خاص لينا الشواف عن جريدة المستقبل- مونتريال – كندا
م أجد مثالاً نموذجياً عن المواطنة السورية أكثر من شخصية الأب باولو
الإيطالي الذي تخلى عن بلده الأم ليبحث عن الصفاء الديني على أرض سوريا منذ
أكثر من ثلاثين سنة .
ماأنجزه الأب باولو لسوريا إنسانياً وميدانياً
قد يفوق ما أنجزه حزب البعث طوال سنين حكمه ، فكان شخصية مؤثرة جداً على
جميع المحيطين به وكل من يعرفونه على الرغم من نأيه بنفسه في دير مارموسى
البعيد عن المظاهر المدنية والحضارية .
في خطابه أثناء الإفطار ، في
محاضرته في الجامعة ، في إجاباته عن كل الأسئلة لم يشعر أحد فينا أن هذه
الشخصية ذو منبت غير سوري أو أن جذوره ضاربة بغير التراب السوري ، كان
كلامه مليئاً بالحرقة والحسرة على أرواح السوريين الذين يستشهدون كل يوم
فوق أرض الوطن ومن جميع الأطراف والأطياف .
عندما دخلت غرفته وجدته
متكئاً وغارقاً في نومٍ عميق ، سألني فيصل : هل أوقظه لأن وقتنا ضيق ؟
فأجبته بكلا : امنحه بعض الوقت ليستريح.
كان يبدو عليه التعب والإرهاق
الشديدين لأن النوم قد سُرق من عينيه بعد أن طرده النظام السوري ولم يرض
بتجديد إقامته على الأراضي السورية .
رفض حتى الإستلقاء من أجل النوم
فهو يحمل مهمة إنسانية صعبة يشعر بأنه ملزم بها على مدار الأربع والعشرين
ساعة وأن واجبه هو إيصال هذه الرسالة السورية إلى كل أنحاء العالم.
نظرت إليه كان مرتدياً لباساً يحمل شعار المصالحة الذي أطلقه في لقاء تلفزيوني ، قلت في نفسي : يحمل الهمّ السوري حتى إلى أحلامه .
ومامضت لحظات قليلة حتى استيقظ خائفاً أن يكون الوقت قد فات على لقاءنا
وبدأ يعتذر مني بكل لباقة وتواضع ثم جلس أمامي وسألني بعض الأسئلة الحياتية
قبل أن أبدأ هذه المقابلة الساحرة والتي أنقلها لكم بكل تفاصيلها الجميلة .س: مرحبا الأب باولو عندما دخلت وجدتك نائماً وأنت جالس يبدو أنك تعبان كتير ؟
ج:نعم أنا تعبان ولكنني زعلان أكثر لأنني مطرود من أرضي سوريا ، ولكن
لايوجد تعب عندما أشارك الشبيبة على الأرض من أجل ثورة الكرامة
والديموقراطية ، حتى أن كلمة ديموقراطية أصبحت صغيرة أمام الجهاد من أجل
الإنسان .
وإذا كنت تعبان فأنا تعبان من الأشخاص الذين مازالوا غير
مصدقين ولم يستطيعوا أن يتماشوا مع التاريخ بطريقة صحيحة عندما قرر هذا
الشعب بأن يقوم من أجل عدالته .
هؤلاء الأشخاص الذين يتوهمون ويحنون
قائلين : كنا نعيش بأمان وأمن وخير فلماذا ؟ أقول لهم هل سألتم الناس الذين
اُعتقلوا وسُجنوا في الأقبية لسنوات عن الأمن ، هل سألتم الأهالي الذين
لايعرفون أين اختفوا ذويهم وماهو مصيرهم . لذلك يوجد زعل وإلتزام وشوق “كل
هدول سوا “.
