الثورة السورية ولعبة الأمم - الحائط السوري
من عاصر ثورة الشام، اضطر لتغيير رؤيته في جل الأمور، السياسية منها خاصة، صار المراقب ينظر إلى النتائج وحسب، مهما طال انتظارها، ولم يعد يفتتن بالشعارات ومعسول الكلام والمزايدات الرخيصة، سقط من عينه الكثير من الرموز، وأضاف كثيرا من الأحداث الخداعة إلى ذاكرة الأكاذيب، وألقى أبطالَها في مزابل التاريخ آسفا على سذاجته وتعطيل حدسه المسلم، في مقالتي هذه ألقي الضوء على موضوعين اثنين تجلت أهميتهما للعيان خلال الثورة السورية.
الحلقة الصفوية:
إن الحلقة المفقودة التي راهن عليها الصهاينة بحذاقة قلبت الطاولة على العالم الإسلامي بأكمله، وأحدثت فجوةً عجزنا عن ملئها حتى الآن، إنها الحلقة الصفوية، وذلك مصداقا لوصفه صلى الله عليه وسلم أمته الآن بأنها غثاء كغثاء السيل، نحن أمة لا تقرأ، وتلدغ من جحرها مئات المرات.
الحلقة الصفوية، التي تجاوزها عوام المسلمين في تحليلهم لاحتلال العراق، وحرب لبنان الأهلية، ومذابح البلقان، والعدوان على الشيشان، وغزو أفغانستان، وتجميد القضية الفلسطينية، وتقطيع أواصر الأتراك وتفكك الخلافة، وغيرها الكثير من المعضلات والمصائب خلال العقود الأخيرة، حتى كشفت ثورة الشام النقاب عن وجه الصفوية القبيح، وعرّت تلك الشعارات الباطلة التي أخفت في كيانها براغماتية فارسية لا تمت للإسلام بصلة، ويخطئ من كان يظن أن النخبة السياسية الإيرانية تدين ديانة شيعية أو مسلمة، والحقيقة أنها ماسونية لا دينية صرفة، تستخدم الديانة الشيعية لبسط نفوذها وسطوتها على إيران ودول المنطقة، وليس أدل على ذلك من ضلوع إيران في تفجير المراقد في العراق بشهادة الهيئة العراقية للشيعة الجعفرية، بل حتى إن التيار الصدري نفسه اتهم الإستخبارات الإيرانية بالضلوع في أعمال تخريب في الجنوب العراقي، ولطالما كان هذا حال العراق، كلما سعى الشعب العراقي بجميع أطيافه لنيل حياة سياسية تعددية رخية، جاء الجواب الإيراني سريعا مدويا في مراقد سامراء، كلما طالب أخيار شيعة العراق بحلول منصفة بعيدا عن الهيمنة الإيرانية، جاء الرد الإيراني وسط الأشلاء والحطام والدماء الشيعية قبل السنية، ليت عقلاء الشيعة يعلمون، ولو علموا معشار وحشية نظام ولاية الفقيه الصهيوصفوي على الشيعة أنفسهم، لأعادوا النظر في ثوراتهم المزعومة ولتحسروا على جهودهم وعواطفهم المهدرة، دولة شعوبية ذات قومية تعصبية، تقف إلى جانب أي نظام يخدم أجندتها، وهنا تكمن لعبة الخطابات التي تنطلي على الشارع العربي والمسلم، فإن الدول التي تنال النصيب الأكبر من التقريع والهجوم والتوعد في الخطابات الرسمية الإيرانية هي في الحقيقة الدول ذات التحالف الأخوي والمصير المشترك، فعلاقة إسرائيل (التي ينبغي إزالتها كما يقول نجاد) تحتل موقعا كبيرا في العلاقات الإقتصادية الإيرانية، تبدأ من صفقات تجارية بين شركة الأخوة عوفر مع بعض شركات النفط إيرانية، ولا تنتهي عند الاستشارات الفنية الإسرائيلية لوزارة الزراعة الإيرانية بحسب تقرير الإذاعة الإسرائيلية العامة، مرورا طبعا بفضيحة إيران-كونترا المشهورة، فضيحة التعاون اللوجستي العسكري الإيراني الإسرائيلي الأمريكي.
