"لوفيغارو": كيف يخوض الأسد حربه؟ 4 فرق مقاتلة من 12، ونواة "جيش علوي"، وسياسة "أرض محروقة"
يبدأ مراسل صحيفة "الفيغارو" الفرنسية، جورج مالبرونو، مقاله من دمشق، بلمحة عن الميليشيات، أو "لجان الدفاع" المحلي حسب تسميتها السورية، التي أنشأها النظام في عدد من الضواحي التي تقطنها مكونات دينية، مثل حي "جرمانا"، الواقع على بعد ٥ كيلومترات جنوب دمشق. ويعيش في "جرمانا" ٢٠٠ ألف نسمة، معظمهم من الدروز والمسيحيين والعلويين.
وينقل الصحفي الفرنسي عن أحد أعضاء "لجان الدفاع" في "جرمانا"، وهو درزي إسمه "وسام"، أن الثوّار نجحوا مؤخراً في التسلّل وقتلوا حارس مصنع أدوية. ويضيف: "خلال الأسبوعين الأخيرين لم نلاحظ حركة كبيرة للجيش الحر. ولكن الإرهابيين لم ينتهوا. فهم يتجّمعون للإنتقال إلى منطقة أخرى أو للعودة إلى هنا ومهاجمتنا".
وتحيط بـ"جرمانا" عشرون قرية من "غوطة دمشق"، وهي معقل للثورة. ويتمركز الجيش السوري النظامي حوالي "جرمانا"، التي تعيش حياة طبيعية. ويرفض "وسام" وصف "الميليشيات" قائلاً: "كل ما نقوم به هو الدفاع عن أحيائنا، حيث استهدفتنا سيارتان مفخّختان. وقد اقترح النظام أن يدفع لنا. وقد وافق بعض العلويين، أما نحن فقد رفضنا لأننا لا نريد أن نصبح من "الشبّيحة" الذين يمكن تجنيدهم للقتال خارج مناطقهم".
ويبدو المتطوّع الدرزي فخوراً بعمله: "لقد أوقفنا ما بين 300 و400 متسلّلاً. واكتفينا بتسليمهم إلى أجهزة الأمن، بعكس لجان أخرى تقوم بإعدام سجنائها"!
ويقول أحد الدبلوماسيين إن "لجان الدفاع هذه عزّزت صلابة النظام، الذي فوّض شرائح معينة من الشعب لتولّي مسؤولية أمنها الذاتي". ويبلغ عدد أعضاء "لجان الدفاع" 24 ألفاً في "ريف دمشق"، ومعظمهم من المتطوّعين، وقسم منهم من أصحاب السوابق، وقد حلّوا محلّ الجيش بعد قيام الجيش بـ"تطهير" المناطق المتمردة مثل "جَوبَر" و"تشرين" و"ركن الدين".
أما في "حي التضامن"، فإن قوات الأسد لا تزال مضطرة لمؤازرة المتطوعين الذين لا يملكون سوى أسلحة خفيفة. وفي بعض الأحياء الموالية للنظام، فإن الجيش يستخدم أعضاء "اللجان" في المواقع المتقدمة. أما في "بيت سحم" المجاورة، فقام السكان الذين ضاقوا ذرعاً بالعنف، بطرد أعضاء اللجان والثوار معاً.
هل يمكن لهذه "اللجان" أن تكون بذور حرب أهلية؟ نعم، يقول وسام، الذي يضيف: "في جرمانا، يحاذر العلويون من الظهور. فتكفي شرارة واحدة حتى تشتعل الحرب المذهبية".
ورغم هذه المخاطر، فإن التخلّي عن قسم من مسؤولية الأمن يريح الجيش النظامي الذي يقاتل منذ سنة ونصف، خصوصاً وأن النظام لا يستطيع الاعتماد سوى على قوات النخبة الأكثر ولاءً.