س: أبونا قبل الثورة السورية هل كنت تشعر بأن الإنسان السوري يعيش تحت الذل والقمع والظلم ؟
ج : شخصياً دائماً كنت مع السوري المظلوم أحن إلى الحرية ولكني مثل كل
السوريين ، حياة يومية ،التزامات يومية ،وكان دائماً لدينا رجاء بأن نحصل
على هذه الحرية درجة درجة وتأملنا بأن يكون بشار الأسد أفضل من أبيه
ونستطيع أن نتغير دون حرب ، دون دم ولكن يبدو أننا كنا في رجاءٍ لاأساس له
على الأرض لأنه للأسف الشديد مايحدث الآن هو حرب ونزاع وقتل ودم وخراب ”
يعني كان ضروري هالشي كله ” فقط لأن هناك أناس لديها مصالح إقليمية ودولية
تقاطعت عند نا أوصلت سوريا إلى هذه المرحلة للأسف .
س: الأب باولو عاش معظم حياته في سوريا مالذي جعلك تترك وطنك الأم ايطاليا وتنتقل إليها؟
جئت سائحاً إلى سورية سنة 1973 مع أصدقائي” فبقيت سورية في قلبي أكيد ”
وبعد ذلك بقيت أتردد على سورية حيث كنت أدرس اللغة العربية في لبنان حتى
تعرفت في سنة 1982 على دير العمر وهو دير مارموسى وقررت الإنتقال إليه بعد
أن كرست حياتي كلها للتآخي المسيحي الإسلامي منذ زمن و عندما قررت أن أصبح
راهباً .
وهذا الدير أعاد لي رغبتي في العيش بسلام والقيام بأعمال
حقيقية على الأرض وليس فقط أن نقضي حياتنا بالتنظير وهو من فتح لهذا الراهب
الشاب الذي أمامك مجالاً للإلتزام بالعمق والحماس من أجل الحياة.
من
اللحظة التي أصبحت بها راهباً لم يعد يربطني بهذه الحياة غير خدمة الرب
وخدمة الناس أينما كانوا ، الهجرة من ايطاليا بدأت مباشرة مع التزامي في
الرهبنة.
س: عندما بدأ الربيع العربي في تونس انطلاقاً من البوعزيزي هل كنت تتوقع أبونا باولو أن تمتد الثورة إلى سوريا ؟
ج: كانت كل الناس تتساءل هل سيأتي دور سوريا ، وكنت أقول لهم “طولوا بالكم
يا جماعة بسوريا الموضوع معقد أكتر بكتير من هالبلدان، وإذا صار مابيصير
بهالسهولة متل ماصار بغير بلدان ،رح يكون مخاض طويل وصعب “.
كل الجو الإقليمي مختلف في سوريا بسبب وجود إلتزام إيراني إلى جانب النظام وهذا الذي كنت أتوقعه وأعرفه وأقوله للجميع .
“قليلة شو حسينا بحماس وهلّلنا مشان تونس ومصر وبعدها شو اتعذبنا مع أهل
اليمن و ليبيا وبنفس الوقت ” بدأت في سوريا وقلنا لعله يتعقل ، لعله يتعقل
ويفهم أنه يستطيع أن يكون هو بشار الأسد بطل سوريا الحقيقي وهو الذي يعبر
بسوريا من الضفة إلى الضفة الأخرى .
(مع تنهيدة عميقة جداَ ) أضاف الأب باولو : ولكنه خيب آمالنا كلنا نحن السوريون.
س: هل ستكون دومينو ؟ يعني بعد انتصار الثورة السورية هل ستمتد شعلة الربيع العربي؟
ج: بعد انتصار الثورة السورية ،” آآآآآآآآخ عم تحكي عن انتصار الثورة
السورية بدك تكتبي عن ما بعد الإنتصار أول شي خليها تصير لسا ماصارت بعد “.