بل حتى يتبين للقاريء الكريم مدى نفاق أرباب ولاية الفقيه، يجدر به الاطلاع على موقف إيران من الأزمة الأرمينية الأذربيجانية وكيف ساندت إيران أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الغالبية الشيعية الساحقة! وقد كان دعمها مطلقا غير محدود ولا مشروط، وكذا كان دعم إيران للصرب الأورثوذوكس ضد مسلمي البوسنة السنّة الأحناف، حيث كانت تقوم بكسر العقوبات المفروضة على يوغوسلافيا من خلال تزويد طائراتها بالوقود، وحتى هذه اللحظة، لم تعترف إيران بجمهورية كوسوفو المسلمة المستقلة عن يوغوسلافيا، ” عندما قدمت إلى هذه المدينة، كان انطباعي عن الشعب الصربي بأنه شعب شجاع وجدير بالإحترام…..رأيت المبنى وقد انهار جراء التفجير وأعطاني الانطباع بأن عملية التفجير قد فشلت في تدمير هوية هذه الأمة “ نعم، هذه كانت كلمات مساعد وزیر الخارجیة الإيراني للشؤون القانونیة والدولیة محمد مهدي أخوندزاده في سبتمبر 2011 ، كلمات معبرة وعميقة موجهة لتلك “الأمة” التي أذاقت أهلنا وإخوتنا مرارة المذابح والاغتصاب والتدنيس، فأي أخُوّة وأي وحدة تلك التي يتحدثون عنها ليل نهار؟!
وهنا نعود ونذكر كيف أن الشعارات والخطابات الوطنية في أنظمة هذا العصر هي مفتاح الأنظمة الديكتاتورية لاستعباد الشعوب وضمهم لمعسكراتهم التي لا تخدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلا الدول “العدوة” التي تُشتم وتُقرَّع في هذه الخطابات، آن لنا أن ندرك بأن أمريكا وإسرائيل ترحب بالكلام الفارغ الرخيص الذي يلقيه سفهاؤنا الحكام على مسامعنا ليل نهار، بل إني لن أستغرب إن كانت تلك الخطابات تعدها الدول العظمى “الإمبيريالية” نفسها بما تراه الأنسب لضمان غسل دماغ الشعوب وبالتالي تحقيق الهيمنة عليهم في كل المجالات طالما ظلوا عبيدا لؤلائك الحكام، او العملاء بصيغة أفضل.
لم نعد نرى في احداث تحرير جنوب لبنان سنة 2000 وحرب تموز سنة 2006 إلا صفقة إيرانية إسرائيلية، نعم رأى العالم ميليشيات لا نظامية تحرر وطنا من عدو خارجي وتحطم أسطورة قوته، ولكننا رأينا نتائجا شرا من ذلك، رأينا حماية محكمة من حزب الله لحدود إسرائيل الشمالية، رأينا انقلابا سياسيا قام به الحزب ليسيطر عسكريا على لبنان ومؤسساته وليهمش جيشه الوطني، ناهيك عن زيادة أسهم الفكر الشيعي في المنطقة الذي طالما كان هوَس النخبة الماسونية في إيران، التشيع الذي به استُعبد الشعب الإيراني وكثير من العراقيين، ويسعى لذُله كثير من مطايا أقليات الخليج.
