أسباب النصر والهزيمة في المعارك :
بقلم : أبو ياسر السوري
للنصر أسبابه التي لا يتحقق إلا بها ، وللهزيمة أسبابها التي لا يَحُولَ دون وقوعها إلا اجتنابُها .. وقد جاء في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم نصوص صريحة واضحة ، تبين هذه الأسباب وتلك . فمَنْ أخذ بها فاز بحلاوة النصر ، ومن أهملها مُنِّيَ بمرارة الهزيمة . فتعالوا بنا نتتبعُ أسباب كل من النصر والهزيمة ، في الكتاب والسنة ، لعلنا نُفيدُ منها في معركتنا مع العصابة الحاكمة في سوريا :
أولا : أسباب النصر :
1 – الإعداد النفسي للمعركة ، أعني بذلك التهيؤ النفسي لخوض المعركة ، والإيمان العميق بأنه لا بد من قتال العدو ، وأنه يجب أن نقاوم العدو ونضحي بكل شيء في سبيل الله ، مهما كلف ذلك من ثمن في الأموال والأرواح . ولا يتحصل مثل هذا الشعور إلا بعد القناعة التامة بأن العدو لن يتركنا لنعيش أحرارا بقرارنا ، ولا أحرارا بأموالنا ، ولا أحرارا بديننا . وأنه مهما هادناه فلن يهادننا ، ومهما سالمناه فلن يسالمنا ، وأنه مهما طالبناه بالعدل والنصفة فلن يستجيب لنا ، ولن يرضى بأن نتعايش معه على قدم المساواة ، فما نحن في نظره سوى عبيد ، يسخرنا لخدمته ، ويستعملنا لأغراضه . وهذا الشعور بالمظلومية ، هو الذي يولد لدينا دافعا قويا إلى القتال والمجابهة ، ويدفع إلى التضحية والإقدام .
2 – ينبغي توحيد الصف ، وجمع الكلمة ، والالتفاف حول هدف واحد ، وقيادة واحدة . قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) وقال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) فلا نصر لقوم متفرقين مشتتين ، متباغضين متنافرين . لا نصر إلا بصف مرصوص ، وقلوب متآلفة ، وأخوة غامرة ..
3 – إعداد القوة بقدر المستطاع ، لقوله تعالى ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) . فيجب أن نعد السلاح اللازم والذخيرة اللازمة ، بقدر استطاعتنا ، وأن لا ندخر في ذلك جهدا ولا مالا . قال تعالى ( وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ولا يشترط أن نتساوى مع العدو في القوة ، ويكفي لإحراز النصر أن نعد العدة بقدر المستطاع ، والله يتكفل بعد ذلك بالنصر والتأييد ( وما النصر إلا من عند الله ) .
4 – تجنب العدوان على الخصوم ، بأن لا نقاتل إلا من قاتلنا ، قال تعالى ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) . وهذا نص في وجوب قتال من قاتلنا ، قتالا بعيدا عن العدوان . أي بأن يتمسك المسلمون في حروبهم بالعرف السائد في شكل القتال العادل الشريف ، البعيد عن الوحشية والهمجية ، وتخطي الحدود العرفية في مزاولة القتال . كأن نمثل بالقتلى دون سبب موجب ، أو نعمد إلى حرقهم بعد أسرهم ...
5 – أن نعتدي على من اعتدى علينا مثلا بمثل . قال تعالى ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . وقوله ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) أمرٌ ، والأمر إذا أطلق أفاد الوجوب ، وليس متروكا إلى الخيارات الشخصية . فردُّ العدوان بالمثل واجب في القتال ، والناسُ اليوم لا يفهمون ذلك .. فعدوُّنا يهدم بيوتنا فوق رؤوسنا في المدن والقرى ، ونحن نتحاشى أن نكافئه بالمثل . وعدونا يعذب أسرانا حتى الموت ، ونحن نحسن للأسرى ، ونكرمهم غاية الإكرام . وذلك لأن جهلة المفتين لم يعلموا كيف تُنزَّلُ النصوصُ على الأحوال السائدة في كل زمان ومكان . فهم يقرؤون الأحاديث التي تأمر بالإحسان للأسير فيعملون بها ، ولم يعلموا أن ذلك مقيد بأن تكون معاملة عدونا لأسرانا بنفس الطريقة الحسنة . فإذا خالفوا فأساؤوا لأسرانا ، وجب علينا أن نسيء معاملة أسراهم بالمثل عملا بقوله تعالى ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) . وقل مثل ذلك بالنسبة لقتل النساء والشيوخ الكبار في السن ، فقد نهي عن قتلهم لأنهم لم يكونوا مقاتلين في ذلك الزمن ، أما إذا كانوا مقاتلين أو مشجعين على قتلنا ، فهؤلاء يقتلون حتما ، وقد قتل النبي دريد بن الصمة يوم هوازن وكان دريد شيخا كبيرا .. كما أمر بقتل بعض النسوة اللائي كن يؤذين رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان فقط .