وحتى الآن، فقد تم استخدام 4 فرق فقط من أصل 12 فرقة في الجيش السوري (قوامه الإجمالي 400 ألف رجل)، وهي الفرق 3 و4 و9 و13. أما الفِرَق الأخرى فيعتبرها النظام غير موثوقة. وقد حُرِمَت آليات هذه الفرق من البنزين، وسُحِبت الذخائر من جنودها، الذين باتوا عملياً سجناء في ثكناتهم. وهذا ما يفسّر عدم انشقاق كتائب كاملة تتألف بمعظمها من "السنّة".
أما طيّارو الهليكوبتر الذين يقصفون مواقع الثوار، فقد باتوا جميعاً من "العلويين".
ولتعزيز دفاعاته، فقد استدعى النظام 2000 رجل من احتياطي "الحرس الجمهوري"، يتمتعون "بقدرة قتالية عالية"، ومعظمهم اختصاصيون في الصواريخ والاتصالات.
* مدرّبون إيرانيون وروس، ونواة لـ"جيش علوي":
والأهم، أنه تم تجنيد عشرات الألوف من الشبّان العلويين منذ 6 أشهر، وقد استُقدموا من الساحل، وأُخضعوا لدورات تدريب في "حرب عصابات المدن" على أيدي مدرّبين إيرانيين وروس، حسب مصدر على علاقة بجيش الأسد.
ويمكن لهؤلاء أن يشكّلوا نواة لـ"جيش علوي" يتم إنشاؤه إذا ما اضطر النظام للانسحاب إلى المنطقة العلوية.
وقد أحدث بروز الإسلاميين "المتشددين" (حسب وصف المراسل) في صفوف الثوار، وخصوصاً في شمال سوريا، "تغييراً نفسياً" في صفوف الجيش الذي يتلقى مساعدات كبيرة جداً من الإيرانيين، الذين يتولّون التشويش على اتصالات الثوار.
ويقول أحد الشهود على عمليات جيش الأسد الأخيرة إن "الجنود باتوا أكثر إدراكاً للتهديد الإسلامي، وزادت حوافزهم للقتال. ولا تنسى أن عقيدة الجيش منذ 40 عاماً قامت على القتال ضد عدوّين: "المُلتحين" أولاً، ثم إسرائيل".
وقد بات "الحرس الجمهوري"، الذي قامت شركة أوروبية بتحديث دباباته قبل فترة قصيرة من اندلاع الثورة، يلعب دوراً متزايداً في القمع خلال الأشهر الأخيرة. وحسب شاهدٍ رافقهم في عملياتهم، فإن "جنود الحرس الجمهوري أكثر عقائدية من سواهم"، وخصوصاً "الوحدة 105" التي يقودها الجنرال الدرزي "هيثم زهر الدين"، الذي أسقط "حي بابا عمرو" في حمص في شهر فبراير.
وقد عاد العقيد "علي" في "الوحدة ١٠٥" ‘إلى سوريا في مطلع الصيف بعد ٩ أشهر تدريب لدى "حرس الثورة" في إيران. ولم يكن لديه الوقت حتى لزيارة أمّه القلقة التي تعيش في "طرطوس"، في بلاد العلويين. فقد التحق على الفور بالقوات التي تقاتل في "حلب"، التي احترق سوقها القديم خلال نهاية الأسبوع الماضي.
ويقول "العقيد علي": "حينما أطلب متطوعين للتقدّم في شارع ما، فالجميع يتطوّع. ولكنه يعترف بأن "القنّاصة" يمثّلون مشكلة بالنسبة للجيش. وبعد أن خدم شهراً واحداً في "حلب"، فقد نُقِل إلى "ريف دمشق"، حيث يقوم بتدريب متطوّعين علويين جُدُد. وهو يقول: "نحن نقاتل من أجل بقائنا. نحن نعرف أن أعداءنا سيذبحوننا إذا ما انتصروا في هذه الحرب".