ليس أدل على ما سبق ترك مزارع شبعا كمسمار جحا يتذرع بها كيان “الممانعة” الأسدي والحزبلاتي لإبقاء السلاح الصفوي على رؤوس الشعوب، وإني لأستغرب كيف انطلت حيلة مزارع شبعا على الشارع العربي، لقد أكدت الأمم المتحدة أن المزارع تابعة للسيادة السورية ولا ينطبق عليها قرار انسحاب إسرائيل رقم 425 ، فلم تستعدها سوريا وعجز عن تحريرها حزب الله الذي حرر الجنوب بأكمله! ومن المفترض أن الجيش الإسرائيلي منهك وبمرحلة الانسحاب، فما الداعي لتأجيل تحرير بقعة لا تتجاوز 25 كلم مربع تتأرجح بين أسد الممانعة وسيد المقاومة !؟
المسرحيات السياسية:
آن للعرب معرفة أن ما يجري خلف الكواليس لا يمت بصلة بما هو معلن، مسرحيات التصريحات العدائية بين الشرق والغرب لم تكن إلا لذر الرماد في العيون، إن هاجس الروس والأمريكان هو نفس الهاجس، حماية الكيان الصهيوني وتجفيف منابع العسكرة الإسلامية ذات العقيدة السليمة، ألم تعلم أخي القاريء أن الاتحاد السوفييتي كان أول دولة اعترفت بإسرائيل؟ هل تعلم بأن الحلف الروسي الفارسي يعود للقرن السادس عشر الميلادي وقد رأى من خلاله الروس الآلية الناجعة لتمزيق الأتراك (القوة النابضة في الثلث الأخير من العصر الإسلامي) وقطع الأواصر بين أتراك الشرق (آسيا الوسطى) وأتراك الغرب (الأناضول) ؟ آلية دمرت مراكز الهيمنة الإسلامية لأجل غير مسمى.
يدعي القطب الأوحد الأمريكي عداءه لروسيا، كما تدعي روسيا وقوفها في وجه الهيمنة الإمبريالية الغربية وعلى رأسها أمريكا، وقد قامت أمريكا بغزو العراق، وتسليم السلطات وبشكل مطلق للمجلس الثوري الإيراني، الذي هو بالأصل حليف روسيا المفضل في المنطقة! فكيف تُقدم أمريكا على مغامرة عسكرية وسياسية من هذا الوزن لأجل عيون أعدائهم الروس؟ اليست هذه صفقات خلف الكواليس؟ وقس على ذلك غزو أمريكا لأفغانستان، الدولة التي أثخنت الإتحاد السوفييتي سابقا، لماذا تقدّم أمريكا هذا الواجب المضني لروسيا الإشتراكية؟ ولماذا لم يتدخل الأمريكان في الشيشان وتركوها لروسيا لتتدبر أمرها معها؟ هل يُفهم من ذلك إلا أن مصالح القطبين في تقاطع مستمر وأن ما يجمعهما حقيقة أكثر بكثير مما يفرقهما.
إن الآلية باتت واضحة، اختر الكعكة التي تريد اقتسامها، اتهم شرفاءها بالإرهاب، اغز البلاد وسلم ولاءها السياسي للروس، ونفطها للأمريكان، أو العكس، ثم استمر باطلاق الشعارات وخطابات العداوة، انتهت اللعبة.
وليس هذا محصور في الحكومات والساسة، بل إن الإعلاميين والمثقفين والكُتّاب والفنانين لهم الدور الأعظم في توعية العامة، كم ذهلنا بحرفية ووطنية غسان بن جدو حتى عرفنا حقيقة جاسوسيته وحقيقة قناته الصفوية، كم سعدنا بمسرحيات دريد لحام التي كانت مسرحيات قالبا ومضمونا، كم تأثرنا بالخطابات العروبية للنائب البريطاني جورج غالاوي، وإذا به يدافع عن بشار ونظام الملالي خلال الثورة غير آبه بدماء آلاف الشهداء، وكم هاجم السيناتور الأمريكي ديفيد ديوك اللوبي الصهيوني وتعاطف مع العرب والمسلمين، وها هو الآن لا يكاد ينطق عما يجري في سوريا على يدي من لا يشك عاقل بعمالته للصهاينة الذين طالما هاجمهم ! فأي نفاق هذا الذي بلغته هذه الحفنة من المتفيهقين؟! لن أصدق بعد اليوم أي شخص يخرج للإعلام بخطابات ثورية ولو أحسنت الظن به، لن يتراكل أحد عقلي بعد ثورة الفطرة السليمة في الشام.
