ماذا تريد إيران و"حزب الله"
من سوريا
من سوريا
الكثير من أبناء الشعب السوري الثائر وحتى الذين
رفعوا لافتات ضد إيران و"حزب الله" في مظاهرات الحرية التي غطت معظم الأراضي
السورية، نقول الكثيرون منهم لم يكونوا قد وصلوا داخليا لمرحلة التصديق بأن يكون
موقف "حزب الله" تحديدا مخزيا إلى هذا الحد، ومعظمهم عندما رفعوا تلك الشعارت
المناوئة لـ "حزب الله" وإيران كان يعتقدون أن الأمر ليس سوى موقف سياسي عابر وأن
بعض اللافتات هنا وهناك ستقنع الأمين العام للحزب بأن يتوقف عن وعد الشعب السوري
البطل بالهزيمة الإلهية أمام عصابات النظام السوري.
وكثيرون ممن كنا نقول لهم منذ ما بعد تموز 2006
بأشهر، أن "حزب الله" ليس حزب مقاومة كما اعتقدنا وكما تعتقدون وإنما حزب مشروع
سياسي داخلي وإقليمي يتجاوز نيل الحقوق إلى مرحلة تطويع المنطقة لإيران، الدولة
التي تبحث لنفسها عن نفوذ في الإقليم، كثيرون منهم كانوا ينظرون إلينا بعين الريبة
والشك، لا بل وبعين الإستغباء، ولم يكن استغبائهم لنا فقط لأنهم لا يصدقون ما نقول
بالمطلق، بل لأنهم كانوا يفترضون أن حسن نصرالله أذكى بكثير من أن يدعم النظام
السوري بعلنية تصل إلى حد الشراكة في الجريمة. عدم تصديقهم هذا كانت له مبرراته
الملموسة بنظرهم، وكان أهم مبرراته هو ما يتناقلونه من أخبار ممن كانو يلتقون
بقيادات عليا من "حزب الله" ، حيث كانت تصر تلك القيادات أمامهم على توجيه
الإنتقادات اللاذعة للنظام السوري، وكانوا لا يمكن أن يفسروها إلا على أنها تبرؤ
خجول من النظام السوري وأن علاقة "حزب الله" معه ليست إلا علاقة الضرورة من أجل
الحفاظ على استمرارية المقاومة ولذلك كانوا يغفرون له تطويب سوريا باسم عائلة الأسد
في حفلة خطابية هنا أو خطاب إلهي هناك. من تلك الإنتقادات كلام أطلقه نائب الأمين
العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم أمام مجموعة من الزوار واستخدم فيه عبارة قاسية عندما
مر على ذكر النظام السوري وقال " النظام الدموي القمعي السوري" وكان هذا بعد حرب
2006 بقليل. وأمام تأكيدنا لهم بأن حسن نصرالله سيفضح نفسه بشدة عند أول امتحان صعب
لم يكن لديهم إلا أستغبائنا معولين على أن حسن نصر الله لن يصل إلى تلك الدرجة من
الغباء ليخسر شعبيته بهذه الطريقة السهلة. نحن الآن نقول لهم: نعم أنتم محقون، فحسن
نصرالله ليس غبيا ليدعم النظام السوري وهو في حالة قتل وتنكيل بالشعب السوري
الثائر، ولكنه خبيث بما يكفي ليفعل ذلك. بالنتيجة فهو فعل ما قلناه لهم وما لم
يكونوا يصدقوه، وها هو الآن تفوح من كل عباراته رائحة دماء الشهداء السوريين، شهداء
أقرب ما يكونون في أسلوب شهادتهم إلى أسلوب شهادة الحسين ابن علي المدونة في أدبيات
الحزب المذهبية، والتي يكررها حسن نصرالله في كل خطاب له.
إذاً فضح نصرالله نفسه ولكن كما قلنا ليس لأنه غبي
بل لأنه خبيث، وخبيث بما يكفي ليس ليكون شريكا في قتل الشعب السوري من قبل العصابات
الأسدية، بل ليدخل الشعب السوري في عصر كامل من القتل والتدمير والفوضى، فماذا يريد
إيران و“حزب الله“ من سوريا؟ وما سر هذه التضحية المنقطعة النظير بسمعة الحزب
وبسمعة حسن نصرالله؟ هذا ما سنجيب عنه بتحليل بسيط وموضوعي وسريع لمجريات الأحداث
في العشر سنوات الأخيرة.