الخوف أن تمتد الحرب الأهلية إلى بلاد أخرى ضمن الحرب الأهلية السنّية
الشيعية ومن الممكن أن تمتد إلى العراق التي لم تنتهي فيها بعد سلسلة
الإنفجارات التي تحمل لوناً طائفياً ، أفغانستان من بعد خروج القوات
الدولية ماتزال لديها مشاكل أهلية ، البحرين نفس الحالة ، الكويت والسعودية
ليسا محيدتين ، سوريا ولبنان أيضاً، كل هذه البلدان لديها مشكلة ويضاف
إليها مشكلة مشتركة وهي مشكلة الأكراد (تركيا – سوريا – العراق – إيران)
لذلك يجب أن تنجح الثورة السورية كثورة شعب واحد، كشعب يبني ديموقراطية
تعددية حقيقية، كشعب يحترم الخصوصيات الجغرافية الكردية والعلوية عندها
ستكون الثورة السورية بشرى سارة لكل المنطقة ، نحن نريد الثورة السورية
بشرى سارة لكل المنطقة .
س: عندك أمل بهذه الإرادة ؟
ج: عندي ثقة
بالإنتصار وأنا أعمل من أجله ، البارحة في لقاء مع التلفزيون الكندي شرحت
لهم هذا الموضوع بإيجاز “بدنا سوريا تشكل خير لكل العالم ” لذلك يجب على
العالم كله الإهتمام بسوريا الآن لأنه إذا وصلت الثورة السورية إلى آخر
المطاف بشكل بشع عندها يا الله “وقتها ماخلصنا ” سنرى الإنشقاق شرقي وغربي
على العراق وسوريا ولبنان وهذا المخاض لن يكون سهلاً أبداً.
س: الأب باولو يسافر من دولة إلى دولة بعد أن طُرد من سوريا ماذا يقدم من خلال سفره ؟
ج:أول ماخرجت ذهبت إلى لبنان ثم النرويج وبعدها مصر والآن هنا في كندا وفي
عدة مقاطعات “والخير لقدام ” ” بتعرفي بعتقد إني لاحق رغبتي وحاجتي في أن
أقول لنفسي بعدني مع الشباب بعدني مع الناس يلي عم يتعذبوا ” ربما لا أقدم
شيئاً من خلال سفري ولكني أحاول أن أنقل الصورة الحقيقية للثورة السورية
ولاأسكت أبداً عن الحق منذ بدايتها وحتى الآن ، سلاحي هو القلم وكم كنت
أتمنى أن لايضطر شبابنا أن يحملوا السلاح ، كم كنا نتمنى أن نراهن على ثورة
سلمية لكنهم أجبرونا على الدفاع عن أنفسنا ، الله يسامحهم ،وأنا سأبقى
أدعو وأعمل على المصالحة اليوم وغداً وبعد غد . البارحة كنت أقول لوزير
الخارجية الكندي أننا في سوريا اليوم بحاجة إلى الأمم المتحدة تأتي لتحمي
السنّي من العلوي “وبوكرا لكي يحموا أهالي الشبيحة مننا ” .
س: وزير الخارجية الكندي برأيك هل سيتأثر بحديث الأب باولو الذي جرى البارحة في 25 تموز؟
ج:أظن أنه تأثر من زيارتنا جميعاً فأنا لم أكون سوى ضيف مع الوفد السوري
الكندي وكان وجوده مهم جداً ، فبعد اللقاء أصبح هناك صدى إعلامي جيد وأنت
تعرفين أن السياسيين عينهم دائماً على التلفزيون والراديو حتى يشاهدوا و
يسمعوا ماذا يقال عنهم . وزير الخارجية الكندي سوف يقوم بالسبر ليرى إن كان
هناك مجال لمحاولة دبلوماسية كندية بإتجاه روسيا وبما إنه في نفس الوقت
وعلى الأرض أصدقاء روسيا يخسرون الحرب فعلياً فأعتقد أنه الوقت المناسب
للوساطة الكندية بأن تمنح فرصة لروسيا بعد أن أضاعت كل الفرص ،عساها ولعلها
تبحث عن فرصة جديدة “بلكي اللهم نطلب من الله أن تتوافق الظروف ” .
