي الفقيه وحده.
فقد طوّر الحرس الثوري الإيراني حقيبة إقتصادية متينة، فالكثير من قادة هذه القوات يتقاعدون في سن مبكّرة نسبياً - حوالي 50 عاماً – ثم ينضمّون إلى نخبة إيران السياسية والإقتصادية. واليوم، يسيطر القادة السابقون لقوات الحرس الثوري الإيراني على الصناعات الثقيلة، بما فيها صناعة البناء. ويخضع المدنيون الذين يُديرون هذه الصناعات لسلطة عناصر خدمت سابقاً في قوات الحرس الثوري الإيراني وتدين بالولاء له وللولي الفقيه.
وقد ساعد هذا التمدد والتوزع لبنية وهياكل الحرس الثوري وحدوده اللامتناهية في السلطة الإيرانية عبر التعبية المباشرة للولي الفقيه فقط، إلى أن امتد نفوذه وابتلاعه لغيره من مؤسسات الدولة الأخرى، مثل الجيش النظامي أو القوّات المسلّحة الكلاسيكية والمؤسسات الدينية المختلفة والسلطة التنفيذية، التي يقودها الرّئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؛ وإلى الدائرة الرئيسية للإستخبارات المدنية ووزارة الأمن القومي والاستخبارات.
وفي العقود الأخيرة، وسّعت قوات الحرس الثوري الإيراني نفوذها - وسيطرتها في بعض الحالات – إلى أجهزة تطبيق القانون والعمليات الاستخباراتية الخارجية والقيادة العسكرية الإستراتيجية والإقتصاد الوطني.
ولما سبق يمكن القول إن التوقعات التي انيطت بمؤسسة الحرس الثوري الإيراني عند تأسيسها عام 1981 فاقت توقعات مؤسسيها أنفسهم، فمن الناحية النظرية، يدين قادة وضبّاط الحرس الثوري الإيراني بالولاء للسيد خامنئي والمؤسسة الدينية.
لكن عملياً، لا تتبع قوات الحرس الثوري الإيراني إلى أيّ كيان أو فئة. إذ تعتبر قوات الحرس الثوري الإيراني نفسها الوريث الشرعي للثورة والمنقذ الحقيقي للجمهورية الاسلامية، وقد تناثرت أنباء عن اعتراضت وجهها المرشد لأدائها أثناء الثورة السورية.
كما تعتبر نفسها الأقدر على حكم البلاد والأجدر بهذا الدور، علماً أن الدستور الإيراني يمنع الحرس الثوري الإيراني من الاضطلاع بأي دور سياسي. في المقابل، هناك ما يبرر القناعات الموجودة لدى الحرس الثوري الإيراني. فمنذ فترة طويلة، تقدم مؤسسة الحرس الثوري الإيراني للقطاع المدني المحلي بالعديد من كبار المديرين الأكفاء أصحاب التوجهات مختلفة.
بالتالي، تعكس الإشارة إلى موقف مؤسسة الحرس الثوري الإيراني من قضية ما موقف غالبية قادة المؤسسة.
كما أن الإشارة إلى المصالح المؤسساتية لقوات الحرس الثوري الإيراني تعكس موقف غالبية القادة والضبّاط الذين يتبنون نفس القيم. لذا، من المؤكّد أن هناك إختلافات في الرأي بين قادة الحرس الثوري الإيراني لكن هذه الإختلافات لم تتحول بعد إلى انقسامات حادة، داخل هذه المؤسسة العسكرية النخبوية. ومع أن تماسك مؤسسة الحرس الثوري الإيراني قد يضعف في المستقبل، إلا أنه سيظل متيناً في المرحلة الراهنة، على أقل تقدير.
فاصل الثورة السورية والعقوبات
تجد قوات الحرس الثوري الإيراني نفسها عالقة بين قائدها الأعلى – وهو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران - والرئيس.
فمن ناحية، رغم ما تبديه وما تؤكده في مواقفها من ولائها الإيماني والقانوني للمرشد الأعلى، ولكن في ظل العقوبات والأزمة السورية والتحديات المختلفة في الداخل الإيراني وخارجه، بل وداخل هياكل الحرس الثوري نفسه يبدو التوجه للتوازن حفاظا على موقع الحرس الثوري ودوره في النظام السياسي الإيراني الذي يدير معاركه بكل أدواته ووجوهه وليس المرشد فقط، بل قد يكون بحاجة للتناقض في التصريحات من باب المراوغة أحيانا كثيرة، خاصة في الملفات الحرجة كالعقوبات والبرنامج النووي والأزمة السورية والعلاقة بالخليج العربي وغير ذلك من باب إرباك الخصوم أحيانا، أو ضخ الطمأنينة بالسياسة أو بالعنف الخطابي للداخل الإيراني أحيانا أخرى.
ولكن تزداد هذه الحالة تعقيداً بسبب الفجوة المتزايدة بين دائرة استخبارات مؤسسة الحرس الثوري الإيراني وباقي أجهزة هذه المؤسسة، وهو ما يمكن رده للفشل الذي سقطت فيه مؤسسات الحرس الثوري وخاصة فيلق القدس سواء في العمليات التي فشلت أو التي انكشفت في الولايات المتحدة أو لبنان أو العراق في العام الأخير.
وهنا، يكمن أحد المصادر الرئيسية للصراع داخل مؤسسة الحرس الثوري الإيراني. فقد أفاد بعض التقارير بأنّ دائرة إستخبارات الحرس الثوري الإيراني تتنصت بشكل دوري على هواتف ومحادثات قادة وضبّاط قوات الحرس الثوري الإيراني. وتكمن المشكلة بين وحدة الإستخبارات وبقيّة قوات الحرس الثوري الإيراني في حقيقة أن قيادتها معيّنة من قِبل خامنئي وترفع تقاريرها إليه.