سنعود بسرعة إلى الإحتلال الأميركي للعراق، ولنتذكر
أن أمريكا كانت تريد الخلاص من صدام حسين لأنه بدأ يشكل خطر عليها وعلى مصالحها
لأنه قرر الخروج من دائرة التبعية للقوى الغربية التي نصبته زعيما على العراق كما
نصبت حافظ الأسد وجميع الأنظمة العربية الأخرى زعماء على بلادهم، ولكن لنتذكر أيضا
أن أمريكا والدول الغربية كانت صاحبة مصلحة كبرى باستقرار العراق بعد تدمير النظام
العراقي ولا أدل على حاجتهم للإستقرار في العراق من شدة تنافس الشركات الغربية على
عقود إعادة إعمار العراق، والمعروف بديهيا أن إعادة الإعمار تتطلب الإستقرار،
وبالتالي فإن الإستقرار كان مطلبا غربيا بالدرجة الأولى، فمن كان صاحب المصلحة في
عدم الإستقرار؟... هما دولتان فقط لا غير، إيران والنظام السوري، وكلاهما كان يريد
أن يشغل أمريكا في العراق لكي لا تتفرغ له، طبعا بالنسبة لإيران فإنها كانت تطلب
أيضا أن يكون النظام العراقي موال لها (وهي بالمناسبة حصلت على ذلك)، ولذلك فإن
الكثير من التقارير الإستخباراتية والصحفية العربية والغربية أكدت أن معظم
التفجيرات التي كانت تحدث في العراق كانت تتم بأياد إيرانية وسورية، وبقي الحال على
ما هو عليه برغم ما كلفه ذلك من دماء العراقيين حتى هذه اللحظة، طبعا ما سهل الأمر
هو سهولة إلصاق التهمة بأمريكا وسهولة تصديق ذلك عند فئات واسعة من الشعوب العربية
والإسلامية.
طبعا لا ننسى هنا أن نذكر بالدعم العسكري الذي قدمه
النظام السوري لقوات التحالف في حربها على العراق، عندما سمح للطائرات الحربية
البريطانية سرا بالتحليق في أجواء سوريا لتصوير العراق ومراقبته وتحديد الأهداف
وهذه المعلومات موثقة ايضا، وأهم ما في هذا الأمر أن "حزب الله" يعلم ذلك
جيدا.
ولنتذكر فقط هنا أن أمريكا دخلت العراق بدون تفويض
أممي وهذا ما أعطى مبررا ومساحة حرية لاستخبارات سوريا وإيران لفعل المزيد من
التفجيرات، والتي بدأت للتمويه في المواقع الشيعية والمناطق "المقدسة" بالنسبة لهم
بهدف إبعاد الشبهة عن إيران. وهنا نتذكر كيف كانت إذاعة „حزب الله“ تتولى نشر ما
تسميه عمليات المقاومة العراقية ضد الجيش الأمريكي.
لكي نتابع بالتحليل نذكر أيضا أن "حزب الله" كان
أحد أكبر المستفيدين من خروج الجيش السوري من لبنان لأنه الوحيد المرشح "بسلاحه"
لخلافة النظام السوري هناك وبالتالي فإن أوراقه ستكون أكبر عندما لا يستطيع النظام
السوري الحركة في لبنان إلا من خلال الحزب.
أيضا يجب أن نذكر هنا بأوجه التشابه بين وضع
المجتمع الدولي أيام احتلال العراق وبين وضعه الآن ولننتبه إلى أن الإنقسام في مجلس
الأمن يبدو حادا جدا، ويبدو أن هناك فرصة لأن يكون التدخل الدولي في سوريا من قبل
بعض أعضاء المجلس مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بينما ستعترض روسيا والصين وبالتالي
يأخذ التدخل مرة أخرى صفحة الإحتلال وليس صفة التدخل الأممي، وهذا ما يحلم به إيران
و "حزب الله" ، وهنا نصل إلى بيت القصيد.
اليوم يقف حسن نصرلله بهذه العلنية المكلفة مؤيدا
للنظام السوري لأنه هو إيران يريد أن يصل إلى أحد أمرين وكلاهما مكسب للحزب وخسارة
ودمار هائل للشعب السوري، فالنتيجة التي يريدانها هي إما،
1 ـ أن ينجح النظام السوري في قمع الثورة والحفاظ
على نظامه ويكونون بذلك قد حافظا على محور التحالف واستلموا نظاما سوريا ضعيفا
مهددا يمكن أخذه أكثر إلى حيث يريدان، طبعا مع التذكير بالكلفة المرتفعة لهذا
الإحتمال على الشعب السوري والذي سيعاني من هجمة شرسة من قبل النظام السوري بهدف
الإنتقام والتطويع.
