أثارت تصريحات السفير الروسي في باريس سخرية الجميع، قال إن الرئيس بشار
الأسد مستعد للتنحي بطريقة «حضارية»، بعد الدماء والمجازر التي ارتكبتها
قواته. وفي الوقت الذي أسرّ فيه الأسد للروس عن استعداده للهرب، هناك آلاف
يفرون عبر معابر الحدود. إلى بوابة حدود لبنان فر من هو محسوب على الأسد،
ومنهم من يخاف من أيام ما بعد سقوطه، في حين كان معظم اللاجئين السابقين،
ولأكثر من عام، يفرون من قوات الأسد. كل شيء يتبدل وسريعا جدا، سياسيون
وعسكر ودبابات وسياسات دول.

الإسرائيليون قالوا إن القوات السورية
التي ترابط في الجولان أخلت مواقعها واتجهت نحو دمشق لأول مرة منذ نحو
أربعين عاما. ومع هذا، ستبقى الجبهة هادئة كما كانت منذ أربعة عقود،
وسيكتفي الإسرائيليون بالفرجة من خلال مناظيرهم على ما يدور وراء الحدود.

وكذلك فعل حزب الله، مخلب القط الإيراني. هو الآخر نقل ميليشياته من
الجبهة الإسرائيلية إلى الجبهة السورية استعدادا لمواجهة النظام السوري
الذي سيرث نظام حليفه بشار الأسد. ويروي مصدر خاص أن حزب الله بدأ حفر
أنفاق في المناطق الوعرة على طول خط الحدود مع سوريا. وقام بنقل منصات
صواريخ ومرابض مدفعية ثقيلة من جبهة إسرائيل إلى التلال والمرتفعات المشرفة
على مناطق الحدود لا سيما في الهرمل، القريبة من الحدود السورية والمشرفة
على مناطق القاع المتاخمة تماما للحدود السورية.

لا أحد يبالي بموضوع إسرائيل الآن، فالمعركة اليوم هي على حكم دمشق، العاصمة التي قد تغير مسار التاريخ في شرق العالم العربي.

سقوط نظام الأسد هو الأمر الوحيد شبه المؤكد، إنما ملامح الحكم السوري
المقبل لا تزال غامضة جدا. لذا علينا أن نقرأ في أي اتجاه ستتغير رياح
المنطقة بعد إسقاط آخر أسوأ ثلاثة أنظمة عرفها العرب في تاريخهم المعاصر،
عراق صدام، وليبيا القذافي، والآن نظام الأسد في سوريا. ستتبدل اتجاهات
الريح، ومعها تعريف العداوات والتحالفات. إيران، منذ الثمانينات، تصنف
إسرائيل خصما منافسا، ومعطلا لمشروعها الوحيد في المنطقة العربية، وهو
مشروع مد نفوذها. لهذا قامت كل سياستها على بناء محور تحالفي تحديدا مع
سوريا، وسخرت مخلبها، حزب الله، تماما، لهذا الهدف حتى بعد خروج إسرائيل من
كل الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا، وهي منطقة أصلا متنازع عليها
مع سوريا التي أبقتها تحت مسؤولية لبنان، للإبقاء على حجة «المقاومة» في يد
حزب الله، ولكن رفضت سوريا في الأمم المتحدة الاعتراف بشبعا على أنها
لبنانية!

إيران استخدمت مخالب عديدة، جماعات ثورية وإسلامية أخرى،
لهدفها بالضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لدفعهما إلى القبول بنفوذها
في المنطقة. أما تحرير فلسطين فهو مجرد شعار استخدمته إيران، وسبق أن رفعه
الأسد، وكذلك صدام والقذافي وغيرهما، لأهداف سياسية لا تتطابق مع العنوان.

هل بعد إسقاط نظام الأسد سيسقط عمود خيمة ما كان يسمى جبهة الأسد للمقاومة
والممانعة؟ عمليا انتهت. حزب الله سيكون حليفا صامتا لإسرائيل، ولبنان
سيغلق جبهته معها نهائيا، وقد تفتح جزئيا جبهة ضد النظام المقبل في سوريا.
مع أني لا أتصور أن حزب الله سيدخل في معارك ضد دمشق إلا إذا قامت دويلات
انفصالية حليفة له، علوية مثلا.

أما المسألة الفلسطينية نفسها
فليست قضية صراع إقليمي فقط، بل مسألة احتلال لا تنتهي، جبهاتها تتبدل بحسب
التحالفات، وستبقى قضية مركزية يدور حولها صراع متعدد وإن كان بلعبة
الكراسي الموسيقية.

- عبد الرحمن الراشد - الشرق الاوسط
السبت, 21 تموز 2012

فرار الأسد والعسكر والأتباع!  562828_478650255498264_1232407570_n