6 – الصبر ، والمصابرة ، والمرابطة ، وتقوى الله تعالى . قال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . أما الصبر : فهو أن يصبر المسلمون على تكاليف القتال في ذات أنفسهم . وأما المصابرة : فهي مفاعلة تكون من طرفين يتغالبان في ميدان الصبر ، ومعناها أن يغالب المسلمون أعداءهم في الصبر ، فيكونوا أكثر صبرا منهم . وأما المرابطة : فهي حراسة الثغور ، لمنع العدو أن يغزو المسلمين على حين غرة . وأخيرا ، فإن تقوى الله هي أكبر عون على استدرار النصر .
ثانيا : أسباب الهزيمة :
1 – التنازع ، والخلاف . لأن التنازع فشل ، والفشل ضعف ، والضعف من أقوى أسباب الهزيمة . قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) فليحذر من ذلك إخوتنا في الجيش الحر ، فشؤم التنازع خطير ، وعليهم أن يخلصوا جهادهم لله ، ويجتمعوا على قتال عدوهم طلبا لمرضاة ربهم سبحانه وتعالى .
2 – الشح والامتناع عن الإنفاق في سبيل الله ، لقوله تعالى (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) قال قتادة : أي لاَ تُمْسِكُوا بِأَيْدِيكُمْ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فذلك إلقاء بالنفس في التهلكة ، وسبيل إلى تغلب العدو عليكم ، وانتزاع أموالكم من أيديكم ، وسلب حريتكم منكم ، وجعلكم عبيدا لهم تباعون في سوق الرقيق .. وهنا أذكر الإخوة رجال الأعمال بضرورة إمداد الجيش الحر بما يستطيعون من المال . لأن عدم إنفاقهم في هذا السبيل مهلكة خطيرة ، تذهب بالمال والرجال .
3 – التأثر بالدعايات المغرضة ، والتأثر بكلام المرجفين . والمعوقين عن قتال الأعداء ، وتخويف الناس من مغبة القتال ، وما يقع فيه من موت ، وجراحات ، وخسائر تطال الأنفس والأموال ، وإقناع الناس بالسلامة مع الذل والمهانة .. وقد حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذلك بقَوْلِهِ تَعَالَى :( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا *) كما حَذَّرَ مِنَ السَّمَاعِ لِهَؤُلَاءِ بقَوْلِهِ تَعَالَى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ* ) وهنا أذكر من تتضرروا بهدم بيوتهم ووقوع خسائر لهم ، بأن التراجع عن هذه المعركة قبل تحقيق النصر هو الهلاك الكامل ، والخسارة الأبدية . لأن هذه العصابة لن تتورع عن إبادة من تبقى من السوريين ، وتهجيرهم من سوريا ، ونزع الجنسية عنهم . أما الاستمرار ففيه ضمانة أكيدة للنصر في نهاية المطاف ، وضمان حياة كريمة لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا .. إن شاء الله .
4 – الوقوع في المعاصي من أكبر أسباب الهزيمة في الحروب . شاهدُهُ ما حَصَلَ من هزيمة المسلمين يوم أُحُد ، عندما خالفوا تعليمات رسول الله ولم يلزموا مكانهم فوق جبل الرماة ، حيث أمرهم رسول الله بعدم مغادرته مهما حصل ، لئلا يأتيهم الأعداء من خلفهم . فلما انتصر المسلمون وفر المشركون في بدء المعركة ، ظن الرماة أن المعركة قد انتهت فنزلوا ، وخالفوا بنزولهم أوامر النبي ، فجاءهم خالد بفصيل من خيل المشركين من خلفهم ، فقلب المعركة لصالح المشركين .. فعاقب الله جيش المسلمين كله بسبب معصية هؤلاء الرماة ...
5 – البطر والرياء ، فإن ذلك كان سببا في هزيمة المشركين يوم بدر ، لأنهم لما نجت عيرهم ، أبوا أن يكفوا ويرجعوا إلى مكة ، وأقسموا أن يأتوا بَدْرًا فَيَشْرَبُوا بِهَا الْخَمْرَ وَتَعْزِف عَلَيْهم الْقِيَانُ وَتَتَحَدَّثُ بِمسيرهم الْعَرَبُ ... فَسُقُوا مَكَانَ الْخَمْرِ كُؤُوسَ الْمَنَايَا ، وذلك قوله تعالى ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) .
اللهم انصر كما وَعَدْت .. واكفنا شرَّ عدوِّنا بما شِئْت .