المصدر
من عاصر ثورة الشام، اضطر لتغيير رؤيته في جل الأمور، السياسية منها خاصة، صار المراقب ينظر إلى النتائج وحسب، مهما طال انتظارها، ولم يعد يفتتن بالشعارات ومعسول الكلام والمزايدات الرخيصة، سقط من عينه الكثير من الرموز، وأضاف كثيرا من الأحداث الخداعة إلى ذاكرة الأكاذيب، وألقى أبطالَها في مزابل التاريخ آسفا على سذاجته وتعطيل حدسه المسلم، في مقالتي هذه ألقي الضوء على موضوعين اثنين تجلت أهميتهما للعيان خلال الثورة السورية.
الحلقة الصفوية:
إن الحلقة المفقودة التي راهن عليها الصهاينة بحذاقة قلبت الطاولة على العالم الإسلامي بأكمله، وأحدثت فجوةً عجزنا عن ملئها حتى الآن، إنها الحلقة الصفوية، وذلك مصداقا لوصفه صلى الله عليه وسلم أمته الآن بأنها غثاء كغثاء السيل، نحن أمة لا تقرأ، وتلدغ من جحرها مئات المرات.
الحلقة الصفوية، التي تجاوزها عوام المسلمين في تحليلهم لاحتلال العراق، وحرب لبنان الأهلية، ومذابح البلقان، والعدوان على الشيشان، وغزو أفغانستان، وتجميد القضية الفلسطينية، وتقطيع أواصر الأتراك وتفكك الخلافة، وغيرها الكثير من المعضلات والمصائب خلال العقود الأخيرة، حتى كشفت ثورة الشام النقاب عن وجه الصفوية القبيح، وعرّت تلك الشعارات الباطلة التي أخفت في كيانها براغماتية فارسية لا تمت للإسلام بصلة، ويخطئ من كان يظن أن النخبة السياسية الإيرانية تدين ديانة شيعية أو مسلمة، والحقيقة أنها ماسونية لا دينية صرفة، تستخدم الديانة الشيعية لبسط نفوذها وسطوتها على إيران ودول المنطقة، وليس أدل على ذلك من ضلوع إيران في تفجير المراقد في العراق بشهادة الهيئة العراقية للشيعة الجعفرية، بل حتى إن التيار الصدري نفسه اتهم الإستخبارات الإيرانية بالضلوع في أعمال تخريب في الجنوب العراقي، ولطالما كان هذا حال العراق، كلما سعى الشعب العراقي بجميع أطيافه لنيل حياة سياسية تعددية رخية، جاء الجواب الإيراني سريعا مدويا في مراقد سامراء، كلما طالب أخيار شيعة العراق بحلول منصفة بعيدا عن الهيمنة الإيرانية، جاء الرد الإيراني وسط الأشلاء والحطام والدماء الشيعية قبل السنية، ليت عقلاء الشيعة يعلمون، ولو علموا معشار وحشية نظام ولاية الفقيه الصهيوصفوي على الشيعة أنفسهم، لأعادوا النظر في ثوراتهم المزعومة ولتحسروا على جهودهم وعواطفهم المهدرة، دولة شعوبية ذات قومية تعصبية، تقف إلى جانب أي نظام يخدم أجندتها، وهنا تكمن لعبة الخطابات التي تنطلي على الشارع العربي والمسلم، فإن الدول التي تنال النصيب الأكبر من التقريع والهجوم والتوعد في الخطابات الرسمية الإيرانية هي في الحقيقة الدول ذات التحالف الأخوي والمصير المشترك، فعلاقة إسرائيل (التي ينبغي إزالتها كما يقول نجاد) تحتل موقعا كبيرا في العلاقات الإقتصادية الإيرانية، تبدأ من صفقات تجارية بين شركة الأخوة عوفر مع بعض شركات النفط إيرانية، ولا تنتهي عند الاستشارات الفنية الإسرائيلية لوزارة الزراعة الإيرانية بحسب تقرير الإذاعة الإسرائيلية العامة، مرورا طبعا بفضيحة إيران-كونترا المشهورة، فضيحة التعاون اللوجستي العسكري الإيراني الإسرائيلي الأمريكي.