وبعد الصدمة التي نجمت عن اغتيال أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين في 18 يوليو، وبينهم آصف شوكت (صهر الأسد)، فقد انتقلت إدارة مكافحة الثورة من أجهزة الاستخبارات إلى الجيش. وحتى ذلك الحين، كان ثلاثة من كبار المسؤولين الأمنيين على صلة بالثوار من أجل التفاوض على هِدنة محلية. "ولكن، بعد عملية ١٨ يوليو، باتت الغلبة للمشددين في عشيرة الأسد"، حسب ما قال لنا المعارض التاريخي "لؤي حسين".
وقد توقّف الجيش عن إرسال وحداته إلى الميدان، وبات يعتمد على الطيران لقصف المتمردين ودفعهم للتمركز في قطاع محدد. ويضيف "لؤي حسين": "كلما نجح المتمردون في التسلّل إلى قرية ما، فإن العسكريين يوجهون إنذاراً للسكان مفاده: إما أن تقوموا بإخراجهم بأنفسكم، أو ستقوم الهليكوبترات بقصفكم".
* عقاب المدنيين:
ولكن، ما الذي دفع الجيش لقصف أحياء شبه خالية، مثل "حي بابا عمرو" في حمص، أو قرى الجنوب، بلا هوادة؟
يجيب جنرال سوري: "أنتم الغربيون تخطئون في فهم طريقة تفكير النواة الصغيرة المحيطة ببشّار الأسد. فهم يعتقدون أن ما يحدث هو مؤامرة دولية. وفي نظرهم، فإن فكرة خسارة منطقة ما، أو استعادتها، تظل ثانوية. ولا يهمّهم استعادة كل المناطق التي اضطروا للانسحاب منها. والأولوية في نظرهم هي أن يظهروا للشعب أن الثوّار الذين يزعمون أنهم جاؤوا لتحريرهم، يُظهرون وجههم الحقيقي حالما يطلق الجيش النار عليهم. أولاً، فهم عاجزون عن حماية السكان. وثانياً، فهو يهربون كالأرانب. يريد النظام أن يُفهم الناس أنهم هم الذين يدفعون الثمن، لأنهم يخسرون منازلهم وتجارتهم".
ويضيف الجنرال السوري: "لو استعدنا السيطرة على الأحياء، فسنكون مضطرين للاهتمام بتأمين المياه، وتأهيل المنازل، وغير ذلك. والحال، فليس لدينا الموارد لتأمين هذه المهام".
* القوة الوحشية هي أيضاً نقطة ضعف النظام:
وتصل مكيافيلية النظام إلى الذروة أحياناً. فيقول معتقل سابق إن "الجيش كان يقصف مواقع الثوار من باحة السجن، على أمل أن يُسفر ردّ الثوار عن مقتل بعض المساجين".
ويروي أحد الناشطين كيف تقوم أجهزة الأمن باختراق أعدائها: "كان لدي حساب على "فايسبوك" في مطلع الثورة. وقد اتصلت بي أجهزة الأمن وطلبوا مني الذهاب إلى تركيا مع المعارضة. وقد رفضت، لأن السيناريو الذي اقترحوه كان يشمل مضايقة أهلي لإقناع المعارضين بأنني واحد منهم. وكان ثلاثة أشخاص قد وضعوا تعليقات على صفحتي. وقد اتصلت بهم أجهزة الأمن. ووافق أحدهم على التعاون، فأعطوه مبلغاً من المال، وسافر إلى أوروبا حيث بات الآن عضوا في المجلس الوطني السوري"!
وتقول المعارضة "رولا ركبي" بمرارة إن "النظام لن يسقط خلال الشهور المقبلة". ولكن قوته هي أيضاً نقطة ضعفه. "فبعد أن فقد أباه وشقيقه في مظاهرة، فإن أحد الشبان أراد الالتحاق بالثوار.
ولكن أمه رجته قائلة: "أنت كل من بقي لي"، وقام خاله بانتزاع سلاحه. ولكن الشاب قُتِل برصاصة قنّاص على حاجز للجيش بعد أيام. وهنا أخذ خاله سلاحه، وقتل ستة جنود على حاجز، قبل أن ينضم إلى الجيش الحر.
