هكذا علمتني الثورة السورية - 16
بقلم : أبو ياسر السوري
منذ 31 / 5 / 2012 كانت الحلقة الخامسة عشرة من " هكذا علمتني الثورة السورية " التي لخصت فيها آنذاك بعض القناعات التي قادتنا إليها التجربة ، وما زالت التجربة المتجددة تَمُدُّنا كل يوم بجديد . وتتحفنا بدروس يمكن أن نتخذ منها منارا نسير على ضوئه فيما تبقى من مراحل الكفاح ، على طريق النصر القادم بعون الله .
51 – مما أفادتنا به الثورة ، أن المحايد فيها ، والمقاوم ، والمعارض ، كلهم في الهَمِّ سواء . فالثورة حولت الوطن كله إلى ساحة صراع واسعة ، لا يدفع مخاطرها دفن الرأس في الرمال ، فربما نزل الموت بالمحايدين قبل المنخرطين في أتون الأحداث ، وربما أصاب الموت الموالين للنظام قبل المعارضين له . فبراميل الديناميت ، التي يرميها طيران النظام من الجو على رؤوس المواطنين ، لا تفرق بين موال ولا محايد ولا معارض ، وإنما تقتل الجميع دون تفريق ، وهذا ما أثبتته الوقائع ..
وأقرب واقعة تؤكد ذلك ، ما حدث بالأمس ، فقد قام النظام بقصف ( معمل صباغ وشراباتي لملابس الجنز بحلب ) وصاحب هذا المعمل ليس له علاقة بالثورة لا من قريب ولا من بعيد ، ومع ذلك لم يسلم ، وضاعت أمواله غير مأجور عليها .. وقد حدث مثل هذه الخسارة لكثير من التجار ، الذين آثروا الوقوف مع النظام ، فسلطه الله عليهم ، ففرض عليهم ضرائب خيالية ، كادت أن تذهب برؤوس أموالهم ، وتردهم إلى حياة الفقر والفاقة . وهذه عقوبة إلهية يجب أن يتعظ بها بقية التجار ، لأن الله أمرهم أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله فأبوا وامتنعوا عن الإنفاق ، فسلط الله عليهم النظام فسلبهم أموالهم ، فكان امتناعهم عن تزويد الثورة بالمال ، بمثابة إلقاء النفس إلى التهلكة ، كما قال تعالى ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ... لقد أحرقت براميل النظام عددا كبيرا من المعامل والمصانع التي تعود ملكيتها إلى تجار حلب الموالين للنظام ، وذلك أثناء القصف العشوائي ، من ذلك على سبيل المثال ، أن برميلا سقط فارتطم بمئذنة مسجد ، فتحول اتجاهه إلى معمل قريب لتاجر من الموالين للنظام ، فأحرقه ، فباء بخسارة الدنيا والآخرة . قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) . ونحن نقول للمترددين والمحايدين والسلبيين : إن هذه الثورة منصورة لا محالة ، فلا يفوتنكم اللحاق بهذا الشرف ، وإلا أصابكم ما أصاب من تخلف عن غزوة ذي قار من ندامة ، لأنهم فوتوا على أنفسهم شرف المشاركة في يوم ذي قار ، الذي انتصر فيه العرب على العجم ، ولهذا قال الأعشى :
لو أنَّ كل معدٍّ كان شاركنا: في يومِ ذي قارَ ما أخطاهمُ الشرفُ
52– ومن فوائد هذه الثورة ، أنها تقول للأكراد لا تأمنوا أن ينقلب عليكم النظام حين يستتب له الأمر ، ويمارس في حقكم الحل الأمني ، كما يفعل الآن مع معارضيه من الطائفة السنية والطوائف الأخرى المعارضة له .. والسعيد من وُعِظَ بغيره .. وعلى الإخوة الكرد أن يحذروا من الوقوع في مصائد النظام ، فهو يعتمد على مبدأ فرق تسد ، فما زال ديدنه مخادعة الأقليات بالوعود المغرية ، وهو كذاب لا ولن يستطيع الوفاء لهم بوعوده ، ولكنه يلعب على هذا الوتر ، لينفرد بمعارضيه فصيلا فصيلا . ويخيل إليه أنه بذلك سيقمع الثورة وهو أعجز عن ذلك ، لأن إرادة الله مع الثوار الأحرار ، وإرادة الله لا تُغْلَبُ ، واللهُ غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...