2 ـ أو أن تضطر الدول الغربية الثلاثة، أمريكا
وفرنسا وبريطانيا للتدخل الفردي وخارج إطار الأمم المتحدة في سوريا، مما سيجعلها
تأخذ صفة الإحتلال، وهذا يفسر لنا رفض "حزب الله" واستشراسه برفض دخول الناتو أو
الأمم المتحدة، وهو أنه يريد أن يستدرج الغرب لتدخل من طرف واحد ما يعطيه صفة
الإحتلال، وبالتالي سيعطي الفرصة لإيران و"حزب الله" لاختراع جيوب المقاومة
وبالتالي نشر التفجيرات في كل أنحاء سوريا بما يمنع الشعب السوري، من الوقوف على
قدميه وبناء دولته التي تشير كل المقدمات بالنسبة لهما على الأقل، إلى أنها لن تكون
على علاقة جيدة بإيران و "حزب الله" ، ومن ثم الإستعانة بأعضاء سوريين مناصرين
لـ"حزب الله" وموجودين حاليا بالفعل ونعرف الكثيرن منهم بالأسماء لتشكيل كيان يكرر
حالة كيان "حزب الله" في لبنان ويكون قاعدة لتشكيل مركز عسكري إيراني يجتذب بقايا
الجيش الموالي للنظام السوري ويخضعه، تماما كما يخضع "حزب الله" الجيش اللبناني
الآن. هذا الإحتمال هو أيضا خطير جدا ومدمر لأنه يحتاج إلى تفجيرات ويحتاج إلى وقود
لحروب طائفية وبالتالي فإن تفجيرات المخابرات الإيرانية ستطول كل طوائف المجتمع
السوري وكل قومياته ليكون التفتيت على أشده وليسهل شغل الناس عن بناء المركز
العسكري الإيراني.
سيتسائل السائل هنا ما مصلحة بشار الأسد في كل هذا
وما هو دوره، وسنجيب ببساطة وبموضوعية.
الخيار الأول هو خيار لصالح بقاء النظام وهو خيار
يحفظ للنظام سلطته التي لا يريد منها أكثر من الإستمرار في السرقة والنهب والخروج
بمظهر المنتصر على الأعداء.
والخيار الثاني هو خيار النظام عندما لا يبقى له
شيء ليخسره، فيكون بهذا الخيار قد زرع اللغم لتفجير سوريا بعد سقوطه، وبالتالي
للقول للعالم بأنه كان يحافظ على الإستقرار ولمنع سوريا الدولة من المطالبة به
لمحاكمته، وهو مقيم في طهران، وهذا يفسر استماتة النظام السوري في العمل على تفجير
حرب طائفية وتعمده لبث فديوهات التعذيب باللهجة العلوية، علما أن لديه جيوش من
الشبيحة من غير العلويين.
ما يؤكد نتيجة هذا التحليل هو التقارير الكثير
الواردة والتي تشير إلى تمركز المخابرات الإيرانية في الكثير من مناطق سوريا و إلى
مشاركتها في إدارة الحرب ضد الثورة السورية وتجهيز مواقعها ومخبريها وعملائها،
استعدادا منها لتسلم مهمة تفكيك سوريا وتفجيرها بعد هروب رأس النظام.
إن مهمة الشعب السوري هنا تكمن في انتباهه وتكمن
أيضا في تكاتفه وقدرته على ضبط النفس، وتكمن في بث خطاب يحرم أي احتكاك بين
الطوائف، لا بل وتقليل الإختلاط بين الطوائف قدر الإمكان في فترة سقوط النظام
السوري ولفترة قصيرة بعدها، كما أن المهمة الرئيسية ايضا تقع على عاتق شباب
التنسيقيات التي تعمل في الثورة السورية، بالعمل تنقية صفوفها وتمتين أبنيتها
وتحصين هياكلها وكوادرها، ليتم بعد ذلك حصر كل فعل مثير للشبهة في مكانه الضيق
والقضاء عليه في مهده.
فهل عرفت أخي المواطن السوري البطل، لماذا لا يبالي
حسن نصرالله بسمعته؟ ليس لغباء ولكن لخبث وشراهة، لأن عينه على غنيمة أكبر من كل
السمعة وهي سوريا، وإذا أردت أن تمتحن شراهة إنسان فامتحنه أمام أطباق الطعام
الشهية.