بل حتى يتبين للقاريء الكريم مدى نفاق أرباب ولاية الفقيه، يجدر به الاطلاع على موقف إيران من الأزمة الأرمينية الأذربيجانية وكيف ساندت إيران أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الغالبية الشيعية الساحقة! وقد كان دعمها مطلقا غير محدود ولا مشروط، وكذا كان دعم إيران للصرب الأورثوذوكس ضد مسلمي البوسنة السنّة الأحناف، حيث كانت تقوم بكسر العقوبات المفروضة على يوغوسلافيا من خلال تزويد طائراتها بالوقود، وحتى هذه اللحظة، لم تعترف إيران بجمهورية كوسوفو المسلمة المستقلة عن يوغوسلافيا، ” عندما قدمت إلى هذه المدينة، كان انطباعي عن الشعب الصربي بأنه شعب شجاع وجدير بالإحترام…..رأيت المبنى وقد انهار جراء التفجير وأعطاني الانطباع بأن عملية التفجير قد فشلت في تدمير هوية هذه الأمة “ نعم، هذه كانت كلمات مساعد وزیر الخارجیة الإيراني للشؤون القانونیة والدولیة محمد مهدي أخوندزاده في سبتمبر 2011 ، كلمات معبرة وعميقة موجهة لتلك “الأمة” التي أذاقت أهلنا وإخوتنا مرارة المذابح والاغتصاب والتدنيس، فأي أخُوّة وأي وحدة تلك التي يتحدثون عنها ليل نهار؟!
وهنا نعود ونذكر كيف أن الشعارات والخطابات الوطنية في أنظمة هذا العصر هي مفتاح الأنظمة الديكتاتورية لاستعباد الشعوب وضمهم لمعسكراتهم التي لا تخدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلا الدول “العدوة” التي تُشتم وتُقرَّع في هذه الخطابات، آن لنا أن ندرك بأن أمريكا وإسرائيل ترحب بالكلام الفارغ الرخيص الذي يلقيه سفهاؤنا الحكام على مسامعنا ليل نهار، بل إني لن أستغرب إن كانت تلك الخطابات تعدها الدول العظمى “الإمبيريالية” نفسها بما تراه الأنسب لضمان غسل دماغ الشعوب وبالتالي تحقيق الهيمنة عليهم في كل المجالات طالما ظلوا عبيدا لؤلائك الحكام، او العملاء بصيغة أفضل.
لم نعد نرى في احداث تحرير جنوب لبنان سنة 2000 وحرب تموز سنة 2006 إلا صفقة إيرانية إسرائيلية، نعم رأى العالم ميليشيات لا نظامية تحرر وطنا من عدو خارجي وتحطم أسطورة قوته، ولكننا رأينا نتائجا شرا من ذلك، رأينا حماية محكمة من حزب الله لحدود إسرائيل الشمالية، رأينا انقلابا سياسيا قام به الحزب ليسيطر عسكريا على لبنان ومؤسساته وليهمش جيشه الوطني، ناهيك عن زيادة أسهم الفكر الشيعي في المنطقة الذي طالما كان هوَس النخبة الماسونية في إيران، التشيع الذي به استُعبد الشعب الإيراني وكثير من العراقيين، ويسعى لذُله كثير من مطايا أقليات الخليج.