53– الآن عرف الشعب السوري أن أكثر المشايخ والقساوسة لا يستحقون الاحترام ولا التعظيم ، لأنهم تخلوا عن موقع القيادة ، الذي كان ينبغي أن يكونوا فيه ، وكان عليهم أن يقودوا الثورة ضد الفساد والاستبداد ، ولكنهم آثروا الوقوف مع الجلاد ضد الضحية .. وهذا الموقف المشين كشف عن الوجه الحقيقي لهؤلاء المتاجرين باسم الدين . إنهم منافقون يفضلون الوقوف مع الأقوى دائما ، ويمكن أن ينقلبوا غداً بعد سقوط النظام إلى مطبلين ومزمرين للثورة .. وقد يمتطي الحسون صهوة المنبر بعد سقوط النظام ، فيتباكى ويقدم لنفسه التبريرات عما سلف منه ، ويمكن أن يتعالى هدير الحوت من فوق منبر الكلتاوية ، معلنا أنه كان ممن كان يكتم إيمانه ، وأنه كان يستخفي خلف مهاجماته للثوار بين حين وآخر . لا تستغربوا أن يحدث هذا ، ولو حدث لا تستغربوا أن تنبري آلاف الأصوات التي تصدقه ، لا لأنه صادق ، وإنما لأن أتباعه الفاسدين ، لا يستطيعون الحياة بدون رأس فاسد يستأنف قيادتهم على دروب الكذب والضلال ...
54 – تأخر المشايخ عن الانضمام لركب الثورة ، ضاعف ضريبة الدم على أهل حلب ، ولو أنهم سارعوا إلى المشاركة في الثورة من أيامها الأولى لتغيرت المعادلة ، ولعجلوا بإسقاط النظام خلال أيام فقط . ولا أقول هذا جزافا ، وإنما أقوله متأكدا من صدق ما أقول .. فإن للمشايخ في حلب سلطانا قويا على العامة ، وكل شيخ يلتف حوله من هؤلاء العوام مئات الآلاف ، لو أمرهم الشيخ أن يُلقوا بأنفسهم في لجج البحر لفعلوا دون تردد .. وأنا على ثقة بأن الحوت والعكام والبدلة والبيانوني ، وعلى رأسهم الشيخ السلقيني ، ومعهم الشيخ إسماعيل أبو النصر .. هؤلاء المشايخ لو شاؤوا أن تخرج حلب عن بكرة أبيها دفعة واحدة ، فأقل ما يستجيب لهم دفعة واحدة ( مليون إنسان ) ، وكلهم مستعد أن يموت في سبيل الله لو أفتاه شيخه بذلك .. ولكنهم لم يفعلوا ، بل نهوا الناس عن الخروج وأفهموهم أن هذه المظاهرات نوع من الفتنة ، وأن الفتنة نائمة واللعنة على من أيقظها ..
أنا أقول هذا الكلام ، وأعلم أن بعض المتزلفين سوف يَتبرع بالكذب لتلميع صورة هؤلاء المشايخ ، ويحاول خداع الناس بذلك ، ولكن الله لا يخدع .. إن هؤلاء المشايخ يتحملون تبعة ما حصل ، من مضاعفة القتل وهدم المباني ، وطمس الآثار ، ودفن المعالم التاريخية تحت الأنقاض ... ولا يفيدهم التلاعب بالألفاظ ، واستحضارهم لقواعدَ فقهية لا تنطبق على الواقع ، ولا تمت إليه بصلة . وقد كان من العبث قولهم : يجب تحكيم نظام الموازنات .. أو العمل بقاعدة : دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف .. أو قاعدة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .. كما لا تفيدهم الأحاديث الواردة في الفتنة ، فما نحن فيه ليس من قبيل الفتنة ، ولا يفيدهم لي ألسنتهم بالكلام ، والضحك بذلك على العوام الهوام . فأيام الجهل قد ولَّتْ . وما أيسر أن ينكشف جهل الجاهل حين يستخدم هذه القواعد ليلبس جهله لبوس العلم ، ويخفي جبنه تحت ستار الدين .