وإذا كان هذا الانقسام قائماً بالفعل، فإنه يمثّل الاستثناء الواضح لحالة التماسك العام لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني، فضلا عن التحديات التي تتحدى بنية النظام الإيراني ككل بدءا من العقوبات إلى المعارضة الداخلية، السياسية والدينية، وسقوط الحلفاء الخارجيين أو انكشافهم! .
ويمكن إجمالا تحديد نقاط الضعف البنيوية والمحتملة في أداء ومسار الحرس الثوري في النقاط التالية:
لقد حددنا خمسة تطوّرات يُمكنها أن تهدّد وحدة قوات الحرس الثوري الإيراني.
• أولاً نظراً إلى انخراط الساسة والعسكر في الإقتصاد، ظهر استياء في صفوف عناصر قوات الحرس الثوري الإيراني الأقل تراتبية، وذلك على خلفية قناعتهم بأن المنافع الإقتصادية لا توزّع بشكل منصف على الأصغر رتبة.
• ثانياً أصبحت قوات الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن الأمن الداخلي بعد عام 2009، وأحداث الحركة الخضراء حيث وُضعت قوات الباسيج تحت إمرتها على أثر قمع الحركة الخضراء.
لذا، تتحسّب مؤسسة الحرس الثوري الإيراني من إتّخاذ اجراءات صارمة ضدّ حركة المعارضة لأنها تضمّ عدداً من كبار المسؤولين الرسميين السابقين بها مما يخشى أن يشتت ولاءات عناصرها مع الوقت أو يهدد بناءها الأيدولوجي خاصة وأن الحركة الخضراء لم تكن ضد ولاية الفقيه كنظرية ولكن ضد خامنئي والمحافظين كممارسة!
• ثالثا: أدت آخر جولة من العقوبات وإدراج الحرس الثوري الإيراني في القائمة السوداء إلى إضعاف القدرات التمويلية لهذه المؤسسة واستهدافها بشكل خاص عبر العقوبات المختلفة، وهو ما أثر على فاعليتها وأدائها، خاصة مع تجفييف الروافد المالية لها، رغم كثرة تصريحات قادتها وتهديداتها التي تزداد وتتراجع حدتها بين آن وآخر.
• رابعا: أدت حوادث عدّة إلى انعدام الثقة بين عناصر وقادة قوات الحرس الثوري الإيراني. خاصة بعد حالة الفشل في دعم الحليف الأسدي الحاكم في سوريا أمام ثورة شعبها النبيل وهو ما يمثل حرجا كبيرا للحرس الثوري وحزب الله وسائر التنظيمات الموالية له والداعمة عمليا ولوجيستيا لنظام بشار الأسد أمام رافضيه، دون تحقيق نجاحات نوعية ومع انحسارات نوعية وكمية في بنية النظام التي تشرف على التفكك الكامل مع توالى الانشقاقات عنه والانضمام لصفوف الثورة! فقد قادت الثورة السورية الكثير من الإيرانيين إلى الشك في قيادة الحرس الثوري الإيراني وأحيت الثقة في صفوف المعارضة الداخلية والخارجية على السواء.
تأثير العقوبات على إيران
رغم مؤسسة الحرس الثوري الإيراني هي أكثر المؤسسات الإيرانية تماسكا، لكن الضغط المتزايد بسبب حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، وضع هذه المؤسسة العسكرية النخبوية في حالة غير مسبوقة، فقد تراجعت عائدات تصدير النفط وتدنى سعر صرف الريال الإيراني، بينما انزلق الحليف السوري في حرب أهلية منذ مدة طويلة.
وازدادت هذه المشكلة تعقيداً بسبب انقسام المؤسسة السياسية الإيرانية الذي بدأ في عاميّ 2004 و2005، عندما سيطر الإصلاحيون بقيادة خاتمي على المجلس التشريعي والرئاسة.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل سينتقل هذا الانقسام إلى مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، علماً أنها حافظت على تماسكها الداخلي منذ عقود من الزمن؟ وتكمن أهمية هذا السؤال في حقيقة أنّ ضعف مؤسسة الحرس الثوري الإيراني يعني ضعف النظام الإيراني برمته.
وتبدو مشكلات إيران الإقتصادية المتواصلة أثارت بعض الشكوك حول مصداقية الحرس الثوري الإيراني، ناهيك عن ترنّح النظام السوري.
وفي هذه الأثناء، يشعر الكثيرون في إيران بالقلق من إمكانية انتقال الانقسامات التي أصابت المؤسسات المدنية إلى مؤسسة البلاد الرئيسية: مؤسسة الحرس الثوري الإيراني.
ومن المرجح أن يكون هذا القلق سبب التزام كبار قادة الحرس الثوري الإيراني بالحدّ من إختلافاتهم لأجْل الحفاظ على سلامة الدولة – خصوصاً أنّ هذه المؤسسة تتولى مهمة ضمان أمن النظام الإيراني. لكن في أوقات الأزمات، تتعرض أكثر المؤسسات انضباطاً واحتراماً لدعوات التغيير، الأمر الذي قد يعرضها إلى الإنقسام الداخلي. وهذا ما ينطبق أيضاً على مؤسسة الحرس الثوري الإيراني، وهو الأثر الذي تحدثه العقوبات على الداخل والاجتماع والاقتصاد الإيراني كما تحدثه طموحات الثورة على الأصل الإيراني كما وقعت على الحليف السوري!.
---------------------------------------------
منقوووووول