إلى
اليساريين والإخوان المسلمين معا :
بقلم
: ابو ياسر السوري
اليساريين والإخوان المسلمين معا :
بقلم
: ابو ياسر السوري
منذ وَعَيْتُ
على الدنيا ، وأنا أسمعُ بالخصومة ما بين اليساريين والإخوان المسلمين ..ولكلٍّ
منهما وجهةٌ هو مُولِّيها . فاليساريون قبلتُهم موسكو وبكين . والإخوانُ قبلتهم
الدول الإسلامية وعلى رأسها السعودية . ثم انتهى الأمر بهذين الفصيلين من المعارضين
إلى التهميش والإقصاء ، وتعرضا معاً إلى مصائر مشتركة ، وظروف متشابهة ..
فعلى صعيد الإقصاء
من البلد ، كانوا شركاء في التهجير والتشريد إلى مختلف الدول والأمصار ، فتوجَّهَ
اليساريون إلى يوغوسلافيا وبلجيكا وبلغاريا والاتحاد السوفييتي وإلى أوربا
وأستراليا .. وشُرِّدَ أغلبُ الإخوانِ المسلمين إلى السعودية وعددٍ من دول الخليج
كقطر والكويت .
وعلى صعيد
الاعتقال والسجن ، زجِّ اليساريون والإخوان معاً في غياهب السجون ، متجاورين في
الزنزانات ، يتقاسمون سياط السجَّان معا ، وشتائم المحقِّق معا ، وكانت تُوجَّهُ
إليهم التُّهم المعدَّة مسبقا ، بما يناسب حال كل من الفريقين . فهذا عميلٌ
لإسرائيل ، وذاك عميلٌ لأمريكا . وهذا رجعي ، وهذا خائن مخرب .
وهكذا ذاق اليساريون
والإخوانُ كلاهما جرَّاءَ معارضتهم للنظام ما ذاقوا ، ولا شك أنَّ في كلٍّ من هذين
الفصيلين مواطنين شرفاء ، لهم سجلٌّ نضاليٌّ مُشرِّف . واللافتُ للنظر أنّ المحنة قد
استطاعت أن تجمَّعَ ما بين المتخاصمين ، فصار خصوم الأمس أصدقاء اليوم ، فها هُمُ اليساريون
يقفون جنباً إلى جنبٍ مع الإخوان المسلمين ، يشتركون في المؤتمرات ، ويتقاسمون
المهامَّ في المجلس الوطني ، ويقفون صفّاً واحدا في مقاومة هذا النظام الفاسد
المجرم المستبد .
وهناك شيء آخر
أحبُّ أن الفِتَ النظر إليه أيضاً ، ألا وهو أن السوريين لم يسلموا من عقوق
أوليائهم . فلا روسيا راعتْ حلفاءها اليساريين ، فكفَّتْ أذاها عن الشعب السوري ،
وساعدته على الخروج من المحنة .. ولا الدولُ الإسلامية ناصرت الإخوان المسلمين ،
ووقفتْ معهم في مواجهة بشار الأسد ، عدو الإسلام والمسلمين .
أليس ما حَدَثَ
لليساريين والإخوانِ من معاناة ، يُحتِّمُ عليهم بعد الآن أن يفكرا في العمل على
وحدة الصفّ ، ويَحمِلَهُمَا على العيش المشترك تحت مظلة وطنية مشتركة ، لا شرقية
ولا غربية . تذوبُ فيها الفوارق ، وتتَّحدُ فيها الأفكار على توافُقٍ يُجمِّعُ ولا
يُفرِّق ، ويؤلِّفُ ولا يُمزِّق .؟؟
أيها اليساريون
، إنَّ روسيا والصين ، يشاركان الأسد في قتل السوريين ، فهذه تدعمُه بالسلاح وتلك
تدعمُه بالمال . وكلتاهما تؤيِّدانِهِ في المحافلِ الدولية ، وتعطِّلانِ كلَّ قرارٍ
يدينه في مجلس الأمن ...وإنهما مُصرَّتان على الإساءة إليكم وإلى كلِّ سوري حتى
آخر قطرة من دماء السوريين .. ولسان حالهما يهتف مع الشبيحة ويقول : ( الأسد أو
نحرق البلد ) .
ويا أيها الإخوان
المسلمون ، لقد تخلَّتْ عنكمُ الدول الإسلامية كلُّها ، وعلى رأسها السعوديةُ
والكويت ، ولم يكن لكم منها سوى الخذلان ، ولو شاءتْ دولُ الخليج وحدها أن تُنهِي
معاناتنا لأنهتها في غضون أسبوع ولا أزيد . ولكنَّ هذه الدول لم تفعلْ ما كان
عليها أن تفعله ، فخَذَلَتْنَا خذلاناً ليس له مثيل ، ولم تُراعِ فينا عروبةً ولا
إسلاما .. حتى دولُ منظمة العالم الإسلامي لم تَقِفْ إلى جانبنا كما ينبغي . مما يُحتِّمُ
علينا أن نستيقظ من الوَهْمِ الذي كنا فيه ، ونبني علاقاتنا بعد اليوم مع بعضنا
كسوريين ، على أساس وطني خالص ، ونغض الطرف عن كل الأيدلوجيات والانتماءات الأخرى
... هذا هو قدرنا اليوم .. فإما أن نعي خطورة الموقف في هذه الفترة العصيبة ، وإما
أن نسمح لدولة الطغيان الأسدي بالاستمرار ، ونرزح تحت قمعها لعشرات السنين .
إنني أُطلِقُ
هذا النداء ، وأقولُ لليساريين من الشيوعيين ، إن الشيوعية قد وعدتكم بفردوسها
الموعود ، وهو وَهْمٌ ليس له وجود . وأقول للإخوان المسلمين إنكم بنيتم علاقاتكم
على أساس الإخاء الإسلامي الموهوم ، فقد رأيتم أنه لا وجود لهذا الإخاء ، ولا أثر
لهذا الانتماء .
لن يخرجنا من
محنتنا كسوريين إلا وحدةُ الصفِّ ، ووحدةُ الكلمة ، ووحدة الهدف . وطرح
الأيدلوجيات الغريبة جانبا ، لأنه ثبت أنها لا تخدمنا كسوريين ، وإنما تخدم مصالح
تلك الدول ، التي كانت النُّخَبُ السورية تدينُ لها بالولاء ... ولذلك ، لا أقول
باعَنَا الجميعُ ، وتخلَّى عنا الجميعُ ... وإنَّما أقول : حارَبَنَا الجميعُ ،
وخذَلَنا الجَميعُ ...
اللهم اجمع كلمتنا على الحق ، وألف بين قلوبنا على الهدى ، واجعلنا
من الراشدين . وانصرنا على القوم الظالمين . يا أرحم الراحمين .
****
من الراشدين . وانصرنا على القوم الظالمين . يا أرحم الراحمين .
****