يبدأ مراسل صحيفة "الفيغارو" الفرنسية، جورج مالبرونو، مقاله من دمشق، بلمحة عن الميليشيات، أو "لجان الدفاع" المحلي حسب تسميتها السورية، التي أنشأها النظام في عدد من الضواحي التي تقطنها مكونات دينية، مثل حي "جرمانا"، الواقع على بعد ٥ كيلومترات جنوب دمشق. ويعيش في "جرمانا" ٢٠٠ ألف نسمة، معظمهم من الدروز والمسيحيين والعلويين.
وينقل الصحفي الفرنسي عن أحد أعضاء "لجان الدفاع" في "جرمانا"، وهو درزي إسمه "وسام"، أن الثوّار نجحوا مؤخراً في التسلّل وقتلوا حارس مصنع أدوية. ويضيف: "خلال الأسبوعين الأخيرين لم نلاحظ حركة كبيرة للجيش الحر. ولكن الإرهابيين لم ينتهوا. فهم يتجّمعون للإنتقال إلى منطقة أخرى أو للعودة إلى هنا ومهاجمتنا".
وتحيط بـ"جرمانا" عشرون قرية من "غوطة دمشق"، وهي معقل للثورة. ويتمركز الجيش السوري النظامي حوالي "جرمانا"، التي تعيش حياة طبيعية. ويرفض "وسام" وصف "الميليشيات" قائلاً: "كل ما نقوم به هو الدفاع عن أحيائنا، حيث استهدفتنا سيارتان مفخّختان. وقد اقترح النظام أن يدفع لنا. وقد وافق بعض العلويين، أما نحن فقد رفضنا لأننا لا نريد أن نصبح من "الشبّيحة" الذين يمكن تجنيدهم للقتال خارج مناطقهم".
ويبدو المتطوّع الدرزي فخوراً بعمله: "لقد أوقفنا ما بين 300 و400 متسلّلاً. واكتفينا بتسليمهم إلى أجهزة الأمن، بعكس لجان أخرى تقوم بإعدام سجنائها"!
ويقول أحد الدبلوماسيين إن "لجان الدفاع هذه عزّزت صلابة النظام، الذي فوّض شرائح معينة من الشعب لتولّي مسؤولية أمنها الذاتي". ويبلغ عدد أعضاء "لجان الدفاع" 24 ألفاً في "ريف دمشق"، ومعظمهم من المتطوّعين، وقسم منهم من أصحاب السوابق، وقد حلّوا محلّ الجيش بعد قيام الجيش بـ"تطهير" المناطق المتمردة مثل "جَوبَر" و"تشرين" و"ركن الدين".
أما في "حي التضامن"، فإن قوات الأسد لا تزال مضطرة لمؤازرة المتطوعين الذين لا يملكون سوى أسلحة خفيفة. وفي بعض الأحياء الموالية للنظام، فإن الجيش يستخدم أعضاء "اللجان" في المواقع المتقدمة. أما في "بيت سحم" المجاورة، فقام السكان الذين ضاقوا ذرعاً بالعنف، بطرد أعضاء اللجان والثوار معاً.
هل يمكن لهذه "اللجان" أن تكون بذور حرب أهلية؟ نعم، يقول وسام، الذي يضيف: "في جرمانا، يحاذر العلويون من الظهور. فتكفي شرارة واحدة حتى تشتعل الحرب المذهبية".
ورغم هذه المخاطر، فإن التخلّي عن قسم من مسؤولية الأمن يريح الجيش النظامي الذي يقاتل منذ سنة ونصف، خصوصاً وأن النظام لا يستطيع الاعتماد سوى على قوات النخبة الأكثر ولاءً.