س:في بعض السوريين يقولون بأن المجتمع السوري قبل الثورة كان يخبىء الطائفية تحت الرماد مارأيك ؟
ج: ليش تحت الرماد ؟؟؟ ” ب 1992 جاء لعندي ضابط علوي وقال لي : أبونا لازم
نخلي البوط على رقبتهم مشان ماحدا يفز بوجهنا . قلت له : مرحبا، أنت بتجي
تحكي معي بهالبرية هالحكي ، بتحكي هذا الحكي أمام حافظ الأسد ؟ أجابني : لأ
هذا الحكي مابينحكى . فقلت له : معناتا لاتردده أمامي ، حكيته……. انساه .”
أنا مع توسيع الوفاق الوطني لإجتياز المنطق الطائفي وعملت عليه كل هذه
السنين ، ولكن هناك أناس ظلوا مستمرين على المنطق الطائفي ولاسيما من
الأقليات فهناك أناس عقليتهم طائفية للغاية يريدون سوريا لهم لا سوريا لكل
السوريين .
س: “كيف فينا نأثر على هؤلاء الناس” ؟
ج: ” أنا وياك وين عم نحكي هلأ “؟ وين قاعدين هلأ ……بكندا ”
“المرة الجاية رح نحكي أنا وياك بالشام” وأنا أخشى أن الكثير من هؤلاء سوف
يكونون في كندا ….”إذا لحّقوا ” وحتى أنهم قد يستأجرون نفس البيوت التي
استأجرناها نحن هنا .
مع أنني أحلم بقدرة السوريين على المصالحة ،
عندما دخل رسول الله منتصراً إلى مكة عليه الصلاة والسلام كان له من قوة
النبوة والقلب بأن قدم المصالحة لأعدائه وهؤلاء من “كتر ماشافوا قوة الحق ”
قبلوا بالمصالحة ، كان يستطيعون الهرب أو يقبلون بكوتة واحدة الآن ولامائة
موتة في الغد، ولكنهم قبلوا المصالحة .
نحن نتمنى من الذين يدخلون
اليوم إلى حلب ودمشق أن يدخلوا بمعنويات وطنية وإسلامية عالية لدرجة تجعل
الجميع يقبل بيّد المصالحة الممدودة .
س : هناك الكثير من المؤيدين
والمعارضين يستغربون وجود مواطن سوري يستطيع أن يقتل ويذبح ويغتصب بهذه
الطريقة التي نشاهدها الآن في سوريا ؟
ج: ” لأ أنا ماني مستغرب …هذا هو
الوخم تبع البني آدميين ” هذا واقع موجود اليوم وغداً أيضاً إذا لم نستطع
أن نربي أجيال يحملون كرامة إنسانية متأصلة بقلوبهم .
لست مستغرب أبداً
، متألم جداً ، مستنكر للغاية ولكنني لست متعجباً لأنني كنت أخشى مما يحصل
الآن لا بل كنت أُنبّه منه : “إذا مابتقدروا تتغيروا هلأ بتنتهوا هيك
….وللأسف عم ينتهوا هيك ” وأنا متأسف عليهم كلهم .
س: في نظرية تقول أن الربيع العربي هو مؤامرة من الدول الكبرى لرسم خارطة شرق أوسط جديد تحمي اسرائيل ماذا يقول الأب باولو في ذلك ؟
ج: الربيع العربي فرصة للإسرائيليين الذين يملكون إنسانية حقيقية وكارثة
للصهاينة الذين يريدون أن يستمروا في مفهوم التوسع الإستعماري والإستيطاني
وكره العرب المسلمين والمسيحيين وفرض الذات بطريقة عنصريّة .
الربيع العربي فرصة لكل من يريد أن يرسم شرق أوسط جديد ” نعم شرق أوسط جديد تعبير حلو ”
شرق أوسط جديد يسوده الإنسانية والديموقراطية والتعددية في عروبة حقيقية
يعيش فيها المسلم و اليهودي والكردي والأرمني والشركسي ، لأن هذه هي
العروبة كما نحلم بها تماماً
م أجد مثالاً نموذجياً عن المواطنة السورية أكثر من شخصية الأب باولو
الإيطالي الذي تخلى عن بلده الأم ليبحث عن الصفاء الديني على أرض سوريا منذ
أكثر من ثلاثين سنة .