55 – كشفت لنا الثورة أنه ليس لدينا معارضة ثورية ، وإنما لدينا بقايا معارضين سياسيين ، ينتمون إلى أحزاب قديمة شتى ، لا يستطيعون أن يتجردوا من ولائهم لحزبياتهم القديمة ، ولذلك لم يتفقوا على أمر فيه صلاح الشعب السوري حتى الآن ، وقد مضى على الثورة حوالي سنتين تقريبا ...
وهؤلاء المجتمعون في الدوحة اليوم ، كلهم لا يعنيه تزايد قائمة الموت ساعة فساعة ، بمقدار ما يعنيه ، كم سيكون نصيبه من قسمة التركة ؟؟ وما محله من الإعراب في حكومة المستقبل ؟؟ وكل منهم يتساءل في سره : هل يمكن أن أكون وزيرا أو سفيرا أو .. أو ..؟
ولا يدري هؤلاء أن مرور الزمن يعني زيادة الأيامى واليتامى والثكالى .. ولا يدري هؤلاء أن عدم توصلهم إلى اتفاق بينهم هو الذي استبقى بشار الأسد حيث هو كل هذه الشهور التي أربت على العشرين .. ولا يدري هؤلاء أن ما تسببوا به من خسائر حتى الآن كفيل بأن يضعهم أمام المساءلة القانونية تجاه الوطن والمواطن على حد سواء . خصوصا وأن للتاريخ ذاكرة لا تنسى .
فيا هؤلاء الساسة ، لا تدعوا التاريخ يسجل عليكم مزيدا من الزلات . وحسبكم ما فات .
بقلم : أبو ياسر السوري
منذ 31 / 5 / 2012 كانت الحلقة الخامسة عشرة من " هكذا علمتني الثورة السورية " التي لخصت فيها آنذاك بعض القناعات التي قادتنا إليها التجربة ، وما زالت التجربة المتجددة تَمُدُّنا كل يوم بجديد . وتتحفنا بدروس يمكن أن نتخذ منها منارا نسير على ضوئه فيما تبقى من مراحل الكفاح ، على طريق النصر القادم بعون الله .
51 – مما أفادتنا به الثورة ، أن المحايد فيها ، والمقاوم ، والمعارض ، كلهم في الهَمِّ سواء . فالثورة حولت الوطن كله إلى ساحة صراع واسعة ، لا يدفع مخاطرها دفن الرأس في الرمال ، فربما نزل الموت بالمحايدين قبل المنخرطين في أتون الأحداث ، وربما أصاب الموت الموالين للنظام قبل المعارضين له . فبراميل الديناميت ، التي يرميها طيران النظام من الجو على رؤوس المواطنين ، لا تفرق بين موال ولا محايد ولا معارض ، وإنما تقتل الجميع دون تفريق ، وهذا ما أثبتته الوقائع ..
