بكر صدقي *
الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
كان الخبر الأبرز بعد ضرب خلية إدارة الأزمة في دمشق، هو استيلاء ثوار الجيش السوري الحر على عدد من المعابر الحدودية مع تركيا والعراق. ويعني هذا واقعياً ورمزياً انفتاح المشكلة السورية على جميع التدخلات.
هذه مفارقة غريبة: في الوقت الذي لا تريد القوى العظمى أي تدخل عسكري في سورية،
تنفتح جميع بوابات التدخل من كل الجهات. لا يتعلق الأمر فقط بالبوابات
الحدودية المشار إليها، بل كذلك بثلاثة تطورات أخرى تجعل من سورية ساحة
مفتوحة للجميع.
الأول هو وصف منظمة الصليب الأحمر الدولية ما يجري في سورية بأنه «حرب أهلية». وتقتضي هذه في العرف
الدولي تدخل طرف ثالث للفصل بين القوات المتحاربة. الفرنسيون، كما نستشف
من تصريحات أركانهم، هم أكثر المتحمسين لسيناريو الحرب الأهلية هذا. ألم
يكن مشروع تقسيم سورية إلى خمس دويلات، في 1926، مشروع فرنسا المنتدبة أممياً لحكمها؟
التطور الثاني هو «تحرير» مقاتلي حزب العمال الكردستاني، من دون
قتال، غالبية مناطق الشمال الكردي من الوجود الرمزي للنظام الذي سبق وسلمهم
تلك المناطق طوعاً. لا يغير من الأمر شيئاً القول إن «مجموعات مشتركة» من
الفرع السوري للحزب التركي والمجلس الوطني الكردي في سورية هي التي سيطرت على الوضع بموجب اتفاق هولير بين الطرفين
الذي رعاه مسعود البارزاني. فالواقع أن الاتفاق المذكور لم يكن غير إعادة
تموضع للمجلس الوطني الكردي الذي يضم معظم الحركة السياسية التقليدية
الكردية في سورية، وانتقاله إلى موقع حزب العمال الكردستاني.
التطور الثالث هو إطلاق معركة السلاح الكيميائي الذي يملكه نظام الأسد. قبل نحو شهرين جرى تدريب على السيطرة على مواقع هذا السلاح في إطار مناورات عسكرية جرت في الأردن
تحت اسم «الأسد المتأهب» بمشاركة قوات عسكرية لـ19 دولة بينها الولايات
المتحدة الأميركية. بعد ذلك تواترت تصريحات أميركية محذرة من وقوع تلك
الأسلحة بأيدي مجموعات متشددة. ثم جاء التهديد الإسرائيلي الصريح بالتدخل
العسكري في سورية إذا حاول النظام نقل سلاحه الكيميائي إلى حزب الله في لبنان. وجاء رد النظام على كل ذلك فاجعاً في وقاحته. قال جهاد مقدسي الناطق باسم الخارجية السورية
إن النظام لن يستخدم سلاحه الكيميائي إلا إذا تعرض لتدخل خارجي. وقبل أن
يتيح الفرصة للتكهنات عما يعنيه بالتدخل الخارجي (فهو جارٍ على قدم وساق –
كما يزعم النظام – منذ بداية الثورة السورية، ومن دول عدة، بما في ذلك ما يسميه بالتحريض الإعلامي والفبركة الإعلامية)، هدد المقدسي صراحةً بضرب السكان في المدن السورية بالسلاح الكيميائي، حين قال إن «المجموعات المسلحة» ستستخدمه لاتهام النظام باستخدامه. نحن نعرف ما يعنيه ذلك. ففي المجازر الطائفية التي ارتكبتها قوات النظام وميليشياته المحلية في الحولة
والقبير والتريمسة وغيرها، اتهم النظام المجموعات الإرهابية المسلحة
بارتكاب تلك المجازر فقط لتتهمه بها. نتذكر بهذه المناسبة تصريحات إعلامية
لأحد أتباع النظام في لبنان، اتهم فيها سعد الحريري باغتيال والده رفيق الحريري، فقط ليتهم النظام السوري بدم أبيه.
توحي جميع التطورات الأخيرة منذ بدء معركة دمشق واغتيال خلية
إدارة الأزمة، ثم إعلان أحد فصائل الجيش الحر عن بدء معركة تحرير حلب، بأن
النظام دخل ربع الساعة الأخير قبيل سقوطه. غير أن إسقاط النظام الذي هو هدف
الثورة السورية بجناحيها المدني والعسكري، من المحتمل أن يتحول إلى مادة الصراع الدولي على سورية ومبتدأها معاً. فقد نضجت الثمرة السورية الآن، وستبدأ معركة اقتسامها.