ماأنجزه الأب باولو لسوريا إنسانياً وميدانياً
قد يفوق ما أنجزه حزب البعث طوال سنين حكمه ، فكان شخصية مؤثرة جداً على
جميع المحيطين به وكل من يعرفونه على الرغم من نأيه بنفسه في دير مارموسى
البعيد عن المظاهر المدنية والحضارية .
في خطابه أثناء الإفطار ، في
محاضرته في الجامعة ، في إجاباته عن كل الأسئلة لم يشعر أحد فينا أن هذه
الشخصية ذو منبت غير سوري أو أن جذوره ضاربة بغير التراب السوري ، كان
كلامه مليئاً بالحرقة والحسرة على أرواح السوريين الذين يستشهدون كل يوم
فوق أرض الوطن ومن جميع الأطراف والأطياف .
عندما دخلت غرفته وجدته
متكئاً وغارقاً في نومٍ عميق ، سألني فيصل : هل أوقظه لأن وقتنا ضيق ؟
فأجبته بكلا : امنحه بعض الوقت ليستريح.
كان يبدو عليه التعب والإرهاق
الشديدين لأن النوم قد سُرق من عينيه بعد أن طرده النظام السوري ولم يرض
بتجديد إقامته على الأراضي السورية .
رفض حتى الإستلقاء من أجل النوم
فهو يحمل مهمة إنسانية صعبة يشعر بأنه ملزم بها على مدار الأربع والعشرين
ساعة وأن واجبه هو إيصال هذه الرسالة السورية إلى كل أنحاء العالم.
نظرت إليه كان مرتدياً لباساً يحمل شعار المصالحة الذي أطلقه في لقاء تلفزيوني ، قلت في نفسي : يحمل الهمّ السوري حتى إلى أحلامه .
ومامضت لحظات قليلة حتى استيقظ خائفاً أن يكون الوقت قد فات على لقاءنا
وبدأ يعتذر مني بكل لباقة وتواضع ثم جلس أمامي وسألني بعض الأسئلة الحياتية
قبل أن أبدأ هذه المقابلة الساحرة والتي أنقلها لكم بكل تفاصيلها الجميلة .س: مرحبا الأب باولو عندما دخلت وجدتك نائماً وأنت جالس يبدو أنك تعبان كتير ؟
ج:نعم أنا تعبان ولكنني زعلان أكثر لأنني مطرود من أرضي سوريا ، ولكن
لايوجد تعب عندما أشارك الشبيبة على الأرض من أجل ثورة الكرامة
والديموقراطية ، حتى أن كلمة ديموقراطية أصبحت صغيرة أمام الجهاد من أجل
الإنسان .
وإذا كنت تعبان فأنا تعبان من الأشخاص الذين مازالوا غير
مصدقين ولم يستطيعوا أن يتماشوا مع التاريخ بطريقة صحيحة عندما قرر هذا
الشعب بأن يقوم من أجل عدالته .
هؤلاء الأشخاص الذين يتوهمون ويحنون
قائلين : كنا نعيش بأمان وأمن وخير فلماذا ؟ أقول لهم هل سألتم الناس الذين
اُعتقلوا وسُجنوا في الأقبية لسنوات عن الأمن ، هل سألتم الأهالي الذين
لايعرفون أين اختفوا ذويهم وماهو مصيرهم . لذلك يوجد زعل وإلتزام وشوق “كل
هدول سوا “.