وأقرب واقعة تؤكد ذلك ، ما حدث بالأمس ، فقد قام النظام بقصف ( معمل صباغ وشراباتي لملابس الجنز بحلب ) وصاحب هذا المعمل ليس له علاقة بالثورة لا من قريب ولا من بعيد ، ومع ذلك لم يسلم ، وضاعت أمواله غير مأجور عليها .. وقد حدث مثل هذه الخسارة لكثير من التجار ، الذين آثروا الوقوف مع النظام ، فسلطه الله عليهم ، ففرض عليهم ضرائب خيالية ، كادت أن تذهب برؤوس أموالهم ، وتردهم إلى حياة الفقر والفاقة . وهذه عقوبة إلهية يجب أن يتعظ بها بقية التجار ، لأن الله أمرهم أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله فأبوا وامتنعوا عن الإنفاق ، فسلط الله عليهم النظام فسلبهم أموالهم ، فكان امتناعهم عن تزويد الثورة بالمال ، بمثابة إلقاء النفس إلى التهلكة ، كما قال تعالى ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ... لقد أحرقت براميل النظام عددا كبيرا من المعامل والمصانع التي تعود ملكيتها إلى تجار حلب الموالين للنظام ، وذلك أثناء القصف العشوائي ، من ذلك على سبيل المثال ، أن برميلا سقط فارتطم بمئذنة مسجد ، فتحول اتجاهه إلى معمل قريب لتاجر من الموالين للنظام ، فأحرقه ، فباء بخسارة الدنيا والآخرة . قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) . ونحن نقول للمترددين والمحايدين والسلبيين : إن هذه الثورة منصورة لا محالة ، فلا يفوتنكم اللحاق بهذا الشرف ، وإلا أصابكم ما أصاب من تخلف عن غزوة ذي قار من ندامة ، لأنهم فوتوا على أنفسهم شرف المشاركة في يوم ذي قار ، الذي انتصر فيه العرب على العجم ، ولهذا قال الأعشى :
لو أنَّ كل معدٍّ كان شاركنا: في يومِ ذي قارَ ما أخطاهمُ الشرفُ
52– ومن فوائد هذه الثورة ، أنها تقول للأكراد لا تأمنوا أن ينقلب عليكم النظام حين يستتب له الأمر ، ويمارس في حقكم الحل الأمني ، كما يفعل الآن مع معارضيه من الطائفة السنية والطوائف الأخرى المعارضة له .. والسعيد من وُعِظَ بغيره .. وعلى الإخوة الكرد أن يحذروا من الوقوع في مصائد النظام ، فهو يعتمد على مبدأ فرق تسد ، فما زال ديدنه مخادعة الأقليات بالوعود المغرية ، وهو كذاب لا ولن يستطيع الوفاء لهم بوعوده ، ولكنه يلعب على هذا الوتر ، لينفرد بمعارضيه فصيلا فصيلا . ويخيل إليه أنه بذلك سيقمع الثورة وهو أعجز عن ذلك ، لأن إرادة الله مع الثوار الأحرار ، وإرادة الله لا تُغْلَبُ ، واللهُ غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...
53– الآن عرف الشعب السوري أن أكثر المشايخ والقساوسة لا يستحقون الاحترام ولا التعظيم ، لأنهم تخلوا عن موقع القيادة ، الذي كان ينبغي أن يكونوا فيه ، وكان عليهم أن يقودوا الثورة ضد الفساد والاستبداد ، ولكنهم آثروا الوقوف مع الجلاد ضد الضحية .. وهذا الموقف المشين كشف عن الوجه الحقيقي لهؤلاء المتاجرين باسم الدين . إنهم منافقون يفضلون الوقوف مع الأقوى دائما ، ويمكن أن ينقلبوا غداً بعد سقوط النظام إلى مطبلين ومزمرين للثورة .. وقد يمتطي الحسون صهوة المنبر بعد سقوط النظام ، فيتباكى ويقدم لنفسه التبريرات عما سلف منه ، ويمكن أن يتعالى هدير الحوت من فوق منبر الكلتاوية ، معلنا أنه كان ممن كان يكتم إيمانه ، وأنه كان يستخفي خلف مهاجماته للثوار بين حين وآخر . لا تستغربوا أن يحدث هذا ، ولو حدث لا تستغربوا أن تنبري آلاف الأصوات التي تصدقه ، لا لأنه صادق ، وإنما لأن أتباعه الفاسدين ، لا يستطيعون الحياة بدون رأس فاسد يستأنف قيادتهم على دروب الكذب والضلال ...