وحتى الآن، فقد تم استخدام 4 فرق فقط من أصل 12 فرقة في الجيش السوري (قوامه الإجمالي 400 ألف رجل)، وهي الفرق 3 و4 و9 و13. أما الفِرَق الأخرى فيعتبرها النظام غير موثوقة. وقد حُرِمَت آليات هذه الفرق من البنزين، وسُحِبت الذخائر من جنودها، الذين باتوا عملياً سجناء في ثكناتهم. وهذا ما يفسّر عدم انشقاق كتائب كاملة تتألف بمعظمها من "السنّة".
أما طيّارو الهليكوبتر الذين يقصفون مواقع الثوار، فقد باتوا جميعاً من "العلويين".
ولتعزيز دفاعاته، فقد استدعى النظام 2000 رجل من احتياطي "الحرس الجمهوري"، يتمتعون "بقدرة قتالية عالية"، ومعظمهم اختصاصيون في الصواريخ والاتصالات.
* مدرّبون إيرانيون وروس، ونواة لـ"جيش علوي":
والأهم، أنه تم تجنيد عشرات الألوف من الشبّان العلويين منذ 6 أشهر، وقد استُقدموا من الساحل، وأُخضعوا لدورات تدريب في "حرب عصابات المدن" على أيدي مدرّبين إيرانيين وروس، حسب مصدر على علاقة بجيش الأسد.
ويمكن لهؤلاء أن يشكّلوا نواة لـ"جيش علوي" يتم إنشاؤه إذا ما اضطر النظام للانسحاب إلى المنطقة العلوية.
وقد أحدث بروز الإسلاميين "المتشددين" (حسب وصف المراسل) في صفوف الثوار، وخصوصاً في شمال سوريا، "تغييراً نفسياً" في صفوف الجيش الذي يتلقى مساعدات كبيرة جداً من الإيرانيين، الذين يتولّون التشويش على اتصالات الثوار.
ويقول أحد الشهود على عمليات جيش الأسد الأخيرة إن "الجنود باتوا أكثر إدراكاً للتهديد الإسلامي، وزادت حوافزهم للقتال. ولا تنسى أن عقيدة الجيش منذ 40 عاماً قامت على القتال ضد عدوّين: "المُلتحين" أولاً، ثم إسرائيل".
وقد بات "الحرس الجمهوري"، الذي قامت شركة أوروبية بتحديث دباباته قبل فترة قصيرة من اندلاع الثورة، يلعب دوراً متزايداً في القمع خلال الأشهر الأخيرة. وحسب شاهدٍ رافقهم في عملياتهم، فإن "جنود الحرس الجمهوري أكثر عقائدية من سواهم"، وخصوصاً "الوحدة 105" التي يقودها الجنرال الدرزي "هيثم زهر الدين"، الذي أسقط "حي بابا عمرو" في حمص في شهر فبراير.
وقد عاد العقيد "علي" في "الوحدة ١٠٥" ‘إلى سوريا في مطلع الصيف بعد ٩ أشهر تدريب لدى "حرس الثورة" في إيران. ولم يكن لديه الوقت حتى لزيارة أمّه القلقة التي تعيش في "طرطوس"، في بلاد العلويين. فقد التحق على الفور بالقوات التي تقاتل في "حلب"، التي احترق سوقها القديم خلال نهاية الأسبوع الماضي.
ويقول "العقيد علي": "حينما أطلب متطوعين للتقدّم في شارع ما، فالجميع يتطوّع. ولكنه يعترف بأن "القنّاصة" يمثّلون مشكلة بالنسبة للجيش. وبعد أن خدم شهراً واحداً في "حلب"، فقد نُقِل إلى "ريف دمشق"، حيث يقوم بتدريب متطوّعين علويين جُدُد. وهو يقول: "نحن نقاتل من أجل بقائنا. نحن نعرف أن أعداءنا سيذبحوننا إذا ما انتصروا في هذه الحرب".