س: أبونا قبل الثورة السورية هل كنت تشعر بأن الإنسان السوري يعيش تحت الذل والقمع والظلم ؟
ج : شخصياً دائماً كنت مع السوري المظلوم أحن إلى الحرية ولكني مثل كل
السوريين ، حياة يومية ،التزامات يومية ،وكان دائماً لدينا رجاء بأن نحصل
على هذه الحرية درجة درجة وتأملنا بأن يكون بشار الأسد أفضل من أبيه
ونستطيع أن نتغير دون حرب ، دون دم ولكن يبدو أننا كنا في رجاءٍ لاأساس له
على الأرض لأنه للأسف الشديد مايحدث الآن هو حرب ونزاع وقتل ودم وخراب ”
يعني كان ضروري هالشي كله ” فقط لأن هناك أناس لديها مصالح إقليمية ودولية
تقاطعت عند نا أوصلت سوريا إلى هذه المرحلة للأسف .
س: الأب باولو عاش معظم حياته في سوريا مالذي جعلك تترك وطنك الأم ايطاليا وتنتقل إليها؟
جئت سائحاً إلى سورية سنة 1973 مع أصدقائي” فبقيت سورية في قلبي أكيد ”
وبعد ذلك بقيت أتردد على سورية حيث كنت أدرس اللغة العربية في لبنان حتى
تعرفت في سنة 1982 على دير العمر وهو دير مارموسى وقررت الإنتقال إليه بعد
أن كرست حياتي كلها للتآخي المسيحي الإسلامي منذ زمن و عندما قررت أن أصبح
راهباً .
وهذا الدير أعاد لي رغبتي في العيش بسلام والقيام بأعمال
حقيقية على الأرض وليس فقط أن نقضي حياتنا بالتنظير وهو من فتح لهذا الراهب
الشاب الذي أمامك مجالاً للإلتزام بالعمق والحماس من أجل الحياة.
من
اللحظة التي أصبحت بها راهباً لم يعد يربطني بهذه الحياة غير خدمة الرب
وخدمة الناس أينما كانوا ، الهجرة من ايطاليا بدأت مباشرة مع التزامي في
الرهبنة.
س: عندما بدأ الربيع العربي في تونس انطلاقاً من البوعزيزي هل كنت تتوقع أبونا باولو أن تمتد الثورة إلى سوريا ؟
ج: كانت كل الناس تتساءل هل سيأتي دور سوريا ، وكنت أقول لهم “طولوا بالكم
يا جماعة بسوريا الموضوع معقد أكتر بكتير من هالبلدان، وإذا صار مابيصير
بهالسهولة متل ماصار بغير بلدان ،رح يكون مخاض طويل وصعب “.
كل الجو الإقليمي مختلف في سوريا بسبب وجود إلتزام إيراني إلى جانب النظام وهذا الذي كنت أتوقعه وأعرفه وأقوله للجميع .
“قليلة شو حسينا بحماس وهلّلنا مشان تونس ومصر وبعدها شو اتعذبنا مع أهل
اليمن و ليبيا وبنفس الوقت ” بدأت في سوريا وقلنا لعله يتعقل ، لعله يتعقل
ويفهم أنه يستطيع أن يكون هو بشار الأسد بطل سوريا الحقيقي وهو الذي يعبر
بسوريا من الضفة إلى الضفة الأخرى .
(مع تنهيدة عميقة جداَ ) أضاف الأب باولو : ولكنه خيب آمالنا كلنا نحن السوريون.
س: هل ستكون دومينو ؟ يعني بعد انتصار الثورة السورية هل ستمتد شعلة الربيع العربي؟
ج: بعد انتصار الثورة السورية ،” آآآآآآآآخ عم تحكي عن انتصار الثورة
السورية بدك تكتبي عن ما بعد الإنتصار أول شي خليها تصير لسا ماصارت بعد “.
