يبدو أنّ الحديث عن النموذج اليمني لسوريا لم يعد ممكناً بعد تفجير مقرّ
الأمن القومي في دمشق الذي أودى بعدد من القادة العسكريّين والأمنيين
الكبار، وشكّل ضربة موجعة للنظام.
في أنقرة يعتبرون أن "الأمر لا يتعلّ ق
فقط بحجم العملية أو نوعها، بل إنّ توقيتها كان باهراً، ففي الوقت الذي
كانت دول عدّة وعلى رأسها روسيا تجهد لإبقاء النظام ضمن سيناريو مشوّه
للنموذج اليمني يقوم على بقاء بشّار الأسد في سدّة الحكم خلال العملية
الانتقالية وتطعيم الحكومة بعناصر من المعارضة، جاءت هذه الضربة لتؤكّد
أنّه بات من الصعب جدّاً بعد اليوم الحديث عن نموذج يمني لسوريا".
فالقيادات التي هي بمثابة قلب النظام وعقله وذراعه أصبحت في معظمها، إن لم
نقل جميعها، في حكم، إمّا الميت أو المصاب إصابة بالغة أو المستهدف أو
المحاصر أو الذي يفكّر بالانشقاق والفرار، وبالتالي لا مجال للحديث عن نظام
سوري بعد العملية الأخيرة، بل ما تبقّى من هذا النظام.
وفي هذا
الإطار، يشير مصدر سوري مقيم في تركيا الى "أنّ تسارع الانشقاقات في الجيش
خلال الفترة الماضية وشمولها مختلف الرتب وعدداً كبيراً من القيادات
مترافقة مع تصاعد العمليات العسكرية ضدّ نظام الأسد كان لها أثر عظيم في
خلخلة بنيته الأمنيّة والوصول الى الدائرة الضيقة القريبة من الأسد".
ويضيف: "بعد العملية النوعية حصلت انشقاقات هائلة في الجيش، ليس على مستوى
أفراد فقط، بل كتائب وألوية، وتلقّيت خلال يومين من وقوع العملية اتّصالات
من أفراد من الجيش النظامي لتأمين انشقاقهم والمجيء الى تركيا أكثر ممّا
تلقيت خلال أشهر كاملة".
ويقول المصدر إنّه مع سقوط الدائرة
الضيّقة لنظام الأسد وتفكّك الجيش النظامي أداة القمع الرئيسية التي يحتمي
النظام خلفها، ناهيك عن العدد الكبير من الشهداء والمجازر المروّعة التي
ارتكبها الأسد ونظامه، يصبح من شبه المستحيلات الحديث عن نموذج يمني
لسوريا. وعليه فإنّ مساعي كوفي انان في نسختها الثانية فشلت فشلاً ذريعاً
وإن ما زالت بعض الدول تتحدّث عن بعض بنود مبادرته مطعّمة ببعض الشروط
كرحيل الأسد نفسه.
لكن حتى في هذا الوضع، يبدو السيناريو صعباً
خصوصاً مع نشر معلومات غير مؤكّدة تشير الى مشاركة نائب رئيس الجمهورية
فاروق الشرع في تشييع قتلى النظام في العملية النوعية التي حصلت مؤخّراً
وهو ما يعني أنّ ورقة نائب الرئيس الذي من المفترض ان يستلم بعد تخلّي
الأسد لإدارة المرحلة الانتقالية قد تحرق أيضا.
وفي هذا الإطار
يشير مصدر تركي الى أنّ النموذج اليمني أصبح بحكم المستحيل في سوريا في هذه
الأوضاع، وإنّ أيّة جهود لمحاولة إبقاء نظام البعث قائماً ستكون من دون
جدوى. ويضيف: "يبدو أنّنا متّجهون الى سيناريو تونسي أو ليبي، ونأمل ان
يكون النموذج التونسي وبأسرع وقت".
لكن الواقع يقول، وفق المصدر
التركي نفسه، إنّ النموذج التونسي قد لا يكون ممكناً هو الآخر خصوصاً إذا
طالت الأزمة أكثر ممّا هي الآن، وذلك لأربعة أسباب رئيسية، الأوّل أنّ
تكلفة وعبء تحمّل أيّ نظام لفكرة لجوء الأسد اليه ستكون أكبر من أن يقبلها
لا سيّما مع كمّ المجازر المرتكبة مؤخّراً من جهة، وطريقة تهاوي أركان
النظام من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يهدّد بشكل فعلي المصالح الحيوية لأيّ
دولة تريد إقامة علاقات متينة مع أيّ نظام جديد في سوريا.
أمّا
السبب الثاني، فهو أنّ الشعب السوري لن يقبل على الإطلاق فكرة هروب الأسد
من دون محاكمته على الجرائم التي ارتكبها. والثالثة أنّ نظامه يتهاوى أمام
ضربات الجيش الحر من دون منّة أو مبادرة من أحد، وهو ما يجعل تدخّل أيّ
دولة لإعطاء حصانة للأسد مقابل تنحّيه على أساس أنّها ساعدت على إنهاء
الأزمة أمراً غير مبرّر ولا مشروعية له على الإطلاق، كما أنّ فرصه ستكون
ضئيلة جدّاً في حال افترضنا أنّ فكرة من هذا القبيل قد تمّ طرحها.
أمّا السبب الرابع فهو أنّ غالبية الدول التي كان من الممكن لها أن تستضيف
الأسد مقابل إنهاء الأزمة، عرضت ذلك فعلاً بشكل علني أو سرّي، مباشر أو
عبر تسريبات، وذلك في المراحل الأولى من أزمة النظام، باستثناء روسيا التي
ظلّت تؤكّد أنّ اقتراح قبول موسكو بالأسد لاجئاً هو اقتراح سخيف، حتى نُقل
عن بوتين قوله للمستشارة الألمانية "لماذا لا تأخذونه أنتم"؟!
علي حسين باكر
الجمهورية