هذه قصيدة للشاعر الدمشقي نزار قباني
قمت بشرحها في ظل الوضع السوري الراهن و اعطاني الدكتور على هذا التقرير 20/20 هو دكتور رائع جدا
فيما يلي القصيدة و شرحها ارجو ان تعجبكم :




مسافرون نحن فى سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
فصار قائدنا مرتزق بدل من ان يكون
بطل الفرسان



مواطنون دونما وطن


مطاردون كالعصافير على خرائط
الزمن

مسافرون دون أوراق ..وموتى دونما
كفن

نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جوارى القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن عدن الى طنجة
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن.......
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة ... كبيرة
تدعى الوطن


**


مواطنون نحن فى مدائن البكاء
قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء
طعامنا ..شرابنا
عاداتنا ..راياتنا
زهورنا ..قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء
لا أحد يعرفنا فى هذه الصحراء
لا نخلة.. ولا ناقة
لا وتد ..ولا حجر
لا هند ..لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماء
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء
**
معتقلون داخل النص الذى يكتبه
حكامنا


معتقلون داخل الدين كما فسره
إمامنا

معتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما
بنا أحزاننا

مراقبون نحن فى المقهى ..وفى
البيت

وفى أرحام! أمهاتنا
حيث تلفتنا وجدنا المخبر السرى فى
انتظارنا

يشرب من قهوتنا
ينام فى فراشنا
يعبث فى بريدنا
ينكش فى أوراقنا
يدخل فى أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا ..مقطوع
ورأسنا ..مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامى الحمى
قيل لنا : ممنـــوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا : ممنوع
وإن هتفنا ..يا رسول الله كن فى
عوننا

يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة
الأخيرة

أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع
**

يا وطنى المصلوب فوق حائط
الكراهية

يا كرة النار التى تسير نحو
الهاوية

لا أحد من مضر ..أو من بنى ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه
أو بوله الشريف
لا أحد على امتداد هذه العباءة
المرقعة

أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى
عروقهم

ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا ..ولا
رعاع البادية

ولا أبو الطيب يستضيفنا ..ولا أبو
العتاهية


إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية
**
مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
من بحر بيروت إلى بحر العرب
لا الفاطميون ..ولا القرامطة
ولا المماليك …ولا البرامكة
ولا الشياطين ..ولا الملائكة
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
فى مدن الملح التى تذبح فى العام
ملايين الكتب

لا أحد يقرؤنا
فى مدن صارت بها مباحث الدولة
عرّاب الأدب

**
مسافرون نحن فى سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التى نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التى نكتبها
لا تعجب السلطان
**



مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم ..وضيعوا !
متاعهم

ضيعوا أبناءهم ..وضيعوا أسماءهم..وضيعوا
إنتماءهم
..
وضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا ..ولا بنو
قحطان

ولا بنو ربيعة ..ولا بنو شيبان
ولا بنو 'لينين' يعرفوننا ..ولا
بنو 'ريجان
'
يا وطنى ..كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التى تحترف الحرية
فهى تموت خارج الأوطان







سلمت
يداك يا نزار فأي إبداع هذا الذي كتبت أقسم كأنك كنت تعلم بالربيع العربي ، سأشرح
القصيدة على ضوء ما يحدث في سوريا .






تقوم
هذه القصيدة على فكرة محور أساسها تفنن الحكام في ظلم الشعوب , و دور الشعوب في
الثورة عليهم و إسقاطهم , و عملية الظلم تقوم على صراع بين الموت و الحياة .



نزار
قباني وظف الكثير من الألفاظ لخدمة هذه القصيدة و قد أحسن توظيفها بشكل رائع فقد
إستخدم للظلم و الحزن صور تؤثر بكل من قرأ القصيدة أو سمعها .



أثار
نزار في ذات المتلقي حالة من التعجب و الإستنكار لما آلت إليه حال الشعوب بسبب ظلم
الحكام و قد إستخدم أقواما ً ظلمت الشعوب العربية بطريقة أو بأخرى لعله أراد بذلك
التلميح إلى أن بعض الحكام الذي يحكمون العرب ليسوا أصلا بعرب.