الخوف أن تمتد الحرب الأهلية إلى بلاد أخرى ضمن الحرب الأهلية السنّية
الشيعية ومن الممكن أن تمتد إلى العراق التي لم تنتهي فيها بعد سلسلة
الإنفجارات التي تحمل لوناً طائفياً ، أفغانستان من بعد خروج القوات
الدولية ماتزال لديها مشاكل أهلية ، البحرين نفس الحالة ، الكويت والسعودية
ليسا محيدتين ، سوريا ولبنان أيضاً، كل هذه البلدان لديها مشكلة ويضاف
إليها مشكلة مشتركة وهي مشكلة الأكراد (تركيا – سوريا – العراق – إيران)
لذلك يجب أن تنجح الثورة السورية كثورة شعب واحد، كشعب يبني ديموقراطية
تعددية حقيقية، كشعب يحترم الخصوصيات الجغرافية الكردية والعلوية عندها
ستكون الثورة السورية بشرى سارة لكل المنطقة ، نحن نريد الثورة السورية
بشرى سارة لكل المنطقة .
س: عندك أمل بهذه الإرادة ؟
ج: عندي ثقة
بالإنتصار وأنا أعمل من أجله ، البارحة في لقاء مع التلفزيون الكندي شرحت
لهم هذا الموضوع بإيجاز “بدنا سوريا تشكل خير لكل العالم ” لذلك يجب على
العالم كله الإهتمام بسوريا الآن لأنه إذا وصلت الثورة السورية إلى آخر
المطاف بشكل بشع عندها يا الله “وقتها ماخلصنا ” سنرى الإنشقاق شرقي وغربي
على العراق وسوريا ولبنان وهذا المخاض لن يكون سهلاً أبداً.
س: الأب باولو يسافر من دولة إلى دولة بعد أن طُرد من سوريا ماذا يقدم من خلال سفره ؟
ج:أول ماخرجت ذهبت إلى لبنان ثم النرويج وبعدها مصر والآن هنا في كندا وفي
عدة مقاطعات “والخير لقدام ” ” بتعرفي بعتقد إني لاحق رغبتي وحاجتي في أن
أقول لنفسي بعدني مع الشباب بعدني مع الناس يلي عم يتعذبوا ” ربما لا أقدم
شيئاً من خلال سفري ولكني أحاول أن أنقل الصورة الحقيقية للثورة السورية
ولاأسكت أبداً عن الحق منذ بدايتها وحتى الآن ، سلاحي هو القلم وكم كنت
أتمنى أن لايضطر شبابنا أن يحملوا السلاح ، كم كنا نتمنى أن نراهن على ثورة
سلمية لكنهم أجبرونا على الدفاع عن أنفسنا ، الله يسامحهم ،وأنا سأبقى
أدعو وأعمل على المصالحة اليوم وغداً وبعد غد . البارحة كنت أقول لوزير
الخارجية الكندي أننا في سوريا اليوم بحاجة إلى الأمم المتحدة تأتي لتحمي
السنّي من العلوي “وبوكرا لكي يحموا أهالي الشبيحة مننا ” .
س: وزير الخارجية الكندي برأيك هل سيتأثر بحديث الأب باولو الذي جرى البارحة في 25 تموز؟
ج:أظن أنه تأثر من زيارتنا جميعاً فأنا لم أكون سوى ضيف مع الوفد السوري
الكندي وكان وجوده مهم جداً ، فبعد اللقاء أصبح هناك صدى إعلامي جيد وأنت
تعرفين أن السياسيين عينهم دائماً على التلفزيون والراديو حتى يشاهدوا و
يسمعوا ماذا يقال عنهم . وزير الخارجية الكندي سوف يقوم بالسبر ليرى إن كان
هناك مجال لمحاولة دبلوماسية كندية بإتجاه روسيا وبما إنه في نفس الوقت
وعلى الأرض أصدقاء روسيا يخسرون الحرب فعلياً فأعتقد أنه الوقت المناسب
للوساطة الكندية بأن تمنح فرصة لروسيا بعد أن أضاعت كل الفرص ،عساها ولعلها
تبحث عن فرصة جديدة “بلكي اللهم نطلب من الله أن تتوافق الظروف ” .
