استهلت صحيفة ديلي تلغراف تحليلها في الشأن السوري بأن إدراك (الرئيس الراحل) حافظ الأسد بأنه كان مضطرا للخروج من دوامة الانقلابات اللانهائية التي اجتاحت البلاد قبل استيلائه على السلطة في "ثورة التصحيح" عام 1970، جعله يعي بسرعة الدرس الذي لم يستوعبه أسلافه البائسون لكي يحكم سوريا، ألا وهو أنه يجب السيطرة على حلب.
وكأحد أكثر مدن المشرق التي كثرت الحكايات عنها، كانت حلب أيضا من أكثر المدن تمردا. فقد دبر أهلها أول انقلابين في سوريا الحديثة: انقلاب العقيد حسني الزعيم في أبريل/نيسان 1949 وانقلاب العقيد سامي الحناوي بعد أربعة أشهر. وكانت نهاية الرجلين عنيفة وسريعة.
وقالت الصحيفة إن الأسد الأب أدرك أنه لكي يبقى حيا فسيحتاج إلى كسب تأييد طبقة تجار حلب -كثير منهم من المسيحيين- والسلطة الدينية السنية في المدينة. ولذلك شكل تحالفات مثمرة مع الفصيل الأول وأغرى الفصيل الثاني مما أدى إلى تهدئة المدينة بنجاح.
ورغم أن حلب رسميا هي ثاني أكبر المدن السورية إلا أنها غطت على دمشق فترة طويلة من تاريخها الحديث. ولقربها من الحدود التركية تقع حلب في نهاية طريق الحرير من الصين، مما جعلها مركزا تجاريا مهما لقرون وترك فيها تراثا معماريا رائعا من الخانات والأسواق.
وكانت أهميتها معترفا بها دوليا: فعندما كانت شركة المشرق العربي الإنجليزية تبحث عن مقر لها في الشرق الأوسط في نهاية القرن السادس عشر اختارت حلب.
وقد نجح الأسد في تحويل قدر كبير من التجارة إلى دمشق، لكن حلب ما زالت أهم المدن الصناعية في سوريا اليوم.
خيبة أمل
وأشارت الصحيفة إلى أن حلب ظلت مستقرة تحت حكم نجل الأسد وخليفته بشار، وحتى عندما اندلعت الثورة ضد حكمه العام الماضي أثبتت المدينة أنها واحدة من أكثر المدن كرها لشق عصا الطاعة.
وكان المتظاهرون في المدن الأقل خنوعا كثيرا ما ينشدون "حلب أين أنت؟"؛ اعترافا بخيبة أمل المعارضة لكونها عاجزة عن تأليب المدينة التي يمكن أن تشكل التباين بين بقاء الأسد وسقوطه.
وقالت الصحيفة إنه رغم أن كثيرا من أهالي حلب ما زالوا على ولائهم للرئيس إلا أن الثوار قد تمكنوا أخيرا من إيجاد موطئ قدم لهم في المدينة، وكان هذا جزئيا بسبب حقيقة أن الأسد أُجبر على سحب قواته من المدينة لحماية عاصمته مما جعل حلب أقل دفاعا.
وأضافت أنه حتى إذا استطاع الرئيس استعادة السيطرة فقد أصبحت حلب أكثر تضعضعا مما كانت عليه في الماضي. وإلى الشمال حيث التيارات الإسلامية تزداد قوة فإن المدن المهمة مثل إعزاز وحريتان وعندان صارت الآن معاقل للمعارضة، وقيل إن الثوار سيطروا على إعزاز أول أمس.
لكن في حلب نفسها انقلبت معظم الطبقة العاملة السنية على النظام، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في سلسلة من هجمات الإحراق العمد للمصانع في المدينة خلال الأشهر الأخيرة. وقد بدأ أصحاب المصانع يدركون أن دعمهم للنظام لم يعد في مصلحتهم. وبدأ العاملون بالمصانع يثورون وشُلت حركة التجارة لأنه صار من المستحيل نقل البضائع إلى الحدود التركية المجاورة وقد أغرقت الثورة البلد في أزمة اقتصادية.
وختمت الصحيفة بأن الطبقة التجارية التي نجح الأسد الأب في استمالتها قد يخسرها النظام, ودون حلب المدينة التي طالما خشيتها أسرته، فإن فرص بقاء الرئيس بشار تبدو أكثر كآبة من ذي قبل.