في مسرحية جديدة تطل علينا في صفحات التواصل الاجتماعي صورة للعميد مناف طلاس لكنها اليوم بقناع الرجل الصالح ؛ وهو يؤدي مناسك العمرة . وذلك للتغطية على صورة ظهرت في بداية الحديث عن انشقاق طلاس ظهر فيها لوسائل الإعلام وهو يدخن السيجار الكوبي ويبدوا فيها بصورة مشاهير السينما الهوليودية.
ربما بعد أن احترقت ورقة تزكيته من قبل بعض عناصر المعارضة الذين ما فتئوا يبررون موقفهم بأن العميد يديه غير ملطختين بدماء السوريين ، وأن مجرد خروجه من سورية يخوله لأن يكون المرشح رقم (1) على قائمة الانتظار لسد فراغ كرسي الرئاسة السوري. وتخوله مسك مفاصل الحكم في سورية وطبعا هذا الأمر اليوم يحتاج إلى تسويق إعلامي لجذب بعض المؤيدين وموافقة جانب من الشعب السوري.
وباعتبار أن المجتمع السوري يجنح للنزعة الدينية المحافظة في جانب منه ؛ فلا بد من إضفاء المسحة الدينية على كل مرشح لاستلاب المنصب الرفيع، وهذا عرفٌ في التزكية متوارث حتى عند العائلة الأسدية؛ سواء لتنصيبهم كرؤساء أو لترحيلهم إلى منكر ونكير بعد موتهم.
فكلنا يتذكر مشهد باسل الأسد بعد وفاته في حادث السير المدبر كيف ظهرت صوره وهو يؤدي مناسك الحج تارة ويصلي تارة أخرى، وكأن الله يحتاج إلى سجلات أجهزة الدعاية المخابراتية أو إلى تزكية مشايخ السلطان كي يحكم على الإنسان بصلاحه أو بحسن خاتمته.
عجبا أيظنون أن الله لا يعلم ما بنفوس عباده، وأن الهداية لا تنزل على العبد إلا عندما يتم ترشيحه لكي يستلم كرسي الرئاسة.
طبعا البعض لا يهتم بهذه الأمور سواء ظهر وهو يؤدي مناسك العمرة أو حتى إن أصبح نبيا مرسلا لسورية، وهؤلاء من الذين عانوا من ظلم عائلة طلاس الأب، أو من الذين عانوا من الهجمة البربرية من قبل الكتيبة التي يقودها طلاس الابن عليهم، لأن إجرام هذه العائلة لا يغتفر قبل رد المظالم لأهل سورية سواء للأنفس أو للأموال.
البعض الآخر استطاع تمييز الصورة ، و أن الصورة تم استنساخها على الفوتوشوب من الصورة الأصلية لعمرة قام بها مؤخرا الرئيس المصري محمد مرسي.
ويبرر البعض قبوله لهذا الخيار بأن مرحلة طلاس انتقالية فقط لا غير، وأن مرحلة الحكومة الانتقالية مهمتها تسيير الاعمال لحين انجاز الانتخابات ، وتسليم السلطة لمجلس شعب ورئيس منتخب ، حينها سوف يقوم الرئيس المنتخب بتشكيل حكومة ممثلة للشعب السوري بجميع أطيافه ، وبالتالي فلا داعي للخوف من أي شخصية مهما كانت أبعادها وخلفياتها من أن تستلم زمام المبادرة اليوم في ظل غياب الرجل الرمز الذي تلتف حوله المعارضة ويتولى الحكومة الانتقالية.
لكن غياب السيجار الكوبي وإضفاء المسحة الدينية وابتداء كلمة الخطاب للشعب السوري بالبسملة من مثل هؤلاء الأشخاص، وفي هذه الأوقات تثير حفيظة الثوار.
بالطبع الثوار يرحبون بكل سياسي أو عسكري ينشق عن نظام الأسد، وقلوب المعارضة تتسع للجميع فالبلد تسعهم وتحتاج إليهم، والمرحلة القادمة تحتاج إلى كل السوريين لتعمير ما هدمه الطاغية خلال الأشهر الماضية من عمر الثورة.
فالثورة السورية أثبتت أنها أعظم ثورة ، و ستسقط ليس فقط نظام الأسد ؛ بل ربما ستصبح إيقونة للإطاحة بأنظمة الاستبداد في جميع أنحاء العالم.
لذلك يجب على الجميع أن يعتز بانتمائه للثورة وأن يحترم دماء الشهداء ، لأن الثورة في سوريا كمرحلة ظهور الإسلام في بداياته وحربه ضد الكفر، والكل يعرف خالد بن الوليد قبل الإسلام وبعده ، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماه سيف الله المسلول رغم أنه أثخن في قتل المسلم ينفي غزوة أحد ، فهل يدرك الثوار ذلك ، ويستوعبوا أن الالتحاق بالثورة يجبّ ُما قبلها.
المهم اليوم أن ندرك حقيقة انشقاق طلاس ، ونتساءل عن الدافع وراء تأخر إعلان الانشقاق واللعبة الخفية التي تحاك من وراء الكواليس و نعي أبعادها ، وأن نرحب بكل منشق لكن نتحفظ على دوره القيادي في هذه المرحلة ، وأن لا ننجر وراء الدعاية المخابراتية ، و نخضع لشروط الإذعان التي تفرضها دول القرار السياسي.
فالشعب السوري ليس بالسذاجة .. والبساطة حتى تمر عليه مثل هذه الألاعيب المبطنة.
فالكل يشْتَّم اليوم.. رائحة الطبخة الغربية التي تجهّز ضد الشعب السوري العظيم وثورته المباركة ... للقضاء على مقومات هذه الثورة قبل تحقيق أهدافها.
فالثوار مازالوا يتساءلون عن سبب تأخر ظهور مناف طلاس ؟ ..
وهل انشق ..أم أنه مجرد خلاف مع بشار؟ وهل سينضم للثورة فعلا؟ ..و هل بيانه شفى غليل المتسائلين ؟..
من خلال استعراض العديد من المآخذ التي يتداولها الثوار في الداخل نجد مايلي:
أولا": بدأ حديثه بنفي كونه مسؤولا" .. وهذا يدعوللتساؤل عن سبب افتراضه ذلك أصلا" .. و لم يذكر النظام وزعيم عصابة القتل بشار بسوء واكتفى بالإشارة لمن يقوم بالقتل من الجيش ..
ثانيا": لم يعلن انضمامه للثورة وللجيش الحر أيا" كانت قيادته وهو ما يدل على أنه يرى نفسه أكبر من الجميع ..
ثالثا": مسارعة العميد مصطفى الشيخ وهو الذي عليه أكثر من علامة استفهام للترحيب به ..
رابعا": تلميعه المفضوح من قبل أكبر مسؤول فرنسي وذكر خبر خروجه المستغرب والمشكوك بكيفيته في مؤتمر أصدقاء سوريا ..ثم بعد ذلك إحاطة أخباره بالغموض والتكتم لإضفاء مزيد من الأهمية عليه ..
خامسا": تولت قناة العربية متابعة التلميع مع بعض المعارضين أصحاب الإقامة الدائمة بفرنسا مثل ميشيل كيلو .."
فهل مناف طلاس و{ أمثاله } يشعرون بما يعانيه الشعب السوري العظيم منذ عقود ويستطيعون تحقيق مطالبه ؟.
لذلك نقول : مناف طلاس مرحب به في صفوف الثورة ولكن ليس في قيادتها.
الكاتب : د. حسان الحموي
المصدر : من هنــــــــا