س:في بعض السوريين يقولون بأن المجتمع السوري قبل الثورة كان يخبىء الطائفية تحت الرماد مارأيك ؟
ج: ليش تحت الرماد ؟؟؟ ” ب 1992 جاء لعندي ضابط علوي وقال لي : أبونا لازم
نخلي البوط على رقبتهم مشان ماحدا يفز بوجهنا . قلت له : مرحبا، أنت بتجي
تحكي معي بهالبرية هالحكي ، بتحكي هذا الحكي أمام حافظ الأسد ؟ أجابني : لأ
هذا الحكي مابينحكى . فقلت له : معناتا لاتردده أمامي ، حكيته……. انساه .”
أنا مع توسيع الوفاق الوطني لإجتياز المنطق الطائفي وعملت عليه كل هذه
السنين ، ولكن هناك أناس ظلوا مستمرين على المنطق الطائفي ولاسيما من
الأقليات فهناك أناس عقليتهم طائفية للغاية يريدون سوريا لهم لا سوريا لكل
السوريين .
س: “كيف فينا نأثر على هؤلاء الناس” ؟
ج: ” أنا وياك وين عم نحكي هلأ “؟ وين قاعدين هلأ ……بكندا ”
“المرة الجاية رح نحكي أنا وياك بالشام” وأنا أخشى أن الكثير من هؤلاء سوف
يكونون في كندا ….”إذا لحّقوا ” وحتى أنهم قد يستأجرون نفس البيوت التي
استأجرناها نحن هنا .
مع أنني أحلم بقدرة السوريين على المصالحة ،
عندما دخل رسول الله منتصراً إلى مكة عليه الصلاة والسلام كان له من قوة
النبوة والقلب بأن قدم المصالحة لأعدائه وهؤلاء من “كتر ماشافوا قوة الحق ”
قبلوا بالمصالحة ، كان يستطيعون الهرب أو يقبلون بكوتة واحدة الآن ولامائة
موتة في الغد، ولكنهم قبلوا المصالحة .
نحن نتمنى من الذين يدخلون
اليوم إلى حلب ودمشق أن يدخلوا بمعنويات وطنية وإسلامية عالية لدرجة تجعل
الجميع يقبل بيّد المصالحة الممدودة .
س : هناك الكثير من المؤيدين
والمعارضين يستغربون وجود مواطن سوري يستطيع أن يقتل ويذبح ويغتصب بهذه
الطريقة التي نشاهدها الآن في سوريا ؟
ج: ” لأ أنا ماني مستغرب …هذا هو
الوخم تبع البني آدميين ” هذا واقع موجود اليوم وغداً أيضاً إذا لم نستطع
أن نربي أجيال يحملون كرامة إنسانية متأصلة بقلوبهم .
لست مستغرب أبداً
، متألم جداً ، مستنكر للغاية ولكنني لست متعجباً لأنني كنت أخشى مما يحصل
الآن لا بل كنت أُنبّه منه : “إذا مابتقدروا تتغيروا هلأ بتنتهوا هيك
….وللأسف عم ينتهوا هيك ” وأنا متأسف عليهم كلهم .
س: في نظرية تقول أن الربيع العربي هو مؤامرة من الدول الكبرى لرسم خارطة شرق أوسط جديد تحمي اسرائيل ماذا يقول الأب باولو في ذلك ؟
ج: الربيع العربي فرصة للإسرائيليين الذين يملكون إنسانية حقيقية وكارثة
للصهاينة الذين يريدون أن يستمروا في مفهوم التوسع الإستعماري والإستيطاني
وكره العرب المسلمين والمسيحيين وفرض الذات بطريقة عنصريّة .
الربيع العربي فرصة لكل من يريد أن يرسم شرق أوسط جديد ” نعم شرق أوسط جديد تعبير حلو ”
شرق أوسط جديد يسوده الإنسانية والديموقراطية والتعددية في عروبة حقيقية
يعيش فيها المسلم و اليهودي والكردي والأرمني والشركسي ، لأن هذه هي
العروبة كما نحلم بها تماماً