بقلم : أبو ياسر السوري
للنصر أسبابه التي لا يتحقق إلا بها ، وللهزيمة أسبابها التي لا يَحُولَ دون وقوعها إلا اجتنابُها .. وقد جاء في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم نصوص صريحة واضحة ، تبين هذه الأسباب وتلك . فمَنْ أخذ بها فاز بحلاوة النصر ، ومن أهملها مُنِّيَ بمرارة الهزيمة . فتعالوا بنا نتتبعُ أسباب كل من النصر والهزيمة ، في الكتاب والسنة ، لعلنا نُفيدُ منها في معركتنا مع العصابة الحاكمة في سوريا :
أولا : أسباب النصر :
1 – الإعداد النفسي للمعركة ، أعني بذلك التهيؤ النفسي لخوض المعركة ، والإيمان العميق بأنه لا بد من قتال العدو ، وأنه يجب أن نقاوم العدو ونضحي بكل شيء في سبيل الله ، مهما كلف ذلك من ثمن في الأموال والأرواح . ولا يتحصل مثل هذا الشعور إلا بعد القناعة التامة بأن العدو لن يتركنا لنعيش أحرارا بقرارنا ، ولا أحرارا بأموالنا ، ولا أحرارا بديننا . وأنه مهما هادناه فلن يهادننا ، ومهما سالمناه فلن يسالمنا ، وأنه مهما طالبناه بالعدل والنصفة فلن يستجيب لنا ، ولن يرضى بأن نتعايش معه على قدم المساواة ، فما نحن في نظره سوى عبيد ، يسخرنا لخدمته ، ويستعملنا لأغراضه . وهذا الشعور بالمظلومية ، هو الذي يولد لدينا دافعا قويا إلى القتال والمجابهة ، ويدفع إلى التضحية والإقدام .
2 – ينبغي توحيد الصف ، وجمع الكلمة ، والالتفاف حول هدف واحد ، وقيادة واحدة . قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) وقال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) فلا نصر لقوم متفرقين مشتتين ، متباغضين متنافرين . لا نصر إلا بصف مرصوص ، وقلوب متآلفة ، وأخوة غامرة ..
3 – إعداد القوة بقدر المستطاع ، لقوله تعالى ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) . فيجب أن نعد السلاح اللازم والذخيرة اللازمة ، بقدر استطاعتنا ، وأن لا ندخر في ذلك جهدا ولا مالا . قال تعالى ( وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ولا يشترط أن نتساوى مع العدو في القوة ، ويكفي لإحراز النصر أن نعد العدة بقدر المستطاع ، والله يتكفل بعد ذلك بالنصر والتأييد ( وما النصر إلا من عند الله ) .
4 – تجنب العدوان على الخصوم ، بأن لا نقاتل إلا من قاتلنا ، قال تعالى ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) . وهذا نص في وجوب قتال من قاتلنا ، قتالا بعيدا عن العدوان . أي بأن يتمسك المسلمون في حروبهم بالعرف السائد في شكل القتال العادل الشريف ، البعيد عن الوحشية والهمجية ، وتخطي الحدود العرفية في مزاولة القتال . كأن نمثل بالقتلى دون سبب موجب ، أو نعمد إلى حرقهم بعد أسرهم ...
5 – أن نعتدي على من اعتدى علينا مثلا بمثل . قال تعالى ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . وقوله ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) أمرٌ ، والأمر إذا أطلق أفاد الوجوب ، وليس متروكا إلى الخيارات الشخصية . فردُّ العدوان بالمثل واجب في القتال ، والناسُ اليوم لا يفهمون ذلك .. فعدوُّنا يهدم بيوتنا فوق رؤوسنا في المدن والقرى ، ونحن نتحاشى أن نكافئه بالمثل . وعدونا يعذب أسرانا حتى الموت ، ونحن نحسن للأسرى ، ونكرمهم غاية الإكرام . وذلك لأن جهلة المفتين لم يعلموا كيف تُنزَّلُ النصوصُ على الأحوال السائدة في كل زمان ومكان . فهم يقرؤون الأحاديث التي تأمر بالإحسان للأسير فيعملون بها ، ولم يعلموا أن ذلك مقيد بأن تكون معاملة عدونا لأسرانا بنفس الطريقة الحسنة . فإذا خالفوا فأساؤوا لأسرانا ، وجب علينا أن نسيء معاملة أسراهم بالمثل عملا بقوله تعالى ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) . وقل مثل ذلك بالنسبة لقتل النساء والشيوخ الكبار في السن ، فقد نهي عن قتلهم لأنهم لم يكونوا مقاتلين في ذلك الزمن ، أما إذا كانوا مقاتلين أو مشجعين على قتلنا ، فهؤلاء يقتلون حتما ، وقد قتل النبي دريد بن الصمة يوم هوازن وكان دريد شيخا كبيرا .. كما أمر بقتل بعض النسوة اللائي كن يؤذين رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان فقط .