يقول
نزار أن الشعوب تحضع لحكم من لا يملك أن يكون حاكماً , فشيخنا ما هو إلا قرصان إن
لهذه اللفظة وقعٌ في القلوب كبير إنها كلمة مؤلمة جدا ً فكأنه يقصد به



(
البوطي و حسون ) و القائد ما هو إلا مرتزق لا يُعلم من أين هو و ما هو أصله



(
بشار الأسد ) و لعله يقصد بفارس الفرسان ( أحمد الخطيب ).



ثم
يعود إلى الشعوب التي تعيش بلا وطن و هي أصلا ً في وطنها ( الشعب السوري) و شبهها
بالعصافير ثم يقول عنهم أنهم يسافرون بلا ورق
فأي حال هم عليه ثم أنهم موتى بلا
كفن , كأنهم أحياء , لكنهم ميتون في نفس الوقت , و بعد صورة العصافير و الموتي ,
حولهم إلى بغايا الذين لا يملكون أمر نفسهم ,و لعل نزارا ً خجل من أن يقول عنهم
أمعات ؛ فقال أنهم يُباعون و يُشترون , و لا يملكون أمرهم , و الحاكم هو من يقبض
ثمن الشعوب , ثم يصور الشعوب بصورة قاسية , أنهم جواري القصر يتنقلون من غرفة إلى
غرفة , و من مالك إلى مالك , ثم يأتي بصورة أكثر بشاعة و أكثر وحشية , أن الشعوب
كالكلاب الراكضة في الليل تبحث عما يسترها.



ثم
يعود نزار و يأتي على صغار الشعوب , أنهم على الرغم من طفولتهم إلا أنهم شاخوا و
احدودبت ظهورهم , فأي صورة هذه التي صورها نزار لصغار الشعوب؟؟!! ثم أن أطفال
الشعوب تبحث في المعاجم عما يُسمى وطن الذي وصفه نزار بالكذبة الكبيرة .



نعم
إن الوطن ما هو إلا كذبة كبيرة من الحكام , زهقونا وطن وطن وطن .فأي جرأة هذه عنك
يا نزار .



و
هنا يضع نزار لمسة من لمسات الشيعة , فماذا يقول ؟ يقول :



مواطنون
نحن فى مدائن البكاء

قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء





حتى
قهوتهم حمراء كالدم الذي يٌراق في كربلاء , و حنطتهم ( خبزهم ) معجون باللحم
الكربلائي , فأي صور شنيعة هذه يا نزار ؟!!



حتى
طعامهم و شرابهم و قبورهم بختمة كربلاء .



عندما
يذكر لمسات الشيعة فهنا تبادر إلى ذهني إيران أليست إيران هي من تذبح في سوريا
؟؟!!



يعود
و يصور لنا أن الشعوب في أوطانها مشبوهٌ بها , فلا أحد يعرفهم حتى أن أسماءهم ليست
كالأسماء الأخرى .



حتى
من يُعانون مثلهم لا يعرفوهم إطلاقا , حتى أهل الخليج كذلك .



و
ما زاد على الشعوب أسرها , أنها معتقلة فيما يكتبه الحكام من دساتير و قوانين



حتى
أن إمامهم صار سجاناً يسجنهم في دينه كالحكام في قوانينهم .



إن
شعوبنا مراقبين في كل شيء حتى و هي في أرحام أمهاتها مراقبة , فأي أسر ٍهذا ؟؟!! و
لشدة المراقبة أن الشعوب أينما إلتفتت ترى المخبرين ( الشبيحة ) , حتى أن المخبرين
تجدهم في أوراقهم و أنوفهم و يشربون من قهوتهم و في هذا دلالة على أن الشعوب كذلك منها
من هو مخبر .



و
هنا و الله كأن نزارا ً يحيا معنا في الربيع العربي , فحينما طالبت الشعوب
بالإصلاح قٌمعت و قٌتلت , و كلنا يعرف ماذا حدث , حتى أن الشعوب حينما تستنجد برب
العالمين فهذا
ممنوع ( يا الله ما لنا غيرك يا الله ), و حتى في طلب الرسول ممنوع ( قائدنا للأبد سيدنا محمد ) ,
و عندما قامت الشعوب بكتابة القصيدة أو الوصية غيّر الحكام الموضوع , فماذا قال
الحكام ( إستفتاء حول الدستور الجديد ) .