54 – تأخر المشايخ عن الانضمام لركب الثورة ، ضاعف ضريبة الدم على أهل حلب ، ولو أنهم سارعوا إلى المشاركة في الثورة من أيامها الأولى لتغيرت المعادلة ، ولعجلوا بإسقاط النظام خلال أيام فقط . ولا أقول هذا جزافا ، وإنما أقوله متأكدا من صدق ما أقول .. فإن للمشايخ في حلب سلطانا قويا على العامة ، وكل شيخ يلتف حوله من هؤلاء العوام مئات الآلاف ، لو أمرهم الشيخ أن يُلقوا بأنفسهم في لجج البحر لفعلوا دون تردد .. وأنا على ثقة بأن الحوت والعكام والبدلة والبيانوني ، وعلى رأسهم الشيخ السلقيني ، ومعهم الشيخ إسماعيل أبو النصر .. هؤلاء المشايخ لو شاؤوا أن تخرج حلب عن بكرة أبيها دفعة واحدة ، فأقل ما يستجيب لهم دفعة واحدة ( مليون إنسان ) ، وكلهم مستعد أن يموت في سبيل الله لو أفتاه شيخه بذلك .. ولكنهم لم يفعلوا ، بل نهوا الناس عن الخروج وأفهموهم أن هذه المظاهرات نوع من الفتنة ، وأن الفتنة نائمة واللعنة على من أيقظها ..
أنا أقول هذا الكلام ، وأعلم أن بعض المتزلفين سوف يَتبرع بالكذب لتلميع صورة هؤلاء المشايخ ، ويحاول خداع الناس بذلك ، ولكن الله لا يخدع .. إن هؤلاء المشايخ يتحملون تبعة ما حصل ، من مضاعفة القتل وهدم المباني ، وطمس الآثار ، ودفن المعالم التاريخية تحت الأنقاض ... ولا يفيدهم التلاعب بالألفاظ ، واستحضارهم لقواعدَ فقهية لا تنطبق على الواقع ، ولا تمت إليه بصلة . وقد كان من العبث قولهم : يجب تحكيم نظام الموازنات .. أو العمل بقاعدة : دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف .. أو قاعدة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .. كما لا تفيدهم الأحاديث الواردة في الفتنة ، فما نحن فيه ليس من قبيل الفتنة ، ولا يفيدهم لي ألسنتهم بالكلام ، والضحك بذلك على العوام الهوام . فأيام الجهل قد ولَّتْ . وما أيسر أن ينكشف جهل الجاهل حين يستخدم هذه القواعد ليلبس جهله لبوس العلم ، ويخفي جبنه تحت ستار الدين .
55 – كشفت لنا الثورة أنه ليس لدينا معارضة ثورية ، وإنما لدينا بقايا معارضين سياسيين ، ينتمون إلى أحزاب قديمة شتى ، لا يستطيعون أن يتجردوا من ولائهم لحزبياتهم القديمة ، ولذلك لم يتفقوا على أمر فيه صلاح الشعب السوري حتى الآن ، وقد مضى على الثورة حوالي سنتين تقريبا ...
وهؤلاء المجتمعون في الدوحة اليوم ، كلهم لا يعنيه تزايد قائمة الموت ساعة فساعة ، بمقدار ما يعنيه ، كم سيكون نصيبه من قسمة التركة ؟؟ وما محله من الإعراب في حكومة المستقبل ؟؟ وكل منهم يتساءل في سره : هل يمكن أن أكون وزيرا أو سفيرا أو .. أو ..؟
ولا يدري هؤلاء أن مرور الزمن يعني زيادة الأيامى واليتامى والثكالى .. ولا يدري هؤلاء أن عدم توصلهم إلى اتفاق بينهم هو الذي استبقى بشار الأسد حيث هو كل هذه الشهور التي أربت على العشرين .. ولا يدري هؤلاء أن ما تسببوا به من خسائر حتى الآن كفيل بأن يضعهم أمام المساءلة القانونية تجاه الوطن والمواطن على حد سواء . خصوصا وأن للتاريخ ذاكرة لا تنسى .
فيا هؤلاء الساسة ، لا تدعوا التاريخ يسجل عليكم مزيدا من الزلات . وحسبكم ما فات .