6 – الصبر ، والمصابرة ، والمرابطة ، وتقوى الله تعالى . قال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . أما الصبر : فهو أن يصبر المسلمون على تكاليف القتال في ذات أنفسهم . وأما المصابرة : فهي مفاعلة تكون من طرفين يتغالبان في ميدان الصبر ، ومعناها أن يغالب المسلمون أعداءهم في الصبر ، فيكونوا أكثر صبرا منهم . وأما المرابطة : فهي حراسة الثغور ، لمنع العدو أن يغزو المسلمين على حين غرة . وأخيرا ، فإن تقوى الله هي أكبر عون على استدرار النصر .
ثانيا : أسباب الهزيمة :
1 – التنازع ، والخلاف . لأن التنازع فشل ، والفشل ضعف ، والضعف من أقوى أسباب الهزيمة . قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) فليحذر من ذلك إخوتنا في الجيش الحر ، فشؤم التنازع خطير ، وعليهم أن يخلصوا جهادهم لله ، ويجتمعوا على قتال عدوهم طلبا لمرضاة ربهم سبحانه وتعالى .
2 – الشح والامتناع عن الإنفاق في سبيل الله ، لقوله تعالى (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) قال قتادة : أي لاَ تُمْسِكُوا بِأَيْدِيكُمْ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فذلك إلقاء بالنفس في التهلكة ، وسبيل إلى تغلب العدو عليكم ، وانتزاع أموالكم من أيديكم ، وسلب حريتكم منكم ، وجعلكم عبيدا لهم تباعون في سوق الرقيق .. وهنا أذكر الإخوة رجال الأعمال بضرورة إمداد الجيش الحر بما يستطيعون من المال . لأن عدم إنفاقهم في هذا السبيل مهلكة خطيرة ، تذهب بالمال والرجال .
3 – التأثر بالدعايات المغرضة ، والتأثر بكلام المرجفين . والمعوقين عن قتال الأعداء ، وتخويف الناس من مغبة القتال ، وما يقع فيه من موت ، وجراحات ، وخسائر تطال الأنفس والأموال ، وإقناع الناس بالسلامة مع الذل والمهانة .. وقد حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذلك بقَوْلِهِ تَعَالَى :( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا *) كما حَذَّرَ مِنَ السَّمَاعِ لِهَؤُلَاءِ بقَوْلِهِ تَعَالَى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ* ) وهنا أذكر من تتضرروا بهدم بيوتهم ووقوع خسائر لهم ، بأن التراجع عن هذه المعركة قبل تحقيق النصر هو الهلاك الكامل ، والخسارة الأبدية . لأن هذه العصابة لن تتورع عن إبادة من تبقى من السوريين ، وتهجيرهم من سوريا ، ونزع الجنسية عنهم . أما الاستمرار ففيه ضمانة أكيدة للنصر في نهاية المطاف ، وضمان حياة كريمة لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا .. إن شاء الله .
4 – الوقوع في المعاصي من أكبر أسباب الهزيمة في الحروب . شاهدُهُ ما حَصَلَ من هزيمة المسلمين يوم أُحُد ، عندما خالفوا تعليمات رسول الله ولم يلزموا مكانهم فوق جبل الرماة ، حيث أمرهم رسول الله بعدم مغادرته مهما حصل ، لئلا يأتيهم الأعداء من خلفهم . فلما انتصر المسلمون وفر المشركون في بدء المعركة ، ظن الرماة أن المعركة قد انتهت فنزلوا ، وخالفوا بنزولهم أوامر النبي ، فجاءهم خالد بفصيل من خيل المشركين من خلفهم ، فقلب المعركة لصالح المشركين .. فعاقب الله جيش المسلمين كله بسبب معصية هؤلاء الرماة ...
5 – البطر والرياء ، فإن ذلك كان سببا في هزيمة المشركين يوم بدر ، لأنهم لما نجت عيرهم ، أبوا أن يكفوا ويرجعوا إلى مكة ، وأقسموا أن يأتوا بَدْرًا فَيَشْرَبُوا بِهَا الْخَمْرَ وَتَعْزِف عَلَيْهم الْقِيَانُ وَتَتَحَدَّثُ بِمسيرهم الْعَرَبُ ... فَسُقُوا مَكَانَ الْخَمْرِ كُؤُوسَ الْمَنَايَا ، وذلك قوله تعالى ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) .
اللهم انصر كما وَعَدْت .. واكفنا شرَّ عدوِّنا بما شِئْت .