اختلاف أميركي - فرنسي حول الحكومة المؤقتة والمنطقة العازلة
منى فرح تحليل اخباري

دعت واشنطن المعارضة السورية الى تنظيم نفسها بشكل أفضل قبل البدء بتشكيل حكومة مؤقتة، وذلك ردا على ما أعلنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (الإثنين) إنه سيعترف فورا بمثل هذه الحكومة «ما إن يتم تشكيلها»، مما يكشف عن اختلاف بين فرنسا والولايات المتحدة، بخصوص كيفية التعامل مع الوضع في سوريا والحلول والخطوات التي يجب اتخاذها في إطار البحث عن حلول للأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم منذ 18 شهرا، خصوصا ما يتعلق منها بشأن التعامل مع المعارضة السورية بكل أطيافها.

ففي حين يبدي الفرنسيون انفتاحا كبيرا على الجماعات المعارضة، وتحديدا المجلس الوطني السوري، يبدو الأميركيون أكثر حذرا، حيث يرون أن المعارضة «ممزقة» و«غير فعّالة» لتشكيل حكومة بديلة، ويبدون كثيراً من المخاوف حيال الجماعات الإسلامية المتشددة منهم.

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وخلال زيارتها الأخيرة الى اسطنبول قبل أسبوعين، قد استبعدت أعضاء المجلس الوطني من اللقاءات التي خصصتها لمعارضين سوريين.

وقالت المتحدثة فيكتوريا نولاند «دعونا المعارضة الى تنسيق أوثق لعمل السوريين خارج سوريا وداخلها، وفي المقام الأول اعتماد خطة انتقال سياسي مطروحة بالفعل» منذ نهاية يونيو في جنيف. وأكدت أن «أول شيء عليهم القيام به هو الاتفاق على ما يجب أن يشبه انتقالا سياسيا، ثم يقررون الوقت الذي سيكونون فيه على استعداد للبدء باختيار أشخاص» للحكومة المقبلة



المجلس الوطني

مصدر سوري مطلع شرح لــ القبس ان كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا، ومعهما الكثير من العواصم الغربية، يسعون الى إبعاد أنفسهم عن المجلس الوطني السوري، وفي الوقت نفسه يعملون على توثيق العلاقات أكثر مع المعارضين في الداخل، وعلى وجه الخصوص «الثوار» أو العاملون على الأرض مباشرة، أي الجماعات المسلحة، بما في ذلك الجيش السوري الحر والكتائب الثائرة والمقاتلون المعارضون. بينما ظلت فرنسا «الداعم القوي» شبه الوحيد للمجلس الوطني وللمعارضة في الخارج عموما.


مع تركيا وقطر

ووفق المصدر، فان فرنسا تعمل - وبتوافق كلي تقريبا - مع كل من تركيا وقطر، في ما يخص المسألة السورية. وقال لــ القبس إن هذا التعاون يتركز على محاور أربعة رئيسية، هي:

- أولا: الدفع باتجاه حكومة انتقالية يهيمن عليها المجلس الوطني. وثمة معلومات تفيد بأنه جرى التوافق على شخص رياض سيف (عضو فعّال في المجلس) لرئاسة الحكومة الانتقالية، «لكونه شخصية معتدلة ويلقى ترحيبا وموافقة الجميع».

- ثانيا: تشكيل مجلس حكماء يضم عناصر من خارج المجلس، تلقى في الوقت نفسه ترحيب وموافقة الأفرقاء جميعهم - داخل سوريا وخارجها (مثل المفكر ميشال كيلو) -. وأهمية مجلس الحكماء هذا، الى جانب توظيف القرارات التي صدرت عن اجتماعات المعارضة في القاهرة، تكمن في إيجاد توازن يرضي المعارضة في الداخل.

- ثالثا: الدفع باتجاه إقامة منطقة عازلة في سوريا، التي كانت تركيا أول من طرح فكرتها. وفي هذا الشأن تكثف فرنسا تعاونها مع منظمات الإغاثة الدولية.

- رابعا: استبعاد التعامل مع الجيش السوري الحر، خصوصا الضباط والجنود المنشقين عن الجيش السوري، من منطلق قطع كل صلة ورابط بالنظام الحالي، وتجنب التعامل مع أي طرف أو جهة كانت على صلة بهذا النظام من قريب أو بعيد.


النموذج الليبي

وفي هذا الخصوص يشير المصدر الى تمسك قطر بفكرة تطبيق النموذج الليبي على الأزمة السورية «التي تعتبرها ناجحة»، حيث كان الاعتماد على الكتائب المسلحة والمدعومة من الخارج خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين.

والنقطة الرابعة هي أكثر ما يكشف الخلاف بين فرنسا من جهة والولايات المتحدة ومعها كثير من دول الغرب، وخصوصا بريطانيا، من جهة أخرى.

وكان المسؤولون الأميركيون، في الآونة الأخيرة، بمن فيهم قادة الاستخبارات، قد أكثروا من التصريحات التي تؤكد ضرورة ووجوب المحافظة على تماسك مؤسسات الدولة في سوريا، وعلى وجه الخصوص الجيش السوري، لتفادي تكرار الخطأ الذي وقع في العراق عندما أدى حل الجيش العراقي، عقب الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين الى فوضى عارمة لا تزال البلاد تدفع ثمنها حتى اليوم.



المنطقة العازلة

كما يختلف الأميركيون مع الفرنسيين بخصوص المنطقة العازلة.

فتعليقا على تأكيد الرئيس الفرنسي أن باريس «تعمل» بالتشاور مع أقرب شركائها على اقامة «مناطق عازلة» في سوريا في محاولة لاحتواء تدفق اللاجئين السوريين الى تركيا والأردن، قالت الخارجية الأميركية إن «هذا الأمر يأتي في لحظة مناسبة و(بذلك) يستطيع أعضاء مجلس الأمن توسيع عملهم وتنسيقه في شكل أفضل». وأكدت نولاند أن «أي حدود (مع سوريا) ليست مغلقة حاليا وتركيا تعمل مع الأمم المتحدة في محاولة لايصال مساعدات إنسانية الى نقاط العبور موجهة الى الأشخاص الذين ينتظرون اجتياز» الحدود.

ويبدي الأميركيون وكثيرون، وبينهم معارضون سوريون، من تتسبب المنطقة العازلة بحرب مع سوريا «لم تختمر ظروفها بعد». لكن باريس لديها مبرراتها وتطميناتها في هذا الخصوص.