تركيا التي اكتفت طوال فترة حرب النظام على الشعب السوري،
بإطلاق التصريحات النارية، وسكتت على اختراق حدودها السيادية مرات كما على
إسقاط طائرة استطلاع تابعة لقواتها الجوية، تستعد اليوم لخوض معركتها ضد
دويلة حزب العمال الكردستاني على طول الحدود الشمالية لسورية. نشرت الصحف
التركية في 23/7/2012 خبر تقرير استخباري مرفوع إلى أنقرة، يحدد مواقع تخزين سلاح حزب العمال الكردستاني في منطقتي كوباني وعفرين في محافظة حلب، مع أسماء الأشخاص المسؤولين عن حمايتها. كما اجتمعت القيادة التركية مع وفد من قيادة المجلس الوطني المعارض في أنقرة، وأبلغته «حرص تركيا على وحدة الأراضي السورية».
ورصدت استخبارات الولايات المتحدة تحريكاً للأسلحة الكيميائية في الفترة الأخيرة. فإذا أخذنا في الاعتبار أن نظام الأسد لا يتمتع بأي حصافة إلا حين يتعلق الأمر بحرصه على أمن إسرائيل، أمكننا توقع الأسوأ: ضرب بعض المناطق داخل سورية بالسلاح الكيميائي تتويجاً لمجازر الحولة والقبير والتريمسة ذات الطابع الطائفي المكشوف.
وبعد ضرب خلية إدارة الأزمة وانتقال المعركة إلى عاصمتي الجنوب والشمال،
لم يعد لدى النظام أي وهم بإمكان استعادة سيطرته على الوضع في عموم البلاد.
إذاً، فالهدف من الاستخدام المحتمل للسلاح الكيميائي – إذا حدث – سيكون إجراء المزيد من التغيير الديموغرافي في المناطق المتداخلة طائفياً.
وهنا تتدخل الأمم المتحدة بقوات فصل لـ «حماية الأقلية العلوية من الإبادة
على يد السنّة». وربما يتكفل الروس على المدى الاستراتيجي بحماية الدويلة
العلوية المفترضة. وستكون إسرائيل «مطمئنة» لبقاء أسلحة التدمير الشامل
الأسدية بأيد أمينة.
هذه ساحة مثالية لحركة المجموعات الجهادية المسلحة من منظمة القاعدة ومن خارجها، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تسللها إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
ترى هل وئدت ثورة الحرية والكرامة وتأفغنت سورياً؟
كاتب سوري
الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
كان الخبر الأبرز بعد ضرب خلية إدارة الأزمة في دمشق، هو استيلاء ثوار الجيش السوري الحر على عدد من المعابر الحدودية مع تركيا والعراق. ويعني هذا واقعياً ورمزياً انفتاح المشكلة السورية على جميع التدخلات.
هذه مفارقة غريبة: في الوقت الذي لا تريد القوى العظمى أي تدخل عسكري في سورية،
تنفتح جميع بوابات التدخل من كل الجهات. لا يتعلق الأمر فقط بالبوابات
الحدودية المشار إليها، بل كذلك بثلاثة تطورات أخرى تجعل من سورية ساحة
مفتوحة للجميع.
الأول هو وصف منظمة الصليب الأحمر الدولية ما يجري في سورية بأنه «حرب أهلية». وتقتضي هذه في العرف
الدولي تدخل طرف ثالث للفصل بين القوات المتحاربة. الفرنسيون، كما نستشف
من تصريحات أركانهم، هم أكثر المتحمسين لسيناريو الحرب الأهلية هذا. ألم
يكن مشروع تقسيم سورية إلى خمس دويلات، في 1926، مشروع فرنسا المنتدبة أممياً لحكمها؟
التطور الثاني هو «تحرير» مقاتلي حزب العمال الكردستاني، من دون
قتال، غالبية مناطق الشمال الكردي من الوجود الرمزي للنظام الذي سبق وسلمهم
تلك المناطق طوعاً. لا يغير من الأمر شيئاً القول إن «مجموعات مشتركة» من
الفرع السوري للحزب التركي والمجلس الوطني الكردي في سورية هي التي سيطرت على الوضع بموجب اتفاق هولير بين الطرفين
الذي رعاه مسعود البارزاني. فالواقع أن الاتفاق المذكور لم يكن غير إعادة
تموضع للمجلس الوطني الكردي الذي يضم معظم الحركة السياسية التقليدية
الكردية في سورية، وانتقاله إلى موقع حزب العمال الكردستاني.