وبعد الصدمة التي نجمت عن اغتيال أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين في 18 يوليو، وبينهم آصف شوكت (صهر الأسد)، فقد انتقلت إدارة مكافحة الثورة من أجهزة الاستخبارات إلى الجيش. وحتى ذلك الحين، كان ثلاثة من كبار المسؤولين الأمنيين على صلة بالثوار من أجل التفاوض على هِدنة محلية. "ولكن، بعد عملية ١٨ يوليو، باتت الغلبة للمشددين في عشيرة الأسد"، حسب ما قال لنا المعارض التاريخي "لؤي حسين".
وقد توقّف الجيش عن إرسال وحداته إلى الميدان، وبات يعتمد على الطيران لقصف المتمردين ودفعهم للتمركز في قطاع محدد. ويضيف "لؤي حسين": "كلما نجح المتمردون في التسلّل إلى قرية ما، فإن العسكريين يوجهون إنذاراً للسكان مفاده: إما أن تقوموا بإخراجهم بأنفسكم، أو ستقوم الهليكوبترات بقصفكم".
* عقاب المدنيين:
ولكن، ما الذي دفع الجيش لقصف أحياء شبه خالية، مثل "حي بابا عمرو" في حمص، أو قرى الجنوب، بلا هوادة؟
يجيب جنرال سوري: "أنتم الغربيون تخطئون في فهم طريقة تفكير النواة الصغيرة المحيطة ببشّار الأسد. فهم يعتقدون أن ما يحدث هو مؤامرة دولية. وفي نظرهم، فإن فكرة خسارة منطقة ما، أو استعادتها، تظل ثانوية. ولا يهمّهم استعادة كل المناطق التي اضطروا للانسحاب منها. والأولوية في نظرهم هي أن يظهروا للشعب أن الثوّار الذين يزعمون أنهم جاؤوا لتحريرهم، يُظهرون وجههم الحقيقي حالما يطلق الجيش النار عليهم. أولاً، فهم عاجزون عن حماية السكان. وثانياً، فهو يهربون كالأرانب. يريد النظام أن يُفهم الناس أنهم هم الذين يدفعون الثمن، لأنهم يخسرون منازلهم وتجارتهم".
ويضيف الجنرال السوري: "لو استعدنا السيطرة على الأحياء، فسنكون مضطرين للاهتمام بتأمين المياه، وتأهيل المنازل، وغير ذلك. والحال، فليس لدينا الموارد لتأمين هذه المهام".
* القوة الوحشية هي أيضاً نقطة ضعف النظام:
وتصل مكيافيلية النظام إلى الذروة أحياناً. فيقول معتقل سابق إن "الجيش كان يقصف مواقع الثوار من باحة السجن، على أمل أن يُسفر ردّ الثوار عن مقتل بعض المساجين".
ويروي أحد الناشطين كيف تقوم أجهزة الأمن باختراق أعدائها: "كان لدي حساب على "فايسبوك" في مطلع الثورة. وقد اتصلت بي أجهزة الأمن وطلبوا مني الذهاب إلى تركيا مع المعارضة. وقد رفضت، لأن السيناريو الذي اقترحوه كان يشمل مضايقة أهلي لإقناع المعارضين بأنني واحد منهم. وكان ثلاثة أشخاص قد وضعوا تعليقات على صفحتي. وقد اتصلت بهم أجهزة الأمن. ووافق أحدهم على التعاون، فأعطوه مبلغاً من المال، وسافر إلى أوروبا حيث بات الآن عضوا في المجلس الوطني السوري"!
وتقول المعارضة "رولا ركبي" بمرارة إن "النظام لن يسقط خلال الشهور المقبلة". ولكن قوته هي أيضاً نقطة ضعفه. "فبعد أن فقد أباه وشقيقه في مظاهرة، فإن أحد الشبان أراد الالتحاق بالثوار.
ولكن أمه رجته قائلة: "أنت كل من بقي لي"، وقام خاله بانتزاع سلاحه. ولكن الشاب قُتِل برصاصة قنّاص على حاجز للجيش بعد أيام. وهنا أخذ خاله سلاحه، وقتل ستة جنود على حاجز، قبل أن ينضم إلى الجيش الحر.