ليس أدل على ما سبق ترك مزارع شبعا كمسمار جحا يتذرع بها كيان “الممانعة” الأسدي والحزبلاتي لإبقاء السلاح الصفوي على رؤوس الشعوب، وإني لأستغرب كيف انطلت حيلة مزارع شبعا على الشارع العربي، لقد أكدت الأمم المتحدة أن المزارع تابعة للسيادة السورية ولا ينطبق عليها قرار انسحاب إسرائيل رقم 425 ، فلم تستعدها سوريا وعجز عن تحريرها حزب الله الذي حرر الجنوب بأكمله! ومن المفترض أن الجيش الإسرائيلي منهك وبمرحلة الانسحاب، فما الداعي لتأجيل تحرير بقعة لا تتجاوز 25 كلم مربع تتأرجح بين أسد الممانعة وسيد المقاومة !؟
المسرحيات السياسية:
آن للعرب معرفة أن ما يجري خلف الكواليس لا يمت بصلة بما هو معلن، مسرحيات التصريحات العدائية بين الشرق والغرب لم تكن إلا لذر الرماد في العيون، إن هاجس الروس والأمريكان هو نفس الهاجس، حماية الكيان الصهيوني وتجفيف منابع العسكرة الإسلامية ذات العقيدة السليمة، ألم تعلم أخي القاريء أن الاتحاد السوفييتي كان أول دولة اعترفت بإسرائيل؟ هل تعلم بأن الحلف الروسي الفارسي يعود للقرن السادس عشر الميلادي وقد رأى من خلاله الروس الآلية الناجعة لتمزيق الأتراك (القوة النابضة في الثلث الأخير من العصر الإسلامي) وقطع الأواصر بين أتراك الشرق (آسيا الوسطى) وأتراك الغرب (الأناضول) ؟ آلية دمرت مراكز الهيمنة الإسلامية لأجل غير مسمى.
يدعي القطب الأوحد الأمريكي عداءه لروسيا، كما تدعي روسيا وقوفها في وجه الهيمنة الإمبريالية الغربية وعلى رأسها أمريكا، وقد قامت أمريكا بغزو العراق، وتسليم السلطات وبشكل مطلق للمجلس الثوري الإيراني، الذي هو بالأصل حليف روسيا المفضل في المنطقة! فكيف تُقدم أمريكا على مغامرة عسكرية وسياسية من هذا الوزن لأجل عيون أعدائهم الروس؟ اليست هذه صفقات خلف الكواليس؟ وقس على ذلك غزو أمريكا لأفغانستان، الدولة التي أثخنت الإتحاد السوفييتي سابقا، لماذا تقدّم أمريكا هذا الواجب المضني لروسيا الإشتراكية؟ ولماذا لم يتدخل الأمريكان في الشيشان وتركوها لروسيا لتتدبر أمرها معها؟ هل يُفهم من ذلك إلا أن مصالح القطبين في تقاطع مستمر وأن ما يجمعهما حقيقة أكثر بكثير مما يفرقهما.
إن الآلية باتت واضحة، اختر الكعكة التي تريد اقتسامها، اتهم شرفاءها بالإرهاب، اغز البلاد وسلم ولاءها السياسي للروس، ونفطها للأمريكان، أو العكس، ثم استمر باطلاق الشعارات وخطابات العداوة، انتهت اللعبة.
وليس هذا محصور في الحكومات والساسة، بل إن الإعلاميين والمثقفين والكُتّاب والفنانين لهم الدور الأعظم في توعية العامة، كم ذهلنا بحرفية ووطنية غسان بن جدو حتى عرفنا حقيقة جاسوسيته وحقيقة قناته الصفوية، كم سعدنا بمسرحيات دريد لحام التي كانت مسرحيات قالبا ومضمونا، كم تأثرنا بالخطابات العروبية للنائب البريطاني جورج غالاوي، وإذا به يدافع عن بشار ونظام الملالي خلال الثورة غير آبه بدماء آلاف الشهداء، وكم هاجم السيناتور الأمريكي ديفيد ديوك اللوبي الصهيوني وتعاطف مع العرب والمسلمين، وها هو الآن لا يكاد ينطق عما يجري في سوريا على يدي من لا يشك عاقل بعمالته للصهاينة الذين طالما هاجمهم ! فأي نفاق هذا الذي بلغته هذه الحفنة من المتفيهقين؟! لن أصدق بعد اليوم أي شخص يخرج للإعلام بخطابات ثورية ولو أحسنت الظن به، لن يتراكل أحد عقلي بعد ثورة الفطرة السليمة في الشام.
المصدر