التطور الثالث هو إطلاق معركة السلاح الكيميائي الذي يملكه نظام الأسد. قبل نحو شهرين جرى تدريب على السيطرة على مواقع هذا السلاح في إطار مناورات عسكرية جرت في الأردن
تحت اسم «الأسد المتأهب» بمشاركة قوات عسكرية لـ19 دولة بينها الولايات
المتحدة الأميركية. بعد ذلك تواترت تصريحات أميركية محذرة من وقوع تلك
الأسلحة بأيدي مجموعات متشددة. ثم جاء التهديد الإسرائيلي الصريح بالتدخل
العسكري في سورية إذا حاول النظام نقل سلاحه الكيميائي إلى حزب الله في لبنان. وجاء رد النظام على كل ذلك فاجعاً في وقاحته. قال جهاد مقدسي الناطق باسم الخارجية السورية
إن النظام لن يستخدم سلاحه الكيميائي إلا إذا تعرض لتدخل خارجي. وقبل أن
يتيح الفرصة للتكهنات عما يعنيه بالتدخل الخارجي (فهو جارٍ على قدم وساق –
كما يزعم النظام – منذ بداية الثورة السورية، ومن دول عدة، بما في ذلك ما يسميه بالتحريض الإعلامي والفبركة الإعلامية)، هدد المقدسي صراحةً بضرب السكان في المدن السورية بالسلاح الكيميائي، حين قال إن «المجموعات المسلحة» ستستخدمه لاتهام النظام باستخدامه. نحن نعرف ما يعنيه ذلك. ففي المجازر الطائفية التي ارتكبتها قوات النظام وميليشياته المحلية في الحولة
والقبير والتريمسة وغيرها، اتهم النظام المجموعات الإرهابية المسلحة
بارتكاب تلك المجازر فقط لتتهمه بها. نتذكر بهذه المناسبة تصريحات إعلامية
لأحد أتباع النظام في لبنان، اتهم فيها سعد الحريري باغتيال والده رفيق الحريري، فقط ليتهم النظام السوري بدم أبيه.
توحي جميع التطورات الأخيرة منذ بدء معركة دمشق واغتيال خلية
إدارة الأزمة، ثم إعلان أحد فصائل الجيش الحر عن بدء معركة تحرير حلب، بأن
النظام دخل ربع الساعة الأخير قبيل سقوطه. غير أن إسقاط النظام الذي هو هدف
الثورة السورية بجناحيها المدني والعسكري، من المحتمل أن يتحول إلى مادة الصراع الدولي على سورية ومبتدأها معاً. فقد نضجت الثمرة السورية الآن، وستبدأ معركة اقتسامها.
تركيا التي اكتفت طوال فترة حرب النظام على الشعب السوري،
بإطلاق التصريحات النارية، وسكتت على اختراق حدودها السيادية مرات كما على
إسقاط طائرة استطلاع تابعة لقواتها الجوية، تستعد اليوم لخوض معركتها ضد
دويلة حزب العمال الكردستاني على طول الحدود الشمالية لسورية. نشرت الصحف
التركية في 23/7/2012 خبر تقرير استخباري مرفوع إلى أنقرة، يحدد مواقع تخزين سلاح حزب العمال الكردستاني في منطقتي كوباني وعفرين في محافظة حلب، مع أسماء الأشخاص المسؤولين عن حمايتها. كما اجتمعت القيادة التركية مع وفد من قيادة المجلس الوطني المعارض في أنقرة، وأبلغته «حرص تركيا على وحدة الأراضي السورية».
ورصدت استخبارات الولايات المتحدة تحريكاً للأسلحة الكيميائية في الفترة الأخيرة. فإذا أخذنا في الاعتبار أن نظام الأسد لا يتمتع بأي حصافة إلا حين يتعلق الأمر بحرصه على أمن إسرائيل، أمكننا توقع الأسوأ: ضرب بعض المناطق داخل سورية بالسلاح الكيميائي تتويجاً لمجازر الحولة والقبير والتريمسة ذات الطابع الطائفي المكشوف.
وبعد ضرب خلية إدارة الأزمة وانتقال المعركة إلى عاصمتي الجنوب والشمال،
لم يعد لدى النظام أي وهم بإمكان استعادة سيطرته على الوضع في عموم البلاد.
إذاً، فالهدف من الاستخدام المحتمل للسلاح الكيميائي – إذا حدث – سيكون إجراء المزيد من التغيير الديموغرافي في المناطق المتداخلة طائفياً.
وهنا تتدخل الأمم المتحدة بقوات فصل لـ «حماية الأقلية العلوية من الإبادة
على يد السنّة». وربما يتكفل الروس على المدى الاستراتيجي بحماية الدويلة
العلوية المفترضة. وستكون إسرائيل «مطمئنة» لبقاء أسلحة التدمير الشامل
الأسدية بأيد أمينة.
هذه ساحة مثالية لحركة المجموعات الجهادية المسلحة من منظمة القاعدة ومن خارجها، وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تسللها إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
ترى هل وئدت ثورة الحرية والكرامة وتأفغنت سورياً؟
كاتب سوري