ثم يٌخاطب نزار
وطنه بلهجة فيها من الألم الشيء الكبير :



يا
وطنى المصلوب فوق حائط الكراهية

يا كرة النار التى تسير نحو
الهاوية

لا أحد من مضر ..أو من بنى ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه
أو بوله الشريف





في الشطر الثالث
من هذه القطعة كأن نزاراً يعرف أن ( الأسد ) ليس بعربي , فهو فارسي , و هنا نلمح
هالة ً من القدسية لا نراها إلا عند الفرس ؛ و هي البول الشريف لدى حكامهم , فعلى
الشعوب الفارسية شرب و أكل مخلفات الحاكم فأي قرف هذا .






و في قوله :


لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة
أهداك يوماً معطفاً أو قبعة





دلالة على عدم
تقديم الحكام شيئا ً للوطن , فالوطن مرقع ؛ أي جزء منه صالح و الجزء الآخر فاسد , فهذه
الصورة على الرغم من قسوتها إلا أنها معبرة جدا .



تأتي بعدها صورة
أكثر تعبيرا ً عن الضعف الذي يأكل الوطن , فشبهه بعشبة الخريف فأي صورة هذه التي
تمثل الضعف بكل صوره و معانيه فيقول :



يا
وطنى المكسور مثل عشبة الخريف

مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا





حتى الشعوب
مقتلعة مهجرة , فوالله إن نزارا ً كأنه بيننا .



و تتوالى الصور
الحقيقية تباعا ً فيقول :



حكامنا
آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم

ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا ..ولا
رعاع البادية

ولا أبو الطيب يستضيفنا ..ولا أبو
العتاهية


إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية





فالحكام أضفوا
على أنفسهم هالة ً من التقديس كأنهم آلهة و الشعوب من نسل الجارية , و هنا ألمح
بعض اللمسات الفارسية ، فالفرس يرون أن العرب من نسل السيدة هاجر زوج إبراهيم , و
هاجر جارية , و تأتي بعده أكثر صورة معبرة في كل القصيدة , و هي إذا مضى الطاغية
تسلم الشعوب عليه , و هنا كعادة نزار يعود بنا إلى المخبر الذي سيخبر الطاغية أن
الشعوب لم تسلم ؛ إذن فالشعوب مضطرة على السلام على الطاغية .



يأتي مقطع يعبر
عن كره العالم للشعوب العربية , فيذكر نزار أقواما ً ليست بعربية و من بينها
البرامكة, و هنا نلمح لمسة فارسية ؛ فالبرامكة أيضا فرس , ثم يتفق الخير و الشر
عند نزار فالشياطين و الملائكة لا تريد الشعوب .



و يأتي بعبارة
أكثر من رائعة :



لا أحد يقرؤنا
فى
مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب







فكأنه
يقصد بها أدباء الحكام من شعراء فهم كأنهم ليسوا من الشعوب .






ثم يعود ليذكر
مرة أخرى القرصان و المرتزق و الأحزان , ثم
تأتي صورة تمثل الواقع بصورة رائعة , و هي أن الشعوب مكدسة مكومة فوق بعضها , و لا أحد يرضى بها حتى
الجوازات التي كتبها الشيطان ( الحاكم ) لا تعجب السلطان



( الحاكم ) فأي
فلسفة هذه يا نزار!



في آخر القصيدة
تأتي ثورة نزار على الشعوب النائمة التي ضيعت أبناءها و نقودها و إحساسها و
إنتماءها , و لا أحد يعرف هذه الشعوب , ثم يخاطب وطنه بأن كل العصافير لها منازل
إلا عصافير الحرية فتموت خارج الوطن , لعله يقصد بهم شعراء المهجر و الرموز
المنفية التي طالبت بالحرية فنٌفيت خارجا ً , و ماتت خارجا ً .






في هذه القصيدة
من فنون البلاغة البسيطة ما أضفى عليها الجمال الساحر , و جعلها معبرة أكثر, و كان
لها وقعا ً في النفوس كبير .



في هذه القصيدة
التي أبدعها نزار من الثورة و النهضة الشيء الكبير , هذه القصيدة مملوءة بالعواطف
بل غارقة في العوطف السياسية التي ترفض السكوت و الخضوع.



هذه القصيدة
نابعة من إحساس نزار الصادق بواقع شعوب العرب .



فعلا ً فالشعوب
تخاف من المطالبة بالحرية ,و ذلك بسبب وقوف رجال الدين مع الحكام و قد وضحت ذلك في
أول الشرح .



إذن نزار قد ظٌلم
حين قيل بأنه شاعر المرأة , فهو شاعر دمشقي عربي و أنا متأكدة أنه لو كان حيا ً
لوقف مع الشعب السوري في محنته .